صالح الشقباوي
الحوار المتمدن-العدد: 2234 - 2008 / 3 / 28 - 11:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في المســــألــــة اليهوديـــة بقلم:دكتور صالح الشقباوي/ جامعة الجزائر /قسم الفلسفة/
المسألة اليهودية
* البيئة التاريخية :
الضرورة التاريخية تفرض علينا, معرفة الأساس المادي والتاريخي لبروز المسألة اليهودية وتجلياتها ووضعها في إطارها التاريخي الصحيح, لأنه لا يجوز لنا أن نجرد الظاهرة عن ظروفها الموضوعية, وإقتلاعها عن بيئتها ( ), وبالتالي فإنني سألجأ في هذا العمل الى الأسس الواقعية, التي تحدد المغزى الحقيقي , لبروز المسألة اليهودية , وذلك بالابتعاد قليلا عن التحليلات المجردة.
مصطلح "المسألة اليهودية" حديث النشأة وجد في أوروبا في مرحلة تاريخية معينة تتمثل في إنتقال أوروبا من عهد الاقطاع « Feodalism » إلى عهد الرأسمالية « capitalism »....مما يعني أن تحول وجود اليهود إلى "مسألة" متميزة نوعيا عن السابق يتطلب معالجة خاصة , وبناء على حصر هذه المسألة في مرحلة تاريخية معينة ذات أبعاد زمانية ومكانية واضحة , لا يجوز بأي حال من الأحوال إسقاطها تعسفا على كل العصور التاريخية , كما فعل الباحث " أديب ديميتري" في كتابه "الماركسية والدولة الصهيونية" والذي أسقط فيه المسألة اليهودية على مجرى التاريخ منذ البداية حتى اليوم بعد أن حاول البرهنة على وجود جوهر ثابت "للمسألة اليهودية" يبقى هو هو عبر كامل التحولات التاريخية التي تؤثر على الظواهر والأعراض فقط وليس على الجوهر الدائم نفسه، وهذا الموقف نرفضه ونقول إن الأساس المادي لوجود أمة يهودية عبر التاريخ منطق غير واقعي, ولا يلامس الحقيقة, لأن اليهود ليسوا أكثر من مواطنين في مختلف دول العالم.
* تعريف "المسألة اليهودية" :
هي ظاهرة - إقتصادية إجتماعية , حديثة في الأساس أولدها بطء تطور النظام الرأسمالي في أوروبا الحديثة ( ), حسب د/إبراهيم أبو لغد فهي موضوع نشأ في فترة تاريخية معينة في أوروبا في مجتمع متغير مجتمع قومي * وفي ذلك يقول هرتزل :
"ليست المسألة اليهودية بالنسبة لي مسألة إجتماعية أو دينية إنها قضية وطنية"( ).
• لماذا عودة المسألة اليهودية للظهور ؟ !
في الربع الأخير من القرن التاسع عشر, عادت المسألة اليهودية للظهور في الساحة الأوروبية , التي تحولت من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي, خاصة ونحن نعلم أن اليهود تاريخيا قد اختصوا بالتعامل بالرأسمال السائل , وكانوا يمثلون عنصرا هاما يعيش في مسمات جسد مجتمع الإقطاع، لكن هذا العنصر فقد فعاليته وأهميته بعد ولادة رأسمالية أوروبية فتية,وتحول إلى عقبة في وجه البرجوازية التجارية النامية التي عملت بحكم مسارها الطبيعي على تدميره واستئصاله, لصالح أساليبها الحديثة في إنتاج الثروة , لذا فقد أخضعت الرأسمال الربوي إلى مصالح الرأسمال التجاري ( ).
إن طبيعة الصراع المرير والشرس بين القوى الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية النامية وبين "الرأسمال اليهودي الربوي" أدى إلى بروز المسألة اليهودية, بعد انتصار الرأسمالية التجارية الأوروبية النامية على الرأسمالية اليهودية الربوية. نشأت مؤسسات التسليف في القرنين الثاني عشر والرابع عشر في البندقية وجنوا من حاجة التجارة البحرية وتجارة الجملة المرتبطة بها لتحرير نفسها من سيطرة الربا المتخلف ومن إحتكار السوق المالي ( ), وفي مكان آخر أشار ماركس بدقة إلى هذا الصراع الشرس بين الرأسمالية الفتية والرأسمال الربوي اليهودي، ويقول :
" إن هذه المعركة العنيفة ضد الربا , وهذا الاصرار على إخضاع الرأسمال الربوي للرأسمال الصناعي هو النذير بالمؤسسات العضوية التي تضع شروط الانتاج الرأسمالي في النظام المصرفي الحديث عن طريق تركيز كل الاحتياط المالي العاطل وقذفها في السوق المالية " ( ).
ويجب ألا نغفل عاملا هاما ومؤثرا ساهم في إيجاد المسألة اليهودية , وهو الصراع الحاد بين المسيحية, المتمثلة في البابوية وبين اليهود، فقد تزعمت الكنيسة ممثلة بشخص "البابا" , في القرون الوسطى "الثاني عشر – الرابع عشر" الصراع المعادي لليهود ومنعتهم من إمتلاك الأراضي, والسماح لهم فقط في المتاجرة بالمال ( ) ولهذا لم يندمج اليهود في أوروبا , وتطورت الرأسمالية اليهودية , لدرجة أصبحت جزءا لا يتجزأ من مجموع حركة الرأسمال ( ).
كتب كارل ماركس ملاحظاته عن المسألة اليهودية عام "1844" قال : "إن اليهودي يتمثل برجل المال وعليه فلن يتحرر اليهودي إلا بتحرر المجتمع الأوروبي من رجل المال" ( ).
وفي نفس السياق نجد أبرهام ليون يقول في دراسة له عن المسألة اليهودية "المسألة اليهودية نتاج تفتت طبقة المراباة اليهودية شبه الرأسمالية مع نهوض الرأسمالية" , فاليهود عبر التاريخ –باستثناءات قليلة- كانوا يشتغلون بالتجارة والحرف المالية الأخرى مثل الأعمال المصرفية والربا( ) ووصل إرتباط اليهودية بالتجارة درجة كبيرة حتى أن ماركس تحدث عن اليهودية على أنها بناء فوقي له قوة وخصائص البناء التحتي( )، فالمسألة اليهودية نشأت في أوروبا نتيجة تحول النظام الاقطاعي إلى النظام الرأسمالي وإلى الحالة المتميزة التي كان اليهودي يفرضها على نفسه حياة "الغيتو"* فهو يعيش في أحشاء أوروبا وفي داخلها لكنه لا ينتمي إليها، فمع تنامي الصراع واشتداده برزت بعضًا من الحلول والآراء لتلك المسألة :
و لا يمكن عزل المسالة اليهودية عن محيطها الاجتماعي والسياسي, فهي مسألة ولدت في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا التي إحتوت حركات عاصرت قيام المسألة اليهودية وكان أهمها:
1- الحركة القومية : عملت على تمزيق الكيان السياسي الواحد وأعادت تركيبه على أسس قومية , فحين كانت الدولة الواحدة تضم أكثر من قومية، تمزق هذه الدولة إلى دول , أما فإذا كانت المجتمع القومي الواحد يعيش في أكثر من دولة واحدة, كانت الحركة القومية تقوم بتوحيد هذه المجتمعات معا في إطار دولة واحدة تتمتع بجدار اجتماعي ذو رابطة قومية واحدة.
** / باحث أكاديمي جامعة الجزائر/ قسم الفلسفة
#صالح_الشقباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟