أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم المطير - قراءة في كتاب















المزيد.....



قراءة في كتاب


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2198 - 2008 / 2 / 21 - 11:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


عن الحقيقة التي عاشها جاسم الحلوائي في كتابه ..
في كثير من الحالات اقرأ بعض صفحات من تاريخ العراق من دون مرجعية واضحة او قوية آو أنني قد لا أراها دقيقة أو صحيحة من دون اعتماد الكاتب الذي اقرأ له على مستندات موثقة او موثوقة مما قد يعيق فهمي كقارئ أو يعيق تفسيري لتحولات تحدث في مجرى بحث الكاتب او الآثار الناتجة منها على مسيرة حياته .
هنا أجد نفسي مرغما على قول حقيقة أولى عن كتاب عنوانه " الحقيقة كما عشتها " من منشورات دار الرواد – بغداد عام 2006 لمؤلفه الكاتب العراقي النشيط جاسم الحلوائي الذي ما التقيت به يوما ولم أحظ بشرف التعرف عليه رغم أنني سمعت باسمه مناضلا ذا روح بطولية وله تبجيل كبير في ذهني من قبل جميع عارفيه منذ أكثر من 40 عاما ، فحين أمسكت كتابه بيدي داهمني أولا بعد أن قرأت منه 70 صفحة احتمال ان يكون الكاتب قد اعتمد على تصورات شخصية في محاولاته استشراف آفاق التحولات السياسية والتنظيمية من خلال مواجهاته الصعبة مع مشكلات حياته العائلية الكادحة او خلال منظوراته السياسية المثيرة للجدل داخل الحزب الشيوعي العراقي في أوائل سني انتمائه إليه وهي السنوات التي استأثرت بنوع من صعوبات الانشقاقات الحزبية والإشكالات النظرية والمنهجية المصاحبة لها حين وجد نفسه بين تنظيمين يستاثران بجدل وملاحظات وتعقيدات .
لكن كتابته الملخصة عن تجربته في العمل مع منظمة " راية الشغيلة " أعطتني قدرا مهما من الثقة ان موضوع الانشقاقات داخل الحزب الشيوعي العراقي نال من الكاتب جاسم الحلوائي كثيرا من الدقة والصرامة والمنهجية في البحث والتعامل بالرغم من انني اعتقد بضرورة توسيع منظومة المعايير والقيم والتقاليد في صفوف الحزب الشيوعي إزاء الانقسامات التي واجهها الحزب الشيوعي والمخاطر الناتجة عنها وذلك بالتوسع والتعمق عن المنظومة الانشقاقية المسماة " راية الشغيلة " ومحاولة جعل الأجيال الحديثة من الشيوعيين تدرك وتتبصر مواطن الضعف والقصور في الوسائل والأساليب الانشقاقية . إنني أرى ان يقوم الأخ الحلوائي بكشف ٍ مختصر ٍ ليس فقط لسلبية الانشقاق بل لايجابية التسامح الشيوعي أيضا لضمان وحدة الحزب ونمائه ووضع الاليات الايجابية واساليب عملها الديمقراطية أمام الأجيال الجديدة والمقبلة من الشيوعيين العراقيين كنوع من خلاصات ودروس التجارب الشخصية من هذا القبيل كي تغدو نمطا معينا من القوة ومن المبدئية داخل التنظيم الشيوعي خاصة وان الفترة الزمنية التي تناول بعض صفحاتها جاسم الحلوائي كانت تمثل أكثر من نصف قرن من الزمان العراقي الصعب .
بصورة عامة أقول أنني وجدت ( كتاب الحقيقة كما عشتها ) عالما محببا عندي لانه كان وجها اخر من صورة حياتي ومن صور حياة الكثيرين من الأصدقاء والأصحاب والرفاق الذين يروج دائما عصب ذكرياتهم في عقلي وقد قادتني ذبذبات خيالي التي تفاعلت مع كل صفحة من صفحات الكتاب الى شكل من اشكال الحضور والتأثير المتبادلين مع العطاء المعرفي الغزير في تاريخ السيرة الذاتية لجاسم الحلوائي الذي هو بالتاكيد جزء من السيرة الذاتية المشتركة لشيوعيين عراقيين آخرين كانت كينونتهم الحزبية سيلا من صورنضالات واصوات وافكار الحزب الشيوعي العراقي وطرائق وجوده في المدن والقرى والارياف عبر وجود خلاياه الاولية ولجانه القيادية .
بمعنى اخر اقول ان قراءتي الدقيقة لهذا الكتاب خلال ليلتين متعاقبتين وجدت ان مضامين الكتاب كانت خلاصة تجربة عاشها ومارسها وادركها جاسم الحلوائي وهو قد جاء مروجا لها بكتابه مخططا لحركة التفاعل مع قارئه كي يحقق طموحه وقد وجدت ان أسلوب كتابة السيرة الذاتية الحلوائية قد اوجد دفعا قويا في مضامين الكتاب لتحقيق فوائد كثيرة من خلال تلون استحقاقاتها التاريخية المعبرة عن ما يلي :
(1) مصداقية المعلومات العامة والتفصيلية التي اوردها الكاتب والتي اراها عملا مقبولا ومساعدا مستقبليا لجميع المؤرخين والباحثين والدارسين في الشان السياسي العراقي فحتى في اصعب الظروف التي عاشها الكاتب وعاشتها تنظيمات حزبه لم يلجا للتمويه عن بعض سياسات الحزب او مواقفه او تغطية بعض المعلومات الضرورية . انظر مثلا ص 23 في حديثه عن النزعة اليسارية داخل الحزب .
(2) معلومات السيرة الذاتية التي كتبها الحلوائي مكتوبة بقلم فردي لكنها تعبر عن نبض حركة جماعة ، والجماعة المقصودة هنا هم الشيوعيون . انظر مثلا ص50 ، 77 ، 95 ، وغيرها .
(3) ثبت لي ان الحلوائي يملك كنوزا معرفية تنظيمية عن منعطفات حاسمة في تاريخ الحزب الشيوعي . ولا بد لي من إثارة انتباهه إلى ضرورة الدخول في تفاصيل الكثير من تلك المنعطفات لتكون اساسا في فهم القارئ لتطور الإنسان الشيوعي في العراق على محور و عالم وعماد تطور سيرة الحزب الشيوعي ذاته .
(4) كما أن السيد جاسم الحلوائي يملك ذاكرة متواترة ورائعة عن بعض صفحات هامة في تاريخ علاقته مع الحزب الشيوعي وهي ذاكرة جدلية قادرة على المساهمة في توثيق الكثير من مواقف قيادة الحزب في فترات متعاقبة ومختلفة .
(5) يملك الكاتب جاسم الحلوائي قلما عصاميا متألقا في كشوف الكثير من الصفحات غير المقروءة مما جعله ليس قائدا عماليا في تنظيمات الحزب الشيوعي بل كاتبا على صفحات جرائد الحزب ومجلاته قادرا على توثيق الكثير من مواقف قيادة الحزب ومسيرتها .
(6) يمكنني القول ايضا ان كتاب الحلوائي لا يغطي غير بعض وليس كل ما رآه من المشهد الشيوعي في حقول النضال السياسي لكن الكتاب يمكن ان يكون اداة حاسمة في معرفة الكثير من الحقائق في صور الماضي والحاضر الشيوعي في العراق .
(7) لذلك أقول بهذه المناسبة أن مصلحة الحزب الشيوعي لا تقتضي غض النظر من قبل الحلوائي او غيره من القادة الشيوعيين عن بعض صفحاته مهما كانت المستوجبات التكتيكية . إن الأجدر فعلا للكاتب جاسم الحلوائي ولهذا الكتاب المسمى الحقيقة كما عشتها وتبعا لمصلحة الحزب أن يتغلغلا مثلا في 1- موضوع انشقاق ما سمي القيادة المركزية 2 – موضوع القناعة المبهمة في عقد الجبهة الزائفة مع حزب البعث الحاكم المخادع 3- أسباب وجود وحصول مسئولية شهداء الحزب الشيوعي في بشت أشان الكردية .

لقد لاقى كتاب جاسم الحلوائي ترحيبا عاما من قرائه لأنه تضمن صفحات جليلة ومهمة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كان جاسم الحلوائي في تلك الصفحات جميعها حاملا عقيدته في التنظيم الشيوعي ليوسع وجوده التنظيمي داخل تربة الأرض العراقية المغروسة بكل أنواع الطيبات . وكتاب " الحقيقة كما عشتها " كشف أمامي بأسلوب تلقائي عن قيمة العقيدة التي يحملها عامل ، شاب ، كادح ، أسمه جاسم الحلوائي لم يتغلغل في قلبه غير الإحساس بعدالة قضيته وقضية حزبه وقضايا شعبه كلها وهو في كل سطور حياته لم يخشى الموت ولم يهتم لحياته فداء لقضايا الشعب العراقي وأرضه وهويته وحضارته .
قراءتي لهذا الكتاب لا تتعلق بمنهجية صفحاته التاريخية لكنني سأتناول منهجية " تبويب " المواد الغنية عن السيرة التي تضمنها الكتاب . بمعنى أدق سأقول عن الجنس الأدبي الذي اعتمده الكاتب . هل كتب سيرة ذاتية متكاملة تندرج ضمن أصول السيرة الأدبية وخططها ..؟ أم انه جاور هذه السيرة بكتابة مذكرات ام ذكريات كما جاء في تنسيب بعض المقالات التي كتبها أصدقاء أعزاء عادل حبة ، يوسف ابو الفوز، ومحمد علي محي الدين ..؟
أنا شخصيا أريد الوصول إلى الدقة بهذا المعنى ، خاصة وأنني علمت أن نية المؤلف تتجه لطبعة ثانية مما يستوجب على أي مؤرخ يعتمد أساليب كتابة السيرة الذاتية أن يكتشف أدواته ومنهجيته ومفاهيمه بنفسه وهذا بالطبع يتطلب الاطلاع الواسع على وثائق وأرشيف غنيين عن كتابة السيرة الذاتية .
الاهتمام هنا بهذه المسألة يأتي من وجود علاقة مباشرة بين السيرة الذاتية والتاريخ . فالسيرة الذاتية، سواء عندنا نحن كتاب العربية أو عند سوانا الأجانب ، باتت الآن الفن الأدبي الأكثر شعبية ومقروئية في العالم المعاصر قاطبة. وقد أدركت هذه الحقيقة منذ سنوات طويلة أي منذ ان كنت اعمل مالكا لدار نشر عراقية كبرى كان البيع اليومي المتكرر لكتب المذكرات والسيرة الذاتية يتغلب على غيره من الأجناس الأدبية الأخرى فرسخ عندي هذه الوضعية الفريدة الخاصة بكتب السيرة .
ولا شك أيضا أن السيرة الذاتية هي بالإضافة إلى قوتها التسويقية عندما تتحول الى صناعة الكتاب ، فأنها أيضا هي الفن الأكثر بقاءً بالنسبة لكاتبها..


ربما احدهم يسأل هل السيرة الذاتية جنس أدبي بحت أو في كون السيرة لا تمثل سوى ممارسة أدبية ثابتة في مسار التأليف عند صاحبها كما أنها ليست حلقة من حلقات التجربة السردية بل كتبها مؤلفها بهدف تقديم خلاصة عن تجربته الحياتية في إطار عملية بوح ختامي جاعلاً التجربة النصية في خدمة هذا الهدف ومدافعاً عن تاريخ الذات دون انشغال ملحوظ بقضايا الكتابة أو بالتعبير عن حساسية من حساسياتها وخاصة الحساسية المتعلقة بالقضايا السياسية والقضايا الحزبية على وجه أخص .
الجواب على مثل هذا السؤال قدمه جاسم الحلوائي بنموذج استلهام ذاكرته البعيدة عن الوجوه الايجابية في سياسة الحزب الشيوعي وعن بعض اوجه المواقف السلبية التي تقصى بعض حصيلتها السلبية من وجهة نظره المقترنة بتجارب رفاقه الاخرين .
من هنا بإمكاني القول ان أدب السيرة الذاتية يعتبر جنسًا أدبيًا واسع الانتشار في الأدب الغربي بما في ذلك الأدب السياسي ، بل أننا نلاحظ في الثقافة الغربية عموما ان القادة السياسيين والقادة العسكريين هم الأكثر اندفاعا وكتبهم تملأ رفوف المكتبات في الاسواق والجامعات .
بينما مازالت السيرة الذاتية – السياسية لا تمثل كتلةً واضحة المعالم في سوق الطباعة والنشر بالعراق لكن يمكنني القول ان سوق الكتاب العربي لا تحبذ من كتب السيرة غير السيرة الادبية مبتعدة عن الاشكاليات التي قد تخلقها كتب السيرة السياسية . ربما لأسبابٍ تتعلق بسقف الحرية الإبداعية والفكرية التي يتحرك تحته القلم السياسي العربي حتى الآن ، لأن هذا الجنس الأدبي تحديدًا لا يقوم في المقام الأول على تعرية الذات وتسليط الضوء عليها و حسب ، بل على كشفٍ كاملٍ لمرحلةٍ زمنية بعينها قد تشمل جيلين أو أكثر من الناس الذين تربعوا على دست الحكم في هذا البلد العربي أو ذاك . ويضطر كاتب السيرة الذاتية السياسية ان يلم بكل مفردات الوقائع والصراعات السياسية والحزبية بما فيها من شخوصٍ وواقعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ و بيئيّ. فأدب السيرة الذاتية - وإن نُعتَ بالذاتية - إلا أنه يشمل ضمنًا حياةَ ( الآخر) والمحيط ومن وجهةِ نظرٍ آنيةٍ أيضًا، أي أن آليات الوعي الجديدة والمكتسبة للكاتب ( الآنية لحظة الكتابة ) هي العين الراصدة للماضي مما قد يشكّل لونًا من الكشف لمنظومة كاملة قد تتجاوز الأنا الخاصة للكاتب صاحب السيرة لتتخطاه إلى الآخر سواء كان هذا الآخر ذاتا بشرية أو مجتمعًا أو ملكا أو رئيسا للجمهورية أو زعيما لحزب أو سلطة أو منهجًا فكريا معينا أو حيّزٍا زمنيّأ بعينه وهذا في رأيي ما سبب انحساره في أدبنا العربي .
كذلك ألاحظ ان تعامل القادة العسكريين من الشيوعيين العراقيين مع الأحداث التي مرت بالعراق ما زالت قليلة وإجمالا استطيع القول ان الشيوعيين لم يتناولوا حتى الان مستويات تجارب " فصائل الأنصار الشيوعيين " في ثمانينات القرن الماضي بالصورة القادرة على توضيح إشكاليات الحل الصحيح بين أساليب الكفاح السياسي وأساليب الكفاح العسكري . خاصة وان الخلافات السياسية والفكرية كانت تثار في بعض المنظمات القيادية الشيوعية كما اشار الحلوائي في ص 156 من كتابه .
السؤال هنا هل دخلت هذه الاعتبارات الخاصة كلها من معايير وعوامل وأصول السيرة الذاتية في كتاب جاسم الحلوائي ..؟
لا بد وأن أقول جوابا صريحا لهذا السؤال . أول الجواب أن التربية الشيوعية جعلت من أدباء الحزب الشيوعي العراقي ومثقفيه وقادته جميعا يغلبون روح الكتابة عن " الآخر " لتلافي المحصلات السلبية التي قد تنتج عن " الذات " خلال سيكولوجية الكتابة عن الذات باعتبارها من خيارات السيرة الذاتية .
هنا في كتاب الحقيقة كما عرفتها نجد جاسم الحلوائي أيضا غير مبتعد عن موقع دارس السيرة الذاتية عن هذا الصراع بين الذات والآخر ، فكان الحلوائي الأقرب إلى الذهنية العامة في التربية الشيوعية ، بمعنى انه كتب مؤلفه ببنية ثقافية من منظور ان السيرة الذاتية هي كما في الأدب يمكن ان تكتب بعدة وسائل :
(1) السيرة الذاتية المحضة وقد ورد هذا الاسلوب في كتاب الحلوائي بنسبة قليلة .
(2) السيرة عن " الآخر " وهي النسبة الغالبة في الكتاب .
(3) السيرة المشتركة عن الذات وعن الآخر في نفس الوقت ، هي النسبة الوسطية .
كتب جاسم الحلوائي سيرته السياسية بذات الوسائل القلمية المشار إليها . أي أن سيرته كانت في الجوهر تأريخا للأحداث الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية للمكان والزمان العراقيين ؛ وكانت توثيقا لبعض صفحات التاريخ الشيوعي ، وتوثيقا للخبرات التنظيمية والنضالية على مستوى اللجان الحزبية المحلية والمركزية . فكاتب السيرة يتناول فيها أحداثا من مراحل حياته المختلفة، ربما تكون حروبا أو أحداثا تاريخية مهمة شاركوا في تتبعها، أو تشابكت تفاصيلها مع تفاصيل حياتهم أو ربما تكون تاريخا سياسيا سريا أو علنيا كما حاول جاسم الحلوائي أن يفعل في كتابه ما يزيد عن ذلك برفضه الحديث عن أهم صيغ الحقوق التقليدية الذاتية حين اغفل متعمدا الكتابة الوافية المشتركة عن بعض جوانب ومحطات سيرة زوجته التي شاركته في صنع الكثير من الأفاق المرسومة في الحياة النضالية الحزبية . كان من المناسب والضروري أن يقدم لقرائه الكثير عن صور المهام السياسية والحزبية والاجتماعية التي فرضتها متطلبات معيشة زوجته ماجدة جواد ( أم شروق ) ومن ثم أولاده وما هي أسباب القوة التي كانت تتمتع بها التي جعلتها في مكانة عائلية وحزبية وسياسية قوية . لقد اغفل الكاتب رغبات القارئ فلم يقدم له معلومات وافية لكثير من الوقائع والأسماء العائلية الواردة في الكتاب بما في ذلك أبناءه الذين ولدوا تحت ظل ظروف إرهابية قاسية لم يتحدث عنها ولم يحدثنا كيف تعلموا وكيف درسوا ناهيك انه لم يذكر شيئا حتى عن هواياتهم . باختصار يمكنني القول أنه كتب كتابه لجيل واحد من الشيوعيين العراقيين كان قد عايش اغلب ما جاء في الكتاب من حوادث وتطورات سياسية .
في الحقيقة أنني تذكرت طرائق السيرة عند الدكتور طه حسين وأنا اقر أ سيرة جاسم الحلوائي . فالدكتور طه حسين يعتبر من أهم كتاب السيرة في أدبنا العربي الحديث سواء أكانت سيرة ذاتية أم سيرة عن الآخر ، وقد بدأها بالسيرة الدينية كما في كتابه "على هامش السيرة" لينتهي بكتابة السيرة الأدبية الذاتية كما في رائعته "الأيام" أو السيرة الذاتية عن الآخر كما في عمله الإبداعي "أديب" علاوة على كتابته المتواصلة لسير المبدعين والأدباء في الأدب العربي القديم والحديث كما في "حديث الأربعاء" و"صوت أبي العلاء" و"ذكرى أبي العلاء" و"مع المتنبي" و"حافظ وشوقي".
كتابة السيرة تتطلب خاصية معينة تتجسد في الجرأة على إبداء الرأي بكل موضوعية وفي مختلف القضايا سواء أكانت سياسية أو فكرية، ثقافية خالصة أو ذاتية خالصة . الشيء الذي يجعلنا نعد هذه السيرة وثيقة عن مرحلة، إلى كونها تبرز الدور الأساس للمناضل الملتزم بقضايا وطنه وشعبه على السواء.
كذلك فإن من البديهيات المتداولة في هذا المجال كون كتابة السيرة الذاتية هي في الجوهر أشبه بكتابة الرواية، رغم اعتمادها على التخييل بينما السيرة تعتمد على اللاتخييل . ذلك أن التفاوت بين الجنسين يتحدد في المعنى المنتج، بحكم أن السيرة الذاتية تتأسس على الصدق التام، في حين أن الرواية تنبني على تشغيل الأدبي وإنتاج الجمالي. والواقع أن هذا التصور لا يجدر أن يقصى من السيرة احيانا .
إن سيرة حياة جاسم الحلوائي يتقاطع فيها مفهومان :السيرة الذاتية المبنية على الخصوصية الزمنية والمكانية المرتبطة بالشخصية موضوع السيرة، والترجمة الذاتية التي تطول مجموعة من أعلام الفكر والسياسة والتنظيم في الحزب الشيوعي .
يتميز طه حسين في كتابة سيره بأسلوب الإسهاب والاستطراد والإطناب وتمثل لإثارة المتلقي وتشويقه. كما يطبع كتاباته وسيره الجانب الذهني الثقافي والطابع الإنساني لكنني وجدت كتاب جاسم الحلوائي عن سير ته الذاتية يتميز بــ" التركيز " و " الاختصار " الشديدين رغم اعتماده في جزء منها على عناصر التشويق .
كتاب الأخ جاسم الحلوائي يمكن اعتباره من كتب السيرة الروائية أو فن السيرة الأدبية أو ضمن السيرة السياسية الروائية إن صح التعبير. ويعني هذا أن كتاب الحقيقة كما عشتها " سيرة ذاتية سياسية ، ولكنها بذات الوقت سيرة " الأخر " . فقد سلط الكتابُ شعاعًا كثيفًا من الضوءِ على مرحلة بعينها من حياة جاسم الحلوائي بادئا بمرحلة الطفولة ، بوصفها أهم مراحل تكّونه الفكري والنفسي والتي فيها تشكلت البذور الأولى لرؤيته المستقبلية للعالم والوجود و بوصفها الإرهاصةَ الأولى لتشكّل قلمه فيما بعد. وهنا يقف الكتابُ على مساحةً أكثر رحابةً من مجرد كونِه رصدًا روائيًا لحياة كاتب اسمه جاسم الحلوائي حسب ، بل تجاوز هذه الأرض إلى مواصلة رصد بعض جوانب تاريخ الحزب الشيوعي العراقي التي عاشها بنفسه .
" الآخر " هنا في هذا الكتاب يتولى الكاتب تسميته بالحزب الشيوعي العراقي أو انه ترجمة بعض جوانب الحياة الشخصية لرفيق من رفاقه الذين عملوا معه في الخلايا أو اللجان السرية أو شبه العلنية او رفاقه الذين عاش وإياهم بين جدران المعتقلات والسجون ، وقد أورد خلال كتابه أمثلة عن علاقاته بكثير من الأسماء من مثال عزيز محمد ، سلام عادل ، عبد الرزاق الصافي ، عمر علي الشيخ ، باقر ابراهيم ، عايدة ياسين ، ستار خضير ، ثابت حبيب العاني ، زكي خيري ، ادريس عبد الله وغيرهم أي أن هذه السيرة يتداخل فيها ما هو " ذاتي " مع ما هو يتعلق بلــ" الآخر " . أي إن النص سيرة للذات الحلوائية مشاركة مع " الآخر الشيوعي " فقد كان جاسم الحلوائي حاضرا بأسلوبه وضميره وتعليقاته . كما رصد الذات حياة رفيقه الحزبي من خلال دوره في الأحداث التي سردها الكاتب او من خلال دوره في الحزب .
ورغم ان المهيمن الأول على سيرة جاسم الحلوائي هو الحزب الشيوعي طيلة عقود من الزمن إلا أنني كقارئ تابعت عن كثب هذه السيرة المفعمة بالحيوية والنشاط لكنني وجدت ان جاسم الحلوائي غابت عنه روح " الكتابة التفصيلية " فقد ذكر لنا الكثير من الأحداث الشخصية ( اللقاء في موسكو مع زوجته عام 1973 ) والحزبية ( المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي عام 1970 ) على سبيل المثال لا الحصر، من دون ان يغنيها بالتفاصيل رغم ضرورتها للقارئ غير الحزبي وللقارئ غير المجايل ، ومن دون محاولة التخلص من الكتابة الموجزة والمكثفة الى حد كبير مما يجعل القارئ معتقدا أن الحلوائي لا يحب الكتابة عن تعدد الأصوات داخل الحزب ولا تعدد التوجهات رغم أنني لمست في كتابه تداخلا من نوعا معاكسا لهذا الاعتقاد فهو شديد الفاعلية مع الأحداث التي مرت به آو مر بها في حياته الحزبية .
وعليه، فهذه سيرة من نوع السيرة الذاتية السياسية فهي ليست كالسيرة الذاتية التي قرأتها في كتابة بهاء الدين نوري او عزيز الحاج ولا مثل السيرة التي كتبها مكسيم غوركي في بعض رواياته او مقالاته وهي ليست سيرة الحزب تعتمد على التسجيل والترجمة التوثيقية أو الأدبية، بل النص يجمع بين هذين الفنين، ويعني هذا أن الكتاب سيرة ذاتية – تتداخل مع الآخر الذي هو الحزب في اكثر الاحيان ، وهو ـ أي الآخر ، في أحيان كثيرة حزبيين من القاعدة او القيادة وذلك لتداخل " الذاتي " في " الاخر " والعكس صحيح. ومن الأدلة على حضور السيرة الذاتية في الكتاب الارتكاز على ضمير التكلم واستحضار التجربة الذاتية .
تعني هذه المطابقة بين السارد والكاتب أن هذا العمل سيرة ذاتية سياسية حيث يسترجع الكاتب فيها حياته الشخصية وعلاقاته مع أصدقائه بطريقة ضمنية حيث ينظر إلى نفسه في مرآة " الآخر " ويقارن نفسه بالقادة الحزبيين الآخرين .أي أنه يزاوج داخل نصه الروائي بين الرؤية "مع" والرؤية " ضد " ، ويعني هذا أن الكاتب من خلال خاصية الالتفات ينتقل من رؤية " محايدة " تعتمد على " الآخر " لينتقل إلى رؤية ذاتية داخلية، كما ينتقل من ضمير التكلم إلى ضمير الغائب والعكس صحيح كذلك. كما أن الكاتب والشخصية يتناوبان على مسار الحكي، فالكاتب يستعمل السرد في الحكي كما أنه أتكئ على الكتابات والحوار والرسائل والمذكرات واليوميات في إيصال صوته إلى القارئ ، وقد بدت لي هذه السيرة كأنها تواصل مستمر حتى الآن للرواية الحوارية بينه وبين " الآخر " إذ يترك كل شخص يعبر عن وجهة نظره، ويترك الكاتب الحرية للقارئ لكي يختار الرؤية الصحيحة في التعامل مع الوقائع الواردة في السيرة والحكم على الشخصية الروائية. هذا النهج الاسلوبي الحلوائي جعل أمام القاريء إن مكاشفة الواقع وإن رسم " الحقيقة الكاملة " ضروريتان في السيرة الذاتية .
لكن أهم العوامل التى لعبت دورا فى جنوحى المتزايد نحو الإفصاح عن جزء كبير من الأشياء الحميمة فى حياة جاسم الحلوائي ، وتأثيرها على علاقته الزوجية والأسرية ، والحوار الذى دار بين الزوجين طيلة اربعين عاما ، حوار لم تقف فى سبيله أية حساسيات أو محرمات. فهى بحكم استمساكها القوى بضرورة تغيير وضع المرأة الأدنى، وتصحيح العلاقات بين الجنسين تعودت التنقيب المستمر فى كل مجالات الفكر والعمل، والحياة لأن وضع المرأة الشيوعية فى المجتمع المقموع مرتبط بكل ما هو خاص، وعام، بحجرة النوم، ومشاكل الأسرة، وبالسياسة الدولية والاقتصاد فكلها خاضعة الى استحكامات شديدة تجعل ساكنيها يعيشون فعلا " تحت الأرض " . وهنا لا بد من الإشارة إلى اعتقادي بضرورة تناول فصول تفصيلية مكرسة لمعرفة سياق الحياة والعيش في البيوت الحزبية ( المقرات القيادية في العمل السري ) وتقديم استعراض وجيز او تفصيلي للقسوة الشديدة التي يعانيها أعضاء الحزب وزوجاتهم وأطفالهم ممن يعيشون في عالم البيوت الحزبية والتقشف في حياتهم داخلها إضافة إلى نمط من حياة القبضة الحديدية المحيطة بالتحرك داخلها او بحالات الخروج منها والدخول اليها والابتعاد عن فكرة استضافة احد من غير الحزبيين القياديين فيها تأمينا لصيانتها ضد متابعات أجهزة الأمن .
لا بد في الختام من تحديد بضع ملاحظات أراها ضرورية كي توضع داخل الطبعة الثانية وهي بلا شك لم تكن خافية على براعة الحلوائي :
(1) ضرورة التخلص عند كتابة السيرة الذاتية من أسلوب الكتابة بروحية التقرير . فقد لجأ جاسم الحلوائي إلى الأسلوب التقريري في الكتابة عن طهران . السيرة الذاتية لا تعتمد على التقرير بل على المشاهدة والمواجهة والسماع .
(2) ضرورة الإشارة في السيرة الذاتية الى معلومات وافية عن كل شخص يرد اسمه في السيرة .. من هو .. علاقته بكاتب السيرة .. علاقته بالحدث أو الأحداث الواردة بالسيرة .. الخ كما من الضروري التخلص من الكنية ( ابو كريم .. أبو مخلص .. أبو خوله .. أبو زكي .. أم نشوان .. أم شروق .. أم علي ) وغيرها .
(3) في كثير من حالات الكتابة تكون اللهجة العامية في السرد والحوار ضرورة في قوة التأثير على القارئ . غير أنني وجدت ضعفا في استخدامات الحوار باللهجة العامية في هذا الكتاب مما أقنعني تماما ان لا ضرورة لذلك أصلا .
(4) لاحظت وجود دقة كبيرة في أسلوب الكتابة مما منح الكتاب نقاطا زادت في نقاء علمية تفكير الكاتب وأسلوب كتابته . لكنني وجدت ثغرة واحدة عندما استخدم الكاتب لقب أو كنية " الناصريين " قاصدا بذلك رفاقه من أهل الناصرية بجنوب العراق ، غير أنني اعتقد ان القارئ العربي ستختلط الأمور عنده لان هذه الكنية " الناصريون " تعني في القاموس السياسي العربي أتباع جمال عبد الناصر .
ختاما اقول كلمة تحية الى الاخ العزيز جاسم الحلوائي الذي تعرفت إليه من خلال فعالياته السياسية وجهوده الحزبية لتحقيق غايات وأهداف وطموحات بناء مجتمع قائم على العقل والأخلاق وتحرير الوطن العراقي من الزنزانة المظلمة الطويلة التي وضع الشعب العراقي فيها منذ قرون .
لم يكن الحلوائي في كتابه متعصبا ولا دوغمائيا بل كان نضرا في عقله وحيويا في حركته ومنفتحا على كل ظاهرات الحياة ومنطلقا نحو استيعاب الحقيقة الإنسانية التي وجدها دائما متغيرة لأنه مؤمن تماما أن الكون كله يتحرك باستمرار في دوائر التغيير .



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الموظفين والعمال العراقيين
- عن التنورة القصيرة في اندنوسيا
- عن فيلم سينمائي اسمه بابل
- عن وسائل الارهابيين في بغداد
- عن الحمير والفيلة ..!!
- عن حملة فرض القانون في الموصل الحدباء
- مدنيون
- حول العلم العراقي
- عن تكريم الرموز العراقية
- حول نداء الديمقراطيين العراقيين
- حول اجتثاث البعث
- المرأة والديمقراطية
- اراء في الديمقراطية
- ثقافة موسيقية
- مسامير جاسم المطير 1417
- تحية الى هيئة تحرير الحوار المتمدن
- مسامير جاسم المطير 1415
- مسامير جاسم المطير 1416
- افكار في الديمقراطية
- البنطلون رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ..!!


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم المطير - قراءة في كتاب