أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الفكر السوداني: الماركسية احد حلقات تطور الفكر السوداني















المزيد.....



الفكر السوداني: الماركسية احد حلقات تطور الفكر السوداني


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2318 - 2008 / 6 / 20 - 11:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الفكر السوداني :
الماركسية أحد حلقات تطور الفكر السوداني :
ما هو الفكر السوداني ؟
نقصد بالفكر السوداني هنا هو حصيلة تفاعل المؤثرات الفكرية الخارجية ( الديني ، الفكر الإنساني ) بالواقع والموروث الثقافي الفكري المحلى . وحاصل هذا التفاعل هو ما يسمى بالفكر السوداني .
الماركسية كغيرها من المؤثرات الخارجية دخلت السودان بدرجة أقل قبل الحرب العالمية الثانية وبدرجة أكبر بعدها ، وبتفاعل الماركسية مع الواقع السوداني وموروثا ته دخلت في نسيج الفكر السوداني الأصيل والمستقل .
ما هي مكونات الفكر السوداني ؟
معلوم أن مكونات الفكر السوداني تتركب من :
أ – مكون ديني ( الوثنية ،المسيحية ، الإسلام ) ، أي أن السودانيين تطوروا وارتقوا قي معتقداتهم الدينية والروحية من الديانات الوثنية إلى الديانات التوحيدية .
ب – الثقافة الأفريقية ( الزنجية ، النوبية ، البجاوية .. الخ ) .
ج – الثقافة العربية الإسلامية .
د – الفكر الإنساني الحديث والذي تبلور وتكون في أوربا بعد زوال النظم الإقطاعية ، وبعد عصر النهضة ، وبروز المجتمعات الرأسمالية وما تمخض عنها من ثورات سياسية ( الثورة الفرنسية مثلا ) ، وثورات في قوى الإنتاج ( الثورة الصناعية الأولى ) ، وثورات في العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية .. والتي دفعت البشرية إلى مدارج أرقى من التقدم والتطور ونتجت عنها قضايا ومشاكل جديدة . هذا الفكر بدأت تظهر بذوره في السودان منذ غزو نابليون لمصر في أواخر القرن الثامن عشر .. ذلك الغزو الذي هز راكد الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية في مصر وأيقظها من سباتها الطويل بعد حكم المماليك الذي دام اكثر من خمسمائة عام . وقد يسأل سائل ما علاقة مصر بالسودان وبالفكر السوداني ؟ معروف أن من خصوصيات السودان هي علاقته التاريخية والفكرية بمصر ، فمنذ قيام الحضارات السودانية القديمة ( حضارات المجموعات ، كرمة ، نبتة ، مروى ، ممالك النوبة المسيحية ، الممالك الإسلامية : الفونج – الفور – تقلى .. ) ، كان السودان في حالة تفاعل فكرى مع مصر ، ومن خلال بوابة مصر عرف السودانيون حضارات البحر الأبيض المتوسط ( يونان ، رومان ) ، والحضارات الفارسية والهندية والآشورية والإسلامية ، وتفاعلوا معها أخذا وعطاءا ، ومن بوابة مصر أيضا دخلت المسيحية السودان ، كما دخل الإسلام ، كما دخلت التيارات الفكرية الحديثة إضافة للمداخل والمؤثرات من البلدان الأخرى غير مصر .. فالعلاقة بين مصر والسودان دائما كانت علاقة خاصة ، ولكنها لم تكن علاقة تبعية فكرية أو ثقافية .. ذلك أن الاستقلال الفكري والثقافي والحضاري للسودانيين برز من خلال ثلاث عناصر : -
أ – استقلال ثقافي : والذي بدأ من خلال استنباط أبجدية للغة المروية واللغة النوبية .
ب – استقلال ديني : ويعد الإله أبا دماك رمزا لهذا الاستقلال ، وارتباط مفهوم الدفاع عن الوطن بالدفاع عن العقيدة .. ومن مواقع الدفاع عن العقيدة والاستقلال الديني صد السودانيون الغزاة وطردوهم من أجل البلاد .. هذا إضافة لخصوصيات الإسلام والمسيحية وتفاعلها مع الموروثات المحلية وما نتج عنهما من مسيحية سودانية واسلام سوداني متميز .
ج – استقلال حضاري : ذلك أن الحضارات التي أقامها السودانيون .. رغم تأثرها بالوافد من مصر .. إلا أنها كانت حضارات متميزة ومستقلة ( كرمة ، نبتة ، مروى ، النوبة المسيحية ، الممالك الإسلامية ) .
من مواقع الدفاع عن الوطنية السودانية صد النوبة حملات المسلمين في القرن السابع وفشل المسلمون في فتح بلاد النوبة وإخضاعها عسكريا مما أدى في النهاية إلى ما عرف في التاريخ باتفاقية البقط التي استمرت لاكثر من ستمائة عام . وبتغير الأوضاع في بلاد المسلمين وتولى سلالات غير عربية للحكم في بلاد الشام وفارس ومصر والمغرب .. ازدادت هجرة العرب للسودان طلبا للكلأ والماء والتجارة وفرارا من الاضطهاد السياسي في عهد الدولة العباسية والدولة الفاطمية .. وكانت الهجرة من ثلاث مداخل : 1 – مصر 2 – عن طريق البحر الأحمر 3 – عن طريق المغرب العربي .. وحدث تفاعل بين العرب الذين استقروا في جنوب مصر ( أرض المريس ) والنوبة .. وحدثت المصاهرة والاندماج الثقافي ، ومن خلال ذلك انتشر الإسلام سلميا .. هذا إضافة إلى غزو المماليك المتكرر لبلاد النوبة المسيحية وتدخلهم في شئونها في أيامها الأخيرة .. كما لعبت الطرق الصوفية دورا كبيرا في نشر الإسلام .. وتوسيع نفوذ المسلمين في مملكة المقرة المسيحية حتى تولى أول حاكم عربي مسلم لملكها ( عبد الله بر شمبو 1317 ه ) .
وفي مملكة علوة المسيحية ( سوبا ) كان المسلمون متواجدين قبل زمن طويل ، وانتشرت القبائل العربية في سهول ومروج أرض علوة وخاصة أرض الجزيرة .. وبمرور الزمن سقطت مملكة علوة في يد العرب المسلمين ( تحالف أنصار عبد الله جماع ) وبعد ذلك قام الحلف الفونجي العبدلابي ، والذي أدي لقيام مملكة الفونج ( السلطنة الزرقاء : 1504 – 1821 ) ، أما في غرب السودان فقد قامت مملكة الفور الإسلامية إضافة لممالك المسبعات وتقلي .
هكذا انتشر الإسلام ، واستقر في السودان واصبح من المكونات والروافد الأساسية للفكر السوداني . وبتفاعل الإسلام مع الموروث المحلي نتج ما يسمى بالإسلام السوداني المتميز .
وبعد ذلك حدث الغزو التركي للسودان في عام 1821 م على يد محمد على باشا ، والذي أصبح واليا لمصر بعد فشل حملة نابليون ، وكان متأثرا بتطور الغرب الحضاري ، وكان مصمما على بناء دولة عصرية في مصر ، وكان في حاجة إلى الرقيق والمال لتحقيق تلك الأحلام والطموحات .. وعندما غزا محمد على باشا السودان كانت مملكة الفونج في حالة تفكك شامل ، وفي حالة عزلة كاملة عن العالم . وكانت معركة كورتي التي هزم فيها الشايقية نتيجة للتفوق بالأسلحة النارية ، وهزيمة انتفاضة الجعليين والمقاومات الأخرى .. وكان ذلك بمثابة الشرارة التي ربطت السودان بالعالم . وباحتلال الأتراك للسودان أصبح السودان دولة تابعة .. وارتبط بالسوق الرأسمالي العالمي ( من خلال التجار الأجانب ) ، ومن خلال تصدير سلعتي الصمغ والعاج بواسطة مصر إلى أوربا . ودخلت البلاد النظم الجديدة في الحكم والإدارة والتي تكونت في الإمبراطورية العثمانية . كما طور الأتراك الزراعة ( إدخال محاصيل نقدية جديدة ، وسائل حديثة للري ) – توسيع زراعة القطن والنيلة ، إدخال السواقي المصرية الكبيرة بدل ( السودانية الصغيرة ) ، وإرسال بعثات من السودانيين لمصر وأوربا للتعليم علي فنون الزراعة والهندسة ، كما دخلت البواخر النهرية وقامت مصلحة الوابورات أو مصلحة النقل النهري ، والمواني النهرية في كوستي وكريمة وغيرهما . كما ادخل التلغراف والمطبعة والتعليم المدني الحديث وانتشر التعليم التبشيري في شمال وجنوب السودان – بدرجة اكبر . وانتشرت صناعات مثل : صناعة الحلج والغزل وصناعة الصابون والبارود ... الخ . وبرز السودان بحدوده المعلومة بعد أن تم ضم مديرية دار فور ( 1875 ) ، وتم ضم مديريات الجنوب ( الاستوائية ، بحر الغزال ، أعالي النيل ) ، كما تم ضم مديرية التاكا وميناء سواكن للسودان . بهذا الشكل ظهر سودان اليوم بحدوده المعلومة تقريبا في فترة الحكم التركي . وتطورت طرق صوفية جديدة نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في البلاد مثل الطريقة الختمية .
وهذه الإصلاحات التي أدخلها محمد على وخلفاؤه من بعده ، كان يهدف منها إلي زيادة الإنتاجية لتحقيق أهدافه في بناء دولة عصرية في مصر . كما ارتبطت بنظام ضرائبي لم يعرفه السودان من قبل ، إضافة للوسائل الوحشية التي كانت تجبي بها هذه الضرائب . كل ذلك لامتصاص واستنزاف قدرات الشعب السوداني . وبهذا المعني أصبح السودان دولة تابعة وارتبط بالسوق الرأسمالي العالمي من خلال تصدير الصمغ والعاج إلى أوربا عن طريق مصر .
ونظام محمد على نفسه بعد فترة اصبح تابعا لإنجلترا بعد أن تم إغراقه في ديون أدت في النهاية إلى احتلال مصر بعد فشل ثورة عرابي عام 1882 بواسطة القوات البريطانية . إي يمكن القول أن السودان اصبح تابعا لدولة هي نفسها تابعة للنظام الرأسمالي العالمي . أي أن تبعية السودان كانت مركبة ، وهذه التبعية المركبة نتج عنها نظام سياسي وحشي دمر واستنزف قدرات السودان الاقتصادية والبشرية وفرض ضرائب باهظة علي المزارعين والتجار والرعاة والحرفيين ، كانت من الفظاعة مما أدت إلى هجر المزارعين لسواقيهم وأراضيهم وتجميد التجارة والنشاط الاقتصادي . وكان من نتائج ذلك وعوامل أخري اندلاع الثورة المهدية . وبعد انتصار الثورة المهدية ، قامت دولة المهدية في السودان ، كامتداد للدويلات السودانية المستقلة ، وتم التخلص من الحكم الأجنبي ، وقامت دولة دينية في السودان على أساس الأيدلوجية المهدية . وكان من نتائج ذلك أن تم إلغاء التعليم المدني الحديث ، واغلقت المدارس التبشيرية وتم الاكتفاء بالخلاوى ، وتم إلغاء تعددية الطرق الصوفية ، بل حتى المذاهب الأربعة . أي أن الأيديولوجية المهدية – في جانب منها – كانت أيدلوجية عزلة عن النظام المدني الحديث والفكر الحديث ، ولكن من جانب آخر ، كانت تلك الأيديولوجية نتاج الواقع السوداني في تلك الفترة . ورغم أن جذور فكرة المهدي عميقة في التراث الإسلامي الصوفي وتراث الشيعة ( مؤلفات ابن عربي ، السهر وردي ) ، إلا أن الفكر المهدوى في السودان كان نتاج الواقع السوداني والبيئة السودانية في تلك الفترة ، وكان حصيلة تفاعل التراث الصوفي مع الواقع السوداني . كما عبرت تلك الأيديولوجية في تلك اللحظة عن الحاجة للتخلص من الحكم الأجنبي ، وبهذا المعني كانت تعبيرا عن الوطنية والقومية السودانية في سياقها التاريخي .
إذن ، يمكن القول – في السياق التاريخي – إن الأيديولوجية المهدية كانت فكرا أصيلا ومستقلا . كان – ولازال – مكونا هاما من مكونات الفكر السوداني والتراث السوداني الثقافي والروحي .
• وبهزيمة الدولة المهدية في عام 1898 م على يد القوات الإنجليزية – المصرية أصبح السودان مرة أخرى تابعا لبريطانيا ، وارتبط بالسوق الرأسمالي العالمي ، من خلال تصدير سلعة القطن . ودخلت النظم الحديثة السودان .. بشكل أوسع واكبر هذه المرة .. من فترة الاستعمار التركي . وكان الاستعمار البريطاني يهدف إلى تحويل البلاد إلى مزرعة قطن كبيرة .. لضمان انسيابه لمصانع الغزل والنسيج في لانكشير وبدون انقطاع . ولضمان ذلك قام مشروع الجزيرة ، ومشاريع القطن الأخرى . وقامت شبكة الخطوط الحديدية ، وقامت ميناء بور تسودان ، ونشأ التعليم المدني الحديث بهدف خدمة مصالح الإدارة البريطانية لمدها بمستخدمين لتسيير دولاب الدولة ( كتبة ، فنيين ، عمال مهرة ) ، كما ظهرت الصحافة ، ونشأت نتيجة لذلك طبقات وقوى اجتماعية جديدة : عمال ، خريجون ، رجال أعمال ، رجال إدارة أهلية ، إقطاع وشبه إقطاع ، قيادات دينية .. واتسع دور ونفوذ الطائفية ( ختمية ، أنصار ، هندية .. ) .
وتطور الفكر السوداني بدخول الفكر الغربي الحديث بشكل أوسع وتفاعلت المؤثرات العربية الإسلامية مع الفكر الغربي . كما تفاعل السودانيون مع حركات التحرر الوطني في العالم ( مصر ، الهند .. ) . وقامت التنظيمات السياسية الحديثة ( جمعية الاتحاد السوداني ، جمعية اللواء الأبيض ) بعد فشل المقاومة القبلية والدينية السابقة في بداية القرن العشرين .
ودخلت التيارات الفكرية الحديثة السودان بشكل أوسع .. وكان من ضمنها الفكر الماركسي والاشتراكي والفكر السياسي الغربي الليبرالي ، والفكر الفاشي ، كما دخلت أفكار الأخوان المسلمين السودان في الأربعينيات كامتداد لأفكار حسن البناء في مصر .. والتي تأثرت بالفكر الفاشي الغربي والناري .. واتخذت في مصر شكلا محددا ارتبط بالدعوة للحكم الإسلامي .. ومصادرة نشاط الأحزاب السياسية الأخرى . ومحاربة الفكر المدني الحديث .. أو تحجيمه . وفي السودان عبر فكر الأخوان المسلمين عن الفاشية كما تبلورت وتطورت في السودان وبتأثير من فكر الأخوان المسلمين في مصر .
هكذا نجد أن التيارات الفكرية المتعددة : الغربية ، الماركسية ، الليبرالية ، الفاشية ، دخلت السودان وعبرت عن نفسها بهذا القدر أو ذاك في تفاعل مع الواقع السوداني .
وعندما دخلت الماركسية السودان كان قد سبقها تطور في مختلف ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلاد . وقامت نظم إدارة حديثة ، وتعليم مدني حديث ، وتطورات اقتصادية ( مشروع الجزيرة ، السكك الحديدية ، النقل النهري ، الصحافة ، الطباعة ) ، وتنظيمات سياسية جديدة بعد أن فشلت المقاومة القبلية والدينية الأولي لللانجليز ( قبائل جنوب السودان وجنوب كردفان ووسط السودان ) ، وهزيمة السلطان على دينار في دار فور عام 1916 م .
قامت تنظيمات الاتحاد السوداني واللواء الأبيض ، التي قامت على أسس وطنية وسياسية ، تبلورت قضايا السياسة السودانية المعاصرة بشعاراتها : وحدة وادي النيل ، وشعارات السودان للسودانيين ، وغير ذلك – خلال ثورة 1924 م . كما قامت الجمعيات الأدبية والثقافية بعد ثورة 1924 .. ونشأت الصحافة الوطنية ( النهضة السودانية ، الفجر .. الخ ) . وقامت الأندية الثقافية والرياضية والمهنية ( أندية الخريجين ، أندية العمال ، الأندية الرياضية .. الخ ) ، وقام مؤتمر الخريجين .
كانت الحياة الثقافية والفكرية ناشطة . وظهرت تيارات مثل تيار سودنة الأدب السوداني .. حمزة الملك طمبل ودعوته إلى شعر سوداني أصيل بدلا من النقل الأعمى لتجارب الآخرين ، وكتاباته المشهورة حول الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه . كما ظهرت كتابات محمد أحمد المحجوب التي أهمها الحركة الفكرية في السودان إلى أين تتجه ؟ . وقبل ذلك كان خليل فرح قد طور الأغنية السودانية ، كما وضع أساس الموسيقي السودانية . وكان عرفات محمد عبد الله وزملاؤه ، قد أرسوا قواعد الصحافة الوطنية وأرسوا قواعد الحركة المسرحية السودانية .
وظهرت كتابات حول الاشتراكية ، ونظرية التطور ، وكتابات فلسفية ، وكتابات تدعوا إلى تكوين مدرسة تاريخية سودانية علي صفحات مجلة النهضة السودانية والفجر ، هذا إضافة إلى تيارات التحديث والتجديد في الشعر والنثر العربي ، كما ظهرت دعوات تعليم المرأة وخروجها للعمل .. الخ .
استنادا إلى هذه الخلفية نشأت الحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1946 م ، وفي خضم النهوض الوطني والجماهيري بعد الحرب العالمية الثانية . ومن خلال نهوض ومظاهرات الطلاب في عام 1946 م ، نشأت تنظيمات الحزب وسط الطلبة ، ومن خلال نهوض وانتفاضة عمال السكة الحديد في عطبرة من أجل تنظيمهم النقابي ( هيئة شئون العمال ) نشأت تنظيمات الحزب الشيوعي في عطبرة . وخلال نهوض الحركة الوطنية ومركزها في العاصمة ( نادي الخريجين ، الصحافة الوطنية ، أندية العمال ) نشأت منظمات الحزب في العاصمة . ومن خلال نهوض مزارعي الجزيرة في النصف الأول من الأربعينيات ( بعد معركة بدل الاحتياطي ) وبعد ذلك في معاركهم من أجل قيام اتحادات المزارعين في بداية الخمسينيات ، قامت تنظيمات الحزب في الجزيرة .. أي أن الحزب نشأ في ارتباط بالنضال الجماهيري الذي كان متصاعدا آنذاك .
2 – تطور التنظيم في السودان :
يمكن تقسيم أشكال التنظيم التي تبلورت وتطورت في الفترات التاريخية المختلفة للسودان كالآتي : -
أ – التنظيم القبلي
ب – التنظيم الديني ( طائفي ، صوفي ، ... )
ج - التنظيم السياسي الحديث ( الأحزاب السياسية ) .
د _ التنظيمات النقابية والفئوية والتطوعية ( اتحادات ، نقابات ، أندية ، جمعيات خيرية واصلاحية ، تعاونيات ، ... ) .
أي أن الحياة السياسية والاجتماعية تطورت وشهدت مع هذا التطور الأشكال التنظيمية التي تتلاءم مع كل فترة . وهذا التقسيم يعكس مراحل تطور لا أكثر .. ذلك أن هذه الأشكال يمكن أن تتواجد حاليا في المجتمع السوداني .. فنجد التنظيم القبلي ، والتنظيم الديني ، مع الأحزاب السياسية والتنظيمات الفئوية . ولكن التقسيم يعرض توضيح التسلسل والتطور في التنظيم والفكر التنظيمي في السودان ، وهذا يدل على أن السودانيين عرفوا كل الأشكال التنظيمية والدينية والمدنية التي مرت بها كل بلدان العالم المتحضر مثلما عرفوا الأديان الوثنية والمسيحية والإسلام .. وعرفوا الأفكار السياسية والاقتصادية والثقافية المختلفة ، أي نتاج الفكر الإنساني الحديث .. بحكم ارتباطهم بالعالم وتفاعلهم سلبا وإيجابا مع هذه الأفكار .. أي أن السودانيين عرفوا الفكر الإنساني بمدارسه المختلفة . أ – التنظيم القبلي :
هو الشكل البدائي للتنظيم الذي كان معروفا في السودان ، وأساس هذا التنظيم هو زعيم القبيلة والذي كان غالبا ما تكون سلطته وراثية ، وله نفوذه السياسي والاجتماعي والاقتصادي في القبيلة .. كما أن طاعته ملزمة لبقية أفراد القبيلة .. ويمتلك النفوذ المادي والروحي الذي يجعله يفرض مشيئته على رعاياه ، فإذا كانت القبيلة رعوية فشيخ القبيلة هو الذي ينظم توزيع المراعي والمراحيل .. ويحددها .. للبطون المختلفة للقبيلة . وإذا كانت زراعية فهو الذي يوزع الأرض ويكون له نصيب معلوم في خراجها . كما أن نفوذه الاقتصادي يتمثل في امتلاكه لأكبر عدد ممكن من قطعان الجمال أو الماشية أو الضأن ، ويتزوج أكبر عدد من النساء . وفي القبائل الزراعية تكون له قطعة أرض يعمل فيها أفراد القبيلة بالتطوع .. ويتصدي لمشاكل أفراد القبيلة اليومية ويحلها اعتمادا على العرف والقوانين المحلية .
كان النظام القبلي في ذروته قبل وبعد مملكة الفونج والفور . وفي مملكة الفونج نشأ الاتحاد القبلي ( الفونجي – العبدلابي ) لأسباب منها حماية أمن تجارة القوافل التي ازدهرت أيام الفونج ، وكانت تجارة القوافل من خلال طرق معلومة .. إلى خارج السودان من مصر وبلاد الحجاز والهند . وتطور اقتصاد السلعة - النقد أيام الفونج .. وظهر التعامل النقدي ، كما ظهرت الأسواق والمدن التجارية الكبرى مثل سنار ، شندي ، بربر ، سواكن ، .. الخ . وكان ذلك من العوامل التي أدت إلى ظهور علاقات وتنظيمات أرقي من تنظيم تنظيمات القبيلة . وأصبح شكل القبيلة ، رغم أنه كان طاغيا ، لا يتلاءم مع التطورات الاقتصادية خاصة بعد ظهور أنظمة جديدة لملكية الأرض الزراعية والرعوية .. وتمليك سلطان الفونج أو الفور الأرض لرعاياه بحجج معلومة وبشروط معينة . وهكذا بدأ الناس يتعاملون مع سلطة أوسع من سلة زعيم القبيلة ، وأصبحت سلطة القبيلة محصورة في الشئون المحلية ، ولكن هذه القبائل لها ارتباطاتها وعلاقاتها ومنافعها الاقتصادية مع القبائل الأخرى . وبدأت الشريعة الإسلامية تحل محل العرف .. ( نظم الميراث وفقا للمذهب المالكي .. الأحوال الشخصية ) ، وأصبحت اللغة العربية لغة المكاتبات والتمليك ولغة المخاطبة باللهجات المحلية أيام الفونج .
وهكذا أصبح النظام القبلي لا يتناسب مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت .
ب - التنظيم الصوفي :
قبل وبعد أيام الفونج ازدهرت التنظيمات الدينية الصوفية والتي كانت أرقي وأكثر تطورا من التنظيمات القبلية . وكانت تعبر عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأ يشهدها السودان في العهد السناري وعهد الفور . والتنظيم الصوفي بحكم أساسه الديني وفقا للطريقة المعينة أو الطائفة المعينة يضم أفراد من عدة قبائل ، وبالتالي يجسد شكلا أوسع وأرقي من التنظيم القبلي . فبعد أن كانت لكل قبيلة في شمال السودان شلوخها المعينة التي تميزها عن القبيلة لأخرى ، اصبح لكل طريقة صوفية شلوخها المعينة . وكان هذا تعبيرا عن أن المجتمع السوداني كان سائرا في شكل جنيني نحو الانصهار القومي . ولقد لعبت التجارة والتطورات الاقتصادية وتطور نظام السلعة - النقد وظهور الأسواق والمدن دورا كبيرا في ذلك . وكان ذلك هو الشكل الملائم .
والتنظيمات الصوفية نشأت مستقلة عن دولة الفونج ، وكان لزعماء الطرق الصوفية أو الدينية نفوذ كبير وسط السودانيين والحكام . كما لعبت دورا كبيرا في نشر الثقافة العربية – الإسلامية وتعليم اللغة العربية من خلال نظام الخلاوي الذي انتشر في ربوع مملكة سنار ومملكة الفور ومملكة تقلى .
والتنظيم الصوفي يقوم على أساس الشيخ والمريد .. ومحور التنظيم هو الشيخ الذي يدور حوله التنظيم . وعلاقة المريد مع الشيخ تقوم على الطاعة المطلقة ، وكما هو الحال بالنسبة لأغلب القبائل ، فإن المشيخة في التنظيم تكون بالوراثة . وهذه هي طبيعة العلاقة في التنظيمات الصوفية أو الطائفية التي يمتلك الشيخ أو زعيم الطائفة في يده مفاتيح كل شئ في الطريقة ، ويعاونه خلفاء يعينهم الشيخ أو الزعيم أو يعطيهم الراية في قبائلهم أو مناطقهم .
وكان مكوك الفونج والفور يمنحون شيوخ الطرق الصوفية اقطاعات معينة من الأرض معفية من الخراج ، ويعمل فيها المريدون أو الحيران الذين يدرسون في الخلاوي مقابل بركات ودعوات الشيخ . وكان بعض الشيوخ أصحاب غنى وثروة ، وبالتالي – ازداد نفوذ بعض زعماء الطرق الصوفية ، فجمعوا بين السلطة الروحية والنفوذ الاقتصادي من خلال الأراضي وقطعان الماشية والجمال والضأن والثروات الضخمة التي كانوا يملكونها . هذا إضافة إلى الهدايا و ( الزكاة ) التي كان يلقاها الشيوخ من المريدين في شكل نقدي أو عيني : ذرة ، أرض زراعية ، ماشية ، بلح ، عبيد ، ... الخ . ومن الطرق الصوفية التي كان لها تأثير في مشيخة العبدلاب هي الطريقة القادرية .
هكذا تطور التنظيم السياسي في السودان في تلك الفترة ، متخذا شكل الطريقة الصوفية . وكان كشكل من الأشكال أرقي من تنظيم القبيلة . وكان تعبيرا عن التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي بدأ يشهدها السودان أيام الفونج والفور .
ولكن النظام الإقطاعي أيام الفونج لم يعد الشكل الملائم لتطور الطبقة أو الفئات التجارية التي توسعت وازدادت ثروتها ودخلت في تناقض مع السلطان الذي كان يحتكر تجارة الرقيق والذهب ، وبدأ يشكل عقبة أمام تطور التجارة بجانب تقلبات العملة والنقد الذي كان يتحكم فيه السلطان . كل ذلك بدأ يؤدي إلى صراع بين السلطان والتجار .. إضافة إلى تفكك دولة الفونج في أيامها الأخيرة .. واشتدت الصدامات القبلية مما عرقل التجارة مع الخارج .. هذا إضافة . لتطور الحياة الاقتصادية .. وظهرت المدن والأسواق والنقد . وما عاد النظام الإقطاعي هو الملائم .. لاستيعاب التطورات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة . كما بدأت تظهر طرق صوفية جديدة مثل الختمية .
ولكن التطور والصراع لم يأخذ مساره الطبيعي ، بل تم دخول عامل خارجي دفع بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية إلى وضع جديد .. رغم العملية القسرية التي تمت بها .. فكان احتلال الأتراك للسودان .. وتوحيد السودان في وحدات إدارية جديدة – بعد ضم مديريات دار فور والجنوب .. وهكذا ظهر السودان بحدوده الحالية والتي هي أوسع من الحدود السابقة . وبدأت القبائل والطرق الصوفية تنصهر وتتطور بدرجة اكبر في ظروف وأوضاع جديدة نتيجة للحروب والضرائب التي فرت منها أغلب قبائل الشمال إلى مناطق أخرى في السودان ، إضافة للتهجير القسري .. وظهور المدن والأسواق .. وتطور التجارة .. وظهور أشكال اقتصادية جديدة ، أدت إلى ظهور طوائف جديدة كبيرة وعريضة تعبر عن الفترة الجديدة . وهكذا ازدهرت طريقة الختمية وتوسع نفوذها في شرق السودان ووسط السودان وشمال كردفان . وكان هذا تعبيرا عن تنظيم أكبر وأرقي من التنظيمات الصوفية السابقة الصغيرة . وكانت ملائمة للظروف الجديدة . ورغم أن الطرق الصوفية الأخرى كان لها وجودها ونفوذها إلا أن نفوذ الختمية كان كبيرا بحكم ارتباطها بشكل من الأشكال بجهاز الدولة التركي . وأصبح نفوذ الختمية الاقتصادي كبيرا : ملكية الأراضي والجنائن في الشمالية وشرق السودان ، إضافة لعمل السخرة في أراضي زعماء الطريقة والخلفاء . إضافة للزكاة .. والهدايا – التي كانت تصلهم من المريدين – بهذا الشكل توسع نفوذ الختمية الاقتصادي والروحي أيام الحكم التركي .
ولكن تناقضات الحكم التركي وصلت إلى قمتها ، وما عادت الحياة تطاق في ظل الحكم التركي .. وتوفرت عوامل موضوعية وذاتية .. أدت إلى انفجار ونجاح الثورة المهدية .. وكانت أيديولوجية المهدية هي أيديولوجية الثورة .
والثورة المهدية كانت خطوة أرقي في توحيد قبائل السودان في شماله وجنوبه ضد الاستعمار التركي .. وكانت خطوة في طريق الانصهار القومي . ورغم أن الأيديولوجية التي تم التعبير بها عن الثورة انبثقت من واقع الناس .. ومن المؤسسات والطرق الصوفية التي كانت منتشرة آنذاك .. وبالتالي كانت أيديولوجية دينية ، رغم أننا نجد أن القومية أو الوطنية السودانية عبرت عن نفسها بذاك الشكل الديني .. والذي كان تعبيرا عن واقع الناس يومئذ ، النقطة المتصلة بموضوعنا أن المهدي حاول إنشاء طريقة جديدة توحد شتات كل الطرق الصوفية ، مستندا إلى أن المهدية هي خاتمة المطاف ، ولذلك الغي المهدى الطرق الصوفية .. ووضع نفسه بديلا لكل الشيوخ .. بل الغي حتى المذاهب الأربعة . وأصبحت المهدية هي المصدر الوحيد لتعاليم الدين والإيمان ، بل ارتبط الإيمان الديني بالمهدي . واعتبر الخروج عن المهدية كفرا .
كان التعبير - رغم أنه كان قسريا – عن محاولة لخلق انصهار قومي وطني جديد – رغم شكله الديني – ونجاح الثورة في أيامها الأولي – وتوحيدها لقبائل شمال وجنوب السودان .. فنجد مثلا قبائل مثل الدينكا والشلك تتجاوب مع الثورة المهدية .. ما الذي يجمع بين قبائل الجنوب الزنجية وقبائل الشمال ، أن لم تكن الوطنية أو القومية السودانية التي حاولت أن تعبر عن نفسها في مقاومة الحكم الأجنبي أو الحكم التركي ؟ .
وبالتالي حاول المهدي إيجاد طريقة أشمل وأوسع لصهر قبائل السودان – رغم عدم واقعية ذلك الطرح – فالناس لا تتخلى عن طرقها الصوفية أو انتماءاتها السابقة بسهولة .. ولا بالقسر .. يتم الدمج والانصهار .. ولكن يتم بوسائل طبيعية سلمية – اقتصادية وسياسية واجتماعية . كانت رغبة ولكنها كانت خطوة هامة في تطور القومية السودانية . وما حدث خلال فترة الكفاح المسلح أيام المهدية الأولي .. وخلال فترة الخليفة عبد الله .. من تهجير لقبائل كاملة – بطريقة قسرية إلى أم درمان ووسط السودان .. وتكوين جيش نظامي قومي من قبائل مختلفة .. الخ ، كل ذلك اسهم في صهر ودمج النظام القبلي .. وإن كان شكله قسريا .. وفترة المهدية فتحت الطريق أمام تطورات جديدة أرقي في التنظيم السياسي .
وجاء الاحتلال الإنجليزي – المصري للسودان 1898 ليتم اندماج السودان من جديد بالسوق الرأسمالي العالمي .. وبالتيارات الفكرية والسياسية والثقافية والعلمية .. وبعد أن انفصل عنها واستقل لمدة ثلاثة عشر عاما هي عمر الثورة المهدية .
وبدأت المقاومة الدينية والقبلية الأولي للحكم الثنائي والتي استمرت حتى أواخر العشرينيات من هذا القرن . وتمكن الاستعمار الإنجليزي من القضاء على تلك المقاومة .. وتطورت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. وظهرت مؤسسات التعليم الحديث .. وقامت السكك الحديدية وميناء بور تسودان .. وظهرت المدن والأسواق .. وانتشر التعامل النقدي ( الجنية المصري ) بشكل أوسع .. وارتبطت أطراف السودان .. وازدهرت تجارة القطن والماشية والصمغ .. ونشأت المدن وتطورت . ومن جديد بدأت تنصهر القبائل بشكل أوسع ، وازدادت الهجرة من الأرياف إلى المدن .
وهكذا تطورت الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ونشأت طبقات جديدة ، عمال ، عمال زراعيين ، متعلمين ، تجار ، .. الخ . وظهرت طائفتا الختمية والأنصار في شكل جديد .. وتطورت الطائفتان في تعاون واحتكاك مع الحكم الجديد . وعدلت طائفة الأنصار من شكلها بقيادة السيد عبد الرحمن المهدى ، وسلكت تحت قيادته طرقا مرنة .. تم بها تجميع طائفة الأنصار .. وزاد نفوذها الاقتصادي نتيجة للمشاريع الزراعية التي امتلكها – بمساعدة الإدارة البريطانية – في الجزيرة أبا ومشاريع النيل الأبيض .. ومن دخلها أقام مصانع وامتلك عقارات ، ونشطت طائفة الأنصار بعد تجميعها ولعبت دورا بارزا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال فترة الحكم الثنائي . كما برزت طائفة الختمية بعد حلها أيام المهدية .. وظهر نفوذها – وزعامتها .. السيد على الميرغني – الاقتصادي : أراضي زراعية وجنائن في الشمالية ، وشمال الخرطوم بحري وكسلا ، أملاك ، عقارات – وهدايا وزكاة تصله من المريدين . وتطورت طائفة الختمية وتلاءمت مع الظروف الجديدة وأصبحت من المؤسسات الدينية الهامة في البلاد . هذا إضافة للطرق الدينية والصوفية الأخرى في البلاد مثل الطريقة الهندية وغيرها . ولكن الطائفية كغيرها من المؤسسات الدينية الأخرى تجدد نفسها .. وتتكيف مع التطورات الجديدة .. السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن داخلها يمكن أن يصدر التجديد . وهكذا ربطت الطائفية نفسها بالمؤسسات المدنية الحديثة .. ونجحت في جذب بعض الخريجين إليها – وانعكس التنافس بين الختمية والأنصار على انتخابات لجنة نادي الخريجين ، وفي مؤتمر الخريجين – ارتبط الختمية بشعار الاتحاد مع مصر والذي ترجع جذوره منذ ارتباط الختمية بمصر خلال فترة الحكم التركي وخلال فترة المهدية – وكذلك ارتبط الأنصار بشعار السودان للسودانيين ، والذي ترجع جذوره إلى الثورة المهدية ضد الحكم الأجنبي .. والنزعة الاستقلالية .
وهكذا كانت طائفة الختمية القاعدة للأحزاب الاتحادية – التي تحالفت معها .. وبرز حزب الأمة .. والذي شكلت طائفة الأنصار قاعدته .. أي ظهر شكل سياسي ارقي للتنظيم .. الأحزاب السياسية – بعد الحرب العالمية الثانية .
وقبل ذلك ونتيجة للتطورات الحديثة في السودان ، وبعد فشل المقاومة الدينية والقبلية ظهرت تنظيمات سياسية جديدة – على أسس سياسية ، مثل جمعية الاتحاد السوداني ، وجمعية اللواء الأبيض .. التي قادت ثورة 1924 .. ومعارضة لزعماء الطوائف ورجال الإدارة الأهلية وكبار الموظفين الذين تعاونوا مع الحكم الإنجليزي .. أثناء ثورة 1924 .. ومن التنظيمات الحديثة أيضا مؤتمر الخريجين .. والأحزاب السياسية التي تفرعت منه بعد الحرب العالمية الثانية : الأمة ، الاتحادية ، كما ظهرت تنظيمات سياسية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية مثل الحزب الشيوعي .. الأخوان المسلمين .. الحزب الجمهوري ... الخ . وظهرت النقابات واتحادات العمال والطلاب والمهنيين والمزارعين والشباب والنساء .
وهكذا تطور التنظيم السياسي والمهني في السودان من أشكال بدائية وقبلية وصوفية دينية إلى تنظيمات سياسية ومهنية جديدة .. وإن كان هناك تداخل ، ولا يمكن الفصل بين هذه الأشكال – في السودان – للتفاوت والتباين في تطور السودانيين في مختلف النواحي .
وفي صراع الإدارة البريطانية مع الحركة الوطنية استندت إلى الموروثات القديمة والبالية التي ما عادت تتمشى مع التطورات الجديدة .. وما عادت تنسجم مع إيقاعات الحياة الجديدة – لمحاربة الحركة الوطنية – وحركة الخريجين والوعي الجديد – ونجدها حاولت تكريس الانقسامات القبلية والطائفية والعرقية ، ونجد أنها حاولت إحياء النظام القبلي الذي بدأ يتخلخل نتيجة للتطورات الحديثة – وحاولت عزل قبائل الشمال عن قبائل الجنوب ، وبالتالي تجميد الانصهار والتفاعل الطبيعي بين الشمال والجنوب ، وحاربت الإدارة البريطانية التنظيمات السياسية الحديثة من خلال قانون الجمعيات غير المشروعة بعد فشل ثورة 1924 م .
وهكذا عرقلت الإدارة البريطانية التنظيم السياسي والاجتماعي والفئوي الحديث .. ولكن الحياة فرضت نفسها وتطور التنظيم السياسي الحديث وانتزع السودانيون حقهم في التنظيم ، السياسي والحزبي والنقابي بعد النهوض الواسع للحركة الوطنية والجماهيرية بعد الحرب العالمية الثانية .
هكذا تطور التنظيم السياسي والفكر التنظيمي في السودان .. وتميز بتنوعه وتراثه الغني والزاخر .
ان





#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكري الثانية لرحيل البروفيسور محمد ابراهيم ابوسليم
- حول مستقبل الحزب الشيوعي السوداني
- ماهي طبيعة وحقيقة اتفاق التراضي الوطني؟
- الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني (3)( الحلقة الثالثة ...
- الشمال والجنوب واحتمالات تجدد الحرب ومستقبل الاوضاع في دارفو ...
- ابيي ولعنة النفط: هل سيجد الاتفاق الاخير حول ابيي طريقه للتن ...
- نقاط حول تجديد برنامج الحزب الشيوعي السوداني
- جذور الفكر الماركسي والاشتراكي في السودان
- كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم وا ...
- المفهوم المادي للتاريخ:محاولة لتوسيع مدي المفهوم
- حول اسم الحزب
- اتفاقية نيفاشا ومستقبل الشراكة
- المتغيرات في الاوضاع المحلية والعالمية بعد المؤتمر الرابع لل ...
- الماركسية وقضايا المناطق المهمشة في السودان
- الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لنشأة وتطور سكك حديد ...
- حول قرار عبد الواحد بفتح مكتب لحركته داخل اسرائيل
- الرحلة من موسكو الي منسك
- حول تجربة مشاركة التجمع في السلطة التشريعية والتنفيذية
- وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005م: التناقض بين ال ...
- ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(3)


المزيد.....




- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الفكر السوداني: الماركسية احد حلقات تطور الفكر السوداني