أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد منصور - فاطمة تودع ابنها الثاني شهيدا














المزيد.....

فاطمة تودع ابنها الثاني شهيدا


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 2184 - 2008 / 2 / 7 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


كنت أراها كل صباح تجلس على عتبة بيت جيرانها-- قبالة باب بيتها-- تطرق رأسها بانكسار، ولا ترفعه إلا حين يمر احد الناس عليها وترد عليه السلام.. هي والحزن توأمان، ودمعتها لا تفارق أبدا عينيها.. كانت تبدو كحمامة كسر الصيادون احد جناحيها.. وكنت في كل مرة أراها.. ينتابني شعور داخلي يدفعني للتعاطف معها والإشفاق على حالها، وأتألم بشدة لوضعها البائس، وأتساءل كم من الحزن والألم يستقر بداخل هذه المرأة الصابرة.. فهي اللاجئة الفقيرة التي لم تذق يوما طعم الهناء ولم يدخل الفرح إلى قلبها إلا نادرا، وكتب عليها القدر أن تمضي سنين عمرها الستين تتعايش مع المرض وينتهشها الفقر والعوز.. وقد قسم لها القدر ابن عمها ليكون زوجا لها، وكان من نفس طينتها بسيطا فقيرا كادحا، كافح سنين عمره كلها من اجل أن يؤمن لها ولولديه الاثنين، ما يسد به جوعهم ويجنبهم ذل السؤال.. وعمل من اجل تحقيق ذلك في كل الأشغال الشاقة، لكنه لم يستطع إخراج أسرته من غول الفقر، وسرعان ما داهمه المرض، حيث أصيب بنفس المرض الذي أصاب زوجته مبكرا-- ألا وهو مرض القلب-- لكن ملك الموت لم يمهله طويلا فمات مثل كل الفقراء بصمت ودون ضجيج، ليترك خلفه امرأته الصابرة فاطمة، وولديه مالك وفادي-- وهما مازالا لم يتجاوزا سن الطفولة بكثير..
احتضنت فاطمة ولديها تحت جناحيها، وعملت كل جهدها كي تراهم رجالا يشقون حياتهم ويتحررون من آفة الفقر.. اضطرت للعمل في المزارع، وعملت بشرف حتى انهار جسدها، واقتصدت بالإنفاق ودبرت حياتها على القليل الذي يصلها، واعتاشت طويلا على ما تقدمه لها وكالة غوث اللاجئين، وصبرت على المر ولم تيأس، وظلت قوية العزم والإرادة، ويشهد لها بذلك كل من يعرفها.. وفي معمعان الانتفاضة الأولى شاركت بتمايز بالكفاح الشعبي ضد جيش الاحتلال، ولم تنكسر رغم أن ولديها أصيبا أكثر من مرة برصاص المحتلين، واشرفا كثيرا على الموت المحقق.. فمالك ابنها الأكبر أصيب برصاصة بلاستيكية استقرت في جوف قلبه في العام 1989 ولم ينتزعها الجراحون من قلبه لان انتزاعها كان يعرض حياته للخطر، ولم يجزع مالك بل ظل فارس المواجهات يبحث عن المواجهات في كل مكان ويسعى للمشاركة فيها مهما كانت خطورتها، وأصيب بعد إصابته الخطيرة الأولى مرتين.. أما فادي وهو الابن الأصغر، فقد أصيب أيضا في الانتفاضة الأولى إصابة تسببت له بشيء من الإعاقة لأحد ساقيه.. لكن القدر أطال بعمرهما سنين معدودة، إلى أن جاء أولا اجل أصغرهما- وهو فادي- وحدث ذلك عندما انهالت عليه رصاصات غادرة أطلقتها فرقة من جيش الاحتلال، كانت قد كمنت ليلا بجانب المخيم، لترتكب جريمتها وتقضي على ظاهرة الشباب والفتية المتمردين، الذين اعتادوا على رشق سيارات الاحتلال كل يوم بالحجارة وبكل ما تصل إليه أياديهم.. لقد أطلق الجنود النار على فادي من مسافة قصيرة، ولم يكن يحمل ساعتها أي نوع من السلاح.. وبعد انسحاب جنود الاحتلال سارع رفاق فادي لحمل جثمانه على الأكتاف، ودخلوا به على أمه.. التي صعقت حينها من هول المشهد، وكادت تصاب بالجنون وهي ترى ابنها فلذة كبدها مدرجا بالدماء ممددا أمامها.. فاحتضنته طويلا وكأنه حي، وصرخت بأعلى صوتها حزنا عليه، وغضبا على الأيدي الآثمة التي أزهقت روحه.. وكان ذلك في أواخر العام 2006 .
لكن فصول المأساة لم تنتهي عند هذا الحد.. وفاطمة الأرملة التي فقدت ابنها الأصغر شهيدا، كتب عليها أن لا تجف دموعها أبدا.. فمالك ابنها الأكبر الذي كانت قد استقرت بقلبه رصاصة جندي احتلالي في العام 1989 ونجا حينها من الموت بمعجزة حقيقية.. وتزوج بعدها وأنجب ثلاثة أطفال.. ظل يعاني من الآلام الشديدة، وابلغه كل الأطباء بأنه معرض للموت في كل لحظة-- لان الرصاصة مازالت داخل قلبه-- وبالفعل وفي مساء يوم 4/2/2008 وحينما كان يسير في شوارع مدينة نابلس التي أحبها طيلة عمره.. سقط فجأة على الأرض، وتجمع الناس حوله، وحاول البعض إسعافه، لكن ملاك الموت كان أسرع منهم جميعا، فاختطف روحه وصعد بها إلى السماء.. وتم نقله بسرعة إلى المستشفى، وهناك قرر الأطباء بان مالك قد توفي بجلطة قلبية تسببت بها الرصاصة الملعونة التي رافقته عشرين عاما.. ووصل الخبر الصاعقة إلى فاطمة حيث تسكن في مخيم الفارعة.. فتعالى بكائها بحرقة ليتحرك مع نحيبها قلب كل من سمعها.. صحيح أن مالك هو أيضا شهيد لأنه سقط متأثرا بجرح تسبب به الاحتلال.. وصحيح أن كل شباب المخيم سيعتبرونها أما لهم.. لكن الحقيقة المفجعة الأقوى من كل العواطف، أن فاطمة الآن ستشعر كثيرا بألم الفراق، وبسكون الدار، وببرد الفراش.. فهي قد فقدت ولديها ولن تراهم إلا في الحياة الآخرة.
مخيم الفارعة



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تنفذ الحكومة وعدها للمزارعين متضرري الصقيع..؟
- اللاجئون.. أوضاع تسوء وأحلام تبتعد
- جورج العظيم .. جورج الحكيم
- لأجلك يا غزة اقتادوني إلى المخفر
- شعارات لمسيرات ضد الحصار والعدوان على غزة
- يا سادتي اغضبوا ولو مرّة
- على بوابة الأغوار
- دعوة لعمل تطوعي في رام الله لتطهيرها من آثار بوش
- فلسطينية تتحدى الجدار
- ليس منا من يحبك يا بوش
- عن النساء والتنمية والتوفير والتسليف
- الانطلاقة تستوجب الاستفاقة
- عندما يكون المسئول حاضرا
- اعيادنا مصبوغة بدمائنا
- الاعتداء على وليد العوض عمل جبان يكشف ظلامية الجهة التي تقف ...
- منطق اعوج ونهج عقيم
- ابو مازن وليس عبد ربه
- حفاظا على الثوابت وتعزيزا للوحدة والصمود
- الفقير للفقير ولو كان على الحصير
- كي لا تسقط اوراق التوت


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد منصور - فاطمة تودع ابنها الثاني شهيدا