أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم مطر - لغز الملك المغدور















المزيد.....

لغز الملك المغدور


سليم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 2225 - 2008 / 3 / 19 - 05:51
المحور: الادب والفن
    


ان لغز هذا الملك العراقي القديم، قد حير جميع المؤرخين والآثاريين الذي اشتغلوا عليه. منذ سنوات طويلة وهم مترددون بين مختلف التخمينات والحلول، وكل فترة يبادر احد العلماء الى نشر فرضيته لحل هذا اللغز، ولكنه سرعان ما يعود ويعتذر عن تسرعه.
المشكلة أن شخصية هذا الملك، مجهولة تماما في المصادر التاريخية المتداولة. حتى الآن ليس هنالك غير هذه الوثيقة الوحيدة التي تحتوي على حكايته وتثير الريبة حوله!
لهذا اخذت على عاتقي نشر هذه ( الحكاية ـ الوثيقة) لكي تطلعوا عليها وتحكموا بأنفكسم على طبيعتها ومدى صحتها والحل المناسب للغزها. هذه الوثيقة هي عبارة عن صفحة فخارية حجمها حوالي نصف متر، ومكتوبة باللغة العراقية لقديمة( الاكدية). وكما هو واضح من طبيعة الخط المسماري المستخدم، ان الفقرات المختلفة قد كتبت من قبل اشخاص مختلفين، كل شخص كتب تعقيبه في اسفل الفقرة السابقة.
هاكم الحكاية كما هي:

انا الملك المغدور
ها هي الاعوام تمر وانا هنا وحيد في عزلتي. بحر المجاهيل يحيطني من كل ناحية، ولا اعرف أي شئ عن هذه الجزيرة النائية. لا انسان ولا حيوان، سوى نباتات شوكية متناثرة في الانحاء كأنها مزروعة في روحي، تخدشني كلما نسيت. غرباء قساة رموني هنا، لكي احفر بأظافري كهفي في باطن الارض أستجير به من لهيب الشمس. بين حين وآخر، يأتوني بقاربهم، مدججين بسلاح وصمت، يذلوني ويتشفون بتعذيبي ثم يرمون لي بضعة ارغفة يابسة متعفنة وكمية مياه في حفرة، لكي ابقى حيا وانا اقضمها معفرة بطين ووجع.
ها انا الملك المخلوع، بعد ان غدر بي الزمان، اعيش وحيدا منبوذا وسط ريح هوجاء وصخور صماء وارض جرداء وسماء كالحة رعداء. حتى السحالى تهابني والأسماك تنآني، والطيور ضلالها يخشاني..
لقد تخلى عني اقرب اتباعي. تحالفوا سرا مع اعداء الوطن، وفي ليلة ليلاء غاب عنها البدر والنجوم وعبقت في الفضاء رائحة الخيانة وانفاس (ارشيكال) الهة الموت، قاموا بانقلابهم الغادر وفتحوا ابواب (بابل) الحصينة لجيوش الغزات. فتكوا بحاشيتي وابنائي ونسائي وحرقوا قصري واجبروني على التنازل عن عرش اسلافي، ووضعوني في قفص معتم، وجالوا بي الاراضي والبحار خلال ازمان وازمان، حتى وجدت نفسي مرميا هنا وحيدا مهجورا..

انا ضابط الحراس
لقد قرأت ماكتبه اعلاه ذلك السجين الاحمق المرقم(953410). كما يبدو واضحا ان حالته العقليه قد بلغت ذروة انحطاطها، وصارت روحه مرتعا للشياطين. يدعي انه كان ملكا وقد تآمر اتباعه ضده مع اعداء الوطن. ان هذا محظ خيال جامح ليس له أي اساس من الصحة. هاكم انظرو، فليس هو في جزيرة وليس هنالك أي بحر. انه في سجن منيع حيث يعيش مثل المئات من السجناء، آمنا في زنزانته تحت الارض. نرمي له الطعام والماء من فتحة في باب. لا اعرف ما هي جريمته، لكنه يقينا لم يكن ملكا مخلوعا، بل آثما لعينا استحق غضب ملكنا الجليل.
تراه يشكوا العزلة والاذلال وهو محاط بكل اولئك السفلة من امثاله، يمضون حياتهم في أمان وخدر في سراديب عتمة. آه لو يدرك حقيقة ما اعيشه انا. كيف امضي كل ساعة من يومي في عذاب ما بعده عذاب. من يراني من الخارج، يقول عني، ما اسعدني، وانا أمير من عشيرة الملك، مسؤول سجن يضم مئات الاشرار. لا احد ينافسني في سلطتي المطلقة على حياة سجنائي. مثل اله جبار، بقرار سريع اميت جوعا من اشاء وامنح الحرية لمن اشاء. لكني، يا للهول، انا اعاني واعاني واعاني. بل ان شدة معاناتي متأتية من جهلي بما اعاني. لا ادري أي جني احمق يقطن في روحي، ويجعلني ليل نهار، قلقا متهيجا احوم مثل ذئب جريح في زنازين عزلتي. آه لكم اود بصدق ان اتعرى عن كل ثيابي وسلطتي والقابي وتاريخي ومحارمي، لاركض حرا آمنا بين سهول وبساتين وشطآن، مثل طفل من ابناء اولئك الهمج الذين يعيشون في البوادي والجبال.
ايه، يا عشتار، يا الهتي الحنونة الجبارة.. اشفقي بي يا امي وحاميتي، فأنا ما عدت سجان سجن الاشرار، بل سجان سجن روحي...
انا كاهن منزل المعتوهين
عجيب امر هؤلاء المجانين؟! احدهم يدعي انه ملك مخلوع، وثان يكذبه ويدعي انه امير سجن. صحيح ما يقال ان الجنون فنون. الحقيقة كما ترون ان هذا منزل للحمقى والمعتوهين ملحق بمعبد آلهتنا عشتار. لقد قرر جلالة الملك عزلهم فيه لكي ينأي عن الناس شرور العفاريت التي تملكتهم.
ها انا امضي وقتي مسؤولا عن سلامة هؤلاء المساكين الذين نبذتهم ارواحهم قبل ان ينبذهم اهلهم واناسهم. بالصلوات والتراتيل والتعاويذ والقرابين، احاول ان اخلصهم من شياطينهم.
لكن يا الهي اني اتعذب بصمت. رغم كل صلواتي الكهنوتية واغتسالي اليومي بمياه الهتي المقدسة، الا اني اخشى ان عفاريت الخبل قد خدعت حراس نجومي، وتمكنت من اختراق جدار انواري المقدسة، وتسللت الى اقبية روحي .
احس يوما بعد يوم اني اشارك اتباعي حمقهم. لكم اود ان اضحك ملئ شدقي مثل مخبول، ان ارقص مثل عربيد سكير، اجول في دروب وحارات، انسانا بسيطا امارس نزواتي واطلق عنان طيشي واصرخ حتى يتناثر زبدي، بلا وقار كهنة واستعلاء عقلاء.
يا الهتي وخالقتي وسيدة دنياي، يا عشتاري. ليشعل سيد الكون(ايلو) بساتين بابل لك شموعا، وينثر نجوم سمائها حولك دررا، ويجمع نطفات رجالها في رحمك نسلا سرمديا. يا معبودتي، ادركي حالي واسمعي صلواتي وتقبلي دعائي وخلصيني من حيرتي وعذابي، فأنا ما عدت كاهن منزل المعتوهين، بل كاهن منزل عتهي وضياعي آني ...

انا رئيس الكتبة
طريف امر هؤلاء. كل منهم يكذب الآخر، بينما هما جميعا يقولون الحقيقة: الملك كان حقا ملكا، وكان فعلا يعيش في جزيرة نائية، حتى فقد عقله. عطفا عليه، امر ملكنا الجليل، ان نحول الجزيرة الى سجن، ليرد عنه الاشرار وحدته. ومدير السجن كان فعلا مديرا للسجن، لكنه لم يكن يعرف بأن ذلك السجن كان منفى، وان المعتوه كان ملكا سابقا. ضجر السجان قاده للتمرد على سيده الملك، فالقوه في ذات السجن. والكاهن كان حقا كاهنا، لكنه لم يكن يعرف ان منزل المعتوهين كان في السابق سجنا، وان اغلب نزلائه كانوا سجناء، ومن بينهم الملك المخلوع ومدير السجن السابق. وحينما قرأ الكاهن تلك الفقرات لم يكن يتصور انهم كانوا صادقين.
انا هنا رئيس كتبة مكتبة ملكنا الجليل. ها انا في هذا القصر الشامخ الذي كان سجنا وتحول الى مكتبة. منذ اعوام طفولتي وانا اشرف على اعداد اللوحات الطينية وفخرها بالنيران ثم ترتيبها حسب مضامين نصوصها. لا يطلع عليها الا الملك وكهنته وحاشيته. ورثت ابي لأعيش وسط هذا اللوحات العظيمة اتلذذ بمس اطيانها الحرة الحمراء واتدفأ حتى في عز تموز بنيران فخارها عابقة بخلائط ارض وصفاءات سماء. مثل ام حنون احافظ عليها واقلق على سلامتها حتى اني احس بنصوصها كائنات تعيش في دواخلي ورفوفها تتشكل منها اضلاعي وكل صفحة منها قطرة دمي.
لكني لا ادري يا الهي، منذ حقبة راح ينتابني احساس مقلق غريب. لا ادري اهي الدنيا حقا راحت تنمسخ من حولي ام انا الذي انحدر نحو قعران كياني. كأن السماوات من حولي تستحيل حيطان وسقوف، وانهار الارض وسهولها وجبالها ممرات وزوايا. صارت الدنيا بيتي، شمالها باب ميلادي وجنوبها شباك رحيلي.
هاهي دنياي تستحيل مكتبة وها انا اقبع فيها لوحة على رف. طينها بدني وحروفها مشاعري ودارسيها اربابي.
يا الهتي وملهمتي، انا تعب من تعبي، تعالي هنا في احضان تعبدي، فأنا تواق لأذوب كلمة بلورية ناصعة في اثير وجودك، حلم حكيم وضحكة طفل وقانون سلطان...

انا الملك الحالي
لقد نجح (إيليا) ذلك الكاتب اللعين ان يختلق تلك اللعبة الشيطانية. بالحقيقة ان كل الفقرات السابقة كانت من تأليفه هو، فلا هنالك ملك مغدور ولا سجان ولا كاهن ولا مكتبي، بل هم محض خيال خرج من رأس ذلك الكاتب العابث. لقد اختلق لي هذه اللوحة ليسليني بلعبة من الحكايا.
كلهم يكذبون، الا انا الملك، لاني انا الخالع والمخلوع، انا السجان والمسجون، انا العابد والمعبود، انا الكاتب والمكتوب ...... انا الدنيا والآخرة، انا الراحل والآتي، وانا الخالد والفاني، انا الصادق والواهم، انا الباني والهادم، انا الازل والزائل....انا كل شيء واللا شيء... انا انا!
ــــــــــــــــــــــــــ
( ملاحظة من عندنا: للأسف ان نهاية الصفحة الفخارية مكسورة ولا نعرف عدد الفقرات التالية، التي ربما ليست لها نهاية)!!

آذار 2008
www.salim-matar.com



#سليم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارهام مع النائب محمد علي تميم: حقائق مجهولة عن عرب كركوك!
- فدرالية المحافظات العراقية، في ضوء التجربة السويسرية..
- فدرالية المحافظات.. الحل المنسي من احزاب وقادة العراق؟!
- احبب نفسك والناس ايها الانسان..
- فرنسي الجنسية يشرف على لجنة طرد عرب كركوك!!
- تنديد عالمي بالمشروع الاستعماري العراقي لتقسيم امريكا!
- أوه... يابلادي، رحماك كفيني عشقك.. ياقديسة ياغاوية..
- حوار مع سليم مطر، حول الامة العراقية وهويتها التاريخية
- هاكم يا أصدقائي، انا العراقي الحائر،اسمعوا صلاة اعترافي في ح ...
- حضرة السرطان عندما زار صديقي الكاتب العراقي
- الحزب الشيوعي العراقي وازمته التاريخية المستعصية!
- مسؤولية المثقف عن العنف السائد في العراق وفي العالم العربي
- فصل من سيرة عراقية: حكايتي مع الله .. صديقي الطيب الجليل
- احياء الهوية الوطنية.. الخلاص الوحيد اما العراقيين
- مام جلال والنخب الكردية العراقية، والفرصة التاريخية التي لن ...
- السلطة الكردية وحملاتها ضد الكتاب العراقيين ومنهم الاكراد ال ...
- مقطع من سيرة عراقية: هنا ترقد الشاكرية.. بلادنا العابرة
- اليسار العراقي والموقف من نظام البرزاني والنظام التركي
- عقلية التدمير الذاتي العراقية والحنكة الامريكية الاسرائيلية
- سيرة عراقية/ سينمات بغداد.. جناني المفقودة


المزيد.....




- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم مطر - لغز الملك المغدور