أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية















المزيد.....

سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 685 - 2003 / 12 / 17 - 04:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن إلقاء القبض على صدام حسين واستسلامه بدون أية مقاومة وإخراجه من حفرة صغيرة حقيرة بهذا الشكل المخزي المهان ل"فارس أمة العرب" كالفأر المذعور، يعني الكثير بالنسبة للشعب العراقي وللعرب وللفكر العربي ولحركة القومية العربية وخاصة المتشددة منها المتمثلة في فكر البعث العربي الإشتراكي.

بالنسبة للشعب العراقي، فإن ظهور صدام ذليلاً ضعيفاً مطيعاً للطبيب الأمريكي إثناء فحصه، كان علاجاً نفسياً  Psychotherapy مما عاناه من أمراض نفسية بسبب القهر والظلم والإرهاب والخوف المزمن طوال 35 عاماً من حكم البعث البغيض. لقد تحطمت الهالة التي أحاط صدام نفسه بها. فخلال حكمه الطويل عمل على تجهيل المجتمع وتزييف وعيه ليصبح جاهزاً لتصديق الخرافات والدجل والشعوذة وأنه رجل أسطوري لا يقهر, فما شاهده الشعب العراقي على شاشات التلفزة يوم 14/12/2003، حطم تلك الأسطورة وبدا لهم صدام حسين ليس أكثر من كاريكاتير لحيوان خرافي. لذا فقد ساهم هذا المشهد التاريخي لتحرير الإنسان العراقي من الخوف المزمن ومجال لتشفي ضحاياه وعائلاتهم منه ومن أتباعه. وبإنتهاء صدام فقد انتهت مرحلة بغيضة من تاريخ العراق وسوف لن تتكرر.

 

أما بالنسبة للقوميين العرب، فقد وضع المشهد نهاية مؤكدة لحركة القومية العربية وفكرة الوحدة من المحيط إلى الخليج وكان عبارة عن إنذار للأنظمة الإستبدادية في المنطقة ودعوة للعرب أن يهتموا بدولهم الوطنية وتبني الديمقراطية وأن ينسوا فكرة (بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن لحج إلى يمن إلى مصر فتطوان). فكعراقيين لم يرحب بنا العرب في بلدانهم، بل الدول الغربية هي التي رحمت بحالنا وساعدتنا على الخلاص من الفاشية.

 

لقد الحق القوميون العرب وخاصة البعثيون منهم، أشد الأضرار بالعروبة عندما اعتبروا الانتماء لحركة القومية العربية، كنظرية ونشاط سياسي، شرطاً أساسياً للانتماء القومي. وهذا خطأ بطبيعة الحال لأن الإنتماء القومي لا علاقة له بالحركة السياسية بل هو موروث تاريخي وثقافي يعتز به أي إنسان مثلما ينتمي إلى دين معين لا يشترط الانتماء السياسي كشهادة تزكية له. كما وتبنى منظرو الحركة القومية العربية عبادة "القائد الضرورة" وسياسة شوفينية وعنصرية وطائفية متطرفة ضد العناصر البشرية الأخرى. وتطبيقاً لهذا المبدأ العنصري، أصدر ما يسمى بمجلس قيادة الثورة في السبعينات، قراراً يمنح بموجبه ثلاثة آلاف دينار عراقي (يعادل تسعة آلاف دولار في ذلك الوقت) لكل عربي عراقي يطلِّق زوجته إذا كانت من أصول إيرانية. كما هجَّر النظام ما يقارب مليون مواطن عراقي بتهمة التبعية الإيرانية للحفاظ على "نقاء" الدم العربي. لقد خص القرار الأصل الإيراني فقط واستثنى العناصر الأجنبية الأخرى ولهذا دلالة طائفية واضحة. وبذلك فقد أثبت حزب البعث أنه عنصري وطائفي في نفس الوقت.

كما إن آيدويلوجية القومية العربية، لا تحترم حياة الإنسان العربي، ناهيك عن المواطنين من العناصر غير العربية. فحرية الفرد والتنظيمات معدومة. ولم تعترف بالتعددية بحجة الحفاظ على وحدة الصف! ويمكن التضحية بحياة الأفراد لأتفه الأسباب. فلا كرامة للمواطن في البلاد العربية. ولهذا السبب، اثبت استطلاع رأي أنه رغم أن ثمانين بالمائة من العرب يكرهون أمريكا إلا إن ستين بالمائة منهم يتمنون الهجرة إليها والعيش بها. والدليل القاطع على فشل الآيدويلوجية العربية وعدم احترام الحكام لكرامة مواطنيها هو فرار خمسة ملايين عراقي من نظام البعث المقبور وهذا أكثر من مجموع الشعب الليبي أو مجموع شعوب الدول الخليجية إذا استثنينا منها السعودية.

 

يحاول البعثيون المنشقون عن صدام حسين، إلقاء اللوم على صدام وحده في كل ما حدث من كوارث في العراق والمنطقة. وهذا في رأيي مغالطة متعمدة القصد منها تضليل الرأي العام وتبرئة آيديولوجية البعث العنصرية الفاشية من الجرائم وتحميلها على صدام حسين وحده. ولذلك نسمع بين الفينة والأخرى، نداءات بإسم الديمقراطية، تطالب بإعادة تشكيل حزب البعث بدون صدام وزمرته المقربين. بل وحتى مشاركة حزب البعث "الجديد" في الحكومة العراقية القادمة. ولتبرئة الحزب، يستشهدون بما قام به صدام من إعدامات في داخل صفوف حزب البعث نفسه.

في حقيقة الأمر، إن حزب البعث فاشي ومبني على الإجرام بوجي من آيديولوجته وحتى بدون صدام كما حصل في إنقلابهم الدموي في 8 شباط عام 1963 الأسود. فما جرى من صراعات دموية بين جناح صدام حسين وأجنحة أخرى داخل حزب البعث، لم يكن صراعاً بين الخير والشر، بل كان صراعاً بين الشر والأشر منه. ولأن  آيدويلوجية البعث مغرقة في الشر، فكانت الغلبة دائماً للجانب الأكثر شراً وإزاحة الأضعف والأقل شرا وإبادته. فليس صحيحاً أن نعتبر ناظم كزار وعلي رضا باوي وكريم الشيخلي من الأخيار لأن صدام حسين أعدمهم. لقد صعد صدام حسين على أكتاف الآخرين من رفاقه لأنه كان الشخص الأقرب لآديولوجية البعث بسبب تمتعه بمواصفات شخصية وسايكولوجية شريرة أهلته ليكون الأنسب لتبوئ أعلى المناصب في الحزب والدولة. لذلك فهو يمثل بحق رمز حركة القومية العربية وفشلها.

أعتقد من الخطأ إلقاء اللوم في كل ما جرى في العراق في الفترة (1963-2003 ) على صدام حسين وحده. لأنه من المستحيل أن يتمكن شخص واحد يفتقر إلى أبسط تعليم جامعي وذو تاريخ إجرامي، أن يسوق الملايين من العراقيين ومئات الألوف من العسكريين إلى ساحات الحروب والإعدامات والمحارق البشرية ما لم تكن له قاعدة من مؤيدين وآيديولوجية تسنده في تطبيق سياساته الإجرامية.

 

فالحكام العرب يعاملون شعوبهم كأغنام لا كبشر، لذلك يسمون شعوبهم بالرعية وليس مواطنين. وفي كتاب "القذافي رسول الصحراء" الذي أعدته صحافية إيطالية عن سيرته الذاتية سألته:

* هل كنتم حقاً راعي غنم؟

ـ نعم. فلم يكن هناك نبي لم يفعل ذلك.

* وماذا تعلمتم من "رعي الغنم" ؟

ـ لقد تعلمت أهم درس في حياتي، تعلمت كيف أقود أمة، تماماً مثل الصبي الذي يرعى الغنم، أنا الآن أرعى شعباً وأصل به إلى بر الأمان والرفاه .(إيلاف، 3/9/2002).

 

قد يجادل البعض أن هذا تطرف في إصدار حكم على "حزب عريق" مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب وليس من الإنصاف سحب جرائم صدام حسين على حركة واسعة تمتد من المحيط إلى الخليج. في الظاهر هذا صحيح، ولكن لو تأملنا جيداً لوجدنا أن الأغلبية الساحقة من القوميين العرب قد أيدوا صدام حسين من "القائد المؤسس" ميشيل عفلق إلى ليث شبيلات وعطوان وأحمد بن بلة مروراً بالمئات من المفكرين العرب الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً دفاعاً عن "فارس العروبة" الذي يعتبرونه رمزاً للعرب وخليفة صلاح الدين الأيوبي وصاحب التسعة والتسعين لقباً من ألقاب رنانة.

 

كذلك شاهدنا المظاهرات الجماهيرية الصاخبة في البلاد العربية وهي تهتف (بالروح بالدم نفديك يا صدام) رافعة صوره في بيروت و الضفة الغربية وحتى القاهرة وغيرها من العواصم العربية. كما وإن أغلب المنظمات غير الحكومية والإعلام العربي، متعاطفة مع صدام حسين وضد تحرير العراق الذي سموه احتلالاً واستعماراً ويشجعون الإرهابيين الذين يسمونهم بالمقاومة الوطنية... الخ واتخذوا مواقف معادية من مجلس الحكم العراقي المؤقت بحجج واهية. وحتى الجامعة العربية اتخذت موقفاً معادياُ من تحرير العراق ومجلس الحكم بينما رحبت بأيتام النظام البعثي الساقط من أمثال مزهر الدليمي وغيره واعتبرتهم الممثلين الحقيقيين للشعب العراقي.

 

كما وعلمنا عن طريق وسائل الإعلام العالمي، الكثير من العرب بكوا على صدام حسين عندما شاهدوه على شاشات التلفزة وهو يستسلم إلى الجنود الأمريكان بكل جبن وإذلال واعتبروا ذلك إهانة للعروبة. فقد عبر عن ذلك رئيس تحرير صحيفة القدس العربي، عبدالباري عطوان بكل وضوح في مقالته الصادرة في ذات الصحيفة يوم 15/12/2003 حيث اعتبر إلقاء القبض على صدام حسين بهذه الطريقة إهانة للعرب قائلاً: (كانت صدمة بالنسبة الينا، واهانة لملايين العرب الآخرين...).

كما وقال نقيب المحامين الاردنيين حسين مجلي في تصريح صحافي «ان النقابة تعتبر الرئيس صدام حسين قائد المقاومة لتحرير جزء عزيز من الوطن العربي المحتل. فعلى العرب جميعاً ان يعملوا ويلتحموا لتحريره من العصابة الاميركية ... لذلك تدعو نقابة المحامين الاردنيين كافة النقابات العربية لتشكيل هيئة من أبرز القانونيين العرب للدفاع عن الرئيس صدام حسين وتوجيه خطاب الى كافة المؤسسات الدولية والرؤساء العرب لتوفير الحماية المشروعة التي يستحقها الرئيس صدام حسين كقائد لحركة تحرير ضد الاحتلال».(الشرق الأوسط، 16/12/2003). وهذا يعني أن قطاعاً واسعاً من العرب ومثقفيهم يعتبرون صدام حسين رمزاً لحركة القومية العربية وأية إهانة له هي إهانة موجهة للعرب والفكر العربي.

 

الاستنتاج:

1-إن نهاية صدام حسين تمثل نهاية منطقية وحتمية لآيدويلوجية القومية العربية وأنظمتها الديكتاتورية المستبدة وكل طاغية لا يحترم شعبه.

2- هناك قوانين لحركة التاريخ تشبه القوانين الفيزيائية والفلكية التي تتحرك وفقها الأجرام السماوية بكل دقة ودون أن تتمتع هذه الأجرام الصماء بأي وعي. كذلك هناك قوانين تتحكم بحركة تاريخ التطور البشري دون وعي البشر وحتى دون إرادة الذين يعتقدون أنهم صناع التاريخ بوعي. هذه القوانين هي التي تحدد  مسيرة التاريخ وتسحق الطغاة الذين يقفون بوجهها مهما تجبروا وتكبروا. ففي النهاية يتم سحقهم كما يسحق الفيل بأقدامه جرذاً حقيراً كصدام حسين. ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح ولما فيه الخير للشعوب ولصالح الخير والتقدم الحضاري.

3- إن ما آل إليه مصير صدام حسين وآيديولوجيته الفاشية المتخلفة، درس بليغ للحكام العرب المستبدين والمثقفين العرب الشوفينيين أن يفيقوا من غفوتهم وأن لا يقفوا عقبة كأداء أمام مسيرة التاريخ، بل عليهم أن يتخلوا عن عنجهياتهم ويسيروا مع ركب الحضارة ويتبنوا الحداثة والديمقراطية ويحترموا شعوبهم وإلا فإن التاريخ سيسحقهم بلا رحمة وستكون نهايتهم كنهاية صدام حسين.

 



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهنئة لشعبنا العراقي العظيم
- تهنئة حارة وباقة ورد للحوار المتمدن
- لماذا يخاف العرب من الشيعة والديمقراطية في العراق؟
- لا للملشيات الحزبية في العراق
- الانتخابات تحت سيف الإرهاب وسيلة لإجهاض الديمقراطية
- العرب والسياسة
- العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟
- فرنسا تسعى لعودة حكم البعث للعراق
- مجلس الحكم ضحية لنجاحاته
- حزب البعث والإرهاب
- إرهابيون في بلادهم... مقاومون في العراق!!
- هل ستنسحب أمريكا من العراق قبل تحقيق الأهداف المرجوة؟
- فشل اجتماع دمشق صفعة في وجوه حكام سوريا وانتصار للعراق
- الإنصاف معاقبة الشعب العراقي بجرائم صدام ؟
- إلى متى يُترك مقتدى الصدر يشعل الحرائق في العراق
- القرار 1511 إنتصار لأمريكا وإنقاذ لماء وجه معارضيها
- سجال حول إعادة حكم الإعدام في العراق
- أخطر رجل على العراق الجديد
- قراءة في كتاب الدكتور جواد هاشم: مذكرات وزير عراقي مع البكر ...
- عودة إلى مسودة قانون الجنسية العراقية الجديد


المزيد.....




- -صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح ...
- فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا ...
- مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو ...
- استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
- قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي ...
- مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
- ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق ...
- بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا ...
- وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا ...
- صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية