أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب المغربي - باقة حجريّة لمدينة غير مكتملة ..














المزيد.....

باقة حجريّة لمدينة غير مكتملة ..


نجيب المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 2227 - 2008 / 3 / 21 - 05:55
المحور: الادب والفن
    


آه يا روحي .. أنا الغريب .. و أنت في التجلّي صورة لجرحي ..

عدت من شوارع باردة .. يرفض أن يبكي فيها الشتاء هذا العام .. بعد أن تهت طويلا بينها.. تركتها لأنينها الخاص.. لكل تلك الأشياء المتنافرة التي تختلط بملامحها .. تلك التي تصنع وجه الصحراء الحزين .. عدت بوجهي كما خرجت .. معصّبا بقلق فائق لا يزال يغطي آثار قدميّ .. يأخذني كل يوم الى تفاصيل الوجع .. ليدلّني كيف أتراجع .. كيف أنكفئ عن ضيق الخارج .. لأتمادى في قسوة جديرة بي .. تعيد حركتي لتتراكم بالداخل .. في صمت يابس أخلقه تابوتا للصّراخ المؤجل .. كجدارِ مستحيلٍ أقرؤ وحدي هزائمي حتى الأعماق .. أكبّل كل البوابات حتى لا تمرّ بي .. حتّى لا تشغلني و تتوحد بعينيّ فأتشقّق..

كم تبدو قاتمة هذه المدينة .. كأنها طالعة من سواد حريق قديم .. تعلكنا واحدا بعد الآخر .. لكأنها تفرح بقطف توابيت أبنائها بعد أن تدفع بهم الى البحر .. تنثر شظاياهم لتتنفّس قسوتها و تترمّل .. مسلّحة دائما هي بستائر كثيفة من الأحلام .. تؤرخ أيامها المشوّهة وراء سكاكين تستلذّ احتساء دمنا .. تعاقب كلّ من يأمن سواترها المتصدّعة .. أنفاق عالمها السّري .. بالتّيه أو بالجنون .. أو تهديه رقما للسّجون .. صمتي يشبه ركوعها بلا تذمر تحت هذا الصّقيع الثقيل .. كوحش يزحف مع الظلام .. يخنقها بخطواته كل ليلة .. همست بصوت مترجرج تزحمه الحمّى : .. هل صرت أنا أيضا قفصا تتجمّد داخله خرائب هائلة ؟ تتقاسمه سطوة أسئلة بلا إجابات ؟ مثلها تماما ! .. هل أقطع حصّتي من زمن انكسار كامل كما تفعل منذ أن أنهكها حمل لوحتها لآخر الحزن ؟ .. قطعا سأمرّ أنا الآخر يوما ما لأنشر جثتي باحدى مدافنها الجاثمة فوق أطرافها .. أتهجّى ضحكة بطيئة .. أحني رأسي و أتمتم : .. هل يحصل أن نتهيأ لموتنا بالكتابة ؟ .. هل أتحرّى الآن بصمتي سجلاّ يستعدّ لتأهيلي للموت ؟ .. الظلام لا يزال ماثلا يسيّج البيوت .. الشجيرات وحدها تتراقص بالخارج .. تنعكس ظلالها على الجدران .. أوصدت الشباك بهدوء .. وعدت لأجلس على الكرسي مجدّدا .. الحمى تتصاعد فوق جلدي كطحالب من الجمر .. صور وأصوات غامضة تلاحق ذهني .. تلهث تحت رحم هذا الليل .. تحوم و لا تعبر .. أتثاءب بايقاع مكرّر .. يشبه ايقاع أيّامي المتهشّمة.. لم أعد أستطيع حشد كلمات أخرى .. أحتاج سيجارة لأستبدل انسدادا يتوكأ على رأسي .. عليَّ أن أدخّن حتى أبتلع كل هذا السأم الذي يعلق بي .. كلّ هذا الفراغ الشاغر الذي لا يؤدي الى النّهار ..

.. الوقت يتصلّب حدّ التثاقل .. أحسّه يبذر صمتا مسكونا برّماد مجنّح .. يجرّ كل شيء الى دائرة ساكنة كالوحل .. تدخلها أيامنا التي تمرّ بلا نهايات .. لتنطفئ منها كلّ الألوان .. ضوء الفنار ينوء بشاهده المعزول .. ينفخ ما يتسرّب اليه من خشخشات البرد في أوصاله ليستمرّ .. يرسم ظلي الشاحب على الجدار .. صورأشياء الغرفة بلا حدود تتهدّل .. تأخذ مكانها و تمحوه .. تدفعني للتأمل في ما ترمي به اليّ مراياها.. الزوايا تجذب أكثر من الظلام .. تلوح مشرعة أمام احتضان كل نزيف للخوف .. أؤوّله بما يتسرّب منّي من دهشة .. الحلم يتقاطع بالضوء .. ينغرس بي فأندحر فيه .. شظايا زورق متكسّرة على الصّخر .. مشهد أجساد منتفخة تنبت من الرّمل .. أوراق متناثرة .. ثياب عزلاء عليها بقع ملح .. أناس يصطفون على مدخل مبنى .. يشعلون أناشيد نحيب مخيف .. يطوفون في أشكال مستديرة و يولولون .. بعضهم يشير اليّ .. بيوت تسقط واحدة تلو الأخرى .. ظلام يحلّق فوقي .. يكبر و يكبر .. يمحو عيناي .. امرأة جالسة تتفرّس بإكليل ورد أسود .. تنثر شعر رأسها عليه .. عربات ملئى بغرباء .. تتدحرج بعيدا خارج السّور .. تخرج منها أياد تلتقط سلالا بيضاء بلا قعر .. مرايا كثيرة معلّقة من السّماء .. أقرؤ باحداها اسمي .. أمرّ من بوابة غريبة .. أبكي و أنا اجتازها .. فؤوس ترتّب ما يشبه حفرا بالتراب .. الشمس ترجم الأرض بأشعة رمادية .. تجرح كلّ من تلمسه .. أقف على جسر متحرّك .. قبل عتبة الغروب .. أنتظر أن ينادي عليّ المارّة .. لا يهرقون غير الصمت .. و يـا أنتـم .. أجلجل متأرجحا .. لا أحد يردّ عليّ .. كأنهم لا يسمعونني .. أصوات أجراس جنائزية تهزّني .. مياه متعرّجة تجرف مواقدا قديمة .. أهرب فتتبعني مناديل زرقاء .. أسراب طيور تتكاثف بالسّماء .. تُبدِّد لونها و تغيب .. ذراع بها وشم غامض تطاردني .. لا أستطيع التخفّي عنها .. أعبر دربا ضيّقا تحت الظلام .. أنزوي مرتبكا خلف حائط واطئ .. أبخرة تتصاعد من بركة سائلة .. وجه كائن بحري يترنّح .. ينبش الماء بفكّيه .. أهرع الى الجهة الأخرى .. فأسقط على وتد يرتجّ .. ينغرس عميقا برئتي .. أزحف متراخيا .. خيول سريعة تمرق .. نسر ضخم يبسط جناحين هائلين .. رجال يحملونني الى معبد حجري .. أُعلّق بفناء تسوّره أشجار شائكة .. رؤوس مسنودة بسلالم مشذبة .. أعينها تبدأ بالتحجّر .. تنفث عرقا يتخثّر كالدم .. تعصف ريح فضّية من ثقب بالجدار .. تخترق كل أطرافي .. تفصلها الى أثواب ممزّقة و جثة عارية .. تفرغ دمها مطرا أسود .. تحملها بعيدا .. لتطرحها على الرّمل ..

استيقظت مفزوعا .. كان الكابوس لا يزال يسري بي .. لم أقدر على التخلّص من بصيرته .. قمت عن الكرسي .. وقفت أحدج تقافز عقارب السّاعة .. ضوء النّهار يكتنز شيئا فشيئا .. تتورّم معه خيبتي .. لعلّ لعنة هذه المدينة تفرّدتني هذا المساء .. لم تقتلني بعد .. فقط تستدرجني لفخاخ عريها الموبوء الآن .. لي بها موتات أخرى تنتظرني .. بعدد أيامي المدفونة بأرصفتها .. بعدد أحلامي التي تحصدها طعناتها السوداء .. تمتمت .. هكذا نبحث بالكاد عن مأوى لا ينبت غير فوهات تحرقنا .. مكان لا تعبّئ فيه الأحلام الاّ بتوابيت مائية تقف بشاهدات من الرّيح .. مدينة تتراجع و لا تكتمل .. ترتكب مجدها بأن تُهرِّبك الى الموت .. لذلك تنصب أيّامها خيمة للتّيه .. تفضي فصولها القاتلة الى قطف زهرات أطفالها .. فلا تستحقّ إلاّ باقة أحجار .. / ..



#نجيب_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذيان بطعم الصداع ! .
- شذرات فلسفية ! .
- لا… ليست هذه آخر طلقات الصّمت الثقيل .
- ...و للموتِ فينا بياتٌٌُ أبديّ
- تأملات فلسفية جدلية ! .
- تأملات فلسفية دياليكتيكية ! .
- شذرات عرفانية صادمة ! .
- دياليكتيك الوجدانات : الحب كرمز مكثف لفراريتنا من حتمية المو ...
- دياليكتيك الانطولوجيا الوجدانية : الحب كرمز مكثف لفراريتنا م ...
- دياليكتيكية الانطولوجيات الوجدانية : الحب كرمز مكثف لهروبيتن ...
- موضوعات لاجل فلسفة مستقبلية ! ( 2 )
- افكار من اجل فلسفة مستقبلية !
- الحركة الشيوعية المغربية وبناء الخط الطبقي في مواجهة الانتها ...


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب المغربي - باقة حجريّة لمدينة غير مكتملة ..