أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - لست مناهضاًً للولايات المتحدة الأمريكية بأي حال, ولكن ....!















المزيد.....


لست مناهضاًً للولايات المتحدة الأمريكية بأي حال, ولكن ....!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 705 - 2004 / 1 / 6 - 05:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يدر في خلدي يوماً أن أكون معادياً للشعب الأمريكي بكل الموزائيك الرائع الذي يتكون منه والكفاءات الهائلة القادمة إليه والمتجمعة لديه من كل أنحاء العالم, كما لم يطرأ على بالي يوماً أن أكون مناهضاً لدولة عظمى تسمى الولايات المتحدة الأمريكية, إذ من العبثية بمكان أن يفكر الإنسان بهذه الطريقة التجريدية غير الواعية. والإنسان الواعي والمثقف القادر على تمييز الأمور وعلى رؤية كل الأطياف المتواصلة والمتشابكة بين اللونين الأبيض والأسود لا يمكن أن يكون قادراً على اتخاذ مواقف العداء ضد الشعب الأمريكي أو ضد الولايات المتحدة الأمريكية كدولة يسكنها  أكثر من 290 مليون إنسان (2003) من أسلاف ذات أصول مختلفة, فمنهم الهندي الأحمر من أصل البلاد, والإنسان الأفريقي الأسود, هذا الموطن, الذي اقتلع أسلافه من جذورهم الأفريقية واقتيدوا إليها منذ قرون, وناضل لتحرير نفسه من العبودية الخانقة للرجل الأبيض الإقطاعي وضد التمييز العنصري, أو أسلاف الإنسان الأبيض النازح إليها من أوروبا والباحث عن الذهب والأرض والعمل, أو الإنسان الآسيوي من كل الإثنيات والأجناس واللغات والألوان والأديان والمذاهب الباحث عن الحرية والعمل وكسب المال والخلاص من الفقر والفاقة, أو أولئك العلماء الذين ضاقت بهم بلدانهم من جراء مصادرة حقوق الإنسان وحقوق المواطنة أو تفاقم الإرهاب والقمع والهرب من احتمال القتل تحت التعذيب. لم يرد في مخيلتي وأنا الحامل في عقلي وقلبي وعياً وإحساساً أممياً صادقاً إزاء كل الشعوب والقوميات أو الإثنيات أن أكره الشعب الأمريكي أو أحقد عليه أو على دولته, بل كان أحد أبرز اهتماماتي أن أزور هذا البلد وأطلع على حياة هذا الشعب وعلى منجزاته العلمية والتقنية والثقافية والفنية والأدبية والإنسانية, المادية منها والروحية. وهذا ما تحقق نسبياً من خلال زياراتي العديدة إلى بعض أبرز الولايات والمدن الأمريكية. فالولايات المتحدة الأمريكية تقود التقدم والثورة العلمية والتقنية في العالم كله وتلعب دور الرائد في أغلب المجالات العلمية والطبية واكتشاف أسرار الكواكب والفضاء وفي مجالات كثيرة أخرى. لا يشهد على ذلك شخصي المتواضع, بل العالم كله. وهو أمر يفترض أن يعتز به الشعب الأمريكي ينتعش له وتحترمه دول العالم وشعوبها. وعندما يكتب الباحثون عن نضال شعوب العالم من أجل الحرية والديمقراطية والخلاص من العبودية لا بد أن يمروا على الثورة الفرنسية وحرب الاستقلال الأمريكية والحرب الأهلية ضد الإقطاع والعبودية والاستغلال الأكثر بشاعة وظلماً للإنسان الأسود, وعن صدور الدستور الأمريكي حيث تؤكد مقدمته إلى تطلع هذا الشعب إلى الحرية الفردية والديمقراطية والرفاهية. كما يتذكر الإنسان بارتياح البرنامج ذي النقاط الأربع عشر التي أصدرها الرئيس الأسبق وودرو ولسون في عام 1918 والذي تضمن النقطة 5 والنقطة 12. وكانت هاتان النقطتان تؤكدان على حق السيادة للشعوب الصغيرة والكبيرة على حد سواء والخلاص من الهيمنة العثمانية البغيضة, ولعبتا دوراً مهما في إطار عصبة الأمم, بالرغم من المساومة التي ولجتها الولايات المتحدة الأمريكية في حينها مع كل من فرنسا وبريطانيا على هذا الحق من خلال الحصول على نسبة مهمة في نفط العراق وفي استثمارات النفط في منطقة الشرق الأوسط. فالجوانب المشرقة في نشاط الشعب الأمريكي لا تنسى من جانب الشعوب والقوى السياسية المتتبعة لسياسات ومنجزات الولايات لمتحدة, بما في ذلك دخولها الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور وانتصار معسكر الديمقراطية على معسكر النازية والفاشية والعسكرية الانتقامية.      
وإذا كان كل هذا وغيره صحيحاً, وهو صحيح حسب قناعتي ووجود وثائق تؤكد ذلك, فأين تكمن المشكلة, التي تبدو الآن واضحة للعيان أكثر من أي وقت مضى, المواقف المناهضة للولايات المتحدة والغاضبة عليها؟ وهو ما يشعر به الشعب الأمريكي وأدركته الإدارة الأمريكية نسبياً, ولكنها لم تتخذ حتى الإجراءات اللازمة لمعالجته. لا يبدو هذا الشعور غير الودي إزاء إدارة الولايات المتحدة لدى الشعوب النامية فحسب, بل لدى الشعوب المتقدمة, وليس في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا فحسب, بل وفي أوروبا, وخاصة الغربية منها, وكندا واستراليا أيضاً. سوف لن أجيب عن المسائل التي تخص الشعوب والدول الأخرى رغم تقديري وتشخيصي لها أيضاً, بل سأحاول الإجابة عن العوامل التي تتفاعل في نفسي شخصياً وأنا أتابع منذ ما يزيد على نصف قرن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم, وخاصة في العراق والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وهذه الملاحظات التي سأبديها لا تهدف إلى إثارة الإدارة الأمريكية في الدولة الأعظم في العالم, بل تهدف إلى توضيح جملة من الأمور التي لا بد من توضيحها والتي كتب عنها الشيء الكثير ولكنها مع ذلك ما تزال قائمة, وكأن حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة لا تريد أن ترى أو تسمع ما يقال عنها وعن مواقفها السياسية والاقتصادية والعسكرية على الصعيد العالمي. وإذا ما استمرت مسيرة الولايات المتحدة على نهجها السياسي الراهن, فأن صورة الولايات المتحدة الأمريكية سوف لن تتغير في أذهان وعقول وقلوب الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم, بل ستتكرس, وهي ليست في صالح العالم كله. وهذه الظاهرة يفترض أن تحرك الباحثين العلميين في الولايات المتحدة الأمريكية والإدارة الأمريكية قبل غيرها من البلدان والحكومات لطرح بعض الأسلة على أنفسهم والتحري عن إجابة صادقة عنها. من جانب صانعي القرار السياسي والفاعلين في السياسة الدولية للولايات المتحدة.
     
يبدو لي بأن المشكلة تكمن في السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيدين الدولي والإقليمي, إضافة إلى سياساتها في داخل الولايات المتحدة. ففي هذه السياسة ما يؤكد وجود "مناخين على سطح واحد", كما يقول المثل الكردي, أو ما يعبر عنه ب "الكيل بمكيالين" في مختلف القضايا السياسية التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط وفي العالم. وإذا بدأنا مع نهاية الحرب العالمية الثانية سنجد أمامنا بعض الوقائع التي تدلنا على مضمون المشكلة:
• قيام الولايات المتحدة في نهاية الحرب بإلقاء قنبلة نووية على كل من مدينتي هيروشيما وناغازكي والذي أدى إلى تلويث المدينة والبيئة موت ألاف البشر, وهي مدن ما تزال تعاني منها حتى الآن.
• الدور العسكري  الأمريكي في الحرب الكورية ابتداءاً من عام 1946 حتى عام 1954 وما نجم عن ذلك من كوارث ومحن.
• شن الحرب على فيتنام الشمالية في عام 1964 واستمرارها  واستمرارها حتى عام 1975 التي كلفت الشعب الفيتنامي الكثير من الضحايا. واستخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المرفوضة دوليا في تلك الحرب. واستطاعت الحركة العالمية المعادية للحرب في فيتنام وتصاعد دور الشعب الأمريكي في هذه الحركة إلى إيقافها وبدْ عملية توحيد الدولتين في دولة واحدة في عام 1976.
• كما يصطدم الإنسان بالموقف غير المفهوم وغير الموضوعي من جانب الولايات المتحدة إزاء إسرائيل في احتلالها للأرض العربية في فلسطين وفي مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعة في لبنان, إذ أن العاقبة ستكون في غير صالح السلام في المنطقة ولا في صالح إسرائيل والعرب عموماً في المنطقة. فالتحيز الأمريكي المطلق إلى جانب إسرائيل لا يخدم إسرائيل ذاتها, إذ أنه ينشط القوى اليمينية المتطرفة وحكومة شارون اليمينية الشوفينية فيها, وكذلك ينشط القوى الراغبة في حل المشكلة الفلسطينية عسكرياً وعلى حساب العرب. ومثل هذه السياسة تبقي التوتر في المنطقة ولا تعالج الأمور بعقلانية, إذ أنها تحرك القوى المتطرفة والإرهابية للقيام بعمليات انتحارية في داخل إسرائيل تؤدي إلى قتل المزيد من البشر,حيث تعتبرها ردود فعل للعقوبات الجماعية وعمليات الاغتيال المتواصلة من جانب القوات الإسرائيلية لنشطاء فلسطينيين.وأخيراً بدأت إسرائيل بمحاولة جادة لاستفزاز سوريا. ففي الوقت الذي أعلنت سوريا عن عزمها على الدخول في مفاوضات من حيث انتهت وتوقفت, ترفض إسرائيل ذلك وتريد البدء بمفاوضات جديدة تماماً وتشطب على ما اتفق عليه بينهما, إضافة إلى قرارها بتوسيع مستوطناتها غير الشرعية في الجولان وزيادة عدد المستوطنين اليهود في هذه المنطقة. 
• كما أن هذه السياسة تساهم في توتير الأجواء في المنطقة كلها وتقود إلى استمرار سباق التسلح فيها. ولن يربح منها سوى تلك الاحتكارات الصناعية العسكرية وتجار السلاح في الولايات المتحدة وفي العالم بأسره.
• وموقف الولايات المتحدة الأمريكية غير منصف وغير عادل في الموقف من القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط. فهي تقدم الدعم والتأييد الكامل للدولة التركية في مواقفها الظالمة والشوفينية والعنصرية إزاء الشعب الكردي وحقوقه العادلة في كردستان تركيا, اتخذت في الوقت نفسه موقفاً سليماً آخر من الشعب الكردي في العراق في فترة حكم صدام, ويأمل الإنسان أن يستمر هذا الموقف لا أن يتغير بسبب تغير الوضع في العراق.
• وفي العراق كانت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى امتداد الفترات السابقة حتى عام 1990 تقف إلى جانب نظام صدام حسين وساندته مالياً ولوجستياً وضمنت له الدعم العسكري عبر دول أخرى خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية, كما شنت الحرب ضد العراق لتحرير الكويت في وقت كان في الإمكان تحرير الكويت دون تلك الحرب الملعونة’ إضافة إلى أنها ساندت النظام العراقي ضد انتفاضة الشعب العفوية في عام 1991, ولم تحرك ساكناً لفضح نظام صدام حسين عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي في حلبجة ومجازر عمليات الأنفال في كردستان العراق, أو العمليات العسكرية ضد سكان الأهوار في جنوب العراق وتجفيف تلك الأهوار, أو التهجير القسري الجماعي لمئات الآلاف من الكرد الفيلية وعرب الجنوب إلى إيران. لقد كان النظام العراقي حليفاً للولايات المتحدة سنوات طويلة. وتغير هذا الموقف بعد غزو الكويت.
• ومنذ غزو الكويت في عام 1990 تعرض الشعب العراقي إلى حصار دولي فرضته الولايات المتحدة دام 13 سنة عانى منها الشعب العراقي قبل غيره, وراح ضحية ذلك ما لا يقل عن 600000 طفل, عدا العجزة والمرضى والمسنين. ويمكن ذكر الكثير من الحقائق بصدد العلاقة بين الولايات المتحدة والبعث العراقي ومع صدام حسين بشكل خاص منذ أوائل الستينات, وبالتالي بدت المطالبة برأس صدام حسين في أواخر القرن العشرين أشبه بالدعوة إلى الانتقام وقتل عميل يعمل في إطار المافيات الدولية ثم خانها أو تخلى عنها لأي سبب كان!
• وكانت مواقف الولايات المتحدة المعلنة دولياً تؤكد باستمرار على تبنيها قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان. وعلينا أن نمتحن هذا الادعاء في الواقع العملي وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات. فلو ألقينا نظرة على واقع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على امتداد العقود الأربعة المنصرمة على الأقل لوجدنا أن علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية كانت على أحسن ما يرام مع أغلب النظم السياسية التي صادرت حقوق الإنسان ومارست الاستبداد والإرهاب والقمع بمختلف السبل والأساليب ضد الإنسان بشكل عام وضد الإنسان المعارض بشكل خاص. والأمثلة على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر, العلاقة مع تركيا والسعودية وإيران قبل سقوط الشاه والعراق والأردن. ولكن الولايات المتحدة لم تتخذ مواقف مناهضة لنظم استبدادية أخرى في المنطقة إلا بسبب تعارضها مع مصالح الولايات المتحدة بالذات وليس بسبب اضطهادها لشعوبها. والأمثلة على ذلك إيران الراهنة وليبيا ومن ثم العراق بعد غزوه الكويت وتهديد المصالح النفطية الأمريكية في المنطقة....الخ.
• وعلى الصعيد الدولي يمكن متابعة سياسات ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية غير العقلانية والمتعارضة مع سياسات الكثير من الدول في مجال البيئة ورفضها الالتزام بقرارات قمة البيئة التي دعت إلى تقليص كميات إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكاربون وغيرها من الغازات الملوثة للجو والبيئة مثلاً, أو في مواقفها في منظمة التجارة الدولية ورغبتها في فرض سياساتها العولمية على العالم كله دون النظر إلى مصالح الشعوب والدول الأخرى والتي أصبحت مشكلة كبيرة في العالم وبشكل خاص في البلدان النامية, أو في ما يخص مكافحة الفقر في العالم, باعتباره أحد الأسباب المهمة والأساسية الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب الدولي, أو في وجود أكثر من 40 مليون إنسان تقريباً يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة ذاتها, في وقت بلغ متوسط حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 37,600 $ أمريكي في عام 2003, وهو أعلى معدل لم يبلغه أي بلد آخر في العالم. أي أن هناك حوالي 13,8% من سكان الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر المعروف دولياً في أغنى دولة في العالم وأكثرها تقدماً في مقابل وجود أكبر عدد من أصحاب المليارات والملايين فيها, وأغلب هؤلاء الفقراء من السكان الأمريكيين ينحدرون من أصول أفريقية وأمريكية جنوبية وآسيوية.
• لا شك في أن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن قد ارتكب جريمة بشعة جداً بحق الشعب الأمريكي حين وجه عناصره الراديكالية الإرهابية لضرب الولايات المتحدة بالطائرات الأمريكية المدنية التي أدت إلى موت ما مجموعه 2830 مواطنة ومواطن أمريكي وأجنبي وأثارت الحزن والأسى والرعب في نفوس الأمريكيين والعالم كله. والسؤال الذي يدور في البال يتكون من شقين: الأول: كيف نتعامل مع الإرهاب والمنظمات الإرهابية في العالم كله؟ والثاني كيف نتعامل مع المعتقلين من الجماعات الإرهابية على الصعيد الدولي أو المشتبه بأن لهم علاقات بهذه التنظيمات الإرهابية؟ لا شك في أننا نحتاج بالنسبة للسؤال الأول إلى القول بأن واجباً مشتركاً يقع على عاتق جميع شعوب وحكومات دول العالم وعلى جميع القوى الديمقراطية فيه هو التضامن المشترك في النضال ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية وعزلها وتصفية تنظيماتها السياسية عبر الصراع الفكري والسياسي العقلاني من جهة, وعبر مكافحة الفقر والفساد والظلم الجامح والاستبداد في العالم من جهة أخرى, إذ أن أحدهما يستكمل الثاني ويشترطه في آن. ويفترض أن تلعب الأمم المتحدة في الحالتين دوراً قيادياً فاعلاً ومحركاً لسياسات تحقيق هذا الهدف. أما بصدد المعتقلين من تنظيمات الإرهابيين, ومنهم جماعة القاعدة وطالبان, فأن الطريقة السليمة هي المعاملة التي تقرها الدساتير الديمقراطية وشريعة حقوق الإنسان لا غير. إذ إن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه الجماعات في جزيرة غوانتنامو مرفوضة دولياً ومتعارضة تماماً مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية في هذا الصدد, وهي نموذج صارخ لتجاوز الشرعية الدولية من جانب الولايات المتحدة ولا تساعد على إعادة تأهيل هؤلاء الناس أو عوائلهم وآخرين, بل تزيد الحقد والكراهية في العالم. ينبغي أن يحاكم هؤلاء جميعاً وينبغي أن تصفى تنظيماتهم سياسياً وليس جسدياً وينبغي أن يتلقى هؤلاء عقابهم العادل على ما ارتكبوه بحق الإنسان في الولايات المتحدة أو في أفغانستان أو في أي مكان يرتكبون به جرائمهم البشعة. ولكن يفترض أن يتم ذلك وفق الأصول الإنسانية وليس كما يجري اليوم في غواتنامو.
• كما يمكن الإشارة هنا إلى موقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي ومحاولاتها فرض إرادتها على العالم كله من خلال تجاوز قرارات مجلس الأمن الدولي, بما في ذلك الحرب ضد النظام العراقي الدموي أو رفض إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي أو المطالبة بنزع أسلحة الدمار الشامل في الدول العربية وغيرها من دول الشرق الأوسط, وهو أمر صحيح طبعاً, ولكنها تسكت كلية عن وجود أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها في إسرائيل, ورفض الأخيرة التوقيع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
• إن سياسات اللبرالية الجديدة التي يمارسها المحافظون الجدد في الوقت الحاضر هي أكثر السياسات الأمريكية تطرفاً في مجالات الاقتصاد والعلاقات الدولية من جهة, وأكثرها ربطاً بين الإيديولوجية الرأسمالية الراديكالية, أيديولوجية اللبرالية الجديدة, والأيديولوجية الدينية المتعصبة, وهي التي تسمح لرئيس الولايات المتحدة الحالي بالحديث بلغة تميزه عن بقية رؤساء الولايات المتحدة السابقين في هذا الصدد, إذ يبدو وكأنه يقوم بأداء رسالة إلهية خاصة في المجتمع البشري.

إن المشكلة الكبيرة, كما أرى, لا تكمن في شعوب العالم, بل في السياسة الأمريكية التي تراهن على التهديد والحصار الاقتصادي والحرب الوقائية والاستباقية لحل المعضلات الدولية والإقليمية, وليس إلى التفاوض والنزوع إلى السلم. وهو الذي خلق لها مشكلات مع الدول الحليفة لها في أوروبا الغربية وفي الحلف الأطلسي.
إن إسقاط النظام من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا في حرب 19/3/ - 9/4/2003 أنقذ الشعب العراقي من دكتاتور وجلاد وقاتل شرس, ولكن عدم تسليم السلطة مباشرة إلى قوى المعارضة العراقية والتباطؤ في معالجة المشكلات القائمة عقد الوضع في العراق وفسح في المجال لما نعيشه اليوم في العراق. فالموت لم ينقطع طيلة الفترة المنصرمة وفي الجانبين ويشمل عدداً كبيراً من الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال. وعلينا العمل من أجل إيقاف نزيف الدم وتعبئة الشعب لمعالجة هذه المشكلة. ويفترض أن نبدأ بعملية مصالحة وطنية حقيقية واسعة لا يعني بأي حال الكف عن مكافحة المتهمين بإبادة الجنس البشر والعنصرية وبناة المقابر الجماعية من مسؤولي النظام المخلوع. ولكن الجمهرة الواسعة من الناس ممن فرضت عليهم العضوية في حزب البعث أو الذين استنكروا منذ زمان طويل جرائم قيادتهم ينبغي أن تجد مواقعها المناسبة في المجتمع.
إن التغيير الذي يفترض أن يحصل من أجل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وشعوب العالم ودولها المختلفة يفترض أن ينطلق من الولايات المتحدة ذاتها, من الإدارة الأمريكية مباشرة. إذ في مقدورها أن تلعب دوراً طليعياً في إطار الأمم المتحدة وفي إطار ما يطلق عليه بالشرعية الدولية, أن تعمل من أجل مكافحة تفاقم عملية إفقار شعوب البلدان النامية والفئات الكادحة في البلدان الصناعية المتقدمة, ووقف عمليات التسلح وإنتاج المزيد من الأجيال الجديدة لأسلحة الدمار الشامل ومختلف الأسلحة الدفاعية وكأن العالم مقبلاً على حرب عالمية جديدة. إنها يمكن أن تتعامل مع جميع البلدان وفق أسس جديدة ولكن ليس من منطلق الهيمنة على البلدان الأخرى, فالعولمة, كعملية موضوعية لا مناص منها, لا تعني الهيمنة, بل السياسة العولمية التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول الرأسمالية المتقدمة هي التي تعني الهيمنة على العالم والتحكم بسياساته واقتصادياته ومصائره.                  

إن الشرق الأوسط بحاجة إلى تغيير جذري كامل, ويمكن أن يتحقق ذلك, ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب هذا الدور تماماً شريطة أن تتخذ سياسات تؤدي إلى هذه النتيجة وليس العكس من ذلك. فالموقف السليم من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والصراع السوري اللبناني – الإسرائيلي, والموقف الصارم في إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من جميع التجاوزات على حقوق الإنسان في كل الدول العربية دون استثناء ومن أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بأسرها, وشجب النظم الاستبدادية وعدم تقديم الدعم لها واحتضانها, كما جرى ويجري حتى الآن عبر مساومات في غير صالح الشعوب, هي التي تساعد على إعادة الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية. ولا يبدو لي بأن هذه الوجهة, كما تشير إلى ذلك الكثير من الدلائل, ممكنة في ظل الإدارة الحالية. فآخر إجراء قررته هو إرسال 3000 موظف أمريكي إلى العراق ليعملوا في السفارة الأمريكية في بغداد, في وقت تمتلك الآن أكثر من 150 ألف جندي وضابط وموظف ومستخدم في العراق, فهل تحول العراق إلى ولاية أمريكية, أم أنه ما يزال يسعى إلى استعادة سيادته الوطنية واستقلاله؟ إن تقديم الدعم للعراق يمكن أن يتم بطرق كثيرة وليس عبر عدد الموظفين أو عبر اتفاقيات تفرض على الحكومة العراقية, بما في ذلك إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق, إذ أن هذا غير مطلوب وغير مرغوب فيه وغير مقبول أصلاً. ولك يمكن ضما التطور الديمقراطي وبعيدا عن الراديكالية والإرهاب عندما يمكن عقد اتفاقية أمن مشتركة لكل بلدان منطقة الشرق الأوسط, وعندما يكون للعراق نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي ومدني حديث وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية الفردية وبالحياة الديمقراطية. عن ذاك سوف لن يصدر عن العراق أي خطر يهدد الجيران ودول المنطقة بأي حال, وهو ما نتطلع إليه.
ليس هناك من يكره الولايات المتحدة ومن يحبها, بل الكل يشعرون باحترام للشعب الأمريكي وللدولة الأمريكية, ولكن هناك رفض لسياسات معينة تمارسها الإدارة الأمريكية في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط هي التي تثير الناس في هذه المنطقة من العالم, وهي حصيلة تراكمات أيضاً لا يمكن إزالتها بسرعة, كما لا يمكن إزالتها دون تغييرات حقيقية في تلك السياسة.

   برلين في 5/12/ 2004       كاظم حبيب
           



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوميون العراقيون العرب والأوضاع الجديدة في البلاد!
- بعض إشكاليات المرحلة الجديدة في العراق
- الآفاق المحتملة لتحالف الأحزاب والقوى الديمقراطية في عراق ال ...
- مستقبل العراق ... إلى أين؟
- ساعة الحقيقة: القوى القومية العربية بين حقوقهم وحقوق الشعوب ...
- من أجل معالجة حازمة وسليمة لآثار سياسات التطهير العرقي والته ...
- هل أمام الشعب حقاً فرصة مواتية لبداية جديدة في العراق؟
- هل من طريق لتسريع حل ازدواجية السلطة في اتحادية كردستان العر ...
- ما المغزى الحقيقي لاعتقال الدكتاتور صدام حسين؟
- ما هي الأهداف الكامنة وراء قرار حصر منح العقود بالشركات الأم ...
- دراسة أولية مكثفة عن أوضاع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
- فهد والحركة الوطنية في العراق
- الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتمت ...
- تقييم برنامج النشر الصحفي في صفحة الحوار المتمدن
- الهمُّ العراقي وهموم العالم!
- القوميون العراقيون العرب والأوضاع الجديدة في البلاد!
- سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني والوضع في العراق!
- موضوعات للتفكير والحوار!
- هل الديمقراطية هي السائدة حقاً في العراق, أم حرية الفوضى؟
- ما المخرج من همجية فلول صدام والقوى الظلامية والسياسات الخاط ...


المزيد.....




- أسير إسرائيلي لدى حماس يوجه رسالة لحكومة نتنياهو وهو يبكي وي ...
- بسبب منع نشاطات مؤيدة لفلسطين.. طلاب أمريكيون يرفعون دعوى قض ...
- بلينكن يزور السعودية لمناقشة الوضع في غزة مع شركاء إقليميين ...
- العراق.. جريمة بشعة تهز محافظة نينوى والداخلية تكشف التفاصيل ...
- البرلمان العراقي يصوت على قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي ...
- مصر.. شهادات تكشف تفاصيل صادمة عن حياة مواطن ارتكب جريمة هزت ...
- المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تثير جدلا بما ذكرته حول ت ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو روسيا إلى التراجع عن قرار نقل إدارة شر ...
- وزير الزراعة المصري يبحث برفقة سفير بيلاروس لدى القاهرة ملفا ...
- مظاهرات حاشدة في تل أبيب مناهضة للحكومة ومطالبة بانتخابات مب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - لست مناهضاًً للولايات المتحدة الأمريكية بأي حال, ولكن ....!