|
قصّ جانح نحوَ وميضِ الشِّعر
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 04:08
المحور:
الادب والفن
1 ـ هداهدُ الرُّوح
تبلَّلَت قميصُ اللَّيل من سَهَرِ اللَّيالي، وقفَ القمرُ منتظراً عبورَ عاشقة من لونِ الشَّفق، تمايلت خاصرة الشَّمس الممتدَّة على مدى البصر، خطوط مخضوضرة بحنين الغابات تناثرَت فوق صدر غزالة برّية، تسابقُ نسيم الصَّباح، تبحثُ عن مولودٍ تقاذفته ألسنة نيران الحروب، أنينٌ مفتوح يداهمني، يدمي ظلالَ القلبِ، فواجعٌ تتكاثرُ مثل الأرانبِ، تتسلَّلُ إلى مغائرِ غربتي، حروبٌ في نهاياتِ القرنِ، في بداياتِ القرنِ، حروبٌ على مساحاتِ القلمِ، على مساحات فسحة الحلمِ، ضجيجٌ يشنفرُ الآذان، ينزُّ في مفازاتِ أوتارِ النَّغمِ؟! آهٍ، ماتَتْ هداهدُ الرُّوح قبلَ أن ترى هشاشةَ الصَّنمِ!
2 ـ حلمٌ مشروخ
بكَتْ نجمةُ الصَّباح عندما لاحَ لها من فوق خواصرِ الجبال، اشتعال بسمة الأطفال وهم يَحْبُون نحو أمهاتهم اللواتي يصعدن نحوَ قممِ الجبالِ، هرباً من طواغيتٍ مقمّصة باسودادٍ مشرشرٍ من أجنحةِ الوطاويط.
3 ـ متعةُ العبور
عبرَتْ سفينة محمَّلة بالأحلامِ، تمخرُ أسرارَ البحرِ، تهفو إلى الوصول إلى ضفافِ شاطئٍ مركون فوق أكتافِ مروجٍ مستنبتة من نداوةِ اللَّيل، ضحكَ البحّار ضحكةً مجلجلة عندما اصطاد صيداً ثميناً، سحب صنَّارته، ما هذا؟! قصائدُ شاعرٍ من لونِ حفاوةِ الموجِ، قصائدٌ معفرّة بملوحةِ البحرِ، قرأ القصائد بمتعةٍ لذيذة، شعرَ وكأنَّها مندلقة من شهقةِ مرجانِ البحرِ!
4 ـ لوحة طافحة بالوئام
نهضَ من أعماقِ الذَّاكرة، مشهداً مكتنزاً بالعشب، طفلة تدحرجُ نفسها فوقَ منحدراتِ طراوةِ المروجِ، تطيرُ على مقربةٍ منها عصافيرٌ في غايةِ الجمالِ، كأنها عصافيرُ الجنّةِ، بيضاء منقّطة بازرقاق خفيف، ومخطَّطة باخضرار فاتح فوق صدورها الغضّة وفرواتِ رؤوسها الصَّغيرة، طارت حمامة يانعة من عشِّها بصعوبةٍ واضحةٍ، تريدُ التدرّبَ على الطيرانِ، تعبَتْ وحطّتْ بهدوءٍ فوق كتفِ الطفلة الأيمن، أدارت الطفلة وجهها نحو الحمامة، ابتسمت لها، كأنها صديقة مدلَّلة، وضعَتِ الحمامة رأسها على خدِّ الطفلة، تبدو وكأنَّها تهمسُ لها سرَّاً من أسرارِها، كانتِ العصافيرُ تحومُ فوقها بغيرةٍ كبيرةٍ، مذهولة بهذا الانسجام المفاجئ!
ستوكهولم: 5 ـ 11 ـ 2007
5 ـ نكهةُ النّعناع
لملمَ حاجاته الضرورية، وضعها في حقيبةِ سفر، كان اللَّيلُ غائصاً في ألغازِ الرَّحيل، رحيلُ الإنسان في صباحٍ نديٍّ نحوَ جبالٍ مكلَّلة بأقاصيص القممِ والطموحِ، حائراً في رحلةِ عبورِ الإنسان إلى ما وراءِ البحارِ، بحثاً عن وسادةٍ مريحة لقفصِ الرأسِ، غالباً ما تكون رحلات مهتاجة على أجنحةِ الضَّباب! حالما عبرَ ساحة الدار، تراءَت أمامه ذكريات الطفولة، مشاكساته مع أخته، حبّه الأول، لقاءاته مع الأحبة الأصدقاء، دراساته، سارَ شاردَ الذّهنِ، تاركاً خلفه أوراقاً تداعب محطَّات عمره، كتاباته، أشعاره، دمعةٌ خرّتْ فوقَ خدّهِ، وأخرى انسابت نحوَ ظلالِ الرُّوحِ، تذكّرَ مناجاته لنجمةِِ الصَّباح خلال ليالي الصَّيف، حالماً في أوجِ المناجاةِ، أن يرتمي بينَ أحضانِ عاشقة تفوحُ من نهديها نكهةُ النّعناع!
6 ـ فوقَ ضفافِ القلب
فجأةً قفزَتْ إلى ذهنه مشاهدُ تدريبٍ على دبكةِ "باكيِّة وآهي لا يوني"، من قبلِ مدرّبةِ رقصٍ طافحة بالحنان، تاركةً صدرها الحنون يندلقُ على مرافئ قلبهِ كلَّما يستديرُ ليتقدَّم خطوتين نحوَ الأمام، كم كان يتمنّى في حينها أن يمتدّ التدريب إلى مدى العمرِ، طالما كان يرافقُ ايقاعَ التَّدريبِ ارتعاشة لذيذة فوقَ ضفافِ القلبِ!
ستوكهولم: 6 ـ 1 ـ 2007
7 ـ مَطَرْ مَطَرْ قيقيْ
هطلَ المطرُ قبلَ انبلاجِ خيوطِ الدُّفءِ، نهضَ بتكاسلٍ نحو نافذةٍ تكسوها غربةً باذخةً، أزاحَ السِّتارة بهدوء، صمتٌ هجين بدأ يغلّفُ أجواءَ المكان، تراقصَتْ حبّاتُ المطرِ على أوجاعِ نافذتِهِ، تذكَّرَ بيتَه العتيق، كيفَ كانَ المطرُ يهطلُ بغزارةٍ هائجة، ينظرُ إلى "بَقْبَقْوكاتِ الرَّبيع"، إلى فقاعاتِ الدَّوائرِ المتشكِّلة من تدفُّقاتِ زخَّاتِ المطرِ، وتذكَّرَ مقطعاً عذباً، من أنشودةٍ طفوليّة كانوا يردِّدونها أثناءَ هطولِ هكذا زخّاتٍ مطريَّة، " مطرْ مطرْ قيقي رشّْ عَلْ دنيبيقيْ ..."، (: أيُّها المطر، أهطلْ على ضفائري، ...)، وفيما كانَ يردِّدُ هذه الأنشودة، تربَّصتْ دمعتان في محجريه، شهقَ شهيقاً عميقاً، متمتماً بصوتٍ ايقاعيٍّ خافت، "مطرْ مطرْ قيقيْ، رشّْ عَلْ دنيبيقيْ، ..."، أسدلَ السِّتارة، عائداً إلى نومِهِ، طافحاً في عبورِ خمائلِ الحلمِ، لعلّه يغفو على اِيقاعات حبّاتِ المطرِ التي تراءَتْ له من بعيد، مسربلةً بذاكرةٍ لا تمحى!
ستوكهولم: 7 ـ 11 ـ 2007 صبري يوسف كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم [email protected] www.sabriyousef.com
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بلد الحضارات، إلى أين؟!
-
ردّاً على إجابات الشَّاعر علي الشلاه حول ارتباك الشعر
-
السَّلام أوّل اللُّغات وآخر اللُّغات
-
الاتجاه المعاكس برنامج استفزازي لا يحقِّق الفائدة المنشودة
-
الذكرى الثلاثون لإقامة أوّل معرض للفنَّان التشكيلي حنا الحائ
...
-
الإنسان أخطر من أيّ حيوان مفترس على وجه الدُّنيا
-
أنشودة الحياة ج8 ص 747
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 746
-
سركون بولص في مآقي الشعراء
-
سركون بولص من نكهةِ المطر
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 745
-
أنشودة الحياة ج 7 ص 744
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 743
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 742
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 741
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 740
-
أنشودة الحياة ج8 ص 739
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 738
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 737
-
أنشودة الحياة ج 8 ص 736
المزيد.....
-
سفير فلسطين في بولندا: نريد ترجمة الاعتراف بدولتنا إلى انسحا
...
-
كتاب عن فرنسوا ابو سالم: شخصية محورية في المسرح الفلسطيني
-
أمجد ناصر.. طريق الشعر والنثر والسفر
-
مؤتمر بالدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافي
...
-
الاحتمال صفر
-
أسعد عرابي... رحيل فنان يكتب العالم باللون وناقد يعيد ترميمه
...
-
النقد الثقافي (المعنى والإتّجاه) في إتحاد الأدباء
-
فنانون عرب يشيدون بتنظيم مهرجان بغداد السينمائي
-
تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
-
وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|