|
كلمة بصدد الدعوة الى وحدة اليسار
ارا خاجادور
الحوار المتمدن-العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 09:23
المحور:
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع
حاولت تجنب الخوض أو المشاركة في المظاهرة المبرمجة حول وحدة اليسار العراقي تحديداً، وشفيعي في هذا الموقف أنني لم أبخل في فضح "اليسار واليسارية المزيفين"، ولم أتوانى في الرد على محاولات التلفيق التي تـُطرح لإيهام الأنفس والأطراف القريبة المعنية قبل أن تستهدف إيهام الأخرين من عامة الشعب بصدد السعي أو الدعوة لبناء دولة "الحرية والقانون ومؤسسات المجتمع المدني" في ظل الاحتلال. لقد تجنبت ذلك لعلمي بأن صلات بارونات "اليسار" المنتفع والمهادن بالشعب قد تقطعت منذ ركوبهم قطار الإحتلال من خلال مهزلة ما يعرف زوراً وتمويهاً بالعملية السياسية.
وكان موقفي ـ أي تجنب الخوض ـ مؤسساً على الإعتقاد بأن بعض الخرافات أعجز من أن تـُسوق، خاصة لمن تربى على فرضية: أن المسافة شاسعة بين الموقف الثوري والموقف الانتهازي التصفوي، ومن باب أولى أن يكون التمييز بين حالتي النضال ضد المحتل وبين مسايرته أو التواطؤ معه أكثر سطوعاً، ولا ضرورة في هذا المقام الى رفع درجة الوصف أو حطها مراتب أخرى، فيما يتعلق بأصحاب نظرية إصلاح العملية السياسية، بما يزيد عن الإشارة الى المسايرة والتواطؤ الى درجات أصعب.
وبالوقت الذي قد أجد فيه عذراً أو سبباً أو بعضاً منهما لموقف الذين واصلوا البقاء فيما يعرف بالعملية السياسية على قاعدة أنه لم تعد أمامهم خيارات مناسبة غير الإستمرار بحمل العار على ما يبدو، ولكن المشكلة الأكبر مع البعض منهم الذين يعتقدون بأنهم يستطيعون التذاكي على أبناء العراق من خلال تلميع العار ببعض الدهون الفاسدة التي تعج بها المخازن والقواميس العصرية لزمن عولمتهم، ويحاولون إعادة تسويق العملية السياسية، وبعبارة أدق تسويق خدمتهم للإحتلال.
إن الانسان يقف متألماً أمام إنطلاء اللعبة القذرة على بعض المخلصيين فعلاً؛ بغض النظر عن ضئالة العدد بل حتى ولو كان ذلك يتعلق بشخص واحد، هذه الحالة تحديداً كانت الدافع وراء كتابة هذه الكلمة التي بين أيديكم.
لقد إنكشفت حقيقة إن خدم الاحتلال مخولون بتكرار الجزء الأعظم من شعارات ومطالب الناس شرط تجاهل وجود المحتل. هل سمعتم على مدى التاريخ البشري يوماً أن محتلاً خرج أو طـُرد بالمذكرات "البلاغية" بما فيها مذكرات الاحتجاج الصادقة النوايا، ناهيك عن الإحتجاجات غير الحقيقية أو مرصعة بكل ما هو زائف من بقايا الجمل الثورية التي وضعت في غير محلها؟!. هل سمعتم أن محتلاً وفي ظل إحتلاله وقع معاهدة تضمن مصالح الطرف الأضعف في المعادلة؟!. هل هنالك سخرية أكثر أو أكبر من الحديث عن بناء حكومة مدنية ودولة قانون في ظل ظروف الاحتلال، خاصة حين يوفر فيها المحتل الحماية الأمنية لتلك الحكومة التي "تبني" دولة الحريات؟!. هل هناك أبشع من إدعاء من يدعي اليسارية والدفاع عن مصالح الكادحين والفقراء والمظلومين حين يتجاهل وجود الاحتلال حتى ولو بعد ذلك ذكر وعدد كل المطاليب الحق وأشار الى الحقوق المهضومة ؟!. وهل هناك مورفين أقوى من هذا المورفين "اليساري" المخادع؟!. وهل هنالك خدمة تـُسدى للاحتلال أكثر من محاولات تخدير الجماهير والمساهمة في إثارة الغرائز البدائية؟!!!. يالسخرية العار المرير...
هذا الأسئلة تفضح الكذب الذي يكمن خلف التململ الخجول ضد بعض البعض من جرائم الاحتلال، ونقول فاقد الشيء لا يعطيه، وكلامنا هذا موجه تحديداً ضد من يريدون اللعب على مصالح الشعب، وضد من يمارسون الخداع، ويستغلون ضجر الناس من حالهم المريع، وضد من يتأمرون على البطاقة التموينة وخبز وأمن الشعب، وضد من قدموا مصالحهم الخاصة على مصالح العراق كل العراق، وضد من مارسوا القمع والإضطهاد والتجويع ضد من يفترض أنهم رفاقهم، وضد من أغراهم السحت الحرام على عيشة الكفاف الحلال، نفضل، بل نحب، السير على الأقدام الثابتة حفاة على سياراتكم الفارهة التي تفوح منها رائحة بساطيل مخانيث الإحتلال.
لاشك أن النوايا الطيبة تظل موضع تقدير من قبل الثوريين الحقيقيين، ولكن في الوقت نفسه يجري التعامل مع هذا النويا كمجرد نوايا طيبة وحسب، وربما تحظى بعض المواقع اليسارية على الشبكة المعلوماتية بمكانة طيبة في نفوس الكتاب والقراء على حد السواء، ولا نرى مسؤولية على تلك المواقع في حمل الغت والسمين في مجرى التعبير العريض عن حرية الصحافة، ولكن في ذات الوقت تقع عليها مسؤولية إتاحة قدر مقبول من تكافئ الفرص بين كل الاتجاهات الفكرية وتجلياتها السياسية من حيث المساحة والصدارة وغيرها من الاعتبارات الموضوعية منها والفنية، ومن المعلوم أن الاتجاهات الثورية والسليمة لا تملك ذات الفرص ولا التغطية المادية للتعبير عن مواقفها الفكرية والسياسية وحتى التنظيمية مثل تلك التي فـُتحت امامها مخازن "هارون" و"قارون"، ونترك لكل الأحرار والشرفاء تقدير الثمن الذي يدفعه "اليسار" المزيف جراء الفرص المتاحة له.
إننا دعاة للنضال المطلبي، نطرح المطاليب لإنتزاع الحقوق من أية جهة كانت، ولكن في الوقت نفسه نرى في النضال المطلبي مدرسة لتدريب الجماهير الواسعة على النضال والكفاح بكل أشكالهما، من أعلاها الى أبسطها، وليس النضال المطلبي نهاية المطاف أو الهدف المرتجى، وإنما هو الخطوة الأولية على الطريق، وأن تكون العيون شاخصة دوماً صوب الذين يتقدمون الصفوف بأرقى أساليب الكفاح، وبمنتهى الإحترام للشعب والثقة بأبنائه، أما الحزب السياسي الذي يجعل نهاية مبتغاه الحديث العائم عن المطاليب الحقيقية للجماهير، ويتجاهل النضال بكل الوسائل ضد المحتل، بل ويتجاهل حتى وجود ذلك المحتل، بل يموه على ذلك الوجود، إنما يسعى لخداع الجماهير وخدمة المحتل، وهو غير مخلص لا للنضال المطلبي، ولا للنضال عامة، ولا للدفاع والكفاح بكل الوسائل ضد المحتل، أو حتى خدمة الشعب.
أتعامل مع الدعوة المخلصة الى وحدة اليسار في غاية الاحترام والجدية، ولكن هذه الدعوة تفقد قيمتها حين لا تحدد الأهداف والقوى ومفهوم الوحدة ودرجتها، بل نحن نذهب في الدعوة الى التنسيق تحديداً الى الحد الذي يشمل كل القوى اليسارية والقومية والوطنية ولكن وفق مفاهيم ومهمات وشعارات واضحة، ونقول في الوقت نفسه: أن أية دعوة تتجاهل وجود الاحتلال دعوة باطلة سواء كانت النوايا طيبة أو شريرة، من هذا الفرد أو ذاك، ومن هذا الحزب أوذاك.
هاكم نص نداء مدنيون المنشور على واجهة الحوار المتمدن اليسارية، والتي لعبت دوراً طيباً الى جانب زميلاتها الأخريات: "حملة / نداء من اجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق. نداء من اجل بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق "مدنيون". (مدنيون .. ونزدهر بالنور)
أدعو الجميع الى قراءة المذكرة أدناه، وهي منقولة هنا بقضها وقضيضها دون زيادة أو نقصان. نقول بصدد عنوانها: أي نور هذا الذي تزدهرون به؟. نور الاحتلال، والجريمة المنظمة، والسرقات، وإنعدام الخدمات، والتمييز العرقي والطائفي، والاغتصاب والسجون والظلام ووووو. ولقد صيغت الدعوة بمكر وتمويه، وهي من ألفها الى يائها تكرار لما يريده ضباط الاحتلال حيث تكذب دون خجل من خلال تجاهل وجود الاحتلال، نقول لهؤلاء الذين نظموا الدعوة أن حقيقة الأوضاع المفجعة في العراق لا تغطى؛ لا بالمكر قليل الحياء، ولا بالإدعاءات الفارغة من أي مضمون على أرض الواقع، فهذه الأكاذيب تعترف ببعض الحقائق بعد خلطها بما قد يمر على المستعجلين، أو على من لا يعرف ماهي الأهداف الفعلية التي تقف خلف مذكرة أعضاء مجلس الحكم السابق؛ المحكوم والصنيعة المباشرة للاحتلال في يوم قهر العراق والعراقيين، بل وحتى القانون الدولي، وقيم ومكتسبات العصر الحديث بكل إنتصاراته وإنكساراته. ("نحن الموقعين أدناه، المتابعين لتطورات الأوضاع في بلادنا، نطالب بتعزيز التقدم المتحقق في الميدان الأمني بتقدم ملموس عاجل على الصعد الأخرى، لاسيما في الميدان السياسي وتقديم الخدمات، وتأمين فرص العمل، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، ومعالجة قضايا المهجرين والمهاجرين. وندعو إلى إصلاح العملية السياسية وتطويرها، وإجراء التعديلات على الدستور بما يضفي عليه الطابع المدني الديمقراطي، وتكريس سياسة المصالحة الوطنية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على نبذ العنف والتعصب و المحاصصة الطائفية، وحل المليشيات، وعلى أساس حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان، وتضمن للمرأة حقها في المساواة والتحرر الحقيقيين، وتتجسد في عراق ديمقراطي اتحادي (فيدرالي) موحد، عراق آمن ومستقر كامل السيادة."). صح النوم على هذه الاكتشافات!. أولاً تدعون من لتحقيق الأهداف المشار إليها في دعوتكم التي حشدتم لها كل طاقاتكم؟ وهي طاقات لا تتجاوز ما يستطيع أن يحشده أشخاص مثل بعض مرشحي برلمانكم: مثال الألوسي، عبد فيصل، مشعان الجبوري و... أين موقع الاحتلال وأسيادكم المحتلون في هذا الوضع كله؟!!!. المهم أن تضليلكم ودجلكم لا يسوق خارج حدود بعض أصحاب النوايا الطيبة، وفي حدود من تبقى في ركاب رحلتكم غير المشرفة، والزيف إذا مر اليوم بحدود معينة فإنه سوف لن يمر غداً، وفي أسوء الاحتمالات لن يمر على طول الدهر، والدهر قاهر لكل ذليل.
لكي ندعو الى وحدة اليسار دعوة فعالة، ومن أجل أن تكون الدعوة صادقة، في البدء ينبغي أن تنطلق من اليسار غير المتورط بعلاقة ما مع الغزاة، ومن ثم علينا أن نحدد طبيعة المرحلة التي نعيش، والمهمة الرئيسية المطروحة علينا، وأن نحدد أو نتعرف على قوى التغيير، وأن نرسم حدوداً واضحة للمصطلحات مثل: قوى اليسار أو اليسارية عامة، وأن لا نخلط بين الاستراتيجي والمرحلى، وأن لا ندع حيزاً مفتوحاً أمام المراوغة والنفاق، وأن نميز بين الموقف الثوري النزيه والموقف الاصلاحي، وطبقات الموقف الاصلاحي ؛ اشتراكي ديمقراطي ، نزيه، أو ملغوم، الى آخر سلسلة التعقيدات. نعيش حالياً مرحلة قاسية من نضالنا الوطني والطبفي، وأعني بالطبقي هنا أن تكون هوية من يدعي أنه عمالي واضحة في تحديد صفتها العمالية، وإلاّ يكون الإدعاء فارغاً من أي معنى ملموس.
واذا أخذنا بقواعد حسن النية نقول أن هذا المدعي في المذكرة أعلاه لا يفقه شيئاً من وعن العمالية واليسار واليسارية، ولا يغير في الأمر كان الإدعاء صادراً عن فرد، أو جماعة، تواصل أو يواصلوا إدعاءاتهم بحكم قوة العادة أو المصلحة العابرة ليس إلاّ.
وهنالك قضية تطرح بقوة حالياً حول وحدة اليسار تفيد بأن اليسار في القاموس السياسي العراقي يعني في جزء أساسي منه الحزب الشيوعي العراقي، وبعبارة أقرب الى الواقع نقول الأحزاب الشيوعية العراقية، ولما كان واقع هذا التيار مضطرباً ومتداخلاً للغاية حيث فيه أجنحة متواطئة مع المحتل، وأخرى تعادي المحتل بكل ما تستطيع من قوة، فكيف تستقيم الدعوة لوحدة اليسار وهي أعلى درجات العمل معاً وسوية؟.
لا شك لدي في أن هناك بعض النوايا الطيبة تقف خلف بعض الدعوات لوحدة اليسار، من يتابع المساهمات التي تقدم بها العديد من المناضلين ونـُشرت مؤخراً قد وضعت القصة في موضعها الحقيقي، وتجاوزت الحبائل والخفة والنوايا المفخخة، وهناك بعض الدعوات قد حرّكها الاحساس العميق بخيبة "اليسار" وإنزوائه، أو على الأقل إنزواء أحد تياراته؛ والأدق أحد الأجنحة ولظروف معلومة، ومن جراء تلك الظروف دفع الشيوعيون بالاكراه الى الاختفاء، أو الإبتعاد عن أماكن نضالهم الطبيعة في الوطن تحت البطش الذي لا حدود له، وهذه الظروف قد حوّلت أهم قوة مناضلة عراقية الى نهب للأحزاب العرقية والطائفية، والى دول الجوار، وحتى الى أجهزة الدول الامبريالية، أثق بأن وضعاً زائفاً مثل الذي نرى لن يدوم.
إن أعظم دعوة لوحدة اليسار هي الدعوة الى النقاش الصريح لتحديد المفاهيم والمواقف أمام اليساريين وأمام أبناء الشعب، وإذا كانت هنالك ضرورات للعمل السري فلا باطنية في الأفكار، واذا كانت هناك على سبيل الافتراض إمكانية للإتفاق على الجوانب الفكرية، فهذه لا تمنع الاختلاف على الجوانب السياسية والعملية بعد اعلان المواقف كاملة للشعب
طبعاً، لا يمكن أن تنتصر ثورة أو معركة تحرير بالمداهنة والمصانعة واللعب على الألفاظ والشطارة الرعناء، أن العدو الطبقي الرئيس يملك خبرة كبيرة، ومن العار الإستخاف بها، ويملك حالياً من مصادر القوة ما لا نملك، ولكنه في كل الأحول لا يملك عموداً فقرياً كالطبقة العاملة وحلفائها والطبقات المسحوقة والنزية من أبناء الشعب وكل من تعز عليه المفاهيم والقيم الوطنية والاخلاقية. علينا أن نحدد أولاً من هو العدو الرئيس والموقف الفعلي الواضح منه، وفي اللحظة الرهنة بالنسبة لنا كعراقيين هو الاحتلال على مستوى القول والعمل.
إن الاتجاهات التصفوية والمهادنة وغير الثورية هي مطية المحتل على أرض الوطن وخارجه، وهم قبل غيرهم يعرفون هذه الحقيقة، واليوم نشهد تصاعد الدعوات الى بناء دولة القانون والديمقراطية، وهي حالة أو دعوة تفرض التمييز بين الدعوة النظيفة والمخلصة، والتي تقوم على النويا في جزء منها من جهة، وبين تلك التي يكون مصبها الفعلى هو خدمة الاحتلال والتمويه على كل رذيلة ممكنة في عالم السياسة من جهة أخرى، فالذي يقول: "نريد حكومة خبراء وليس حكومة محاصصة" دون ربط ذلك بكنس الاحتلال، إنما يمارس خدعة رعناء لا تنطوي على الطبقة العاملة، ولا على مثقفي الشعب الشرفاء، ولا على متعففين في القول والفعل والسلوك والعمل والواقع الفعلي بكل جوانبه، هل يظن مروجو خدع ومسرحيات الاحتلال أنهم أذكياء وأبناء الشعب مجرد دهماء لا دور ولا وعي لهم؟. وهل يظنون بأن تاريخ الحركة الثورية العراقية والعربية والعالمية خال من مرور مثل هذه المخططات هنا والانتصار عليها هناك. إن كل هذه التدرجات والتعرجات قد خلقت حالة أكبر وأعمق على صعيد اليقظة في الغالب، وسوف تراكم خبرات جديدة، إن العمال الواعين ومعهم شغيلة الفكر الثوريين لن تنطلي عليهم شرور الدعايات الاستعمارية أو الاصلاحية التصفوية الانتهازية، وفي الوقت ذاته لا يتجاهلون بشرف مسؤولية ذات الدعوات المنطلقة من ضمير حي، وهم على استعداد تام للتناظر بصددها بدأب ورحابة واعية لا تعرف الملل أو الكلل بما يخدم العراق ويخفف من معاناته.
ومن أجل تسويق أكاذيبهم يقول البعض منهم: نريد "دولة القانون وليس دولة المخابرات" أولاً عن أي قانون وأي مخابرات يتحدثون في زمن الاحتلال حيث ينعدم الأول وتتضاعف الثانية، وأي كذب هذا الذي تنطوي عليه هذه العبارة العاطفية، والتي تسعى الى التمويه ليس إلاّ؛ تمويه ما لا يموه، وهم يعلمون أن هنالك قضايا لا يمكن تغطيتها مهما كان الستار والغبار والدخان سميكاً، حتى في ظل الدولة المستقلة فعلاً وفي كل الظرف عندما يجري الحديث عن القانون، يطرح السوأل المشروع والواقعي والدائم؛ عن أي قانون يجري الحديث، وأي قانون نريد حيث لا يوجد قانون لا يمثل مصالح طبقات وجهات بعينها، ولهذا علينا أن نحدد نوع المصالح التي نريد الدفاع عنها.
إن الاخلاص للشعب لا يمر فقط من خلال إقامة الجبهات؛ حتى ولو كانت جبهات حقيقية بالفعل والمضمون، ناهيك عمن يقيم الجبهات مع حاله، ومع فروع منظماته، أو أصدقائه، إن مثل هذه الجبهات تهدف التوسع الذاتي وليس الشعبي، وهذه أساليب لم تعد تخدع الجماهير. كما ان أي حزب لا يمكن أن يخلق من خارج صفوفه، كما يجري في الحياة السياسية العراقية، سواء في صفوف أعداء الإحتلال أو صفوف أصدقائه، لقد حاول المرحوم عبد الكريم قاسم خلق حزب شيوعي عبر المرحوم داوود الصايغ، ولكن أين إنتهت تلك التجربة؟، مع العلم أن طرفيّ التجربة شخصان كبيران ـ قاسم و الصايغ ـ ، وليس ممن لا شأن لهم في أوساط أبناء الشعب العراقي، إن الاخلاص للشعب هو في أن يسعى الطرف المعني بجد وإخلاص لنيل ثقة الشعب وقناعته ورضاه، لا أن يسعى لمصالح حزبية أو شخصية ضيقة بل لأهداف شعبية كبرى. إننا شرعنا بالصراع الداخلي ضد الانتهازية في حزبنا قبل أن ننتقل الى الصراع العلني بعد نشر رسالتنا الى اللجنة المركزية للحزب عام 1990 ولم ننطلق من أسباب أو عوامل ذاتية، ومنذ وقوع الاحتلال الاجرامي لبلادنا أخذت المعركة الحزبية أبعاداً أخرى أشد خطورة من الصراع ضد الإنتهازية أو الانحرافات اليمينية أو اليسارية، ولم تعد القضية قضية فكرية وطبقية وتنظيمية وحسب، وإنما دخلت في جوهر قضية الوجود الوطني العراقي.
نحن نعتز برفاقنا في الخارج، ولكن يظل الهم والإهتمام الأساسيان يتوجهان الى الشعب والى المناضلين في داخل الوطن، وإن الخارج قوة إسناد وحسب، إن المناضلين داخل الوطن هم أدرى بظروفهم، وهم الذين يقررون نوع العمل وطبيعته سراً أو علانية، لأن "الديمقرطية" الأمريكية ديمقراطية الاحتلال والعدوان تقوم على أساس إنتهاك حرمة العراقيين، وعلى مصادرة حق الحياة من الناس، كما حصل في الفلوجة والنجف وبغداد وغيرها، وتحت ذريعة محاربة الارهاب تحرق المدن، كما يجري حالياً لمدينة الموصل البطلة، وتحت ذريعة محاربة "البدع المهدوية" إنتهكت الناصرية والسماوة الباسلتين، وتحت ذريعة إجتثاث الصداميين تحارب الأفكار، وقائمة الجرائم لا حصر لها.
إن العراق يعيش اليوم تحت ظل أبشع دكتاتورية إحتلالية تجويعية، ولا وجود للقانون أو الشرعية تحت ظل الاحتلال إلاّ قانون وشرعية الشعب، وإذا اليوم يُقتل هذا الطرف تحت تهمة الارهاب، فإن غداً سوف يشهد إغتيال الشيوعيين تحت إسم الفهديين أو التهمة بالفهدية. في اليوم الأول للاحتلال أصدرنا بياناً ضد الاحتلال، وفي ذلك الوقت وضعنا صيغ المقاومة والمواجهة في وقت ركب الوهم العديدين لأسباب قد تنطوي على بعض المشروعة الذاتية تجاوزاً، أو عدم المشروعية أصلاً. ومن أجل ألاّ يتوهم البعض بأن كل الشيوعيين العراقيين مثل من حققوا أسوء أنواع التواطؤ مع المحتل تحت تبرير الحقد على الدكتانورية، نقول: إن جذور الموقف الشيوعي الثوري ممتدة عميقاً في التربة العراقية، والشعب يعرف أبناءه على الرغم من الدخان الذي يثيره الاحتلال وعملاؤه، وإن بعض القشرة الشيوعية هي التي ساومت، وليس الأغلبية العظمى، وتحت ضغط الشعور بثقل المساومة بدأت هذه القشرة تقدم بعض وصفات الوهم بهدف تنفيس ضغط الذين يعربون ـ وهم داخل صفوفها ـ عن شعورهم بوجود خلل لا يجيدون التعبير عنه، أو يعبرون عنه بوضوح غير مقرون بالعمل لحد الآن.
وعلينا أن نحذر من أن تتحول الدعوة الى وحدة اليسار الى موقف إنعزالي أيضاً، هذا طبعاً اذا إفترضنا النزاهة أو بعض منها تنطوي عليها تلك الدعوات، ونشير الى الإنعزالية لأن دائرة النضال ضد المحتل وعلى طريق كنسه نهائياً أوسع من اليسار مجتمعاً، كما أن مصطلح اليسار نفسه واسع ومتشعب وأحياناً غامض، ولو نظرنا الى الشيوعيين كقوة يسارية كبيرة أو أساسية نجد الانشقاقات والاختلافات الفكرية والسياسية فما بالك بالمعنى العريض لليسار، كما إن حالة بقية القوى الصديقة للشيوعيين والمعادية لهم أيضاً لسيت اوفر حظاً في ميدان المعانات من التجزئة.
شيء طيب للغاية إطلاق الحوارات واللقاءات بين القوى الوطنية والقومية والعلمانية واليسارية والأسلامية التقدمية حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وموضوعات الماضي المختلف عليها أو المتفق، ولكن نفترض في هذا المقام أن القوى التي أقامت علاقات مع المحتل خارج إطار هذه الدعوة، طبعاً دون إغلاق باب العودة للشعب إذا غفر الشعب لهم جرائمهم غير القضائية، لأن مثل هذه الجرائم على طول الخط يجب أن تعالج بأعلى درجات الدقة والحرص والقانون والمسؤولية الوطنية والانسانية، هذا طبعاً بعد إعتذارهم العلني للشعب العراقي، وفي الوقت المناسب، أي قبل فوات الآوان.
إن التعاون ينبغي أن يكون شاملاً لكل القوى التي تعتبر طرد الاحتلال هو النقطة المركزية، وتسعى الى تحشيد قوى الثورة الوطنية الديمقراطية عامة ضد المحتل وعملائه، وعلى الرغم من أن كل التيارات الوطنية تعاني من الانقسامات وتناقض التصورات حول هذا الموضوع أو ذاك، ولكنها متفقة على أن الاحتلال هو العدو الرئيسي، وهذا الاتفاق قد يعالج ليس الهم الوطني العام وحسب، بل حتى الهموم الداخلية لكل القوى الوطنية والتقدمية على حده.
إن الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب يتطلب وضع حدود فكرية لا تجوز المساومة عليها، ومع إتباع المرونة في التكتيك والصلابة في الاستراتيج، والتخلص من المنطلقات الذاتية أو الإنفعالية، والحذر الجدي من كل الذين تعاونوا مع المحتل، وإعتمدوا على العدو الخارجي في تسوية خلافات داخلية، أو حتى تسوية معارك داخلية قاهرة، ومثل هذه المواقف ـ أي الاعتماد على العدو الخارجي ـ تـُعد إهانة للشعب ما ورائها إهانة، وينبغي تعميق الوعي ضد الطائفية، وتوضيح خطورة زج الدين بالسياسة، إن بعض خدم الاحتلال بنوا سياستهم على فكرة رعناء ترى بأن الطعونات أسهل من شن الكفاح الفكري.
قلنا سابقاً بأن الاجتثاث كان وما يزال يهدف الى قتل الأمل في الديمقراطية عند العراقيين؛ لأنه يعتمد على محاكمات سياسية وليست قضائية، فالبعث إجتثنا، والاحتلال إجتث البعث، وغداً نجتث العملاء، وهذه حلقات شيطانية يسعى أعداء العراق الى تكريسها لا لشيء سواء لقتل الأمل وحرف إتجاة وأهداف النضال عند العراقيين، وهم في هذا المسعي يستثمرون عواطف وأحزان الماضي ومآسيه، والقهر والقهر المضاد، والنزعات الطائفية والعرقية، والانفعالات العجلى والذاتية، والمصالح العشائرية، وحتى الأوهام. إن طرد الاحتلال أولاً يساعد في طرح وبناء أسس واقعية لحياة جديدة ومستقرة وديمقراطية لوطن مستقل ولكل ابنائه.
أي زمان هذا؟!. في تاريخ الشيوعية عرف الشيوعيون مصطلح خيانة الحزب، أو خيانة الطبقة، ولكنهم في كل الأحول لم يتعدوا على إستخدام مصطلح الخيانة الوطنية حيث لم يتعاون شيوعي مع محتل، قد يكون وارداً الحديث عن قوة أو ضعف قتال الشيوعيين ضد محتل ما، ولكن لم تحصل عمليات تواطؤ بأي قدر كان. وينبغي التأكيد على أن التعاون مع المحتل وبأي شكل لا يمكن أن يدخل في إطار الاجتهاد الفكري، أنه العار والخيانة المكشوفين، إن القتال ضد المحتل واجب عام ودون أشتراط اليسارية أو التقدمية، في حرب التحرير الفيتنامية هل كان الحزب يسأل المقاتلين الأحرار عن مدى يساريتهم، طبعاً لا، بل كما قال أحد القادة النقابيين العراقيين معلقاً في هذا الصدد: إن حزب الطبقة العاملة في فيتنام كان يؤكد ضمن توصياته الى مناضليه: "لا تقول هذا مقاتل تقدمي أو يساري بل قولوا هذا مقاتل وطني".
وماذا يمكن أن يقال حول الفهم المسطح للتحضر الذي يـُطرح حالياً، وهذا نص ما قاله أحد اليساريين حيث أرى فيه نموذجاً للذين يزرعون ويوزعون الأوهام، أو لا يفهمون ما يجري على أرض العراق وفي العالم... وتفضلوا بقراءة ما كتبه هذا "اليساري" نصاً: (((... أن السياسة يفترض أن تمارس الأساليب الحضارية في معالجة مشكلات البشر وبعيداً عن القوة والعنف والسلاح. ومن هذا المنطلق والمنطق يفترض أن نفهم مضمون العملية السياسية في العراق. فحين يجري الحديث عن العملية السياسية في العراق فهو لا يعني سوى التخلي كلية عن استخدام أساليب العنف والقوة والانقلابات العسكرية وغير العسكرية في الصراع الفكري والسياسي من جهة ويفترض من جهة أخرى المشاركة في العمل السياسي السلمي والديمقراطي الذي يمكن أن يعني إما التحالف مع القوى المشاركة في الحكم, وإما الوقوف في صف المعارضة للحكومة وبرنامجها وسياساتها وإجراءاتها ومواقفها. أي أن العملية السياسية ليست شارعاً باتجاه واحد بل باتجاهين, أي لا تتضمن التحالف مع القوى والأحزاب السياسية العراقية فقط , بل يمكن ويفترض أن تتضمن أيضاً المعارضة للحكومة ولكن بدون حمل واستخدام السلاح. إن رفض العملية السياسية أو رفض ممارسة السياسة لا يعني سوى حمل السلاح ومقاومة الحكومة من أجل إسقاطها بالقوة, وهو ما لا يجوز القبول به بعد اليوم بالنسبة للحالة العراقية,....)))
نقول عن هذه الفقرة الضافية بأنها خالية من أي مضمون غير مضمون الدعوة لمهادنة الاحتلال، وتزكيته، لأن هذا "اليساري" يعتبر المقاومة ضد الاحتلال غير حضارية، وكأن الاحتلال ليس ذروة اللاحضارة، وما علينا إلاّ أن نتوسل الاحتلال لكي يخرج من بلادنا، وهو سوف لن يتوانى بفعل ذلك، يا لسخرية ما وصل إليه بعض من يدعي اليسارية؟. إن هذه الفقرة "اليسارية" أعلاه تلخص مأساة "اليسار" إذا وافق البعض على أن مثل هذا الكلام يمثل موقفاً يسارياً.
ولقد شخص البعض بحيوية الأمراض التي تعاني منها القوى اليسارية المنحرفة والتحريفية كالبيروقراطية، وخشبية الحركة او الترهل، وإرتباك الهرمية التنظيمية، والأمراض الإجتماعية، وحتى العصابية والسلوكية، وما الى ذلك، ولكن أن يصل الأمر الى المذكور في هذه الفقرة "السلمية جداً" أعلاه يعني الموت غير المؤسوف عليه.
وأخيراً: نختم كلمتنا بالسؤال: هل هناك نفاق أكثر وحشية لا حضارية من الدعوة الى تنشيط العمالية السياسية، وإطلاق التمنيات الزائفة بعودة الاستقرار والسلام الى حياة بلادنا في ظل الاحتلال؟!.
إن أي تجاهل لوجود الاحتلال الجائم على أنفاس شعبنا هو سقطة أخلاقية مروعة قبل مئات التوصيفات المروعة الأخرى.
#ارا_خاجادور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعاً جورج حبش ... يا ربيع الثورة
-
قراءة مختلفة لنهضة معلمي العراق
-
هل من مذابح جديدة؟!
-
كشفت دعوة التقسيم المخطط المستور
-
البيان المحبوس أحد نماذج المصالحة الوطنية
-
لتتشابك الأيدي مع عمال النفط في البصرة الفيحاء
-
هوامش على لحظات حرجة ومنعطفات حادة
-
حال المرأة العراقية في عيدها العالمي
-
تضامنوا مع الكاتب الصحفي والأديب علي السوداني
-
نحب التحدي العادل والشريف وليس لدينا ما نخفيه
-
انتبهوا! ان الهدف تفاقم الاقتتال الداخلي
-
ذبح الفلسطينيين في العراق: من الجريمة الى العار
-
هل يمكن تحقيق حوار متمدن في مرحلة همجية؟
-
ليس باسمنا وبعض الهموم الوطنية
-
الحركة الاضرابية تثير هلع المحتل وعملائه
-
نهج المقاومة الوطنية ومورفين المصالحة الوهمية
-
حديث مع عمال معمل اسمنت طاسلوجة
-
لبنان: المقاومة المسلحة تشير الى الطريق
-
حركة التضامن مع الشعب العراقي
-
أسئلة حول الوحدة العمالية النقابية في ظل الاحتلال
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
|