أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!















المزيد.....

حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2246 - 2008 / 4 / 9 - 10:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما تناهى إلى مسامعي خبر مؤتمر حوار الأديان المزمع إقامته في الرياض أنقدح إلى ذهني على الفور التوصيف الرائع للشاعر والكاتب المصري فرانسوا باسيلي حين تحدث عن أن السعودية بمثابة لغز عصي على الفهم، هذا البلد اللغز لا يمكنه فهم نفسه فكيف يفهم العالم؟! وقد بلور هذا الوصف نتيجة المعاينة لا الكتابة والتحليل عن بعد كما اعترف هو بنفسه، إذ سبق له أن عاش بعض السنين في كنف هذا البلد الذي يحمل من العجائب و النوادر والخصوصيات بحيث يتعذر على المرء الحاذق تماما أن يفسره ويحلله بشفافية وحيادية.

ولعل أبرز مصاديق هذا اللغز هو الكم الهائل من الاستثناءات التي تميز هذا البلد، فلا أحد يمكنه معرفة السر وراء حظر السينما في الوقت الذي تزدحم فيه الأطباق الفضائية اللاقطة فتغلف سقوف البيوت في كل المدن، وليس من السهل تحديد هدف الرقابة الصارمة على الكتب والثقافة والفكر ليس لكتاب أجانب عن هذا البلد وحسب بل أيضا لكتاب سعوديين يضطرون في تسويق أعمالهم لاستجداء عطف المؤسسات الثقافية خارج الحدود، فبأي جدوى يمكن تبرير هذه الرقابة ونحن نعيش في عصر الاتصالات والمعلومات، وهو عصر شهدنا فيه ثورة كبيرة في المعلومات التي من مخرجاتها شبكة الانترنت حيث توفر أكبر قدر من السرعة للوصول إلى المعلومة من أي مكان أو ثقافة، هذه القدرة على استخراج المعلومة تمتد في المكان والزمان بحيث تبدو معها كل عمليات الرقابة على الفكر والثقافة والتأمل بمثابة جهد عبثي لا جدوى منه.

وعلى امتداد هذا السياج الحديدي الذي يحد من انطلاقة الفكر وحرية الإبداع، ثمة رقابة من نوع آخر تزيد من وقع الأحجية السعودية هي ملاحقة النشاط الوجداني واختبار الإيمان من خلال ممارسات الشرطة الدينية التي تتفرد السعودية في منحها صلاحيات واسعة، لا تقف عند حد فرض حالة فريدة أشبه بحظر التجوال تتكرر خمس مرات في اليوم هي مواقيت الصلاة، بل تتعدى ذلك للتضييق على المرء في أكثر خياراته حميمية وخصوصية، فكأن هذه الشرطة الدينية قد سمحت لنفسها بالتوغل والحيلولة بين المرء وبين أبسط حقوقه في الحرية والخيار الشخصي، فليس للمرء حتى أن يختار سحنته ومظهره الذي يرتضيه، و ليس له إلا أن يكون وفق النموذج الذي ترتضيه و تباركه "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" !

هذا الواقع الحافل بالألغاز والأحجيات يترسخ شيئا فشيئا باتخاذه سيرورة معاكسة لكل الشعوب المتمدنة والتي تمكنت من احتلال مواقع مرموقة في سجل الحضارة و التقدم البشري. العادة أن تكون الثروة مقدمة للتنمية وإحراز التقدم ومن ثم ولوج الحداثة من أوسع الأبواب، ولكن في حالة السعودية فإن العكس –ويا للأسف الشديد- هو الذي حدث، فالتراجعات والتناقضات التي يحفل بها المجتمع لا تنسجم إطلاقا مع كون هذا البلد يحمل في أحشائه أهم مورد للطاقة في العالم، هذا لغز آخر لكنه في ذات الوقت بمثابة الشفرة التي ستفك كل الأحاجي التي حيرت العقول، لكن الأحجية الأكثر تعقيدا وتشابكا والتي تحتل بلا منازع الصدارة بين كل تلك الأحاجي والألغاز هي دعوة الحوار بين الأديان التي أعلنها مفتي السعودية مؤخرا، هذا الخبر الذي شاع في أبريل الجاري يصلح تماما لأن يكون أكذوبة ابريل و مزحا ثقيلا يمتاز به هذا الشهر!

أن تكون هذه الدعوة تنطلق من بلد لا يتمتع بأبسط الحريات و لا يوفر أبسط الشروط الأساسية التي توفر المناخ اللازم للتعددية الفكرية وحتى الدينية يعني أن النتيجة لن تكون سوى الفشل، إذ لن تتمكن من توفير المقدمات الضرورية لمثل هذا الحوار، والسبب ببساطة هو: فاقد الشيء لا يعطيه!

هذه الدعوة "الطريفة" ذكرتني بأخرى مماثلة حدثت في القرن الثامن عشر برعاية نادر شاه في النجف الأشرف، يقول أحد المؤرخين أن البنود التي اتفق عليها في المؤتمر قد نقضت و تبخرت تماما قبل أن يجف الحبر الذي كتب بها! والسبب هو ذاته، أي عدم توفر مناخ موات لروح الحوار والتسامح بين الطوائف والأديان. وفي تاريخ المسلمين الكثير من الشواهد المؤيدة التي تؤكد أن التسامح والتعددية شروط أساسية للحوار الفكري والديني بين الطوائف المتصارعة، وبنظرة سريعة على التاريخ نجد أن أكثر الفترات التي أخصبت روح التلاقي بين المتنازعين هي المراحل الانتقالية التي تتميز بانحسار السلطة و تراخي الاستبداد، مثل ما حدث عقب سقوط الدولة الأموية، أو في حالة تشكيل صيغة تعددية لأنظمة الحكم كما حدث حين تقاسم الحكم العباسيون والبويهيون في القرن العاشر الميلادي.

لا تستقيم إذن هذه الدعوة قبل أن تعاش كثقافة على أرض الواقع، و قبل أن تتوفر مقدماتها الأساسية وهذا مازال مستبعدا في العقل السعودي، وقبل أن نخوض في مسألة الأديان الأخرى نجد الواقع سوداويا قاتما على مستوى الدين نفسه، فليس سرا أن هنالك أقلية كبيرة من الشيعة لازالت تعاني صوفا شتى من التمييز والرفض المنهجي أو القبول المشروط..

يتواجد الشيعة في مناطق على قدر كبير من الأهمية الإستراتيجية، كالمنقطة الشرقية الغنية بالنفط، والمنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود والغنية بالثروات الزراعية و في المدينة المنورة حيث تتواجد المقدسات الإسلامية، و غني عن القول أن الشيعة في المدينة المنورة لا يحق لهم بناء المساجد والحسينيات ، في انتهاك صريح لحقوق الإنسان التي التزمت بها السعودية بانضمامها للدول الموقعة على ميثاق حقوق الإنسان، ولازال الواقع حافلا بأشكال مختلفة من التمييز ضد المواطنين الشيعة، كتدني نسبة التمثيل في مؤسسات الدولة كالجيش ومجلس الشورى ومجلس الوزراء.

و من جهة أخرى لا يحق لأكثر من ثلاثة مليون أجنبي مسيحي ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وحتى هذه اللحظة يحظر بناء الكنائس في السعودية، هذا إذا لم نتحدث عن الديانات الأخرى كالهندوسية والبوذية وغيرها، فالسماح في بناء معابد لهؤلاء لازال مستبعدا بل مستحيلا في الذهنية السعودية، وهو كمن يطالب ببناء حدائق خاصة بالدينصورات التي لا وجود لها! فهؤلاء الأجانب الذين يملئون شوارع مدن البلاد بلا استثناء هم بمثابة الديناصورات التي ليس لها وجود إلا بين صفحات الكتب التي تتحدث عن تاريخ السلالات المنقرضة أو الأفكار والأديان المهرطقة والضالة!

الدول الخليجية الأخرى قد حققت تقدما في سماحها بالحريات الدينية، كان آخرها قطر التي احتفلت مؤخرا بافتتاحها أول كنيسة كاثوليكية في مارس الماضي لاحتواء 500 ألف مسيحي هم عدد الأجانب المسحيين من جميع الطوائف الذين يقطنون هذا البلد الصغير، أما في البحرين فلها شرف بناء أول كنيسة خليجية في العام 1906م، و ثمة كنائس ومعابد لأتباع الديانات الأخرى في كل دول الخليج إلا السعودية التي لازالت تفرض حظرا يحرم الأجانب من مزاولة الطقوس الدينية بحرية، إنهم يمارسون عباداتهم بالسر والخفاء، و إن أكتشف أمرهم فيا لهم الويل من ذلك الجحيم التعسفي للذهنية السلفية المسيطرة و المهيمنة على هذا البلد.

هذه الظروف وهذا الواقع الذي لا يسمح بحرية الاعتقاد ولا يتمتع بالتعددية الدينية والتسامح وحرية الفكر لا يمكن أن ينشأ عنه حوار ناجح، وأي دعوة للحوار مع هذه الحيثيات ستموت ، و هو المصير ذاته الذي لاقته فعلا هذه الدعوة المزعومة، فلقد ماتت قبل أن تولد.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!
- التحية إلى روح بينظير بوتو
- نحو رؤية جديدة للزواج
- الإسلاموية و فوبيا التجديد!
- أحاديث في الحب
- فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
- الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- -اليهودي المقدَّس-.. قصة فلسطيني اعتنق اليهودية وقتلته نيران ...
- أغاني البيبي تفرح وتسعد طفلك..حدث تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- رأي.. بشار جرار يكتب عن مستقبل -الإخوان- في الكويت والأردن: ...
- 3 أحفاد يهود.. هل تؤثر روابط بايدن العائلية على دعمه لإسرائي ...
- الشرطة الفرنسية تقتل جزائريا أضرم النار في كنيس يهودي
- أبو عبيدة: التحية لأخوتنا في المقاومة الإسلامية في العراق
- دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا
- جدل وسخط بين الأوساط الدينية في مصر ضد انطلاق -مركز تكوين ال ...
- قلوب ولادك فرحانة.. تحديث جديد لـ تردد قنوات الأطفال نايل سا ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقعي ‏بياض بليدا و‏البغد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!