أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وجيهة الحويدر - في غرفة التحقيق















المزيد.....

في غرفة التحقيق


وجيهة الحويدر

الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 12:26
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كنت اتلفت من حولي ابحث عن مؤشر حياة، لم يكن ثمة تقاسيم واضحة على غرفة التحقيق. مجرد مكان عاجز، مثل جميع الأمكنة التي فشلت في ان تبوح عما جرى بين حيطانها من قهر وانتهاكات وجرائم بشعة. لعقود طويلة في بقع معتمة من هذا العالم، في زوايا موحشة في غرف التحقيق، مواطنون شرفاء كثيرون عبروا، وسُحقت آدميتهم بدون ان يعرف احد عنهم. صرخاتهم وتوسلاتهم المتكررة بددتها الايام بدون ان تترك اثرا في قلوب جلاديهم أو في ذاكرة الزمن، جميعهم ظُلموا وعُذبوا بدون رحمة. ادينوا بجرائم متشابهة لأنهم كانوا يطالبون بتوفير حق الحياة الكريمة للجميع، حتى لمعذبيهم انفسهم.

دخل المحقق الغرفة ومن الوهلة الأولى شعرتُ ان ثمة منافسة حادة بين حيطان الغرفة والمحقق، كأنهما كانا يتنفاسان على الصلابة المتخمة بتبلد الاحاسيس وغياب الانسانية. لم يظهر على ذاك الرجل اي اهتمام بأي شيء، سوى غرس صنف من الخوف في نفسي من خلال عيون جاحظة ابت ألا تستكين او ان تهدأ. جلس على الكرسي وكرر تحديقه، لكن هذه المرة خانه بؤيؤ عينه اليسرى، فشردت العين الى الجنب قليلا، وكأنها تريد ان تخبرني بأنه لا يوجد تحالف بينهما، وانها ليست راضية عما يجري لي هنا. بقيتُ ملتفة بصمت بعباءتي، وبحركة لا ارادية تحسست غطاء رأسي الذي صرتُ اشعر انه اصبح عضوا مني، فقد نبت في جسدي منذ عقود طويلة، فتبناه رأسي بدون ان ينتظر مني موافقة.

فجأة انكسر حاجز الصمت بصوت المحقق الأجش حيث اشتد وجهه خشونة وقال ينبرة غاضبة:

- من انتِ؟ وماذا تريدين؟ لماذا تثيرين كل هذه البلبلة على قضايا "هالحريم" ؟من يحرضك؟ ومن وراءك؟؟ هيا اخبريني بالاسماء.. وبسرعة.

قلت بكل هدوء:

- انت من؟ انت تعرفني بالاسم، تتنصت على مكالماتي، وتعرف رقم هاتفي، واين اقطن، وبالتأكيد تعرف كل افراد اسرتي، وانا لا أعرف حتى أسمك. أنا لن اتحدث معك حتى أعرف أسمك. ومن حقي ان اعرف انا مع مَن اتحدث.

لم يعجبه ردي أبدا.. انتفضى ليظهر عدم الرضا واجاب:

-نحن نوجه الاسئلة ودورك انت الاجابة فقط. انت سببتي ازعاج للسلطة، ويجب ان تتوقفي عن هذا الشغب والفوضى.

في هذا الجزء من العالم يُطلق على المطالبة بالحقوق شغباً وفوضى، اليس ذلك بأمر مثير للحزن؟؟ وانا اتأمل قلب المفاهيم ذاك، نـُخرت ثقوباً مؤلمة في ذهني من كل كلمة في ذلك المثل الافغاني الذي يقول" لا بد ان نتعلم كيف نتألم بصمت، لأن الصراخ من ألم سياط الجلاد قد يعكر على الوالي قيلولته، وتعِسَ قوم عكّروا قيلولة ولي امرهم."

اكمل المحقق كلامه عن الحكومة الرشيدة وما تبذله من جهد من اجل راحة المواطنين وخدمتهم، اختفى صوته شيئا فشيئا... فجأة فقدت قدرتي على السمع، عجيب امر اعضائنا السمعية هذه، احيانا تتصرف بمحض ارادتها حين تجد انه لا جدوى من الإنصات. سرحتُ قليلا بعيدا عن تلك الأجواء الكاتمة للهواء الحر. اخذتني ذاكرتي الى مدينتي البائسة الهفوف، حيث تقطن امي. كل مرة حين يتنكر لنا الزمان والمكان نتوق بحنين شديد الى احضان امهاتنا.شعرتُ كأني طفلة صغيرة تود ان تختبئ في كنف امها هربأ من شتاء قارص. العالم اصبح موحشا وباردا. كيف ابعدنا الزمن انا وامي عن بعضنا البعض؟ ما الذي اوصلني الى هنا؟ لا اريد طعاما ولا خبزا من أمي، كل ما أتوق اليه هو لحظة صفاء معها. ذرفتُ دموعا غزيرة في اعماقي بدون ان يشعر بي ذاك العبد المأمور. خطأ فادح ان نضعف او نهتز قيد انملة، ونحن على ارض المواجهة. ثمة طوابير من الفتيات الصغيرات ينتظرن اطلاق سراحهن من السجون. ليس من حقي ان اتخلى عنهن..بل ليس من حق احد ان يتخلى عنهن.. صرتُ اردد ذلك في داخلي.. واذا بي اسمع المحقق يقول:

-الا تسمعين؟ اخبرينا بالأسماء.. من هم وراءك؟؟

ابتسمت وببرود شهرزادي متوارث بين النساء حين يجابهن نهاية قد تكون قاتلة..أجبته:

- لا احد ورائي.

رد بحنق:
-انت تكذبين. نحن نعرف من هم وراءك .. هيا اخبرينا من اين لك هذه القوة؟

كان بودي حينها ان اقهقه بأعلى صوتي .. واثير حفيظته بسخرية متعمدة.. بالطبع هذا المأمور بأمره لا يعرف من اين تأتي قوة الحق.. فهو يقف على ضفة الباطل، ولم يتعرف قط على الحق في حياته، وربما لن يتعرف عليه ابدا...

اجبته بنبرة ساكنة كي أمتص غضبه الماحق..
- من اين لأي حقوقي أن يأتي بقوته؟؟ انت تطرح هذا السؤال وقد مروا عليك قوافل من الحقوقين الصادقين.. عجبا..كيف لم تتيقن من الاجابة بعد..؟ من اين لعلي الدميني ومتروك الفالح وعبد الله الحامد اتوا بقوتهم؟؟ من اين "مانديالا" المُعدم اتى بقوته؟؟ ذاك الرجل الهزيل الذي حارب تاريخ طويل عاتي من العنصرية والتشنج والمهانة.. كان لا يملك سوى ملابسه الرثة وحذاءه المهتريء.. من اين "المهاتما غاندي" اتى بصلابته وعزمه؟؟ ذاك الانسان الـ..

بدا على وجه المحقق القرف وقاطع استرسالي قائلا:
- كفي عن الثرثرة.. واجيبي على السؤال.. من اين لك هذا الصمود؟
بسرعة قلت:
-مني .. قوتي استمدها مني ..من الداخل وليس من احد... هل تعرف أو تفهم كيف تستمد امرأة قوتها منها في هذا الوطن الذي تخلى عنها تماما، بل حوّلها الى أمَة؟؟

كأنه لم يسمع الاجابة التي كان يـُصر عليها فقال:
_مع من تتعاونين؟ من هم الذين يحرضونك ويدفعونك للقيام بهذا الشغب ؟؟ اخبرينا بأسمائهم. انت تعرفين جيدا اننا بإمكاننا ان ننهيكٍ تماما. حينها سوف تخسرين كل شيء، وظيفتك، وحياتك، وكل ما عندك.. وقد يتضرر اولادك..هيا اعطينا الاسماء...
هنا انتفضت في داخلي مشاعر الامومة، ونهضت لبوءة كانت مستكينة لانها احست بخطر يقترب من اشبالها..فتغيرت نبرة صوتي واجبته بغضب شديد:
- لن اسمح لك بتهديدي او مس اولادي.. انا اعرف ما بإمكانك ان تفعله بي.. لكن هذا لا يعنيني بشيء.. انا صاحبة حق وما قلته لك هو الحقيقة.. وهذا كل ما عندي.. جهازي الجوال اخذتموه مني.. افتحه وتفحص الاسماء وسجلها عندك وابحث بينها عمن تريد.. وهذا كل ما عندي لأقوله لك...

حينها خيم صمت بلا نزعة.. ساد الغرفة هدوء عجيب ..لا أدري ..ربما ستلحقه عاصفة عبر ثواني متلاحقة.. لكن لم يحدث شيء..بعدها قال بعصبية مفتعلة وروح الهزيمة تبث رائحتها في المكان...

-انت امرأة عنيدة، سأحيلك الى محقق اتى خصيصا لك من العاصمة.. ربما ترجعي لعقلك وتتركي "هالحريم" اللاتي يضحكن عليك لتقومي بهذه الاعمال السخيفة..وتكفي عن هذا الشغب غير المجدي.. انت تعتقدين ان الدنيا على هواك..؟؟ تسببين مشاكل للسلطة وتحرضين "الحريم" علينا..من قال لك ان "الحريم" يردن ان تتغير احوالهن؟؟ هن سعيدات بأوضاعهن.. لماذا انت تتدخلين في شؤونهن..؟؟ من امرك ان تطـ...

تبدد صوته المهزوم وتهديداته البائسة شيئا فشيئا، وعاد المثل الأفغاني يدق في مسامعي من جديد... لكن بصورة تساؤل واجابة هذه المرة "هل لا بد ان نتعلم كيف نتألم بصمت، لأن الصراخ من ألم سياط الجلاد قد يعكر على الوالي قيلولته؟؟ وهل بالفعل يتعس القوم الذين يعكرون قيلولة ولي امرهم وجلاديهم؟؟ بالتأكيد لا... بالتأكيد لا...



#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نرجو السماح لنا بحق الشرعي لقيادة السيارة في بلادنا
- اعلموا ...2
- اعلموا...(1)
- سيناريو عن قاتل -بنازير بوتو-
- لمن تسكنهم بقايا طفولة!
- اليوم العالمي لحقوق الإنسان في غرفة الانعاش!
- لا بد ان نمجدهن...
- فلماذا إذاً تُركت للذكور المسعورة لتنهشها؟؟
- حتى انتم يا اساتذة جامعة الملك سعود؟؟
- حيث اللا مكان…
- بحث: كل هؤلاء القتلة هل لهم أب واحد؟ 1
- حينما...
- السعوديون بلا وطن.. لا اسثناءات لتلك القاعدة
- السعوديون أرض بلا وطن 2
- السعوديون بأرض.. ولكن بلا وطن - 1
- رجل العام اللامع في فضاء نسائنا المعتم
- دنيا مريم!
- عريضة للسعوديين النبلاء فقط
- كيف عصي الدمع علينا؟
- رجل اختزل نفسه في عضوه!


المزيد.....




- شاهد..امرأة في مصر تؤدي دور المسحراتي خلال رمضان وتجوب شوارع ...
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة والإعل ...
- صلة رحم.. معالجة درامية إنسانية لقضايا النساء
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...
- إيه الحالات اللي بتحتاج استئصال للرحم؟


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وجيهة الحويدر - في غرفة التحقيق