أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الكيلاني - يا زمان الشعر... في أسيوط














المزيد.....

يا زمان الشعر... في أسيوط


خالد الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2311 - 2008 / 6 / 13 - 09:49
المحور: الادب والفن
    



في عام 1979 كانت بداية النهاية لعصر أنور السادات، كان قد فرغ لتوه من كامب ديفيد، وتفرغ للتنكيل بمعارضيه، هامش الحرية الصغير تم التراجع عنه، السجون فتحت أبوابها ليساريين من كل لون بتلفيق قضايا سياسية يحبسون على ذمتها لعدة شهور دون أن تحال قضية واحدة للمحكمة، والأمن اخترق أسوار الجامعة وصادر أي نشاط سياسي للطلاب، وما أفلت من يد الأمن تكفلت به الجماعات الدينية المتطرفة الصاعدة وقتها.
بعض الطلاب اليساريين انصرفوا عن ممارسة السياسة، وبعضهم غاص مع تنظيمات سرية تحت الأرض، والبعض الأخر ممن أدركتهم حرفة الأدب وجدوا في الشعر ملاذاً أمناً لممارسة السياسة، وكنت من هذه الفئة الأخيرة، وكان ملاذنا هو نادي الأدب بقصر ثقافة أسيوط الذي كان يومها ملئ السمع والبصر، كان هناك درويش الأسيوطي زعيم الشعر في أسيوط، ذلك الفنان الشامل الذي يكتب الشعر والزجل والأغاني والمسرح والقصة ويمثل ويخرج أيضاً، وسعد عبد الرحمن الشاعر الرومانسي (وكيل وزارة الثقافة حالياً)، والساخر الكبير عزت الطيري الذي ما زال حتى الآن يكتب الشعر ويؤلف النكات، ومصطفى رجب (عميد كلية التربية بسوهاج سابقاً) صاحب أقصر قصيدة في التاريخ، والذي ظل يراسلني حتى أصابه اليأس مني فتوقف، والقاضي "المنياوي" يحيى عبد القادر ( رئيس محكمة الاستئناف حالياً ) الذي كان يكتب أروع قصائد عامية، والمهندس الزراعي عبد الرحمن محروس الذي لم يكتب سوى قصيدة أو اثنتين وتوقفت قريحته فانتقل من مديرية الزراعة إلى قصر الثقافة مشرفاً على نادي الأدب ليشتري من سعد عبد الرحمن وعزت الطيري قصائدهما لقاء "علبة سجائر بلمونت" عن كل قصيدة بحجة "تنويع مصادر الشعر" كما قال، وعندما عوتب في ذلك قال بيتاً لشاعر قديم يقول فيه: "ولما رأيت الشعر في الناس فاشياً ... تشاعرت حتى يطن الناس أني شاعر"، والشاعر الصيدلي جمال فرغلي الذي كان وما زال يكتب شعراً مبهماً، وكثيرين غيرهم لا تسعفني الذاكرة بهم الآن.
كنت تقريباً أصغرهم سناً، وتعلمت منهم الكثير، وكانت ندوة الأربعاء من كل أسبوع التي كان يديرها درويش الأسيوطي مدرسة حقيقية لصقل الموهبة ومناقشة الكتابات الجديدة وتعلم العروض والقافية، وتذوق موسيقى الشعر. وانتشر صيت النادي في مصر كلها فجاء إليه في أسيوط الشعراء طاهر أبو فاشة وفاروق جويدة (الذي نشر لي أول قصيدة في الأهرام عام 1980) وأحمد سويلم وأحمد عنتر مصطفى ويسري العزب ونصار عبد الله وفؤاد بدوي ومحمد أحمد العزب وعبد الستار سليم وغيرهم، وانتشرت قصائد شعراء أسيوط المغمورين على صفحات مجلات عربية رصينة، ونشرت ملفات نقدية حول إنتاجهم الشعري بأقلام كبار النقاد على صفحات كثير من الدوريات الفصلية المتخصصة.
كان زماناً جميلاً للشعر في أسيوط، ولكنه لم يكن كله كذلك، فقد طاردت مباحث أمن الدولة النادي وحاولت إغلاقه مرات عديدة، ومنعت مديرية الثقافة إصدار مجلة النادي "لقاء" عدة مرات، ومنعت أسماءً بعينها (منها كاتب هذه السطور) من النشر فيها مرات أخرى، وكان مدير مديرية الثقافة في أسيوط (صلاح شريت) رجلاً طيباً، لا يستطيع أن يرد طلباً لأمن الدولة أو لمحافظ أسيوط (وقتها ) محمد عثمان إسماعيل، وتحت ضغوط أمن الدولة والمحافظ أوقف المجلة تماماً وبدأ في حضور الندوة الأسبوعية ليقوم بمراقبة القصائد بنفسه، مما جعل سعد عبد الرحمن يطلق عليه أسماً حركياً ظل متداولاً بين مجموعة صغيرة في تلك الأيام هو " أبو الحجاج بن يوسف الثقافي".
في خريف 1981 اعتقلت في حملة سبتمبر الشهيرة، وكانت المضبوطات التي أخذت من بيتي أربعة قصائد وثلاث كتب قديمة منشورة وعلنية، وتلقيت في السجن وبعد خروجي منه مكافأتين كبيرتين، الأولى قصة قصيرة بعنوان "أنقذوا زينب" كانت أول قصة أكتبها ... ونسيتها، فأرسلها الصديق المستشار يحيى عبد القادر لمجلة القصة الفصلية ونشرت مع احتفاء نقدي بها في أكتوبر 1981 بينما كنت في إحدى زنازين سجن المزرعة، والثانية بعد خروجي من السجن بعدة شهور وفي عام 1983 عندما استضافنا فاروق شوشة (درويش الأسيوطي وسعد عبد الرحمن وأنا) في برنامجه التليفزيوني الشهير "أمسية ثقافية" مع الشاعر والناقد الكبير د.نصار عبد الله في أول حلقة من نوعها تخصص لشعراء شبان في هذا البرنامج.
تفرقت بنا دروب الحياة، وتركت أسيوط وناديها وجلسة الأربعاء، ومن يومها توقفت عن كتابة الشعر إلا النذر اليسير، مما يثبت أن الممارسة أهم من الموهبة، وأن أي موهبة لا تصقلها الممارسة تصدأ مع الزمن وسرعان ما تنزوي وتموت، وهو الأمر الذي يدركه جيداً سدنة السياسة والثقافة والصحافة والعلم في بلادنا فيبعدون أي صاحب موهبة أو مبدع عن المجال الذي يمكن أن يبدع فيه، حتى تخلو الساحة لهم ولأنصاف المثقفين، وللذين يخاصمهم الإبداع، ولمن لا يصدقني فلينظر لتليفزيون الحكومة وصحف الحكومة ومثقفي الحكومة ووزراء الحكومة، هل هناك ثمة إبداع ... لا أعتقد.
تفرق الجميع وبقي من فرسان النادي درويش الأسيوطي عميد أدباء أسيوط المعاصرين الذي لم تفلح القاهرة في إغرائه أو غوايته في يوم من الأيام، وظل وفياً على العهد مع أسيوط ... ونادي الأدب، مثابراً على تخريج أجيال جديدة من الكتاب والأدباء، ومثابراً على كتابة الزجل والأغاني والمسرحيات والإخراج للمسرح والتمثيل على خشبته وكتابة الشعر حيث صدر منذ أيام عن الهيئة العامة للكتاب أخر دواوينه "الاعتراف الأخير".
والأربعاء قبل الماضي احتفل درويش ورفاقه بمرور ثلاثين عاماً على إنشاء نادي الأدب بأسيوط، ودعاني لهذا الاحتفال، ولكن ظروفي حالت دون تلبية الدعوة، فأرجو أن يسامحني، وأن تكون هذه الكلمات قد أوفت بعض ما علي من دين لدرويش وللنادي.



#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استقلال القضاء...ضرورته، ومفهومه، ومقوماته
- يا استفتاءاتك يا مصر!! - في الذكرى الثالثة ليوم الأربعاء الأ ...
- احتكار الوطنية مرة أخرى
- حزب الله .... وحزب الشيطان
- ثلاثون قمة والأوضاع العربية أصبحت في -الحضيض-
- الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا في حوار مثير 2/2 الحجاب ل ...
- الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا في حوار مثير 1/2 الإخوان ...
- العالم المصري الشهير صاحب تصميم مكتبة الإسكندرية الذي اتهمته ...
- نائب رئيس المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان : توليت وزارة ف ...
- خبراء وباحثون : لا مفاوضات ولا تعهدات في -أنابوليس-‏
- رئيس حزب الوفد المصري محمود أباظة : الدولة الدينية خطر كبير ...
- الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة المصري للشؤون النيابية و ‏القا ...
- ضياء الدين داوود : اعترف .. - الإخوان - اكثر قدرة على الإنتش ...
- عودة الملف السوداني إلى واجهة السياسة المصرية
- رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية: لست مرشحاَ لرئاسة الوزر ...
- بعد إخفاق حرية الصحافة ... حرية الإبداع أمام القضاء مجدداَ
- دعهم يعلقون ... أو يفضفضون
- وداعاَ رجاء بلمليح - رجاء التي عرفتها
- قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 2/2
- قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 1/2


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الكيلاني - يا زمان الشعر... في أسيوط