مراد كافان علي
الحوار المتمدن-العدد: 2293 - 2008 / 5 / 26 - 09:11
المحور:
القضية الكردية
يفتخر الكردستانيون بكافة خصالهم الحميدة إلا فن القيادة ولهم فيه عثرات كثيرة وكبيرة مما جعلهم عرضة لإحتلالاتٍ متكررة وإخفاقاتٍ مريرة إلى حد الضياع الوشيك ... فن القيادة يحتاج الى الحنكة السياسية مع الحكمة والنفس الطويل المتزامن مع إزالة تداعيات التهور والعنف ، وتحّمل أعباء أخطاء الآخرين ، والتخلي عن المكاسب الهزيلة التي تفسد وتنخر في مفاصل القائد الناضج ، والتريث في إصدار القرارات المصيرية مع الجرأة في التنفيذ ، وإبعاد شبح الغدر والغبن بحق الآخرين بكافة السبل ... مجمل هذه الخارطة التي تبنى بعقلانية عالية تجعلنا في الطريق نحو التمدن والتحضر وتوديع همسات الاضمحلال والتخلف . للكردستانيين تصدع كبير وتراجع في محور القيادة قديماً وحديثاً ولا يحتاج المرء إلى جهدٍ كبير ومتعب للتوضيح ، فهذه الخارطة المجتزئة على أربعة محاور إضافة إلى التفكك الرهيب والانتشار في الشتات خير دليل على الإحباط القيادي المرير.
هنا نذكر صولات الأكراد في العصور الغابرة في تحالفهم مع البابليين في تدمير الإمبراطورية الأشورية في نينوى في عام 612 ق.م. كما ورد في العهد القديم ثم مناصرتهم للفرس في حمل راية تحطيم الإمبراطورية البابلية في 539 ق.م لصالح الفرس . وقد أكد العهد القديم بأن الإمبراطورية الفارسية التي امتدت من الهند إلى مصر ترعرعت وانتشرت بجهد الفرس والماداي ولكن تم أبعاد الماداي ( الأكراد الميدين )عن ثمرة أتعابهم لصالح الفرس حصراً . والسؤال المطروح هو ماذا حصل الأكراد من تحطيم إمبراطوريتين لفسح المجال للفرس في إنشاء الإمبراطورية الفارسية على أنقاضهن ، بينما نصيبهم الضحايا بغزارة والدمار الفادح ؟ هذا يذكرنا بمقولة البارزاني الخالد ولفظة جاشه كان ( جاشه كان كلمة كردية تعني الجحوش ) أطلق البارزاني الخالد على الأكراد الذين يناصرون أعدائهم ضد بني جلدتهم في معاركهم المتكررة لأجل نيل الحقوق القومية لشعبهم ، أي الذين يجازفون ويغامرون بمستقبل قوميتهم لأجل حفنةٍ من الدنانير أو الدولارات ، وأبى أن يطلق عليهم خونة لأنه تصور هؤلاء ينقصهم التعقل والنضوج الفكري ...
وفي القرون الوسطى كان بإمكان القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي إنشاء إمبراطورية كردية إسلامية مترامية الأطراف في موطنه والشرق الأوسط بجدارة ، علماً أن العقيدة الإسلامية لا تتقاطع مع مبادئ القومية الكردية السامية ، وحينئذٍ كان يجنب شعبه من تقاطر الغزاة من جميع الجهات لاحتلال أرض كردستان الطاهرة والتداعيات المفجعة التي تعبث في كافة أوصال كردستان بلا انقطاع ولكنه لم يفعل وتعثر في تحقيق الحلم الكردي الشرعي . وقد سبقه صولات المقاتلين الأكراد في صفوف الجيوش الإسلامية لأجل توسيع ربوع الدولة الإسلامية في العهد الأموي والعهد العباسي ، وتبعها المد الكردي لمناصرة الدولة الفارسية الشيعية تارة والإمبراطورية العثمانية السنية تارة أخرى ، وكذلك المساهمة لمآزرة الإمبراطورية العثمانية في أوربا الشرقية ... بلى إنهم شاركوا في كافة هذه الحروب الطاحنة والخسائر الجسيمة ولكن لم يخطر ببالهم تكريس الجزء اليسير من هذه الصولات لصالح شعبهم الكئيب ، والأتعس كان يتم استخدامهم ضد بعضهم البعض أحياناً لصالح خصومهم . الكثير من القوميات قد نالوا استقلالهم بفضل الإسلام إلا الأكراد .... يا لبؤسهم !
حقاً تعثرنا في نسج وبناء دولة كردستان في العصر الحديث أيضاً رغم الفرص المتعددة المتوفرة لنا منذ اتفاقية سايكس ـ بيكو في 1916م ومعاهدة سفر في 1920م ومعاهدة لوزان 1923م ...أستطاع كمال أتاتورك أن يجند أحد الأكراد وأسمه عاصم باشا رئيساً للوفد التركي لكي يتخلى عن حقوق الأكراد في هذه المعاهدات الثلاث ، وتم للأتراك ما أرادوا وفشلوا الأكراد جراء الإحباط القيادي وغدر المنافقين ... ثم نبدأ من عام 46 ــ 1947م وإخماد تجربة مهاباد في كردستان إيران جراء النفاق الدولي على حقوق الأكراد في وطنهم ، وكان مصير قادة جمهورية مهاباد قد توزعت بين الإعدام إلى الرضوخ للمحتلين والى الالتجاء إلى الإتحاد السوفييتي السابق ... وفي كردستان العراق في 1975م ، وكانت الحركة الكردية على وشك النضوج والتهيؤ لرفع راية كردستان من حيث التنظيم والعزم والمساندة الجماهيرية العارمة بحيث أستطاع إخماد أو شل كافة الحكومات العراقية المتعاقبة التي استعملت العنف ضد الشعب الكردي ولكن تم احتواء تلك الحركة وفق مؤامرة محلية وإقليمية ودولية خلال أيام قليلة وبلا مقاومة ... نهضت الحركة الكردية من جديد بإطار أشمل لإعادة تنظيمها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي رغم بطش وقسوة السلطات الحاكمة ، واستطاعوا الحصول على المنطقة الآمنة في كردستان العراق جراء تهور وحماقات الحكومة العراقية مع ظهور المصالح الدولية وبوادر تشتيت التوجهات السابقة المقيتة كالعنف والتوتر والإرهاب وغيرها بحق الأكراد ... بلى من حقنا الاستفادة من تجاربنا السابقة والعمل الدؤوب لمنع تكرارها ومنها تطاحن الأشقاء لتقوية الأعداء في التسعينات والمحاولات الجديدة لاحتواء وخنق البراعم الكردية التي انبثقت في أجواء الديمقراطية الناشئة . تتكرر محاولات الأعداء لشل أو إخماد هذه التجربة الكردستانية كما فعلوا بالتجارب السابقة والعودة إلى المربع الأول ، كما أكد الرئيس البارزاني بهذا الشأن وقال في 9/5/2008م :ـ هناك أيادي خبيثة تريد فصل الكورد الأيزيديين والشبك عن الكورد ...
بلا شك أن الأيادي الخبيثة على استعداد تام للتصيد في الماء العكر والدخول إلى البيوت ذات الأبواب الواسعة ولكن من خلال الشبابيك ... وهنا تأتي دور القيادة المحنكة التي تبني وتسيج الأبواب والشبابيك مع الجدران بشكل محكم لمنع تسلل هؤلاء المشعوذين ، وهي التي تكون حريصة على مصالح وسعادة كافة شرائح المجتمع الكردي ، والذين يعيشون على أرض كردستان أيضاً لأن للأكراد تجارب قديمة للتعايش مع الآخرين بلا تردد أو مشاحنات ، والدليل أن الكثير من الملل والأديان قد انتشرت داخل كردستان بأساليب مختلفة ولكنهم لم يتعرضوا إلى العنف والتعصب والتزمت من جانب الشعب الكردي من جميع الجوانب ... القائد الذي يقود شعبه يجب أن يكون منصفاً وحيادياً من كافة الجوانب وبدرجات عالية من الثقة بالنفس ، وذو نظرة ثاقبة لكي يجنب شعبه من الويلات لأن طريق النصر يمر من خلال رضا الشعب ، ولا تنفع معاتبة الأعداء الأشرار لأن الغدر المتعفن ديدنهم الراسخ بلا منازع . بالرغم من العثرات المؤلمة ، للأكراد مبادرات جريئة ورصينة لتقوية أواصر المواطنة وتعزيز الوشائج القومية وفن القيادة الكردستانية لرفع راية كردستان ، ومنها قال لي محامي كردي أيزيدي وهو في طريقه لأداء أمتحان لعله يشارك في السلك الدبلوماسي العراقي وكما يلي :ـ إن الأستاذ كفاح محمود الإعلامي والكاتب السنجاري البارع رفض ترشيحه لنيل عضوية مجلس النواب العراقي على قائمة سنجار مع رفض كافة المزايا والأموال الطائلة رغم إلحاح بعض العناصر لنيل هذا المقعد والثروة الضخمة ، وقال بإصرار يجب ترشيح كردي أيزيدي من سنجار لتقوية وتوسيع منابع ترسيخ القواعد الديمقراطية ومبادئ القومية الكردية العريقة ، وتجنب التداعيات السقيمة بحق قوميتنا ، وكفانا تجريحاً لشعبنا العظيم ، وإن كردستان لجميع الكردستانيين والقاطنين على أرضها ، وهذه المبادرة تؤكد إننا نخفق ولا نيأس ثم نصعد ببراعة إلى ذرى المجد ... وبعبارة أدق الذي يقود كردستان ، نظراً لضخامة المعضلات المزمنة المنتشرة في كافة ربوعها ، يجب أن يمتلك شجاعة وعزم بسمارك البروسي الذي أستطاع أن يوحد الدويلات الألمانية المفككة وهو الذي وضع اللبنات الأولى لألمانيا اليوم ، ودبلوماسية وسياسة تشرشل البريطاني الذي قاد دول التحالف في الحرب العالمية الثانية لتفكيك القوة النازية الكاسحة والهتلرية ، وإنقاذ شعبه والبشرية من بطشهم ، والزعيم الهندي غاندي الذي أستطاع تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني الملعب وبلا أطلاقة طلقة واحدة ، ولكن بفلسفة الاّعنف والأساليب الديمقراطية الصائبة والهادئة ... هؤلاء الثلاث لهم دور حيوي في تغيير وإزدهار شعوبهم وهم الذين خلقوا وطوروا كل شئ من لا شئ ودخلوا التاريخ من أوسع المنافذ والأبواب ، هؤلاء الثلاث بفخر يتحدون محكمة التاريخ التي تبنى على العدالة السديدة والنزاهة الرصينة . يقيناُ الذي يقود كردستان وفي عهد العولمة والإعلام الرهيب يجب أن يستوعب ويستقطب كافة هذه الخصال ذوات العبء الضخم بلا كلل ، أي سمات هؤلاء القادة العظام ، إضافة إلى الأخلاق الكردية التي لا تجيد الحديان والمراوغة المشينة ، مع التكريس الإعلامي النزيه ، ومفاتحة الجماهير العريضة من شعبه في حالات التفوق والإخفاق ، وأن لا يتردد في أجواء الإحباط لأن الفشل هو المعبر لكي يخطط ويحيك البؤر للفوز الساحق ، وأن يتلافى جوانب ومناحي التهميش والإهمال لكافة الفئات مهما تكون الدوافع ، وبذلك يمهد الآفاق الشاملة لكي يصول ويجول في المحافل التاريخية والإنسانية بلا تردد ويغرد بحماس من أجل السلام لشعبه وللآخرين ...
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟