أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى العبد الله الكفري - ملامح المستقبل أو خطوط الأفق















المزيد.....


ملامح المستقبل أو خطوط الأفق


مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق


الحوار المتمدن-العدد: 692 - 2003 / 12 / 24 - 08:25
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


   تأليف: جاك أتالي  - ترجمة: أحمد عبد الكريم  عرض: الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

     (مما لاشك فيه أن الإنسان لا يزال في حوار مستمر مع أخيه الإنسان منذ مليون عام وهذا يعني أنه كان يعرف استخدام النار منذ خمسمائة ألف عام على الأقل.ومنذ ذلك الوقت كان يعرف أن باستطاعته فهم محيطه والتأثير عليه. ومنذ خمسة عشر ألف عام استطاع الإنسان استخلاص المبادئ التي جعلت الحياة الاجتماعية ممكنة. وهذه المبادئ هي الأساطير الأولى، ويعني ذلك أنه كان يعيش في قرى بحالة حضرية منذ حوالي عشرة الاف سنة. وأخيرا أصبحت علاقاته الاجتماعية منذ ألف عام خاضعة للمال  وسيطرة  النقود.) (ص 28).

      ما هو النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي ينتظرنا ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين ؟ وأي نوع من التطور الاقتصادي الاجتماعي ؟ وما هي علاقات التبادل التجاري المنتظر بين الدول والتجمعات البشرية المختلفة ؟وما هي أساليب الحياة الاقتصادية المتوقعة ؟ وما هي اتجاهاتها المستقبلية؟ إننا في الواقع ندخل في مرحلة جديدة تتغير بشكل جذري، الأحداث  تتوالى والتحولات تتسارع، الديمقراطية تزداد انتشارا، بعض التكتلات الاقتصادية تسقط وتتلاشى، وتكتلات اقتصادية جديدة تنشأ وتتعاظم، ويبرز في ميدان الاقتصاد العالمي لاعبون جدد ورهانات جديدة. واللعبة الكبرى على مستوى كوكبنا هي التي تجعل من ( اقتصاد السوق ) سيدا لكل الأشياء بل حكما لكل الثقافات ونمو الحضارة.

     من حقنا أن نحاول وضع خطوط رئيسة أولية للأفق، وتحديد مستقبل النظام الاقتصادي العالمي في المرحلة القادمة. ولكي نصل إلى ذلك، لابد وأن نمد أيضا أبصارنا بعيدا إلى الأمام والى الخلف، لأننا لن نتمكن من فهم الحاضر وشرحه، أو وضع تصور معقول عن المستقبل دون إقامة شبكه متقاطعة من الاستنتاجات التي تسمح لنا تفسير تاريخ تطور النظام الاقتصادي العالمي وحل ألغاز العلاقات الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية على مر العصور.

     بناء على ما تقدم، ومن خلال ربط التاريخ بإسهامات العلوم الاجتماعية الراهنة واستخدامها بشكل علمي لنتمكن من وضع تفسير للوقائع والتحولات التي تفاجئنا في حياتنا كل يوم، سوف أستخلص نتائج منهجية نسبيا حول ما سيحل بالنظام الاقتصادي العالمي. (في اعتقادي أننا لن نشهد انتصارا للاقتصاد الأمريكي على (السوق) الذي تسيطر عليه الخدمات، كما تتوقع الآراء الشائعة، بل على عكس ذلك، سوف نتجه تدريجيا نحو عالم مفرط بالتصنيع يمتاز بمعدلات نمو متزايدة، يهيمن عليه (مجالان متنافسان ) هما ( المجال الأوروبي  والمجال الباسيفيكي ) والواقع أنهما مجالان متكاملان تحل فيهما الآن القوى الاقتصادية محل القوى العسكرية، علما بأن القوتين العسكريتين في طريقهما للانحسار. أما الاقتصاد العالمي فسوف تبعث النشاط فيه طلبات  السلع الجديدة التي ستغير أنماط حياتنا، وسأطلق على هذه السلع اصطلاح ( الأشياء ألرحاله )، لأنها ستكون محمولة ومنقولة، وستسمح بالقيام بوظائف الحياة الأساسية دون أن يكون لها قيد أو ارتباط ثابت. هذه الصورة الجديدة سوف تستدعي ابتكار بالجغرافيا السياسية والتوازنات الاستراتيجية) (ص 18 ـ 19).

    إن هذه الأشياء " الأشياء الرحالة ( المحدثة للربح الوفير سوف تفتح آفاقا جديدة لتطور الاستهلاك الشخصي لأنها تشكل مجموعة منسجمة ولها صفات مشتركة: فهي خفيفة، يمكن لآي شخص أن يحملها بمفرده، وليس لها ارتباط ثابت، ولا تشبه السلع الاستهلاكية الشائعة كالسيارة أو الغسالة أو جهاز التلفزيون. إن بعض هذه الأشياء الرحالة معروضة منذ زمن، مثل الأسلحة الفردية، والألبسة، والساعة، ومنذ وقت قريب ظهرت ) أشياء رحالة " جديدة في ميادين اقتصادية نادرة مثل: السماعة المتجولة المحمولة في غطاء الرأس، والهواتف المحمولة، والحاسوب الشخصي، والتيليفاكس، التي أصبحت محمولة أيضا، وأخذت تحث انقلابا في تنظيم العمل. (ص 46 ).

     يرى جاك أتالي أن ألازمه الاقتصادية العالمية قد انتهت، وأعلن عن قيام الديمقراطية في أماكن لم تكن متوقعة، ولم يعد بالإمكان التعرف على الخريطة الإيديولوجية والاجتماعية في القارة الأوروبية (وأصبحت المؤشرات في جميع البلدان المتطورة تبشر بمرحلة جديدة من النمو، وسوف تستمر هذه المرحلة عدة عقود، كما ستستمر المشاكل لمدة أطول: كمشكلة عدم التوازن بين بعض البلدان، والانتقال العسير إلى " نظام السوق " والمظالم بين المجموعات الاقتصادية ومشاكل البطالة والمجاعات والفوضى في قلب أسواق المال والمواد الأولية. ولكن النمو الاقتصادي على مستوى الكرة الأرضية لن يعاني من هذه المشاكل على الدوام ). وسوف يؤدي التقدم التقني وتطور التكنولوجيا إلى تحقيق زيادات كبيرة بالإنتاجية، الأمر الذي سوف يساعد على تحقيق الأرباح الضرورية لزيادة الاستثمار وزيادة الأجور مما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك. ( ص 2 ).

     إن كل ما هو صحيح في الشمال المتطور هو صحيح في الجنوب المتخلف. ففي كل مكان من العالم هناك أخطار تهدد المستقبل. وتختلف الظروف من منطقة لأخرى ومن قارة لأخرى. لقد استطاعت القارة الآسيوية، بفضل تطور الزراعة، أن تحصل على ما يسد الرمق، ولكنها مع الأسف لا تزال تعاني من بعض المجاعات كما تعاني القارة الأفريقية من مجاعات حادة محلية، ولا تخلو أمريكا اللاتينية من هذه الآفة الخطيرة. وبالتالي نلاحظ أن الفقر مستقر في العديد من بلدان الجنوب، بينما تبدو ملامح الازدهار الاقتصادي في بلدان الشمال ( اليابان، أوربا الغربية، أمريكا الشمالية ) الأمر الذي يعمق من جديد ألهوه التي تفصل بين دول الشمال المتطورة ( البلدان الأكثر غنى) ودول الجنوب المتخلف ( البلدان الأكثر فقرا ). ولم يتمكن اقتصاد السوق من وضع حد الفوضى الاقتصادية التي يعيشها العالم بل ـ على عكس ذلك ـ زادها تفاقما، لأنه بطبيعته يدعم الأكثر قوة. (ص22)

اتصف كل نظام اقتصادي اجتماعي (كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية) بالمزايا المشتركة التالية:

ــ  في وسط كل نظام اقتصادي اجتماعي هناك مدينة مسيطرة، يمكن أن يطلق عليها أسم      ( المركز ) تتركز فيه السلطات الرئيسية، المالية والتقنية والثقافية والإيديولوجية، وأحيانا السلطات السياسية. وفي هذا ( المركز ) تقوم النخبة بإدارة الأسواق، والمستودعات، وتحديد الأسعار والمنتجات، وتحقيق الأرباح كما وتشرف على التشغيل والأجور، وتمويل جوانب الحياة الأخرى الثقافية والفنية وغيرها. وهي التي تحدد العقيدة التي تؤمن بها السلطة. وتكون عادة عملة ( نقود ) المركز هي العملة المسيطرة على المبادلات التجارية الدولية. ويستقطب المركز عادة المفكرين والمثقفين والأدباء والفنانين .

ــ  يحيط بهذا ( المركز ) وسط جغرافي مؤلف من عدة بلدان أو أقاليم متطورة تشتري منتجات المركز.ويمكن أن نلاحظ عددا من ( المراكز ) القديمة التي كانت في مرحلة التقدم والازدهار ثم انهارت، ومن الممكن أن تتحول بعض المدن إلى ( مركز ) مستقبلي عندها تكون في طريقها إلى التقدم  والازدهار.

ــ وعلى مسافات بعيدة من ( المركز ) هناك الأطراف أو الضواحي التي لا تزال تخضع كليا أو جزئيا لنظام قوة (المركز)، وتضم المناطق المستغلة التي تبيع موادها الأولية وعملها (للمركز) وللوسط الجغرافي المحيط به، دون أن تتاح لها فرصة التوصل إلى ثروات (المركز). ومن شكل لآخر تمتد فئة العلاقات الاجتماعية التي تحكمها السلعة. ومن شكل لآخر يمتد الجزء من العالم الذي يسيطر عليه المال. وفي كل شكل سلعي هناك تقنيات تفرض نفسها باستخدام الطاقة وتنظيم الاتصالات.وهنا مادة استهلاكية خاصة في داخل الشكل السلعي تعد بمثابة المحرك للطلب والإنتاج في هذا النظام أو ذاك. ويكون ( المركز ) دائما في المكان الذي تقيم فيه إحدى المجموعات البشرية التي تعرف كيف الشعب حول مشروع حضاري ثقافي معين،مع إمكانية توفر الموارد الضرورية لهذا المشروع وتستخدم تكنولوجيا فعالة.(ويصوره عامة،يجسد(المركز) واقع أمة ما، قادرة على التصرف بشكل إبداعي أكثر من الأمم الأخرى، حيال مشكلة من المشاكل الصعبة أو عجز معين وتجد لهما الحلول الناجعة الملائمة ). ( ص41 ــ 42 ).

     ويرى الباحث أن هناك الكثير من الدلائل التي تحمل على الاعتقاد بأن اليابان تملك الشروط الضرورية التي تمنكها من التحول إلى ( مركز ) يقوم بإعادة تنظيم جميع القوى العالمية حوله، النقدية والمالية، والصناعية وحتى الثقافة العالمية وذلك للأسباب التالية:

ــ تطور التقنية الخاصة بالأشياء الرحالة منذ زمن بعيد.

ــ التنظيم المتجانس والمتكامل للدولة والشركات بهدف الاستيلاء على السوق العالمية والمحافظة عليها.

_ وجود تقاليد ثقافية للسيطرة على الذات، ورغبة ملحة للحوار من أجل الحصول على الاجتماع.

ــ السيطرة على ( الوسط ) الذي تنتج فيه السلع التقليدية وتستهلك فيه السلع الجديدة.

    ( بالإضافة إلى ذلك، هناك شروط أخرى عظيمة الأهمية أيضا، يصعب القيام بها، على سبيل المثال:هل ستتمكن اليابان من إنتاج قيم اجتماعية عالمية ؟ وهل ترغب القيام بهذا الدور كحامية عسكريــة ( للأطراف) و( للوسط الجغرافي) الذي من واجب ( المركز ) القيام به؟ أن ذلك ليس واضحا ).(ص52 )

     لقد أصبحت اليابان فعليا، دون أن تصرح وتتباهى بذلك، أو يسمح بالإفصاح عنه ( القلب المهيمن ) في ( مجال الباسيفيكي ). فهي تبسط سيطرتها تدريجيا على الأسواق المحيطة والشبكات الصناعية وقد أصبحت استثماراتها الصناعية في الجزء الآسيوي المجاور للمحيط الباسيفيكي تزداد سنويا بمقدار الثلث، كما أصبحت تسيطر في هذه المنطقة حاليا على أكثر من ثلث الشبكات التجارية،وحوالي نصف توزيع سلع الاستهلاك العادية الكثيرة الانتشار.(ص75) ومن المتوقع أن  التجارة ستكون بمثابة ( مسرع ) هائل للتنمية الاقتصادية اليابانية، ولدور اليابان في اقتصاد ( المجال الباسيفيكي ) الذي تسيطر عليه، وسوف تتضاعف فعاليات اليابان بسبب تخفيض الصعوبات الرئيسية التي يتميز بها هذا ( المجال ) ـ لأن اليابان تقع في وسط هذا المجال ـ. ص 76  وهكذا نرى أن اليابان تضع نفسها فعليا في المركز المالي العالمي، فالأرباح والفوائد والعملات الصعبة تتراكم منذ فترة ليست قصيرة في هذا المركز العملاق، وأصبحت اليابان تملك البنوك العشرة العالمية الكبرى. ويعد جهاز القرار في اليابان الذي يشكل ائتلاف عجيب يتكون من رجال الأعمال وكبار موظفي الدولة نموذجا فريدا من نوعه، حيث يفرض مستوى رفيعا من المستندات المالية، ومن النقد، وهو يسعى بشكل مستمر إلى امتلاك قوة شرائية هائلة غايتها الأساسية السيطرة على الاقتصاد في كل من أمريكا وأوربا. وقد أسهم النظام النقدي الياباني بازدهار السوق المالية اليابانية حيث ارتفعت القيمة الفعلية لأسهم البورصة اليابانية من 1.% إلى 55% من مجمل قيمة الأسواق المالية العالمية خلال عشرة أعوام، وقد رافق هذا الارتفاع بقيمة سوق الأسهم اليابانية انخفاض قيمة سوق الأسهم المالية الأمريكية من 4.% إلى 2.% من مجمل قيمة الأسواق المالية العالمية خلال نفس الفترة. وهذا يعني أن ارتفاع قيمة أسواق الأسهم اليابانية كان على حساب أسواق الأسهم في كل من أمريكا وأوروبا. وبفضل صادرات اليابان وغزو المنتجات اليابانية لأسواق العالم تحصل اليابان على مبالغ كبيرة (عشرات المليارات من الدولارات ) من الفائض في الميزان التجاري. وتقوم اليابان باستثمار هذه الفوائض وتوظيفها بواسطة شركات جديدة في جميع أنحاء العالم وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية.  (وعلى سبيل المثال: نجد أن مجموعة ( متسوي NTSUI ) اليابانية تملك اليوم ثلث رأسمال 75 شركة أمريكية، يبلغ رقم أعمالها  الإجمالي 17 مليار دولار وهي تسعى دائما إلى زيادة عدد فروعها في الولايات المتحدة الأمريكية. (ص81 ) ومع ذلك، لابد من الافتراض، بأن اليابان قد لا تتمكن، رغم فضاعة الذكريات ــ هيروشيما والحرب العالمية الثانية ــ من أن تكبح، إلى ما لانهاية، طموحها الذاتي بالعظمة إلى الحد الذي يجعلها ترفض رغبة بلدان (المجال الباسيفيكي ) باختيارها رضائنا كقلب لهذا المجال. أي أن ترفض اصرار دول منطقة الباسيفيكي على اختيارها اليابان زعيمة لها. من المتوقع أن تتظاهر اليابان بالعفاف وتحجم عن قبول ما تتمنى بأن تكون فعلا، لكي تتباهى وتقنع أوروبا وأمريكا بأنها عازفة عن الزعامة، من أجل أن تصل إليها عمليا ودون منح احد إمكانية معارضة ذلك. (ص85 )

     هناك ترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل، والمستقبل هو الذي يعطي المعنى للماضي، وان ما سنخلفه لأبنائنا ن هو الذي يحدد قيمة الحياة التي عشناها. ويجب أن ننظر إلى الكوكب الذي نعيش عليه ( الكرة الأرضية ) على انه عبارة عن مكتبة يجب أن تترك سليمة بعد أن استفدنا منها واغتنينا بمطالعتها، وبعد أن زدناها ثروة. والحياة فوقها هي الكتاب الأثمن. ومن الواجب صيانتها بكل الحب، قبل أن ننقلها إلى الآخرين الذين سيتحملون بشجاعة، بعد ذلك، مسؤولية حمايتها لأطول مدة ممكنة ورفعها إلى مستوى أسمى يليق بها ( ص 163 )

         إن ( المجال الأوروبي )، بالمقارنة مع ( المجال الباسيفيكي )، يعتبر حالة معروفة بشكل أفضل ومنذ فترة قريبة بدا للجميع بأن مستقبله أصبح واضحا إلى حد بعيد ومعروف نسبيا لقد تغير كل شيء داخل هذا المجال  فأصبح خاضعا لمؤثرات متعددة جدا بحيث بان كل شيء فيه ممكنا كالتجزئة ، والتراجع إلى الخلف، والنزاعات وغير ذلك من المتغيرات الطارئة على عالمنا. والواضح أن أوروبا الغربية تتقدم حاليا نحو الوحدة، أما أوروبا الشرقية فهي تسير بنفس الوقت نحو الديمقراطية واقتصاد السوق. وإذا عرف هذان الجزءان الأوروبيان فليس من المستبعد أن يصبح ( المجال الأوروبي )   المركز المنتظر للعالم أي قلب العالم. حينذاك من المحتمل أن تتمكن العملة الأوروبية الموحدة ( الايكو ) من الانتصار على الين الياباني إذا بذلت أوروبا مزيدا من الفعالية والإبداع والعمل. ومن المتوقع أيضا أن يتجاوز مستوى المعيشة في البلدان الأوروبية أكثر المستويات ارتفاعا في أسيا (والمجال الباسيفيكي ).

     والواقع أن تنظيم أوروبا الغربية بسير حاليا في الطريق الحسن، فالدول الاثنتا عشره، التي التزمت ببناء الأسرة الأوروبية، سوف تتوصل إلى بناء السوق الموحدة وخلق عملة مشتركة هي الايكو أو اليورو. ومن المتوقع أن تتجه هذه البلدان نحو الوحدة السياسية. قد تبدو هذه الرؤيا متفائلة فالتكامل النقدي لازال يعاني من العديد من الصعوبات والتكامل السياسي لا يزال هشا، وعودة النشاطات القومية المتطرفة والخطرة في أوروبا الشرقية لا تزال قائمة وخاضعة للصدف، والعلاقات الاقتصادية بين شرق أوروبا وغربها لا تزال ضعيفة على الرغم من تزايدها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.

    يعتقد أن شرق أوروبا وغربها سيتقربان من بعضهما البعض. أما البلدان الخمسة عشر الأوروبية الباقية  التي لا تزال خارجة فسوف تتوحد بأشكال متعددة مع الأسرة الأوروبية، وفي النهاية سوف تتوصل القارة الأوروبية إلى ابتكار أسلوب وحدتها أو اتحادها.وهذا ما يسمى (بالبيت الأوروبي). ومن البديهي انه سيكون من الصعب تنظيم الاتحاد الأوروبي الاقتصادي والسياسي، لأنه من الصعب إدارة قارة بواسطة المال وحده،كما كانت تدار في الماضي بواسطة القوة.(ص 92) ويرى جاك أتالي أن كلا من المجالين المهيمنين، الباسيفيكي والأوروبي سوف يكون مسؤولا عن إدارة ضواحيه المؤلفة من مجموعة الأمم النامية وان يستخلص من هذه المهمة الفوائد الضرورية. ولكن سوف تبقى في العالم مجموعتان أساسيتان خارجتان عن كل تأثير حاسم من قبل المجالين المهيمنين الأوروبي والباسيفيكي، وهاتان المجموعتان هما الصين والهند.

     وهذا يعني أن يعاد تنظيم العالم في وقت قريب حول مجالين عملاقين تحركهما نفس الطموحات، علما بانهما من الناحية الإيديولوجية متقاربان، ولكنهما متنافسان اقتصاديا، وهذا يعني أن العلاقات المتوقعة بين هذين المجالين ستكون أكثر خطورة بالنسبة لكليهما، وكذلك بالنسبة لبقية العالم (ص101 ) إننا لا نسير نحو عالم متحرر من أفكار الحروب، بل على العكس فالخصومات الاقتصادية واتساع الهوة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، والنزعات المحلية، وانفراط الكتل، ونشوء كتل جديدة، كل ذلك يحمل في طياته العديد من الأخطار التي تهدد البشرية. ( ص105)

                                                         الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

                                                           جامعة دمشق – كلية الاقتصاد

            [email protected]

جاك أتالي

    جاك أتالي اقتصادي معروف وسياسي بارز رغم حداثة سنة. فهو من مواليد عام 1954. تخرج بامتياز مهندسا من أكاديمية البوليتكنيك بباريس. ثم حصل فيما بعد على إجازة، المعهد الفرنسي العالي للإدارة ( E.N.A)، صدر له حتى الآن العديد من المؤلفات منها:

ــ كتاب التحليل الاقتصادي للحياة السياسية 1973.

ــ كتاب النقيض ـ الاقتصادي 1975.

ــ كتاب العوالم الثلاث 1981.

ــ خطوط الأفق 199..

    اختاره الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران مستشارا اقتصاديا له، وظل يقوم بهذه المهمة إلى أن تم اختياره في بداية عام 1991 رئيسا ( لبنك الإنشاء والتعمير ) الأوروبي، وقد تم إنشاء هذا البنك بناء على اقتراح ( جاك أتالي )، من أجل تمويل برامج تطوير بلدان أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي، أو ما كان يسمى بـ ( مجموعة الدول الاشتراكية ) بعد حدوث الانهيارات السياسية والاقتصادية في هذه الدول قبل نهاية هذا القرن.                                       



#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامعة الدول العربية الأهداف والمبادئ
- التنمية المستقلة في الوطن العربي
- الإشارة إلى محاسن التجارة للشيخ أبي الفضل جعفر بن علي الدمشق ...
- الشراكة الأوروبية المتوسطية
- التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية
- وضع برنامج وطني لتحديث الاقتصاد السوري - 1
- قضايا حول السكان والتنمية في الوطن العربي
- التطورات التشريعية التي شهدتها الجمهورية العربية السورية مع ...
- البرنامج الوطني لمكافحة البطالة تجربة سورية
- الاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي 4 من 4
- الاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي 3 من 4
- الاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي 2 من 4
- الاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي 1 من 4
- مصر ورياح العولمه
- اكستر Exeter المدينة والجامعة
- استراتيجية تنمية الموارد البشرية في سورية
- عمليات الخصخصة في الدول العربية - مبرراتها، طرقها، والصعوبات ...
- التنمية البشرية والتنمية المستدامة
- النتائج الاقتصادية لانضمام سورية إلى اتفاقيات الغات والمنظمة ...
- الجامعات العربية بين المهمة التدريسية والبحث العلمي


المزيد.....




- بايدن: لا سلاح لإسرائيل في حال دخول رفح
- شاهد: سفير روسيا في ألمانيا يشارك في تكريم أرواح ضحايا الحرب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن العثور على أنفاق شرق رفح ويشير إلى معا ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مبان تضم جنودا إسرائيليين.. ...
- هل إدارة بايدن جادة بتعليق تسليم الذخائر الثقيلة لإسرائيل؟
- المقاومة العراقية تعلن استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية شمال ط ...
- سمير جعجع: من أخذ قرار الحرب في جنوب لبنان عليه أن يعيد ترمي ...
- مصر.. تأييد حبس مدير الحملة الانتخابية لأحمد الطنطاوي سنة مع ...
- وفد حماس يغادر القاهرة دون نتائج
- الخارجية الأمريكية تعلن عن شحنات أسلحة جديدة إلى كييف


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى العبد الله الكفري - ملامح المستقبل أو خطوط الأفق