أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - وعد المشهداني - السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية















المزيد.....



السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية


وعد المشهداني

الحوار المتمدن-العدد: 2264 - 2008 / 4 / 27 - 05:11
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


عقدت في مركز الدراسات الاستراتيجية حوار طاولة مستديرة بتاريخ 6 آب 2002، لمناقشة "السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية". وقد ألقى المحاضرة الدكتور محمد أبو حمور، أمين عام وزارة المالية، وفيما يلي نص المحاضرة:

استطاع الأردن خلال السنوات الأخيرة أن يحقق إنجازات اقتصادية واضحة ومكانة مرموقة بالرغم من أن الاقتصاد الأردني حساس للظروف الاقليمية السياسية منها والاقتصادية أكثر من غيره من دول المنطقة. ففي كل مرة تواجهه بعض المصاعب يستطيع أن يخرج منها أقوى مما كان وأن يحافظ على صلابته وثباته. وهذا يعود بشكل أساسي إلى قيادته الحكيمة التي حافظت على الأردن واحة أمن واستقرار. واستطاع أبناء الأردن تعويض قلة الموارد الطبيعية من خلال الموارد البشرية ذات المستوى المتميز. وبعد ما يزيد على عقد من انتهاج سياسة الإصلاح الاقتصادي أصبح الأردن أحد الاقتصادات المتميزة بانفتاحها على الأسواق العالمية ، وساهمت العديد من العوامل في خلق بيئة استثمارية تبشر بمستقبل واعد، وقد نجحت الحكومة في تثبيت أركان الاستقرار المالي والنقدي وفي إيجاد بيئة تشريعية مساندة للاستثمار، وبعد أن تم إجراء العديد من عمليات التخاصية والإصلاحات الهيكلية يمكننا القول أن الدولة بدأت في أخذ دورها الصحيح في التنظيم والمراقبة وافسحت المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدور ريادي في مسيرة التنمية الاقتصادية.
وقد حقق الأردن العديد من النجاحات باستعادة استقراره الاقتصادي ووضع الاقتصاد في مسار النمو والتقدم مع الحفاظ على معدلات تضخم مقبولة واستعادة القدرة على الوفاء بالتزاماته وملاءته وسمعته المالية. ومن أبرز هذه النجاحات هو الحفاظ على عجز الموازنة ضمن المستويات المستهدفة مما يسهم في رفع كفاءة الاقتصاد الوطني ويوفر مصادر تمويل كافية للقطاع الخاص تمكنه من رفد الاقتصاد بالاستثمارات اللازمة للنمو.
وكما هو معروف فإن الحكومة تسعى من خلال تبني برامج التصحيح الاقتصادي إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين من خلال تحقيق نمو اقتصادي مستدام يزيد عن نسبة النمو السكاني كما تسعى أيضا الى تعميق الإصلاح الهيكلي وتطبيق سياسات اقتصادية سليمة وتعزيز وضع المالية العامة. ولا شك بأن الحكومة قد قطعت شوطاً بعيداً في هذا المضمار من خلال زيادة مقدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب مزيد من استثمارات القطاع الخاص وتوفير فرص التشغيل إضافة إلى تنفيذ إصلاحات في مجالات مختلفة بما في ذلك نظام التقاعد الذي يجري العمل حالياً بشكل حثيث لإصلاحه نظراً للأعباء المالية المتزايدة المترتبة عليه.
وبهدف بيان أبرز أوجه الإصلاح التي تمت في اطار برامج التصحيح الاقتصادي خلال الفترة الماضية لا بد من القاء نظرة سريعة على أبرز ملامح هذه البرامج التي تم تبنيها منذ عام 1989.
فكما هو معلوم، بدأ الأردن في أواخر عام 1989 تطبيق برنامج التصحيح الأول وجاء ذلك مباشرة في أعقاب الأزمة التي تعرض لها الاقتصاد الأردني وقد استمر العمل بهذا البرنامج حتى اندلاع أزمة الخليج في صيف عام 1990 حيث أصبح في حينه من غير الممكن الاستمرار في ذلك البرنامج. وفي عام 1992 بدأ الأردن في تطبيق برنامج جديد للتصحيح الاقتصادي وقد استمر هذا البرنامج لمدة ثلاث سنوات تلاه برنامج آخر استمر العمل به في عام 1998. وقد استهدف هذا البرنامج تحقيق التوازن الداخلي والخارجي وذلك من خلال تبني مجموعة من السياسات والإجراءات الرامية إلى تحقيق استقرار في مستوى الأسعار، وتحفيز المدخرات المحلية وتشجيع الاستثمار، وتخفيض العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، إلى جانب تخفيض رصيد المديونية الخارجية وأعبائها إلى مستويات مقبولة، وإيلاء القطاع الخاص الأهمية التي يستحقها في رفده للتنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي المستدام.
ولكن أداء الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة من برنامج التصحيح الثاني أخذ في التباطؤ الملحوظ وذلك جراء الظروف الإقليمية غير المواتية. فقد عانت التجارة مع الضفة الغربية من مشاكل واضحة جراء تعثر عملية السلام. كما تاثر أداء الاقتصاد الأردني خلال عام 1998 بالانخفاض العالمي لأسعار النفط مما انعكس سلبياً على حجم مبادلاته التجارية مع الدول العربية المصدرة للنفط وكذلك على تدفق حوالات الأردنيين العاملين في الخارج. كما تأثر الاقتصاد الأردني بالحصار المفروض على العراق وتواتر الأزمات بين العراق والأمم المتحدة. هذا بالإضافة إلى ارتفاع أعباء خدمة الدين العام الخارجي. وقد أثرت هذه العوامل مجتمعة سلباً على أداء الموازنة العامة وعلى أوضاع ميزان المدفوعات وعلى مستوى النشاط الاقتصادي. وفي ضوء ذلك وبعد أن تم تقييم جهود التصحيح الاقتصادي على صعيد المالية خلال الفترة 1989 – 1998، وتبين أهمية إيلاء عدد من الجوانب العناية القصوى، كان لا بد من وضع برنامج تصحيح اقتصادي متوسط المدى يغطي الفترة 1999 – 2001 يعالج القصور الذي عانى منه التصحيح المالي خلال الفترة السابقة وبما يفضي إلى تعميق التصحيح الاقتصادي الوطني بأشكاله كافة وتوسيع نطاقه ليشمل مختلف المستويات بما في ذلك تكثيف الجهود للتصدي لظاهرتي الفقر والبطالة. وضمن هذا الإطار ، فقد تم وضع الملامح الرئيسية لبرنامج وطني للتصحيح الاقتصادي.
وقد تمثلت الأهداف الرئيسة للبرنامج (1999 – 2001) والذي انتهى في شهر أيار الماضي بتحقيق زيادة تدريجية في معدلات النمو الاقتصادي، واحتواء معدلات التضخم ضمن معدلات منخفضة، وتعزيز وضع احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية، والمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار وتخفيض عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى السير قدماً في عملية التصحيح الهيكلي والمتمثلة في تنفيذ حزمة الأمان الاجتماعي للحد من ظاهرتي الفقر والبطالة وتحرير التجارة الخارجية، وخصخصة بعض الشركات والقطاعات لإفساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة الأوسع في النشاط الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وللسير قدماً في النهج التصحيحي توصل الأردن في شهر أيار الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد للإصلاح الاقتصادي لمدة عامين ويمتد حتى منتصف عام 2004. وتسعى الحكومة من وراء ذلك إلى تعزيز وترسيخ المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الماضية. وتتمثل أهداف هذا البرنامج في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام الذي يساهم في التأثير الايجابي بشكل مباشر على مستوى معيشة المواطنين وذلك عن طريق مواصلة الإصلاحات الهيكلية والاستمرار في تطبيق سياسات كلية مناسبة. كما يهدف أيضاً إلى تخفيض عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى توفير مصادر التمويل اللازمة لبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي. ويشكل إصلاح نظام التقاعد الحكومي إحدى أولويات برنامج الإصلاح الحالي وذلك نظراً للأعباء المالية الكبيرة لهذا النظام على الموازنة العامة للدولة.
تطورات الوضع المالي والاقتصادي في الأردن أثناء فترة التصحيح
• اتجهت السياسة المالية خلال الفترة التي شهدت تطبيق برامج التصحيح نحو الحد من الطابع التوسعي بهدف احتواء العجز المزمن في الموازنة العامة تدريجياً، وذلك من خلال العمل على تنمية الإيرادات المحلية وترشيد الإنفاق العام، وفي سبيل ذلك، فقد اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات التي من شأنها العمل على تنمية الإيرادات المحلية وزيادة مرونتها.
• ومن أبرز هذه الإجراءات إحلال ضريبة الاستهلاك محل رسوم الإنتاج المحلي وتوسيع وعائها.
• وفي مجال الضرائب الجمركية، وضمن سعي الحكومة لتوسيع هامش حرية التجارة وتشجيع الاستثمار وزيادة القدرة التنافسية للصناعة الأردنية قامت الحكومة ومنذ عام 1989 بإجراء تخفيضات جوهرية على الرسوم المفروضة على السلع المستوردة خاصة المواد الأولية والسلع والوسيطة، شملت هذه الإجراءات تخفيض الحد الأعلى للرسوم الجمركية ليصل إلى 30% وإعفاء العديد من مدخلات الإنتاج من الرسوم الجمركية.
• وبهدف تطوير الإجراءات الجمركية وتبسيطها أصدرت الحكومة خلال عام 1998 قانوناً جديداً للجمارك تم بموجبه توحيد كافة الرسوم والضرائب التي تستوفى على السلع المستوردة والمعاد تصديرها بحيث يتم استيفاء هذه الرسوم والضرائب في بند واحد ووفق جدول واحد. وفي مجال الإصلاح الجمركي ، فقد عملت دائرة الجمارك على اعتماد النظام المنسق للتعرفة الجمركية، وهو عبارة عن جدول دولي متطور لتصنيف وتبويب السلع وفق أسس علمية ثابتة وضمن مجموعات رئيسية.
• وفي منتصف عام 1994 بدأ العمل بقانون الضريبة العامة على المبيعات لتحل محل قانون ضريبة الاستهلاك. وتعتبر ضريبة المبيعات أحد اهم أركان النظام الضريبي في المملكة في الوقت الحاضر خاصة بعد التخفيضات الملحوظة المتتالية على الرسوم الجمركية. وتبلغ نسبة هذه الضريبة 13% على السلع المستوردة والمحلية ومجموعة محددة من الخدمات، وتهبط هذه النسبة إلى 2% على السلع الأساسية التي تهم الشريحة العظمى من المجتمع.
• وفي إطار الإصلاح الضريبي الشامل الذي يهدف إلى تطوير النظام الضريبي وزيادة مرونته واستقطاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية قامت الحكومة بتعديل قانون ضريبة الدخل. وقد تضمن التعديل تخفيض عدد الشرائح الضريبية المفروضة على الأشخاص الطبيعيين، إلى جانب إجراء تخفيضات كبيرة على نسب الضريبة المفروضة على الشركات.
• أدت الإصلاحات الضريبية إلى توسيع قاعدة المكلفين وتقليل عملية التهرب الضريبي من خلال تفعيل نظام التقدير الذاتي لضريبة الدخل وتشجيع الاستجابة الطوعية لدى المكلفين بتقديم كشوف التقدير الذاتي ودفع الضرائب المترتبة عليهم والبدء بأسلوب اختيار العينات في تدقيق الكشوف، كما أنه ومن خلال قانون الضريبة العامة على المبيعات تم توسيع الشريحة الخاضعة للقانون، حيث تم تخفيض حد التسجيل لنشاط التجارة إلى (150) ألف دينار.
• وفي جانب النفقات العامة، فقد اتبعت الحكومة مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تقليص النفقات العامة وتخفيض نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقد ركزت الحكومة لتحقيق ذلك على ضبط الإنفاق الجاري وخاصة النفقات التحويلية منها والتي من أبرزها دعم المواد التموينية ودعم المؤسسات، هذا إلى جانب ترشيد مشتريات الحكومة من السلع والخدمات قدر الإمكان وضبط النمو في فاتورة الرواتب والأجور.
• أما فيما يتعلق بالإصلاح الهيكلي، فقد عملت الحكومة على إجراء بعض الإصلاحات في عدد من القطاعات من خلال تقنين الدعم المقدم لبعض المؤسسات وتنفيذ برنامج للتخاصية وتوفير الاطار التشريعي المناسب لعمل هذه القطاعات وإعادة النظر في أسعار بعض الخدمات. وقد شملت هذه الاصلاحات قطاعات متعددة منها على سبيل المثال قطاع الطاقة، قطاع النقل ، قطاع الاتصالات، قطاع التأمين والمصارف، وغيرها.
• استطاع الأردن تحقيق نجاحات واضحة في برنامج الخصخصة حيث تم إنجاز العديد من عمليات التخاصية خلال الفترة الماضية شملت مساهمة الحكومة في شركة الإسمنت والنقل العام وحمامات ماعين وعقد إدارة لمياه ومجاري العاصمة وسكة حديد العقبة وبيع جزء هام من أسهم الحكومة في محفظة المؤسسة الأردنية للاستثمار، كما تم ايضاً بيع حوالي نصف أسهم شركة الاتصالات الأردنية. وقد تم من خلال هذه العمليات استدراج استثمارات أجنبية للأردن. وفي نفس المجال يجري العمل حالياً على استكمال تخاصية الملكية الأردنية كما تم فصل النشاطات الفرعية عن النشاط الرئيسي، كما أن قطاع الكهرباء يشهد إجراءات حثيثة لاستكمال تخصيصه حيث تم إنشاء شركة الكهرباء الوطنية وشركة التوليد وشركة النقل وشركة التوزيع وذلك بهدف تطوير مصادر الطاقة وتحسين أداء هذا القطاع بشكل عام. كما تعتزم الحكومة قريباً بيع حوالي 15% من أسهمها في شركة الاتصالات من خلال بورصة عمان، وسوف تستخدم عوائد بيع هذه النسبة في تمويل مشاريع برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي يهدف الى تعميم مكاسب التنمية من خلال تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتخفيف من حدة الفقر والبطالة. كما يجري العمل حالياً على بيع جزء من أسهم الحكومة في شركة البوتاس العربية، وجزء من أسهمها في شركة مناجم الفوسفات. وقد ساهم برنامج التخاصية في ايجاد موارد من العملات الصعبة مما قلص من الحاجة للجوء للاقتراض الخارجي، يضاف لذلك إصلاح وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لهذه القطاعات. وتجدر الاشارة أيضاً إلى أن هذا البرنامج يساهم في رفع كفاءة الأداء والاستغلال الأكفأ للموارد.
• استجابة لمتطلبات الانفتاح الاقتصادي وسعياً من الأردن إلى فتح مختلف الأبواب أمام صادراته فقد تم الدخول في العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مثل اتفاقية الشراكة الأوروبية ومنظمة التجارة العالمية والسوق العربية الحرة واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات في تحسين المناخ الاستثماري وتعزيز قدرة الأردن على جذب الاستثمارات الأجنبية، وإيجاد مناخ ملائم يمكن الإنتاج المحلي من الانطلاق في أجواء تنافسية حرة ويفسح المجال أمامه لولوج الأسواق العالمية وبشروط تفضيلية تعزز من قدرته على المنافسة في تلك الأسواق، وتساهم هذه الاتفاقيات في توفير أسواق مستقرة للمنتجات الأردنية.
• وفيما يتعلق بالمديونية الخارجية، فقد أسفرت الجهود التي بذلتها الحكومة لتخفيض عبء المديونية عن تحقيق نجاح ملحوظ من خلال الاتفاق مع الجهات الدائنة على شراء ومقايضة أو شطب أو إعادة جدولة مديونيتها على الأردن. وقد كان أبرز ما تحقق في هذا المجال اتفاقيات شطب الديون أو تحويلها إلى منح والتي أبرمت خلال التسعينات مع عدد من الدول وبقيمة (773) مليون دولار. وكذلك اتفاقيات إعادة الجدولة التي عقدت مع كل من نادي باريس ونادي لندن خلال الفترة 1989 – 2001 لاعادة جدولة ما مجموعه (3694) مليون دولار. هذا إلى جانب اتفاقيات شراء ومقايضة الديون المستحقة إلى كل من روسيا وسويسرا وفرنسا وألمانيا واسبانيا، حيث بلغت اتفاقيات شراء الديون ما قيمته (1341) مليون دولار، في حين بلغت عمليات مقايضة الديون (540) مليون دولار، كما بلغت القيمة الاسمية لعمليات شراء سندات بريدي (195) مليون دولار. وقد أدت تلك الاتفاقيات الى تخفيض نسبة الرصيد القائم للدين العام الخارجي شاملاً سندات بريدي الى الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف تقريباً في عام 1998 ليصل على (95,1%). وانخفضت هذه النسبة إلى (78,7%) من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2001، هذا بالاضافة إلى تخفيض رصيد سندات بريدي المضمونة بنسبة تزيد عــن (26%)، وقد شهد العام الماضي تطوراً هاماً في مجال إدارة المديونية يتمثل في اقرار قانون الدين العام وإدارته.
وفي العاشر من شهر تموز الحالي توصل الأردن وللمرة السادسة في تاريخه إلى اتفاق لاعادة الجدولة مع نادي باريس، حيث تم بموجبه إعادة جدولة ما مجموعه (1200) مليون دولار من مديونية النادي والتي تستحق حتى نهاية عام 2007. وقد أظهر هذا الاتفاق ثقة عالية من جانب الدول أعضاء نادي باريس في أداء الاقتصاد الأردني، فلأول مرة تم تغطية ثلاث سنوات ونصف دون وجود برنامج للتصحيح الاقتصادي وهذه بحد ذاتها سابقة بالنسبة لنادي باريس، ومن المتوقع أن تكون هذه هي آخر مرة يضطر فيها الأردن لجدولة مديونيته الخارجية، حيث أن الأردن وبعد عام 2007 سيكون قادراً على مواجهة أعباء المديونية وذلك بفضل النمو الاقتصادي والإصلاحات التي تم إقرارها. وبموجب اتفاق إعادة الجدولة سيتم جدولة المبلغ المتفق عليه لفترة تمتد لحوالي (22) عاماً للقروض الثنائية منها (12) سنة فترة سماح و(20) سنة للقروض التصديرية منهـا (5) سنوات فترة سماح، كما تم الاتفاق أيضاً على استغلال 30% كحد أقصى من رصيد المديونية لهذه الدول لمبادلات الدين مقابل استثمارات أو مشاريع تنموية وبحيث يتم الاتفاق على ذلك ثنائياً مع الدول الأعضاء.
وتحمل اتفاقية اعادة الجدولة في طياتها العديد من الآثار الايجابية على الاقتصاد الأردني بشكل عام فهي من ناحية تؤكد على نجاح الأردن في تنفيذ عمليات تصحيح اقتصادي ساهمت في معالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، كما تعني أن هناك مناخاً اقتصادياً جاذباً للاستثمارات مما يعزز من ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأردني. ومن ناحية اخرى سوف تساهم إعادة الجدولة في تخفيف أعباء المديونية الخارجية وبالتالي تقليص الفجوة التمويلية للموازنة العامة، وهذا سوف يترتب عليه نتائج ايجابية تنعكس في القدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية التي تسهم في رفد النمو الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المواطنين. ومن الجدير ذكره في هذا المجال أنه كان لجهود جلالة الملك المعظم دور بارز في التوصل إلى توقيع هذا الاتفاق، حيث أن اتصالات جلالته وزياراته للعديد من الدول الدائنة شكلت عاملاً حاسماً في التأثير على مواقف هذه الدول.
• شهدت المرحلة المنقضية تقليص دور الدولة في النشاطات الاقتصادية المختلفة وخاصة من خلال تفعيل برنامج التخاصية. مما أفسح المجال أمام القطاع الخاص لتفعيل دوره في الأنشطة الاقتصادية وليلعب دوراً ريادياً في التنمية الاقتصادية. ومن جهة أخرى فقد ساهم هذا في تعزيز قدرة الحكومة على تركيز نشاطها في مجال التنظيم والرقابة وتوفير البيئة الملائمة لعمل القطاع الخاص، ولا شك بأن هذا يتطلب ايضاً إصلاح القطاع العام وتحسين أدائه مما يفضي إلى تعزيز دور الدولة في ادارة الاقتصاد الكلي والحفاظ على سلامته واستقراره ، ويمكن القول أن الهدف الأساسي في هذا المجال هو دولة تعمل بكفاءة أكبر وبكلفة أقل.
أولويات التصحيح الاقتصادي
شهدت السنوات الأخيرة تطورات اقتصادية ساهمت في تفعيل دور السياسة المالية وإيجاد البيئة والمناخ المناسبين لترسيخ الاستقرار الاقتصادي والمالي ومن أبرز هذه التطورات مواصلة الأردن لتفعيل الإصلاحات المالية الهادفة إلى زيادة كفاءة تخصيص الموارد، وتحقيق وتيرة نمو متوازن في الطلب المحلي إضافة لإزالة التشوهات في هيكل الإنفاق العام، وهذا يتجلى في توجيه الدعم الحكومي للسلع والخدمات إلى المستحقين مباشرة والتركيز على تحسين الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية.
ومن التطورات الهامة أيضاً فتح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدور ريادي في التنمية الاقتصادية وذلك من خلال الإصلاحات الضريبية ومنح المستثمرين العديد من الحوافز وتقليص دور الحكومة في العديد من النشاطات الاقتصادية مما يوفر مزيداً من الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص. ويساهم برنامج التخاصية في دعم هذا التوجه بشكل واضح، ويترافق ذلك مع مزيد من الاعتماد على آليات السوق. وهكذا يبرز الدور الفاعل للسياسة المالية في توفير البيئة المستقرة والمناسبة لتشجيع الاستثمار.
ولغايات ايجاد أساس متين للتنمية المستدامة والمساهمة في التأثير بشكل فاعل على حياة المواطنين وظروفهم المعيشية تم تبني برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي يتضمن عدداً من المشاريع تصل كلفتها الى حوالي (275) مليون دينار، وسوف يمتد تنفيذ هذه المشاريع على مدى السنوات القليلة القادمة. وقد روعي في تمويل هذه المشاريع عدم المساس بالانجازات المالية والنقدية المتحققة وعدم احداث أي زيادة في المديونية الخارجية أو العجز المالي للموازنة العامة، حيث سيتم تمويل هذه المشاريع من خلال تخصيص جزء من عوائد التخاصية ومن خلال المنح الخارجية الاضافية. وسيتم الانفاق على مشاريع البرنامج بالقدر المتحقق من هذه الموارد وضمن أولويات محددة.
وكثمرة لهذه الجهود الدؤوبة، شهد الاقتصاد الأردني أداءً ايجابياً خلال عامي 2000/2001 حيث بلغت نسبة النمو الحقيقي (4%) و(4,2%) على التوالي وزادت الصادرات في عام 2001 بنسبة 25%، ومن المتوقع أن يشهد عام 2002 نمواً بنسبة تزيد عن (5%). في حين يتوقع أن تكون نسبة التضخم بحدود (3,5%)، أما عجز الموازنة والمتضمن الانفاق على برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي فمن المتوقع أن يبلغ بعد المساعدات (4,1%) من الناتج المحلي الاجمالي دون احتساب عوائد التخاصية، وتشير نتائج الربع الأول من هذا العام إلى بلوغ النمو الحقيقي لما نسبته 4,2%، ومن المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 5% لعام 2002 كاملا.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه الأردن في ترسيخ الاستقرار الاقتصادي ووضع الاقتصاد في مسار النمو والتقدم مع الحفاظ على معدلات تضخم مقبولة واستعادة القدرة على الوفاء بالتزاماته وملاءته وسمعته المالية، فإنه لا تزال هناك صعوبات وتحديات تواجهه وتتطلب العمل بجدية للتغلب عليها وذلك على المستوى الكلي والقطاعي. ولعل التحدي الأكبر الذي يقتضي إيلاؤه الاهتمام الكافي في هذه المرحلة يتمثل في ترسيخ هذه المكتسبات وتنميتها بشكل متواصل حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من الاعتماد بشكل أكبر على موارده الذاتية وتقليص درجة تأثره بالصدمات الاقتصادية الخارجية من جهة وتحسين نطاق قدرته على المنافسة في ظل ظروف الانفتاح والعولمة. واستعرض فيما يلي أحد المواضيع التي تشكل أولوية خلال المرحلة القادمة، وأعني بذلك إصلاح نظام التقاعد الحكومي بشقيه المدني والعسكري.
نظام التقاعد
يعتبر التقاعد أحد اشكال حرص الدولة على توفير الرعاية الاجتماعية لمواطنيها، وتجنيبهم غائلة الفقر خلال السنوات المتقدمة من عمرهم والتي يتوقفون فيها عن العمل والانتاج ويتم ذلك من خلال توفير راتب تقاعدي لدى بلوغ سن معين او في حالة العجز عن العمل، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى فأن الاقتطاعات التي يساهم بها العاملون خلال سنوات العمل تلعب دوراً كبيراً في رفد الاستثمار والادخار على المستوى الوطني، مما يعني اتاحة الموارد المالية اللازمة للنمو الاقتصادي.
وكما هو معلوم، بدأ العمل بنظام التقاعد الحكومي مع بدايات تأسيس الدولة الاردنية وقد تبلور بشكله الحالي في عام 1959 من خلال قانون التقاعد المدني وقانون التقاعد العسكري. ويخضع لقانون التقاعد المدني الموظفون المصنفون والقضاة وموظفو السلك الدبلوماسي واعضاء مجلسي الامة والوزراء وعدد من موظفي بعض المؤسسات العامة، وفي هذا المجال تجدر الاشارة الى ان الحكومة ومنذ عام 1995 توقفت عن تعيين موظفين خاضعين لقانون التقاعد المدني واصبحت كافة التعيينات في الجهاز المدني خاضعة لنظام الضمان الاجتماعي، وتبلغ عدد سنوات الخدمة التي تؤهل الموظف للحصول على راتب تقاعدي 20 سنة أما الموظفة فتحتاج الى 15 سنة فقط. وتبلغ نسبة الاقتطاعات التقاعدية من هؤلاء الموظفين 8,75%. اما قانون التقاعد العسكري فيشمل افراد وضباط الاجهزة الامنية والعسكرية المختلفة، ويحتاج الخاضع لقانون التقاعد العسكري الى ست عشرة سنة لاستحقاق راتب التقاعد. وتبلغ نسبة الاقتطاعات من الرواتب الاساسية للموظفين المدنييـــن والعسكرييــن (8,75%) أيضاً.
وقد شهدت المدفوعات التقاعدية ارتفاعاً متزايداً خلال السنوات الأخيرة فقد بلغت في عام 1992 حوالي (106) مليون دينار، اما في عام 2002 فقد رصد لها مبلغ (321) مليون دينار مما يعني انها ارتفعت بما يزيد عن ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في بداية التسعينات.
ويعتبر إصلاح نظام التقاعد الحكومي احد القضايا الاساسية المطروحة حالياً، خاصة وان هذا الاصلاح كان احد الجوانب التي اكدت عليها التوجيهات الملكية السامية والتي وردت في رسالة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم الموجهة الى دولة رئيس الوزراء، ولا بد من الاقرار بأن طبيعة المرحلة والظروف الاقتصادية والاعباء الحالية والمتوقعة على الخزينة في ظل التشريعات التقاعدية الحالية لا تسمح بالاستمرار على هذا النحو ، لذا فأن الأمر يتطلب ايجاد توازن مع مراعاة اجراء الاصلاح بناءً على دراسات اكتوارية تضمن معالجة مختلف الجوانب.
واذا ما علمنا ان النفقات التقاعدية تشكل حوالي (17%) من الانفاق الجاري ندرك اهمية وضرورة اصلاح نظام التقاعد، والاثر الكبير الذي يشكله هذا النظام على كاهل الخزينة كأحد أهم الاعباء المتزايدة باستمرار، لذلك فأن الاصلاح سيؤدي إلى احتواء عجز الموازنة وترسيخ الاستقرار المالي الذي يشكل احد المقومات الرئيسية لتحقيق النمو المستدام الذي تنعكس ثمراته ومكاسبه على كافة شرائح المواطنين وخاصة الفقراء منهم وذوي الدخل المحدود.
ويكتسب اصلاح نظام التقاعد اهمية خاصة كاحد أبرز الاولويات المطروحة ضمن برنامج التصحيح الجديد والذي سوف يستمر خلال الفتــرة 2002– 2004، خاصة وان الفترة الماضية لم تشهد قدراً كافياً فيما يتعلق بموضوع التقاعد، ولكن توقف الحكومة ومنذ عام 1995 عن تعيين موظفين مدنيين خاضعين لنظام التقاعد يعتبر خطوه جادة تم اتخاذها لحل الأشكالات المترتبة على نظام التقاعد المدني.
لذلك لا بد من السعي نحو حلول تحقق مصلحة الخزينة والمتقاعدين في نفس الوقت وخاصة ذوي الرواتب المتدنية مما يساهم في الحفاظ على الأمن الاجتماعي وعلى مستوى معقول من الحياة للمواطنين بكافة فئاتهم، ويبقى الامر المهم هو ان أي حل للمشاكل الاقتصادية يجب ان يحرص على ديمومة النمو الاقتصادي والذي يشكل العامل الأهم في رفع مستوى المعيشة بما ينعكس على كافة فئات المواطنين وفي مختلف مواقعهم وهذا هو بالتحديد ما تسعى السياسة المالية الى تحقيقه من خلال الاصلاحات التي يتم القيام بها.








#وعد_المشهداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخاطر المالية
- الاصلاح المالي والمصرفي في العراق
- كشف الاختلاس
- رأس المال الفكري
- الاستثمارات الأجنبية المباشرة
- التمويل الدولي
- الخصخصة المختلفة


المزيد.....




- هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- -قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما ...
- ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل 
- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - وعد المشهداني - السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية