أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟!














المزيد.....

يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟!


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 2176 - 2008 / 1 / 30 - 09:26
المحور: الادب والفن
    



كأنّه محيطي يوحي بالموت!!
البرد قارسٌ، موشومٌ بلونِ الدّم هذا الصّباح...!!
الرّائحةُ كريهةٌ ممزوجةٌ ببصماتِ رصاص...!!
مقبرةٌ القريةِ مهملةٌ، والأحياء بها غدَوْا مُجرّدَ خشبٍ منخورٍ، تسندُهُ أرواحٌ غارقةٌ في بحرٍ من الاكتئاب .

أشعرُ بالرّهبة ومع ذلك أحاول تجريعَ نفسي بقوّة فلتَتْ منّي، لهَوْل حَدَثٍ يعاودُني،
تطاردُني الصّورُ، ويُلازمُني الجرحِ الغائرِ في الرّوحِ وأدندنُ....
_ يُمّا مْويلي الهوى ... يُمّا مولينا .....
_ ضَرْبِ الخناجر ولا حُكْمِ النّذلِ فينا ....

أتذكر أنّني سمعتُ هذه الأغنيةَ الوطنيّةَ في سرّيّة رام الله الكشفيّةِ الأولى، قبلَ حوالي إحدى عشرة سنة، لم أسمعْها بعد ذلك، ولم أحاولْ حتّى دندنتها على مدى هذه الفترة. إلاّ أنّ كلماتِها بقيَتْ محفوظةً عن ظهر قلب في القلبِ حتّى هذه الساعة.

مشاهد مِن الماضي البعيدِ تتجسّد أمامَ اللّحظةِ الضّبابيّةِ دونَ سابقِ إنذار...
ودونَ تخطيطٍ أو شعورٍ أنتفض لا إراديّا.
حبّات عرقٍ تتلألأ على جبيني، وتتصبّب ألمًا يعانقُ دموعًا تخونُني من جديد.

الزمن!! صيف 1994....
المكان!! الشارع العمومي في رام الله وبالتّحديد المنارة
إنّهم يتراكضون، لكنّ الجنود يُحاصرونَهم من كلّ حدبٍ وصوْب!!

_ نريدُهُ بأيّ شكلٍ من الأشكال... يجبُ القبضُ عليهِ اليومَ والآن...
معلوماتُنا دقيقةٌ، إنّه الأرمنيُّ آرتين، سيمُرُّ مِن هنا، هذا ما أكّدَهُ السّيّد ق.م رجُلُنا هناك، استعدّوا يا جنود... يتحدّث قائدُ الجيشِ في منطقة رام الله لعشرةٍ من جنودِهِ وأتباعِهِ، بعدَ أن وزّع عليهم صورةَ آرتين.
وأضافَ قائدُ الجيش:
_ رجُلُنا قال بأنّ مظاهرةً كبيرةً ستجوبُ الشّوارعَ، احْرِصوا على أن لا يفلتَ من بين أيديكم، أريدُهُ حيًّا أو ميتًا، أريدُ أن أجعلَهُ عبرةً لمَن لا يعتبر.

كان آرتين وحيدَ أهلِهِ، وعاشقًا كبيرًا للحرّيّةِ... كانَ سلاحُهُ الحجرُ والإرادةُ القويّةُ، والإيمانُ بالنّضالِ ضدَّ كلِّ فاسدٍ ومُفْسِدٍ طاغية.
أمّهات مخيّم الأمعريّ تمنّيْنَ من الله أن يهبَهُنَّ أبناء مثل ارتين، لا يخافُ في الله لوْمَ لائم.
لكن...
وكأنّه الموتُ كانَ على موعدٍ مع آرتين في سوادِ ذلك اليوم الأغبر، بعدَ أن تربّصتْ به الجنودُ في كلّ الزّوايا والدّروب، رمَوْهُ برصاصِ الغدرِ دونَ رحمةٍ... سقطَ.. ليُعاودَ النّهوضَ والرّكضَ... لكنّهم لحقوا به.. أمسكوهُ وطرحوهُ أرضًا، ثم.. قيّدوا رجْليْهِ بحبلٍ، ربطوهُ إلى سيّارةِ جيبٍ تجرّهُ، ممرّغًا بدمائِهِ وترابِ بلدِهِ... جالوا به شوارعَ رامَ الله بنرجسيّةٍ وقحةٍ وبتعالٍ ممقوتٍ...
وكانَ يُردّدُ أحدُ العساكر:
لقد قضينا عليه... سيكونُ عبرةً لمَن لا يعتبر..

صرختْ صبايا سرّيّة رام الله:
قتلوا ارتين... مات ارتين... رحل العريس ...

صرخت راضيةُ؛ خطيبتُهُ المفجوعةُ بموت حلمها:
اللّعنةَ على الخونةِ والمدسوسين والمتصهينين ...

اختطفَ الشّبابُ الأوفياءُ الجثّةَ، قبلَ أن يُدنّسَها العسكرُ ويمثّلوا بتفاصيلها البريئة، وأخفَوْها عن العيونِ المراقبةِ للحدثِ الجَلَلِ...

انتشرتِ الصّاعقةُ بين أبناءِ رام الله في ضواحيها الصّامدةِ، هرعوا بالتّوافد إلى نادي الكاثوليك، والى سرّيّة رام الله الأولى، والنّادي الأرثوذكسي، والكلُّ يسعى للمشاركةِ في تنظيمِ جنازةٍ تليقُ بالبطل آرتين.

في اليوم التالي وبعد تشييع جثمان الشّهيد في كنيسته، فُتحتْ أبوابُ النادي الكاثوليكي على مصراعيها في استقبال وفود المُعزّين الغفيرة، فإذا بصوت عجوز يصرخ فجأة:
أخرجي من هنا أيتها العميلة، أنت السبب، أنتِ وزوجُك وأولادُك، لقد قتلتموه واليهود، ماذا تريدون بعْد؟ أخرجوا من هنا.... لا مكان لكم بيننا.

لم ينبسْ أحدٌ ببنتِ شفة.. وخرجت العائلةُ العميلة عاريةً من حيائِها، بعدما كُشِفَ أمرُها، واختفتْ فيما بعد في تجاويف الأرض.

وفي التأبين وفي كلّ حين، وعلى عهدِ الشّهيد يبقَوْن للأبدِ وإلى غير أزل، صليبٌ يُعانقُُهُ هلالٌ، وإنجيلٌ يُناصرُهُ قرآنٌ، وطريقُ النّضال تضيئُهُ أرواحُ الأبرار.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافٌ يُمَرْمِرُ رائحةَ العتمِ
- -فقدت برائتي وطفولتي-
- وداعاً أيها الفارس الى موسى ابو كشك
- أعطونا مسرحاً نسوياًنعطيكم إبداعاً وحياة وتحرير وعلاج
- عنف وتخريب)عائلة المربوع تعيش المأساة
- حي او مخيم لاجئين؟
- تعيين جمعة الزبارقة مديرا للمدرسة الشاملة -أعد بمستقبل زاهر ...
- القسّ صموئيل فانوس: الحوار يقرب بين الأديان والتطرف الديني ا ...
- دعارة المناشير!!
- أطفال يدفعون ثمن الخيانة !
- ((أبارتهايد)) في الرملة
- رفض واستهجان للقرار: هراري رئيسا للد.. والعرب قلقون
- هدم ومواجهات في الجواريش لافي يعلن الحرب
- الكاتبة اللدّاوية دينا سليم حنحن في حديث ل -المدينة-
- يريدون هدم البيت... بسبب القبة-
- ساعدونا!-
- شابة وشاب من اللد يقرعون الجرس ويحاولون انقاذ الطفولة من الض ...
- الأحزاب العربية دعمت تحالفي مع لافي-
- الدروس في الملاجئ
- والدة الأسير مخلص برغال: أتمنى أن يمدني الله بالقوة


المزيد.....




- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟!