أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - طرائف-البروتوكول الملكي-















المزيد.....



طرائف-البروتوكول الملكي-


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2171 - 2008 / 1 / 25 - 08:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


إعداد إدريس ولد القابلة و حيران مصطفى

يحرس الملك من الورد والزرابي

قال مصدر حضر الواقعة أن حارس الملك "الجعيدي" انقض ذات مرة على باقة من الورد كانت صبية أجنبية تقدمها للملك محمد السادس، حينما كان هذا الأخير يزور إحدى الدول الأجنبية، المصدر أكد أن كل الحاضرين من الأجانب والمغاربة، استغربوا للمبالغة التي أبان عنها الحارس الشخصي للملك.
نفس المصدر قال أيضا إن نفس الحارس المعني لا يتورع في كل مرة عن تسوية أية ثنية في الزرابي التي توضع في المناسبات تحت أقدام الملك.
البعض فسر ذلك بأن الحارس الجعيدي ربما يفعل ذلك حذرا من ان تكون تحت ثنيات الزرابي، قنابل أو أسلحة دمار شامل، بيد أن آخرين قالوا بأن الداعي أبسط من ذلك بكثير: إن الجعايدي يخاف أن تتعثر قدما الملك في الثنيات المذكورة ويحدث ما لا تُحمد عقباه. فهل يدخل ضمن البروتوكول حماية الملك من الورد ولو كان مقدما من طرف صبية في بلد اجنبي؟
وهل تشكل الزرابي أيضا خطرا على الملك، وبالتالي أن يتجشم حراسه، وخاصة الجعيدي مشقة الانحناء لتسوية ثنياتها مهما صغرت لدرجة أن الأعين المهتمة للذين وضعوها تحت أقدام الملك تقديرا، وتعبيرا عن حسن الاستقبال لم تلحظها؟

الله يبارك فعمر سيدي... الخادم
كان خدام القصر منهمكين في إعداد قاعة العرش، بالقصر الملكي بالرباط، خلال أحد الأيام السابقة المناسباتية – وكم كانت كثيرة – حيث كان منتظرا أن يُلقي الملك الحسن الثاني أحد خطاباته، فجأة لعبت ذبابة "الدسارة" بدماغ أحد الخدم الذي كان يُسوي من وضع كرسي العرش، فعمد إلى الجلوس على المقعد الشهير المُذَهَّب الحواشي والجنبات، ونظر إلى زملائه الخدم بخيلاء، وكأنه يقول لهم: "رعايانا الأوفياء، وبينما كان الخادم الشقي منتشيا بلحظة "مُلكِه" إذا بالملك الحقيقي يدخل فجأة قاعة العرش حيث لم يكن مجيئه في تلك اللحظة متوقعا، ولكم أن تتخيلوا الرعب الذي استبد بالخادم المسكين، حيث تسمر في مكانه مثل قطعة رخام، وتجمد الدم في عروقه.
اقترب منه الحسن الثاني، وعلى شفتيه ابتسامة واسعة، ثم انحنى على أذنه وهمس له: "الله يبارك فعمر سيدي".

دراجة "روك فيلر" التي أخرجت الحسن الثاني عن طوره
كان اليوم أحد أيام رمضان، والتوقيت قبيل آذان المغرب، والمكان هو رحاب القصر الملكي بالرباط، حيث كان الثري الأمريكي ذي الصيت العالمي "روك فيلر"جاء للمغرب ومعه هدية خاصة للملك الراحل الحسن الثاني، بمناسبة عيد ميلاده، ومعروف عن الحسن الثاني – حسبما رُوي عنه – أنه كان يُحب الهدايا كثيرا سيما تلك التي تكون جديدة ومُبتكرة.
واعتبارا للعلاقات التي كانت تربط الثري الأمريكي المذكور بالحسن الثاني، فقد حار في اختيار نوع الهدية التي ستروق الملك، وبعد عدة استشارات استقر رأيه على البحث عن هدية يفاجئ بها الملك، فكان أن اقترح عليه أحد المقربين منه – أي الحسن الثاني - إهداءه آخر نوع من الدراجات النارية الفاخرة قبل ترويجه في الأسواق، وفي اللحظة الموعودة، حضر "روك فيلر" إلى قصر الرباط ومعه الدراجة النارية، والتقى بالملك فسلّمه الهدية ببهو البلاط، وحسب الذين حضروا المناسبة، فإن الحسن الثاني أعجبته الهدية لدرجة أنه أمر بفتح أبواب القصر ثم ركب الدراجة الهدية، وانطلق بها، أمام العيون المندهشة للجميع، ارتبك الحرس الشخصي للملك، وتبعه بعضهم جريا على الأقدام واتجه آخرون إلى سياراتهم، لملاحقته، لكن الأوان كان قد فات حيث لم يعد يظهر له أثر.

رئيس هيئة استشارية حقوقية كاد "يفعلها" في ثيابه
كانت المناسبة واحدة من تلك اللواتي يُعين فيها الملك محمد السادس أحد الكوادر اليسارية السابقة على رأس هيئة استشارية ذات طابع حقوقي، وبما أن هذا الأخير كان يشكو من مرض هضمي عضال، يقتضي منه الذهاب للمرحاض في فترات متقاربة، فقد اشتدت عليه الأزمة حينما طال انتظاره ببهو القصر، وحينما انصرمت الدقائق التي استغرقتها لحظة تنصيبه، أغمي على الرجل حيث مُنِحت له الإسعافات الأولية ليجتاز محنته الصحية النفسية العصيبة.

لكل مناسبة كبوتها
روى مصدر مقرب من الواقعة التالية، أنه حدث خلال مناسبة تنصيب المجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بالخارج، وبالتحديد حين تقديم الأعضاء للملك، أن أحدهم تعثر في مشيه حينما كان متجها صوب الملك، وكاد يسقط أرضا لولا تماسكه في آخر لحظة. وفي الحقيقة فإنه يصعب معرفة ما إذا كان ممثل الجالية المغربية في بلاط محمد السادس قد تعثر "قضاء وقدرا"، وهذا يحدث في حياة المرء آلاف المرات، منذ ولادته حتى مماته، أم أن اللحظة كانت بالغة الأثر على نفس وجسد الرجل لدرجة لم يتحمل معها "ستريس" المناسبة، فكانت الكبوة التي لاحظها الحاضرون ونقلها بعضهم فما لأذن.

الوزيرة ذات التنورة والملك
حدث ذلك خلال الزيارة الأخيرة المشهودة للرئيس الفرنسي الجديد نيكولى ساركوزي للمغرب، وكانت المناسبة حفل العشاء الذي قدمه محمد السادس على شرف الرئيس المذكور، غير أنه خلال إحدى عمليات "الفحص" التي يقوم بها موظفو عبد الحق لمريني مدير التشريفات والأوسمة، تبين لهم أن الوزيرة الفرنسية الشابة في العدل، صاحبة الأصل المغربي، ونعني بها رشيدة داتي، كانت ترتدي تنورة قصيرة تكشف عن جزء "مهم" من ساقيها، فكان أن طُلِب منها بأدب أن تذهب وتغير تنورتها بلباس آخر أكثر احتشاما قبل أن تكون أمام الملك، فكان أن رفضت الوزيرة الفرنسية الاستجابة للطلب المخزني العتيق، وحينها خيرها حراس معبد البروتوكول الملكي، بين أمرين أحلاهما مر، كما يُقال، فإما أن "تستر" ساقيها أو تعود من حيث أتت، فكان أن اختارت هذا الحل الأخير على مضض، وكأنها تريد أن تقول بذلك للذين استكثروا عليها تنورتها: لستُ بتلك المغربية التي تظنون فأنا فرنسية كاملة الحقوق والواجبات، ليس ذلك فقط بل إنني وزيرة في حكومة ساركوزي..
لكن يبدو أن هرقلات البروتوكول المغربي يضعون الشمع في آذانهم وأذهانهم، ويعتبرون كل "كحل" او "كحلة" الرأس مغربي (ة) ولو ترأس (ت) دولة الولايات المتحدة الأمريكية.

حزام الجنرال والملك
حدثت الواقعة التالية حين الاستعراض العسكري، والمناورات التي رافقته بحضور الملك محمد السادس، حيث كانت المناسبة تقتضي ، حسب الترتيبات البروتوكولية، أن يقدم الجنرال والضباط المشرفون على الاستعراض المذكور ومناوراته، التحية للملك عن قرب، غير أن الترتيبات نفسها تقتضي أن يحرص حراس الملك الشخصيين على فحص أسلحة الضباط إياهم قبل أن يقتربوا من محمد السادس. كان أحد الجنرالات هو الأول، حيث تقدم منه أحد حراس الملك وفحص سلاحه الشخصي العسكري، ثم رده له، غير أنه في إحدى اللحظات التي كان فيها الجنرال متجها نحو الملك انفك حزام بذلته فجأة، وهو ما استرعى انتباه الحاضرين، وبحركة سريعة عمد أحد الحراس إلى جر الجنرال، بعد القبض على تلابيبه، وجره إلى الخلف بعنف، حيث إن الحادث المباغت المتمثل في حل حزام الجنرال، اعتُقِد منه أنه إشارة إلى وجود سلاح مخبأ تحته مما أدى لانفكاكه، وبطبيعة الحال كان الحادث مجرد مصادفة كشفت عن أحد أوجه مبالغة حراس الملك الشخصيين في تطبيق تفاصيل البروتوكول بصرامة ودقة مبالغ فيهما.

مستشار الملك ممنوع من دخول ضريح محمد الخامس
يتعلق الأمر بمستشار الملك الحسن الثاني في شؤون الاقتصاد أندري أزولاي، والظرف كان هو مراسيم دفن الملك المذكور في ضريح محمد الخامس، ففي تلك اللحظة المشهودة اعتقد أندري ازولاي أن درامية اللحظة لن تُلفت أنظار حراس معبد البروتوكول الملكي، إلى ديانته غير الإسلامية، غير أنه كانت هناك أعين مخزنية يقظة جعلت الرجل يفهم في أدب أنه غير مرغوب فيه في ذلك المكان ذي الخصوصية الدينية، غير أن الرجل، أي اندري ازولاي، لم يحفل بالتنبيه واستأنف طريقه يريد الدخول لرحاب الضريح الملكي وحينها تدخل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق العلوي المدغري بقوة، حيث نهر مستشار الملك وأشار إلى موظفي البروتوكول لمنعه بالقوة، وهو ما تم فعلا، ليتأكد سي أزولاي أن البروتوكول الملكي المخزني "ما معاه مزاح" ولو كان الأمر يتعلق بمستشار للملك الميت.

لبن الناقة للرئيس الموريتاني "ولو طارت معزة"لطري على
في إحدى المناسبات نزل الرئيس الموريتاني السابق، معاوية ولد الطايع، ضيفا على الملك الحسن الثاني، وكانت رغبة الضيف هي الإفطار على لبن الناقة الذي اعتاد عليه دون غيره، إلا أنه لم يكن متوفرا بمطبخ القصر آنذاك. وبعد استشارة الملك الراحل الحسن الثاني، في الأمر وجد الحل توا، وما حدث بعد ذلك وفي ظرف أقل من ثلاث ساعات، هو أن لبن الناقة كان على طاولة إفطار الرئيس الموريتاني السابق، فكيف تم ذلك؟
لقد أمر الراحل الحسن الثاني بإحضار المطلوب، فتم الاتصال الفوري بأحد عمال الأقاليم الصحراوية لجلب كمية منه، ثم توجهت طائرة حربية لإحضاره بسرعة، وهكذا تمت تلبية طلب الرئيس معاوية ولد الطايع.

كيف غيرت "تكشيطة" مغربية مزاج الرئيس المصري؟
من الطرائف الرمضانية أيضا، قصة انتظار الرئيس المصري المغتال أنور السادات طويلا لمقابلة الملك الراحل الحسن الثاني. حيث كان من المقرر أن يتم هذا اللقاء في ساعة محددة، فحضر الرئيس المصري قبل الموعد بقليل، لكن الملك الراحل تأخر كثيرا، وطال انتظار أنور السادات حتى بدت معالم الغضب على محياه، ولما أوشك غضبه بلوغ قمته، حضر الملك، وطلب من عقيلة الرئيس، أن تتوجه إلى جناح الحريم قبل بداية المقابلة. ساد الصمت وعلامات الغضب تكتسح محيا الرئيس المصري، وفجأة تعالت ضحكات عقيلة الرئيس المصري، وبعد برهة ظهرت وهي ترتدي لباسا مغربيا تقليديا (التكشيطة)، مزهوة بالحلي الذهبية والمجوهرات، حيث بدت أنيقة جميلة، وهي في قمة فرحها وانشراحها. فتغيرت ملامح الرئيس أنور السادات وصدرت عنه ضحكات الرضا والسرور ونسي أن الملك الراحل تركه ينتظر وقتا طويلا.
ومن المعلوم أن علاقات خاصة كانت تربط الرجلين، فالملك الراحل هو الذي هيأ لظروف التقارب المصري – الإسرائيلي، ليعقد الطرفان العزم على الشروع في المفاوضات، كما أن الراحل الحسن الثاني، اقترح على الرئيس أنور السادات ألا يتسرع في اتفاق انفرادي مع إسرائيل، ونصحه بالتريث حتى يشارك في مناظرة دولية كان ينوي الملك تنظيمها بالمغرب حول السلم والسلام بالشرق الأوسط.

هل يوجد في المغرب شعبان اثنان؟
حدث خلال زيارة الملك محمد السادس لمدينة الحسيمة غداة وقوع الزلزال في أواخر شهر أبريل من سنة 2004 وبالتحديد خلال المناسبة البروتوكولية المتمثلة في تقديم فعاليات المجتمع المدني للملك محمد السادس، حيث كان هناك جمهور من الناس على جنبات المكان، أن تعالت هتافات هؤلاء الأخيرين، قائلين: "محمد السادس شعب الريف يحبك"، فكان أن التفت الجنرال حميدو لعنيكَري إلى زميله حسني بنسليمان قائلا: "واش حنا عندنا فالمغرب شعبين؟" وحسب المصدر القريب ممن حضروا الواقعة، الذي نقل إلينا هذا الخبر، فإن الجنرال بنسليمان لم يجب واكتفى بهز كتفيه.

محمد السادس: "البروتوكول جزء مني ولن أغيره"
قال الملك محمد السادس حينما سأله مبعوث مجلة باري ماتش بصدد موضوع البروتوكول الملكي، وذلك ضمن حوار نشر بتاريخ 14 – 5 – 2004 : " إن البروتوكول الملكي كان وسيظل، بروتوكولا"، وأضاف: لقد أشيع كما لو أنني غيرت ما كان قائما بعض الشيء، وهذا خطأ، لأن الأسلوب مختلف، غير أن للبروتوكول المغربي خصوصيته. وأنا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده .إنه إرث ثمين من الماضي". ثم أردف: "غير أنه يجب على البروتوكول أن يتماشى مع أسلوبي، لقد ولدت وترعرعت ضمن هذه التقاليد البروتوكولية، وهي تمثل جزءا لا يتجزأ من كياني، وخاصة من حياتي المهنية التي تظل هذه التقاليد مقرونة بها". وإذا أضفنا إلى هذا ما كان قد صرح به محمد السادس قبل ذلك لمجلة التايم الأمريكية قبل ذلك ببضع سنوات، حيث كان قد قال بأن مؤسسة البروتوكول الملكي "يعيش من العمل فيها العديد من الأشخاص، وبالتالي ضرورة الإبقاء عليها". فسيفهم الذين "حلموا" بتغيير في طقوس وإشارات الملكية بما يجعلها أكثر حداثة أنهم كانوا واهمين في تفاؤلهم؛ وأنه ما زال مطلوبا الانتظار طويلا لتتغير دار لقمان.

الانحناء "احتراما" لقطار الملك
درج رجال السلطة المحلية، وبفرض من وزير القصور الملكية والتشريفات والأوسمة السابق، عبد الحفيظ العلوي على تنظيم استقبال فريد من نوعه في العالم، للقطارات التي كان يتنقل عبرها الملك الحسن الثاني عبر بعض مدن المغرب، حيث أنه أثناء مرور المواكب الملكية، فإن ولاة وعمال الأقاليم والعمالات، لا يأمرون بـ "تجميد" حركة السير على الطرقات فقط، بل يفرضون كذلك على رجال السلطة المحلية والمنتخبين، ومن يدور في فلكهم من أعيان، الانحناء أمام القطارات الملكية أثناء مرورها أمام محطات القطارات الصغرى والكبرى في المدن وفي البوادي. ولعل الكثيرين لازالوا يتذكرون كيف كانت التلفزة المغربية "تتفنن" في نقل صور البرلمانيين والأعيان والمنتخبين المحليين.. إلخ وهم يركعون كما لو كانوا يُصلون، لقطار مار بسرعة من أمامهم.
انحناءة المنتخبين ورجال السلطة، لم تقتصر على جهة دون غيرها، بل على جميع المناطق.
ويحكي لنا مصدر موثوق به، أن الحسن الثاني عمد ذات مرة، لظروف أمنية، إلى عدم استعمال القطار الذي كان قد انطلق من مدينة مراكش نحو الرباط، لكن مرور هذا القطار من محطتي المدينة (الجديدة/ بوشنتوف)، والبيضاء المسافرين، دفع بالكثير من أصحاب الجلاليب إلى الانحناء للقطار، قبل وصوله بخمس دقائق وبعد مروره بدقيقتين!

ممنوع أخذ صور للملك في المسجد
قبل أن يأتي الملك الراحل الحسن الثاني لتدشين المسجد الذي حمل اسمه بالدار البيضاء، فرض المسؤولون بروتوكولا صارما، تمثل في تخصيص الطابق العلوي للنساء، والسفلي قرب محراب الخطيب حيث جلس الرجال، أما الصحافيون والسلك الديبلوماسي المعتمد بالمغرب، فقد خصص لهم مكان في الطابق الأول.
قبل الدخول إلى المسجد، فرض رجال الأمن الملكي، إجراءات مراقبة صارمة، منع على إثرها حمل آلات التصوير والنزول للمراحيض من أجل (قضاء الأغراض التي في ذهنكم)، المهم أن صحافيا فرنسيا معتمدا بالرباط، وأثناء دخول الملك الراحل الحسن الثاني من الباب الجانبي المقابل للبحر، بدأ يلتقط بعض الصور وما كاد يغير وضعية آلة التصوير حتى (انقض) عليه رجال الأمن الخاص، وانتزعوا منه آلة التصوير.
الصحافي الفرنسي صُدِم من الطريقة التي عومل بها من طرف المسؤولين الأمنيين، وزاد من صدمته عدم استجابتهم لطلبات زملائه المغاربة والأجانب برد آلة التصوير إليه.

أندري أزولاي وزوجته خارج المسجد الكبير
أثناء تدشين الملك الراحل لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، اضطر المستشار الملكي أندري أزولاي وزوجته إلى البقاء بالخارج.
عدم دخول المستشار الاقتصادي الملكي وزوجته إلى مسجد الحسن الثاني، لم يكن قرارا شخصيا، بل فرضه المسؤولون على البروتوكول الملكي، فمسجد الحسن الثاني الذي تدخله اليوم أعداد كبيرة من السياح المسيحيين واليهود وغيرهم، منع المستشار الاقتصادي الملكي أزولاي من دخوله، لأن الإسلام يمنع على غير المسلمين دخوله.
للإشارة، فإن المستشار الملكي أندري أزولاي وزوجته، يعتنقان الديانة اليهودية، ويمثلان الطائفة اليهودية المتشبثة بأرض المولد.

البروتوكول الملكي يجرد وزير الداخلية من "بلغته"
حدث أن وزير داخلية، كان قد عيّن بعد إقالة سابقه القوي، الذي عمر طويلا في منصبه، وضع "بلغته" بباب مسجد كبير، كغيره من الوزراء والمدعوين، وبعد انتهاء مراسيم الصلاة، وأثناء خروج الملك ليستقل سيارته، ذهب وزير الداخلية المعني، لمرافقته إلى السيارة بدون حذاء، وهو الأمر الذي أثار استغراب الحاضرين من وزراء وضيوف.
وزير الداخلية الذي كان يلبس جلبابا أبيض وطربوشا أحمر، عاد لمسافة اثنى عشرة مترا تقريبا حافي القدمين، إلى باب المسجد الكبير، بحثا عن نعله (البلغة) التي وجدها بشق الأنفس.
ومعلوم أن البروتوكول الملكي المتسم بالسرعة والدقة، لا يحتمل التأخير ولا يتساهل مع غير المنضبطين، كما حدث لوزير الداخلية الذي يحتل منصبا آخر اليوم.

سفير فرنسي لعصرنة البروتوكول الملكي
حسب "جان بيير توكوا"، الصحفي الفرنسي صاحب كتاب "أنا مدين لوالدك بالكثير: المغرب – فرنسا قضية عائلية"، قام السفير الفرنسي السابق بالرباط، "فريدريك غراسي" ببذل جهود كبيرة لعصرنة بعض جوانب البروتوكول الملكي، وذلك بإدخال بعض التغييرات الطفيفة سنة 2003، بمناسبة الزيارة الرسمية لجاك شيراك وعقيلته للمغرب، إذ كان وراء احتلال الأميرة لالة سلمى موقعا متقدما عن شقيق الملك، الأمير مولاي رشيد في الترتيب البروتوكولي، كما أنه كان وراء تغيير تصرف السفراء المدعوين لحفل عشاء أقيم بمدينة فاس، إذ عوض القيام بانحناءة بسيطة أمام الملك كما تقتضي مراسيم البروتوكول المخزني، قاموا بمصافحته.
إنها جزئيات، ربما لم يلاحظها الكثيرون، لكنها تطلبت مجهودا كبيرا حسب ما صرح به "فريدريك غراسي" لأحد الدبلوماسيين.

اللباس السلطاني
خضع اللباس السلطاني لطقوس خاصة، وهناك تقليد ظل قائما، إذ دأب المكلفون بلباس الملك (اللباس السلطاني) على احترام جملة من القواعد، لها دلالاتها الخاصة التي لا يفقهها الكثيرون.
ومن الإشارات الدالة على هذه القواعد، احترام مقاييس مضبوطة للجزء الظاهر من الشاشية الحمراء تحت العمامة البيضاء، وقد قيل إن كبر أو صغر الجزء الظاهر منها يشير إلى مزاج السلطان ذلك اليوم، حيث إن حجم الجزء الظاهر منها يفيد بالحالة المزاجية للملك، فإذا كان الحجم الظاهر بارزا للعيان من بعيد، فهذا يعني أن الملك غاضب والعكس بالعكس.

قبعة الحرس الملكي
في غضون شهر أبريل 2007 دشنت الأميرة لالة سلمى "دار الحياة" في مدينة الدار البيضاء، وعندما مرت أمام فرقة الحرس الملكي وقعت قبعة أحدهم بالقرب من قدمها، وكانت على وشك الدوس عليها، لكنها تفادتها بحركة رشيقة، وتابعت سيرها بشكل عادي كأن شيئا لم يحدث، مما جعل الكثير من الحاضرين لا ينتبهون لما حدث إلا بعد مدة غير قصيرة.

زوجة الملك تحدث تغييرا
في البداية كانت مجموعة من الخدم والعبيد تعمل بالإقامة الملكية بدار السلام، إلا أن زوجة الملك لم تستحسن كثرتهم، بل أحيانا كانت تتضايق من وجودهم المكثف في كل مكان، لذلك أمرت في البداية بتقليص عددهم إلى النصف، ثم بعد ذلك تم التخلي عنهم، وتعويضهم بطاقم عصري من المستخدمين اختيروا من خريجي المعاهد الفندقية، سعيا وراء عقلنة شؤون الإقامة الملكية.
علما أن إقامة الملك محمد السادس قبل زواجه – عندما كان وليا للعهد – كانت خالية من الخدم والعبيد، حيث لم يكن يعمل على راحته سوى قلة من المستخدمين.
لقد عرف عن زوجة الملك، أنها تدخلت لتغيير جملة من أعراف دار المخزن وبعض قواعد البروتوكول، ومنها حرصها على أن يكون الطاقم الذي يخدمها بالفنادق التي تحل بها مكونا من النساء فقط، ولربما يسير هذا الحرص في طريقه ليشمل مجموعة من الحارسات الشخصيات من النساء، يوجدن في طور التكوين والتأهيل، وسوف تضطلع أفضلهن بحراسة الأميرة وابنتها الأميرة لالة خديجة شقيقة ولي العهد.

بروتوكول دار المخزن
مازال البروتوكول المخزني يتميز بجملة من الخصوصيات لا نظير لها في العالم، كالبروتوكول المرتبط بمراسيم البيعة وطقوس خروج الموكب الملكي في عيدي الفطر والأضحى والاحتفال بليلة المولد النبوي ومراسيم الدروس الحسنية.
ومن المعلوم أن قضايا البروتوكول ظلت تعتبر من القضايا التي تعود صلاحية البث فيها أو التقرير بشأنها إلى الملك.
ورغم أن الحماية الفرنسية سربت بعض عناصر التعامل البروتوكولي العصري (نظام الأوسمة، تحديث وعصرنة بعض طرق وأساليب الاستقبالات الرسمية)، فإن البروتوكول المخزني بقي محافظا على جوهره بقوة إلى حد الآن.

من طقوس تمجيد القوة وتقديس الطاقة
من طقوس البروتوكول تقبيل يد الملك من طرف الجميع، لكن نفس هذا الطقس - أي تقبيل يد الملك - من طرف العبيد وخدم "دار المخزن" تختلف بعض الشيء. فقبل أن يمسك أحد الخدم أو عبيد القصر يد الملك لتقبيلها، عليه أولا أن يلفها جيدا بأطراف سلهامه الأبيض، حتى لا تلمس يده وشفتاه يد الملك مباشرة.
وهذا تقليد ظل ساريا بدار المخزن على امتداد قرون. وفلسفته أن صورة الملك وشخصه، مرتبطان بالهيبة والخنوع، ولا ينبغي أن تتزعزع هذه الصورة في ذهنهم أبا عن جد.
علما أنه في السابق لم يكن خدم وعبيد البلاط، يكتفون بتقبيل يد السلطان، وإنما يسجدون له ويقبلون نعله.
ومن طقوس دار المخزن، خفض النظر والاستدارة إلى الحائط، كلما مرت إحدى نساء القصر بجانب أحد الخدم أو العبيد.

دار المخزن والبروتوكول مركز ثقافة السلطة
يطلق عادة اسم "دار المخزن" على القصور الملكية، وكل المرافق التابعة لها، إلا أن "دار المخزن" المركزية ترمز، في العرف الشائع، إلى القصر الملكي بالرباط نظرا لرمزيته السياسية والتاريخية.
ومازالت دار المخزن، إلى جانب البروتوكول، تشكل المجال المركزي الذي يؤسس ثقافة السلطة بالمغرب ويرعاها. فهي المركز الباعث لنظام الحكم والطاعة والخضوع، عبر تحديد قواعد وضوابط وآداب البروتوكول المخزني المفروضة على مختلف مؤسسات المملكة، بما فيها البرلمان والأحزاب السياسية. فكل من يجد نفسه ضمن إحدى هذه المؤسسات يتوجب عليه الالتزام والانضباط لمختلف المراسيم المخزنية بحذافيرها، خاصة فيما ارتبط بالمناسبات الوطنية والدينية وما تعلق بتقديم فروض الطاعة والولاء، طبقا للأعراف والعادات المخزنية العتيقة من انحناء وتقبيل اليد وغيرها.
ويقول محمد الطوزي، إن المراسيم المخزنية وضوابط البروتوكول المخزني، ترتكز بالأساس على نهج خاص لتطويع وترويض العقل والجسد، على مختلف مظاهر الطاعة والخضوع والخدمة. وهذا ما ينعته بعض المحللين السياسيين، بتكريس مخزنة النخبة وفقا للثقافة المخزنية المستندة إلى مرجعيات دينية وفقهية وتاريخية، وهو ما ساعد النظام السياسي، حسب هؤلاء، على تركيع النخبة وترويضها لخدمة ومساندة ودعم الإدارة السياسية، وتدبير دار المخزن لشؤون البلاد على امتداد أكثر من أربعة عقود، بما في ذلك الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، وأحيانا بعض النزوات العابرة للملك، سيما في عهد الحسن الثاني.

بورتريه: مولاي حفيظ العلوي
صانع معبد البروتوكول الملكي ذو القسوة الأسطورية
لا زال الكثيرون ممن عاصروا مرور السلطة الملكية، من محمد الخامس إلى الحسن الثاني، يتساءلون عن "السر" المكنون الذي جعل هذا الأخير يتخذ له ضابط الجيش الفرنسي ذو السجل الدموي الرهيب، مساعدا مقربا له في شؤون الحكم، ونعني به اليوطنان كولونيل مولاي حفيظ العلوي.
الواقع أن الحسن الثاني الذي كان قد تسلم العرش وعمره إثنان وثلاثون سنة، لم يخف تعلقه وانجذابه بالشخص المثير للجدل الذي نحن بصدده، وثمة معطيات متوفرة عنه تزيد المطلع عليها، حيرة وذهولا. فمن هو عبد الحفيظ العلوي؟
ولد الرجل سنة 1917 حين كان العالم يستعيد أنفاسه من حرب كونية مدمرة، حيث كانت جثث القتلى بالأكوام في شوارع المدن الأوروبية، أما في المغرب فكان الناس يتجرعون إهانة معاهدة الحماية، التي كان السلطان عبد الحفيظ قد وقعها، قبل أن يهرب إلى فرنسا خلسة على متن أحد المراكب التجارية العادية، كانت السلطة قد آلت للإقامة الاستعمارية، وبطبيعة الحال، لم يكن من المتيسر لهذه الأخيرة أن تحكم بلدا بالتعقيدات الاجتماعية والسياسية والعرقية، التي كان عليها المغرب دون مساعدة بعض من أعيان ونخبة أبناء البلد، وفي الواقع فإن هؤلاء الأخيرين كانوا من الكثرة ومن "الكفاءة" مما سارت بذكره الركبان.
ومن هؤلاء كان هناك شاب ينحدر من منطقة جنوب مراكش، اسمه حفيظ العلوي، الذي أقنع الضباط الفرنسيين بأنه جدير بعنايتهم بالنظر إلى الشراسة التي أبان عنها في أكثر من مناسبة، باعتباره ضابط صف حديث الالتحاق بالجيش الفرنسي، في التنكيل ببني جلدته، وبطبيعة الحال لم تتأخر المكافأة كثيرا، حيث ترقى حفيظ العلوي، في مراتب عسكرية متقدمة، حتى أصبح ليوطنان كولونيل في جيش فرنسا، وهي رتبة كبيرة بطبيعة الحال كان هناك مغاربة قلائل جدا، يُعدون على رؤوس الأصابع استطاعوا الترقي إليها، منهم مثلا محمد أوفقير والمحجوبي أحرضان، والشنا - صهر اوفقير – ذلك لأن أمر الترقي يتوقف على اعتبارات كثيرة، منها "الكفاءة" في سحق المظاهرات التي كانت تنظمها الأجنحة المدنية لأعضاء جيش التحرير في المدن، وبالفعل فإنه يوجد في السجل "الحربي" لليوطنان كولونيل حفيظ العلوي "إنجاز" كبير، تمثل في قيادة سرية عسكرية لسحق المدنيين المغاربة سنة 1933 وقتل العديد منهم بدم بارد بل وبمتعة سادية لازمته طوال حياته كما سنرى فيما بعد.
وحسب المعطيات التاريخية المتوفرة عن الرجل في تلك الحقبة، فإن جناحا للمقاومة نظم كمينا لضابط الجيش الفرنسي حفيظ العلوي سنة 1954 حيث كانت هناك محاولة لاغتياله والتخلص من شره، بيد أنها لم تنجح، واحتفظ منها حفيظ العلوي بجرح غائر في كتفه، كان يقول إنه أصيب به أثناء الحرب، وهو ما لم يكن صحيحا بطبيعة الحال، حيث لم يخض أية حرب باستثناء أعمال القمع الوحشية، التي احترفها ضد بني جلدته لصالح مشغليه الفرنسيين.
لم يكن الاستعمار قد رحل بعد من المغرب، حين تعرف الحسن الثاني الذي كان حينئذ وليا للعهد، على الضابط الفرنسي حفيظ العلوي، والمناسبة كانت هي زيارة الملك محمد الخامس لمدينة طنجة، ولإلقاء خطابه الذي اعتُبر تاريخيا، آنذاك، وكان ذلك يوم 9 أبريل من سنة 1947 ، تقدم حينها عبد الرحمان الحجوي - الذي أصبح فيما بعد مديرا لتشريفات السلطان بن عرفة - من ولي العهد الحسن وقدم له حفيظ العلوي، ومنذ ذلك الحين لم يفترق الرجلان، وغني عن القول إن حفيظ العلوي أصبح بعد ذلك الآمر الناهي في محيط الحسن الثاني حتى وفاته - أي حفيظ العلوي - يوم 14 دجنبر 1989 .
وبالرغم من أن الرجل - أي عبد الحفيظ - تسلم منصب باشا على مدينة سطات من يد الباشا لكَلاوي، وبالرغم من أنه لم يكتف فقط بمبايعة السلطان بن عرفة، خلال نفي محمد الخامس في بداية سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، بالرغم من كل ذلك، فقد وجد نفسه بعد الاستقلال يتسلم منذ سنة 1963 منصب وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، حيث يتفق الكثيرون ممن اختلطوا ببلاط الحسن الثاني، أو اقتربوا منه لسبب أو آخر، على أن عبد الحفيظ العلوي كان هو مَن أسس البروتوكول الملكي، ووضع مراسيمه التقليدية الصارمة، كما يعرفها على الأقل ثلاثة أجيال من المغاربة، وكان لا يتردد في ضرب ودفع مَن لا ينحني لتقبيل يد الحسن الثاني من الوزراء وكبار الشخصيات، كما أنه - حسب الإفادات التي استقيناها من بعض عارفيه - لم يكن يتردد في التنكيل بالذين يخالفونه الرأي، يحكي أحد السياسيين المغاربة القدامى هذه الحكاية الدالة: "حدث ذات مرة أن ثارت ثائرة ساكنة منطقة سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش لسبب من الأسباب، وكان يرأس مجلسها البلدي أحد قياديي حزب عتيق، فكان أن أرغم وزير القصور والتشريفات والأوسمة، القيادي الحزبي المعني على المجيء إلى القصر في وضع غريب حقا، حيث دخل قاعة العرش وهو مكبل اليدين خلف ظهره، واضعا موسى بين أسنانه، وهو يزحف على بطنه حتى وصل أمام الملك تعبيرا عن اعتذاره لما بدر عن ساكنة جماعته.
كانت تلك "تخريجة" عبد الحفيظ العلوي كي يصفح الحسن الثاني عن الساكنة ورئيس مجلسها البلدي، ليس ذلك فقط بل إن عبد الحفيظ - حسبما يحكيه أحد الذين احتكوا به – كان هو المهندس الحقيقي، لفكرة إنشاء سجن سري للمحكومين في قضية الانقلابين العسكريين في بداية سبعينيات القرن الماضي، فحسب مصدرنا الموثوق، فإن عبد الحفيظ لم تعجبه الأحكام التي صدرت في حق العسكريين الانقلابيين، لذا عمد إلى التعبير عن ذلك للحسن الثاني، الذي كان لديه نفس الرأي، فكان أن وُُلِدت فكرة السجن الرهيب واختطاف العسكريين المحكوم عليهم، ليوضعوا فيه بغاية أن يموتوا بشكل بطيء، في ظروف غاية في الوحشية والسادية.. "كان عبد الحفيظ - يقول مصدرنا - يذهب في رحلات مكوكية بالطائرة، إلى منطقة تازمامارت ليشرف على كل صغيرة وكبيرة من المعتقل السري البشع، وكان هو مَن اختار نقط النظام العسكري الصارم، الذي سار عليه المعتقل والعاملون به، طوال عقدين من الزمن، حيث إن تلك التفاصيل الممعنة في التنكيل والسادية، التي رواها بعض الناجين مثل محمد الرايس وأحمد المرزوقي، كانت من بنات أفكار عبد الحفيظ العلوي".
وقد دارت الأيام - حسب نفس المصدر دائما - ليُصاب عبد الحفيظ العلوي في أواخر سنون حياته بمرض عجز الكلي الرهيب، حيث كانت تقله إلى فرنسا بانتظام، نفس الطائرة التي كان يستقلها للذهاب إلى تازمامارت، مرة كل أسبوع لتصفية دمه.
عبد الحفيظ العلوي، كان أيضا لا يتورع في الإلحاح على المدعوين إلى القصر، في مناسبات عديدة رسمية وخاصة، ليصطحبوا معهم زوجاتهم، لا لشيء إلا لأنه كان مولعا بالإيقاع بزوجات الآخرين، يحكي أحد الذين خبروا هذه العادة السيئة لديه إنه كان يتعمد عدم إحضار زوجته معه، فكان أن قال له عبد الحفيظ العلوي: "إننا نمنحك دعوة مكتوب فيها: إلى السيد فلان الفلاني وحرمه فلماذا تأتي وحدك؟" فكان أن تخلص المعني من الموقف بروح الدعابة المعروفة عنه، حيث أجاب الرجل المشهور بقسوته الأسطورية: الدعوة موجهة إلي أساسا وحرمي مُلحقة بواو المعية فحسب".. فكان اكتفى حفيظ العلوي بتكشيرة، يعتبرها هو ابتسامة، في وجه محدثه البشوش.
وصف الدكتور بلقاسم البلعشي، حفيظ العلوي في كتابه الهام "بورتريهات رجال سياسة مغاربة" الصادر باللغة الفرنسية منذ بضع سنوات عن دار النشر إفريقيا الشرق، قائلا: "..لقد كانت لديه سحنة أحد أشخاص الإيس الإيس (أي ضباط المخابرات الألمان أيام هتلر ) بجمجمة صلعاء ووجه أملط وعينين دائريتين، خلف عدستي نظارة سميكتين، وصوت كهفي - نسبة للكهف - كأنه قادم من العدم، كان يتحرك مثل شبح، ساهرا مثل عفريت على كل ما يُقال ويُفعل. كان بمثابة ظل كاره للنوع البشري، بالنسبة للملك، يتابع كل حركة أو كلمة تبدر عنه. يتعقبه دائما (...) إنه شخص بارد، وبذهن متوقد ينتبه للشاذة والفاذة، كائن خارج للتو من عالم ميكيافيلي للمؤامرات الشيطانية. كل الاستقبالات وكل اللقاءات وكل الاستشارات تمر عبره، وإذا ما نفذ أمرا فقد كان يفعل ذلك على طريقته (...)، كل الوزراء كانوا يخشونه، كان يدفعهم، ويشتمهم بشكل لاذع، لإرغامهم على خفض جناح الذل، وان يضعوا كرامتهم، إن كانوا يتوفرون عليها، في جيوبهم. كان يمنح الأوامر إلى كل شيء، ويقحم أنفه في كل شيء، كان شخصه الرهيب يخيم على الأبهاء، لقد كان رجل المداخل المعتمة. كما أن مجموعة حاشية الملك كانت تتصرف حسب مشيئته. ولا شيء كان يُمكن أن يصل إلى الملك بدون موافقته (...)، كل القرارات مرت عبره، وكان يتفاوض عليها بعائدات مالية هامة...".
ثمة حكاية فظيعة وبشعة يعرفها بعض الخاصة من حاشية الحسن الثاني، ولا زال ضحيتها حي يُرزق، وتتلخص في أن هذا الأخير الذي نرمز له بحرفي( ل.س) كان من ضمن كبار مساعدي الحسن الثاني، وحدث أن ضبط عليه وزير القصور والتشريفات والأوسمة عملية اختلاس خلال قضاء أحد مآرب القصر، فكان أن أخضعه حفيظ العلوي لعملية استنطاق مكثفة، دامت زهاء ثلاث ساعات، اعترف في ختامها الرجل بما اقترفه، وبلغ من شدة ما قاساه من رعب بين يدي رجل القصر الرهيب، أن قضى حاجته الطبيعية في سرواله، ولاحظ حفيظ العلوي ذلك، فما كان منه إلا أن أمر الرجل الخائف، الغارق في غائطه، أن يفك حزامه ويلعق ما أفرزه، ثم قال له اذهب إلى حال سبيلك. وحسب المصدر الذي نقل إلينا هذه الحكاية البشعة، فإن الرجل المُعاقب بهذه الطريقة الفريدة من نوعها، تقلد عدة مناصب عليا في الحكومات المغربية المتعاقبة على مدى عقدين من فترة حكم الحسن الثاني.
نأتي الآن إلى جانبين أخيرين، من سمات هذه الشخصية الداكنة لرجل استثنائي، بشرّه وقساوته، ويتعلقان ببعض تفاصيل أواخر أيام حياته، والثروة التي جمعها الرجل، نقل بعض العارفين بجوانب خاصة من حياة حفيظ العلوي أنه غرق في صمت أكثر فأكثر، حيث يبدو أن صوته الكهفي، عاد فجأة إلى مصدره الممعن في الخواء، وذلك منذ وفاة ابنه البكر بشكل مفاجئ، حيث ذاق الرجل مرارة الفقد التي طالما كان قد أذاقها لعشرات الأمهات والآباء في أبنائهم.. تحول الرجل إلى طيف أسود لا يتحرك الآخرون من حواليه سوى بتأثير من سلوكاته الجبروتية القديمة، ومما حدث خلال تلك الآونة، أن ذلك الرجل"القوي" تحول في أواخر أيام حياته إلى مجرد عجوز خائف مثل طائر مبلل، مرتعد من قوة مجهولة، فقد روى عنه بعض عارفيه، أنه أمر سائقه ذات يوم، بأخذه إلى خارج مدينة الرباط، وعندما توغلت السيارة وسط جانبين غابويين، في طريق زعير، أمر السائق بالتوقف، وترجل لوحده ثم دخل وسط الغابة، ليعتقد السائق أنه يريد قضاء حاجته، وعندما طال غيابه، خاف الرجل أن يكون قد حدث له مكروه فانطلق في أثره، وكم كانت مفاجأته كبيرة حينما وجد الرجل ذي القسوة الأسطورية، يلطم رأسه ووجهه مثل امرأة عجوز وهو يبكي ويصرخ.."سامحني يا ربي راه ما درتش باش نلقاك".
في يوم بارد جدا برودة حياة الرجل الرهيب، وبالتحديد 14 دجنبر من سنة 1989 توفي حفيظ العلوي، بعدما ترك وصية استغرب لها الكثيرون، سيما بعض العارفين، وهم قلائل جدا من رجال البلاط، بشأن الثروة الهائلة التي تركها وراءه، بل كانت وصيته هي أن لا يوضع جثمانه في صندوق، وأن لا يقام له ذكرى وفاة لا في اليوم الثالث ولا في اليوم الأربعين... أي أن يموت وكفى. غير أن رجال المخزن الذين فتشوا في بيت غير معروف، كان يملكه الرجل بالعاصمة الرباط، وجدوا أنه عبارة عن خزينة عملات نقدية كثيرة جدا مكدسة، يرجع بعضها إلى عهد محمد الخامس، وعشرات المئات من كيلوغرامات الذهب والفضة والحلي والمجوهرات، مما تصل قيمته إلى مئات الملايين.. بما كان يتعلق الأمر؟ بطبيعة الحال بما حصله الرجل المخزني البشع من "مفاوضاته" على الخدمات التي كان يؤديها لمختلف الشخصيات السياسية التي طالما أكلها طمع القرب من الحسن الثاني، والحصول على مناصب في الدولة، أما باقي الممتلكات العقارية والشركات والضيعات، وغيرها مما يتسابق رجال المخزن على مراكمته قيد حياتهم، فكان هائلا جدا، لدرجة انفتحت لها الأفواه دهشة.. وبطبيعة الحال فقد "ترَّك" المخزن ممتلكات الرجل الميت، وترك لذويه بعضا منها وهو ليس بالجزء اليسير.
لقد ترك الرجل منذ وفاته منصبه فارغا إلى جانب الحسن الثاني، حيث لم يتول منصبه بعده أي احد، وتم الاكتفاء بأقرب مساعديه، وهو السيد عبد الحق لمريني، الذي تولى مديرية البروتوكول، خلفا لرئيسه الذي تحرك في ظله بخفة، وذلك ديدن الذين يترعرعون حوالي رجال قساة غلاظ من طراز حفيظ العلوي.

كيف انتقلت وظيفة الحجابة بباب الملك إلى وزارة ثم مديرية للبروتوكول؟

لقد كان للبروتوكول الملكي دور قطب الرحى في دوران نمط شكل الحكم الذي ألح ملوك المغرب على ترسيخه في أذهان وأفئدة أجيال من المغاربة، ومن شأن فتح ملفات ما كان يسميه ابن خلدون ب "شارات الحكم" أن يضيء الكثير من الزوايا المعتمة في تاريخنا السياسي المعاصر والقديم. غير أن وظيفة الحجابة - أي البروتوكول الملكي - كان لها تاريخ، وإن من بعض تفاصيله ما يجعل المرء يفتح فمه دهشة، منها مثلا أن حاجب السلطان الحسن الأول، تحول إلى صدر أعظم، منها مثلا أن حاجب السلطان الحسن الأول في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ونعني به أحمد بنموسى (با حماد) كان بمثابة الصدر العظم (أي الوزير الأول) في المملكة المغربية لسنوات طويلة، بل كان له دور في اختيار عبد السلطان عبد العزيز، وكاد أن يتحول إلى ملك يورث الحكم لولا أن "يقظة" المخزن الخائف على مصالحه اوغرت عليه صدر السلطان عبد العزيز، الذي قام بتتريكه.. وعزله، إنها بعض من تفاصيل مهنة "الحجابة" في باب السلطان يتناولها هذا المقال ببعض التفصيل قديما وحديثا.

سُئل مرة السيد عبد الحق لمريني، الذي اشتغل لفترة طويلة في ظل رجل لا يقل خطورة ومخزنية عن الجنرال حفيظ العلوي: ما هي المواقف الأكثر طرافة التي صادفتك في حياتك العملية كمدير للبروتوكول الملكي؟ فكان ان أجاب "سي عبد الحق" بشكل غارق في العمومية، و"الهروبية" كذلك إذا صح التعبير، حيث تحدث عن الطرائف والغرائب التي يصادفها مسؤول عن البروتوكول، لمدة عشرات السنين يصعب حصرها، أو تصنيفها" إنه من نافلة القول، التأكيد أن مهام رجل يعمل بالبروتوكول، ناهيك عن المسؤول عنه في بلد مثل المغرب، تجعله يزن كلامه ليس فقط من ذهب بل من لسعات الحذر".
كيف لا والأمر يتعلق بتنظيم وضبط "عقارب" ساعة زمن أهم مؤسسة سلطة في البلاد، وهي المؤسسة الملكية. ذلك لأن بعضا مما يراه المغاربة عبر شاشة التلفزة في الغالب، من مظاهر احتفال أو استقبال وما شابه منقولا إليهم بصوت مذيع متهيب، يكون في الحقيقة محل إعداد متأن لا مكان فيه للخطأ، لأن الخطأ في مثل هذه الحالة يعني قطع أرزاق، وربما أكثر من ذلك.
فما الذي تنطوي علية "مؤسسة" البروتوكول الملكي من مضامين وأشكال؟ يقول بعض قدامى المحتكين والمهتمين بحياة الملوك والقصور في المغرب، إن شأن تنظيم حركات وسكنات السلاطين المغاربة قبل المرحلة الاستعمارية، كانت تقتصر على وجود حاجب للسلطان، يكون هو الآمر الناهي في كل شؤون القصر وسيده، وراعي كل شاذة في القصر، أو وافدة إليه قبل أن تصل بمئات الأمتار إن لم نقل الكيلومترات، لذلك لم يكن مستغربا أن يتخذ شأن الحجابة ( أو البروتوكول بلغة العصر) شانا كبيرا وصل في بعض الأحيان إلى حد أن يُصبح شخص الحاجب أهم مسؤول في البلاد بعد السلطان، وربما قبله، وهذا ما ينطبق على حاجب السلطان الحسن الأول الذي حكم المغرب طيلة الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ونعني الحاجب احمد بنموسى الشهير بلقب "با حماد"، فهذا الأخير استطاع ان ينتقل من مجرد حاجب (شاوش) للسلطان إلى حد التقرير في شأن المملكة لمدة تجاوزت حياة وحكم سيده أي الحسن الأول. وفي بعض تفاصيل ذلك ما يؤكد الأهمية القصوى التي كانت لحاجب السلطان في بعض مراحل التاريخ المغربي القريب.
فمن المعلوم أن السلطان الحسن الأول توفي أثناء قيامه بإحدى "حَرْكَاتِه" على واحدة من قبائل الجنوب المغربي في منطقة سوس، غير أنه أثناء عودته وافته المنية، في إحدى نقط الطريق بمنطقة تادلة، واجتهد حاجبه الذي كان بمثابة الصدر الأعظم (الوزير الأول بلغة العصر) ليستبقي أمر موت السلطان سرا مكنونا هدد العارفين به من مقربي السلطان بقطع ألسنتهم إن هم افشوه قبل الأوان الذي كان قد قرره هو، وكذلك كان، حيث "أبدع" باحماد مسرحية غاية في الميكافيلية السياسية، تمثلت في الإيحاء لكل الجمهور، الذي رأى موكب السلطان من منطقة تادلة، حتى القصر الملكي بالرباط، وهناك فقط أعلن عن وفاة الحسن الأول، وكانت غايته أن يُنصب أصغر أبنائه على العرش، وهو عبد العزيز الذي لم يكن عمره يتعدى السادسة عشرة، وذلك بطبيعة الحال ليخلو الجو للحاجب "با حماد" حتى يحكم المغرب كما يريد، في ظل سلطان لم يكن يحلق شاربيه بعد.
تؤكد هذه الواقعة الأهمية السلطوية التي كانت للحاجب الملكي، وعمق تدخله في الشأن العام للمملكة، وهو ما استمر أيضا مع خلفه، ونعني به "المهدي المنبهي" الذي انتقل من موقع "متعلم" في ظل "با حماد" إلى كبير المسؤولين في عهد السلطان عبد العزيز، قبل أن يهرب من بطش خلفه عبد الحفيظ إلى انجلترا. أما حاجب السلطان يوسف، الذي تولى شؤون المملكة بعد ذلك باختيار من الفرنسيين، بعد هرب سلفه عبد الحفيظ، بمجرد توقيعه لمعاهدة الحماية، فكان - أي الحاجب - هو عبد القادر بنغبريط، حيث حاول هذا الأخير أن يكون له شأن حاسم في أمور المملكة، بيد أنه اصطدم بمنافسين شرسين، سيما أن الظرف كان استعماريا، إذ كان الفرنسيون يقررون في كل شيء بما في ذلك مَن يجب أن يراه السلطان ومن لا يجب أن يراه، لذلك خفت همة الحاج بنغبريط، وحينما جاء الاستقلال كان من السهل على منافس صاعد هو معلم الطفل محمد (الذي أصبح فيما بعد هو الملك محمد الخامس) واسمه الفقيه محمد المعمري أن يتخلص منه، ويأخذ مكانه.
يمكن القول إن "أهمية" الحاجب الملكي، وتدخله في الشؤون الكبيرة والصغيرة، خفت حدته، إن لم نقل إنه اختفى، تقريبا، مع تولي محمد الخامس الحكم خلفا لوالده بن يوسف، حيث تولى مهمة الحاجب، كما سبقت الإشارة، معلمه منذ كان طفلا، سنة 1917 الفقيه محمد المعمري، الذي قام بالمهمة بكثير من الصمت.
وتعود فكرة إنشاء بروتوكول ملكي بالمعنى الحديث نسبيا إلى سنة 1944، وذلك من خلال ورود هذه الفكرة عقب زيارة الرئيس الأمريكي خلال تلك الفترة تيودور روزفلت للمغرب يوم 20 يناير 1943 ، حيث لوحظ التنظيم الحديث للحياة اليومية للرئيس الأمريكي، فطرأت للفقيه المعمري أن يقوم بنوع من المحاكاة للتنظيم المذكور، فكان ان انتقلت مهمة الحجابة من مجرد معناها اللغوي الذي يعني ذلك الشخص الذي يُظهر السلطان أو يحجبه لمن يريد، إلى نوع من الضبط البروتوكولي الحديث.
انتهت مهمة الفقيه المعمري يوم 26 فبراير سنة 1961 أي تاريخ وفاة الملك محمد الخامس، حيث طلب إعفاءه من مهمته، متعللا بوجود مدير للتشريفات والأوسمة هو أحمد بناني. غير أنه سرعان ما سطع "نجم" اليوتنان كولونيل في الجيش الفرنسي، والجنرال في الجيش المغربي بعد ذلك حفيظ العلوي ضمن الشلة الدائرة بالملك الحسن الثاني، حيث كانت الصداقة الملغزة للرجلين قد قادت الأول بسرعة للعب أدوار حاسمة في كثير من الجوانب السوداء في مغرب ما بعد الاستقلال، لم تُسلط عليها الأضواء بما يكفي لحد الآن.
تولى حفيظ العلوي وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، رسميا في سنة 1963 تاركا مهمة مديرية الأوسمة التي كان يُشرف عليها لأحمد المسطاتي (شقيق احد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944)، ومنذ ذلك الحين ظل الجنرال حفيظ العلوي وزيرا اكبر من كل الحكومات المتعاقبة، أي أنه كان صاحب وضع استثنائي، وهو ما استثمره حتى آخر قطرة، حيث كان هو الذي "نحت" بشكل أكثر عمقا أشكال التعظيم الملكي التي كان يرغب فيها الحسن الثاني، وحينذاك فقط توفرت الوسائل المادية والمعنوية، كي يصبح للحسن الثاني وللملكية في المغرب أشكال التعظيم الجديرة بالأباطرة والحكام الشموليين، ويكفي أن يتم الاطلاع على بعض التفاصيل الشكلية الدقيقة التي غرق فيها البروتوكول الملكي، لندرك حجم العمل الذي قام به رجل صارم وقاس بشكل أسطوري مثل الجنرال حفيظ بنهاشم (انظر البورتريه الذي أنجزناه عن الرجل ضمن هذا الملف)، حيث تحول البروتوكول الملكي بأشكال ضبطه التقليدية، الموغلة في بلاطات حكام عصور أباطرة الفرس والرومان القدامى، وملوك وحكام العصور الوسطى الشموليين، وكان من المستغرب له حقا أن يرغم الحسن الثاني وجنراله حفيظ العلوي، أفراد النخب المغربية بمختلف اتجاهاتها، أن تنصاع لتلك الأشكال التقليدية البالغة العتاقة في تمظهر الحكم الملكي، وهي السمات المهمة التي يرى ذ عز الدين العلام (انظر حوارنا معه بهذا الصدد) بحق أنها محددة لأهم مضامين الحكم.
وكان هناك قلائل ممن انتبهوا في زحمة الحياة، إلى العمل الدقيق الذي كان يقوم به الحسن الثاني، بمعية جنرال البروتوكول حفيظ العلوي، وبتطبيق أكثر من المطلوب، من طرف باقي موظفي دولة المخزن، حيث تم اللجوء بالتدريج لكن بحسم إلى القطع مع بعض مظاهر التحديث في الحياة اليومية والأذهان التي كان الاستعمار الفرنسي قد تركها لدى أفراد النخبة المغربية، وسلوكاتها، الأكثر من ذلك، أنه تم "تطويع" الحديث للقديم، ومنه العودة بإلحاح إلى الأشكال البروتوكولية القديمة، وإحياء الكثير منها، مما كان قاب قوسين أو أدنى من الزوال، وكان ملفتا أن تتخذ أشكال الحكم التقليدية، من قبيل حفلات الولاء والأعياد الدينية، في حلتها الملكية الطقوسية، وأعياد العرش، وغيرها من المناسبات، كل تلك الهالة التعظيمية، على حساب الكثير من مضامين الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة يقول معها البعض إن المغرب عاد القهقرى، في نمط الحكم الشمولي قرونا إلى الوراء.
يذهب البعض ومنهم ذ عز الدين العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة المحمدية، إلى أن السنوات التسع الأخيرة من حكم محمد السادس، ولا سيما عند بدايتها، عرفت نوعا من التخفيف في بعض الأشكال البروتوكولية، ومنها تقبيل يد الملك، غير أن هذا لا يمنع من ملاحظة كثير من أشكال الدلالة على مضمون الحكم التقليدي، ما زالت قائمة بقوة، بل إن بعضها استعاد "عنفوانه" كما لاحظ الكثير من الملاحظين المحايدين، ومنهم بعض الإعلاميين والدبلوماسيين الأجانب، وذلك نظرا لعودة سطوة وتاثير حاشية الملك المخزنية، المشغولة أكثر بقضاء مآربها الدنيوية، بما يكفي للتغطية على آمال الانتهاء مع أشكال التعبير عن مضمون الحكم الذي "يرتع" فيه المغرب والمغاربة.


تمرد على البروتوكول الملكي فجرده الحسن الثاني من وزارة الإعلام
خلال الفترة التي نزل فيها "شاه إيران" ضيفا على الملك الراحل الحسن الثاني، حدث تمرد غريب على البروتوكول الملكي، من طرف أحد الصقور في المربع الأمني للملك، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدولة في الإعلام، ويتعلق الأمر بمستشار الحسن الثاني السابق عبد الهادي بوطالب، فبعد أن تم الإعلان عن قيام النظام الجمهوري في إيران، كان "شاه إيران" يتذوق المرارة والحسرة على انفلات ملكه الذي عمر طويلا بين يديه، وصادف مكوث شاه إيران في المغرب حلول عيد الأضحى، حيث دعيت بهذه المناسبة الهيأة الوزارية إلى القصر الملكي لتقديم التهاني والولاء للملك الحسن الثاني، كما جرت بذلك العادة، وكانت آنذاك وزارة التشريفات والأوسمة، بقيادة الجنرال مولاي حفيظ العلوي، قد وزعت على كل عناصر الهيأة الوزارية برنامج استقبال الملك الحسن الثاني للمدعوين المهنئين له، حيث تضمن البرنامج أن استقبال الوزراء من طرف الملكين (الحسن الثاني وشاه إيران) سيتم حسب ما هو مرسوم له في الترتيب البروتوكولي، ولما شرع الوزراء في السلام على الملك و "الشاه" تراجع عبد الهادي بوطالب إلى الخلف، حتى أصبح خارج الصف، وقد وصف بوطالب ما حدث ذات مرة قائلا "لم أسلم لأنني لم أكن على استعداد لتقديم الولاء بمناسبة العيد لملك غير ملك المغرب، وهذا ما قلته بالحرف للملك فيما بعد".
عندما انتهى حفل تقديم التهاني والولاء تقدم عبد الهادي بوطالب للسلام على الراحل الحسن الثاني، وكذا تقديم التهاني له بمناسبة العيد، فكان أن نهره الحسن الثاني قائلا "لماذا لم تفعل مثل ما فعل باقي الوزراء، ولم تسلم علي؟ ساعتها أجابه بوطالب "لأنني لا أعرف في المغرب إلا ملكا واحدا، والبروتوكول وزع علينا دعوات تتحدث عن ملكين"، كان هذا الجواب حسب هذا الأخير بمثابة "مخرج" من الأزمة. غير أن ذلك لم يكن كافيا، " لعله في تلك اللحظة - كما قال ذ عبد الهادي بوطالب فيما بعد - قرر الاستغناء عني كوزير للدولة في الإعلام".

عبد الحق لمريني مدير بروتوكول محمد السادس
ظِلُّ الجنرال الذي يظهر ويختفي

" ترعرع" ذ عبد الحق لمريني، في ظل رجل لا يقل "أهمية" مخزنية وعسكرية عن ليوطنان كولونيل الاستعمار الفرنسي، وجنرال الحسن الثاني، حفيظ العلوي، الذي كان جميع مَن "اختلط" به يحرص على استباق اسمه بلقب "مولاي"، وبطبيعة الحال فإن قدر كل رجل "ثان" سيما في بلد مثل المغرب، وفي مكان مثل معقل المخزن المغربي، وفي خدمة رجل مثل الحسن الثاني، أن يكون بمواصفات استثنائية للغاية، من قبيل "خفة" المرور من أمام محاذير وفخاخ غاية في الدقة، لذا فإن المطلوب ممن يلعب مثل هذا الدور الحساس ان يكون بمواصفات خاصة جدا، إن هذا ما تحاول التفاصيل التالية من ملامح شخصية "سي عبد الحق لمريني" تبيانه.

قال عبد الحق لمريني مرة عن نفسه في حوار مع جريدة الشرق الأوسط السعودية: "إنني حفيد الأمين محمد المريني رحمه الله، الذي تقلب في عدة مناصب «مخزنية» في العهد اليوسفي، حتى وصل الى رتبة «امين الصيار» بدار المخزن (اي المسؤول عن مالية القصر الملكي). وتوارثي لجدي في خدمة القصر الملكي، هو صدفة من الصدف التي تقع في حياة الانسان، فيالها من صدفة طيبة وما اجلها عندي".
إننا إذن إزاء سليل عائلة مخزنية، غير أن هذا لم يمنع عبد الحق المريني الذي وُلد في مدينة الرباط أواخر سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، من أن "يتدحرج" في دروب الحياة بحي "لكَزا" بالمدينة القديمة بالعاصمة، ليس فقط كتلميذ بمدارس محمد الخامس كأي "رباطي" قح، بل أيضا كمعلم بأكثر من مدرسة ابتدائية ثم ثانوية الحسن الثاني كأستاذ للغة العربية بنفس المدينة التي نشأ بها، ومن الأشياء التي ما زال يذكرها سي لمريني انه كاد يموت ذات يوم حين انقلبت حافلة نقل حضري تصل العدوتين، الرباط وسلا، حينما كان لا يزال فتى يافعا.
إنه ابن قاع المجتمع المغربي بمعنى ما، غير أن الانتماء العائلي "المخزني" لعائلته جعله يتطلع دوما إلى مكانه "الطبيعي" أي أسياد سلالته، ونعني بهم سلاطين وملوك العلويين.
وتوفرت "الفرصة" للشاب عبد الحق منذ بداية سنوات سبعينيات القرن الماضي، حيث كان هناك مَن أخبر وزير قصور وتشريفات الحسن الثاني، الرجل الأصلع الأملط الرهيب، حفيظ العلوي، أن ثمة شابا رباطيا من عائلة مخزنية "قحة" يدعى عبد الحق، يستطيع أن يحل مشكلته مع اللغة العربية التي لم يكن يفرق فيها "ليف من الزرواطة" وكذلك كان، حيث ذهب الشاب الرباطي "المُعرب" إلى مكتب جنرال الحسن الثاني المُكلف بالشاذة والفاذة، ليس فقط في قصر الحسن الثاني، بل أيضا بكل شؤون وشجون المملكة، ويبدو أن عبد الحق لمريني عرف كيف يجتاز امتحان النظرات المتفحصة للجنرال الرهيب التي أكلت كل تفاصيل جسده وما بدر عنه، ويبدو من العشرين سنة التي قضاها الرجل الرباطي – أي لمريني – إلى جانب الجنرال حفيظ العلوي، أنه عرف كيف يمسح كل حذر حارس معبد البروتوكول الملكي، ليس ذلك فقط، بل أن يكون خليفته "الطبيعي" في مهمة إدارة البروتوكول، من موقع منصب مدير، وليس وزيرا كما كان عليه الشأن مع حفيظ العلوي.
وبطبيعة الحال فإنه لكي "يصمد" المرء كل تلك المدة الطويلة إلى جانب شخصية كاسحة كما كان عليه أمر الجنرال حفيظ العلوي، فإنه يلزمه، ليس فقط الكثير من الصبر، بل أن "يلغي" ذاته إلى حد الانمحاء.
وبالفعل فإن بعضا ممن خالطوا ذ عبد الحق لمريني، يذهبون إلى القول بأنه يتمتع بطاقة كبيرة على الإنصات للغير، والاكتفاء بذلك حتى لو تعلق الأمر بما قد يكون مسيئا له، وان لديه طاقة مذهلة على تذكر تفاصيل الأحاديث التي يتبادلها مع جلسائه، وان هذه الطاقة تنشط لديه أكثر فأكثر حينما يتعلق الأمر بقضايا تدخل في نطاق اختصاصاته المهنية.
يتذكر كاتب هذه السطور، كيف أن ذ عبد الحق كان يُدير بروتوكولا ضخما، مثل زفاف الملك محمد السادس، بكثير من الدقة والصرامة، من خلف المنصة التي كان يجلس عليها الملك وزوجته، دون أن يلحظ أغلب الحاضرين، حركاته الدقيقة والحاسمة اتجاه أفواج وفرق المغنين والراقصين التي كانت تمر أمام المنصة الملكية.
ولعل في ذلك واحدا من أهم خصائص شخصية الرجل الدقيق القسمات، غير أنه قد يكون مفاجئا لعموم المغاربة، المتعودين على ترفع أفراد نخبهم السياسية والمالية عن مخالطتهم في الشارع والأسواق، أن يجدوا ذات يوم مدير بروتوكول الملك وهو يتبضع من سوق السمك بالسوق المركزي (المارشي سنطرال) بالرباط أو يتصفح إحدى الجرائد أو المجلات بكشك بشارع محمد الخامس بالعاصمة، يقول أحد الذين عاشروا الرجل في مراحل حياته الأولى، لأن تفسير ذلك أبسط من الإحالة على خصائص التواضع وما شابه، بل إن ثمة بالفعل نكهة خاصة لا يعرفها سوى الذين ترعرعوا في مدينة الرباط، للتبضع من سوقها القديم، وارتياد المعاقل الحضرية العريقة لمدينة الموحدين.
أما بصدد المهام الموكولة للسيد عبد الحق لمريني باعتباره حاجبا للملك، فلندعه يجيب بنفسه حول هذه النقطة، نقلا عن نص الحوار المذكور آنفا، حيث قال جوابا على سؤال حول "طبيعة المهام الموكول له القيام بها باعتباره مديرا للتشريفات والأوسمة"، "من المهام الموكولة لمدير التشريفات كما هو الأمر بالنسبة لكافة مديري هذا القطاع، هي الإشراف على تنظيم الاستقبالات الملكية، والحفلات الرسمية، كحفلات عيد العرش وعيد ميلاد جلالة الملك، وتقديم التهاني بمناسبة حلول الأعياد الدينية، وتنظيم التدشينات التي يترأسها جلالة الملك في القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والاحسانية وسواها"، قبل أن يستطرد: "كما يشرف مدير التشريفات على تهيئ الزيارات التي يقوم بها جلالة الملك لعدد من بلدان العالم، إما للقيام بزيارة رسمية لها، أو لحضور مؤتمر من المؤتمرات العالمية المنظمة بها، وكذا الزيارات التي يقوم بها رؤساء الدول لبلدنا، وهكذا دواليك".
بطبيعة الحال لسنا في حاجة إلى التأكيد بأن دور الرجل أخطر من أن "نبتلع" بشأنه مثل هذا الجواب الدبلوماسي اللبق، حيث لا يُمكنه أن يقول مثلا في لقاء مع صحافي إنه يُشرف على تفاصيل يكاد الذهن المكدود ينهار تحتها، من قبيل الحركة والسكنة خلال عشرات الاستقبالات الملكية، أي كل دقائق الأمور التي تعلّم من عمله الطويل الدؤوب مع جنرال بروتوكول الحسن الثاني، حفيظ العلوي، إنها أكثر أهمية من الصلوات الخمس، وإن الإخلال بها أخطر من كل خرق آخر، حيث أصبحت مهنة تنظيم البروتوكول أشبه ب"ديانة" لا تحتمل تقديما أو تأخيرا.
في الواقع إن الرجل كتوم باستثناء مقالاته وكتبه "الفكرية" التي ينفح بها نوعا من القراء، مثل المهتمين بسيرة الشاي المغربي، أو "قداسة" اللغة العربية، حيث نشر قبل بضع سنوات، مقالا في هذا الصدد، جر عليه غضب ذوي النزعة الأمازيغية المفرطة، الذي ردوا عليه بكثير من الحدة جعلته يرتد على عقبيه، ليس من أثر الهزيمة امام خصومه الإيديولوجيين العرقيين، بل "احتراسا" من خطورة تعريض مركزه لنقاش عرقي قد يتعدى الحدود المسموح بها.
وفي ذلك واحد من مفاتيح شخصية الرجل، فقد فضل دائما أن يظل ضئيل وطأة الأقدام في أبهاء القصر الملكي الصامتة، حيث الأسماع أكثر دقة من أجهزة رادار، وحرص على أن تكون حركاته وسكناته، محسوبة بدقة، حيث اختار الاقتداء بمعلمه الأول والأخير، الجنرال عبد الحفيظ العلوي، أن يظل دائما بعيدا عن الأضواء مكتفيا ب "عزف" موسيقاه، في شكل أوامر ونواهي لكبار وصغار موظفيه، ضمن خلية لا يعرف عنها المغاربة الشيء الكثير، إنها مديرية البروتوكول الملكي.
ومما لا يعرفونه أن ثمة مؤسسة "تجتهد" لتجعل من مظاهر البروتوكول الملكي، سراطا مستقيما مثل الطريق الذي يسلكه عقربا الساعة، ويبدو ان شخصية "سي عبد الحق لمريني" تلعب دورا أساسيا في هذا الاتجاه، كيف لا وهو الحريص على " ضبط" كل صغيرة وكبيرة مما يدخل في نطاق مهامه، وهو ما يجعله أحيانا يخرج عن طوره الهادئ، وتخفيه الشبه الوسواسي، حين يتعلق الأمر بالتعدي على أحد اختصاصاته، كما حدث منذ نحو سنتين، حين نشرت أسبوعية "الجريدة الأخرى" ملفا عن زوجة الملك، حيث انبرى عبد الحق لمريني للرد على هيئة تحرير المنبر المذكور، بلهجة لا تخلو من وعد ووعيد، حيث حرص على "التذكير" بأن إدارته هي المخولة بنشر ما تراه مناسبا لذلك، من تفاصيل حياة القصر، وليس لأي منبر سيار. وبطبيعة الحال فقد عرض سي لمريني نفسه بذلك لسخرية الساخرين، باعتبار أنه كان يصدر فيما صدر عنه، عن طباع مخزنية عفا عنها الزمن، وكان ملحوظا أن يبتلع الرجل غضبته، ومعها خرجته الإعلامية فجأة، ومرت الأمور كأن شيئا لم يحدث، وفي ذلك واحدة من غرائب مملكة المغرب الأقصى، التي يفهمها "سي عبد الحق" جيدا.


حوار الأستاذ عز الدين العلام مؤلف كتاب "الآداب السلطانية"
نحن المغاربة شعب خاضع والملك ملزم باحترام البروتوكول

يُعتبر الأستاذ عز الدين العلام، واحدا من أساتذة العلوم السياسية القلائل بالمغرب، ممن دأبوا على إثراء المكتبة العربية والمغربية، ببعض الأبحاث العلمية الجادة، في مجال تخصصه، وقد صدر منها لحد الآن في شكل كتب ثلاثة، هي:"السلطة والسياسة في الأدب السلطاني" بالدار البيضاء و"الآداب السلطانية" عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، و"الفكر السلطاني نماذج مغربية".
حاورنا ذ العلام، من منطلق تخصيصه لعدة فصول من كتبه الثلاثة المذكورة للحديث عن أشكال ومضامين السلطة السياسية في العالم العربي عامة، والمغرب خصوصا، فكانت هذه الحصيلة في موضوع دلالات وأبعاد الطقوس البروتوكولية الملكية في بلادنا وكذلك عن بعض خصائص الشعب المغربي المرتبطة بمحور ملفنا لهذا العدد.

- تحدثت في فصل كتابك الأخير"الآداب السلطانية" عن وظائف مركزية، اعتبرتها مهمة حوالي السلطان، ومن بينها وظيفة الحاجب، ما هي محددات هذه الوظيفة ومرجعياتها في تاريخنا العربي الإسلامي؟

+ نعم، إن من بين المراتب أو الوظائف في السياسة السلطانية المهمة، نجد وظيفة الحجابة، أما عن مرجعيات هذه الوظيفة ومحدداتها، فيجب العودة شيئا ما إلى الوراء، لمعرفة أسباب ظهور هذه الوظيفة، وفي الحقيقة فإن كل دارس للتاريخ الإسلامي، يعرف مسبقا أن الحضارة العربية قبل الإسلام كانت في الأصل بدوية، بمعنى انه لم تكن هناك دول متبلورة، بل كانت هناك سلطة قبائل ومشايخ، وبمجيء الدعوة الإسلامية، وفترة الخلافة الراشدة، بدأت النواة الأولى للسلطة السياسية في الإسلام بالتَّكوُّن، وبطبيعة الحال فقد كانت فترة التأسيس، وبالتالي كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، مباشرة لا تحتاج إلى أي بروتوكول أو شكليات، أو وسائط، وهو ما أطر علاقة الرسول بصحابته، وسائر المسلمين، كما أن ذات البساطة، أطرت علاقة أبو بكر وعمر وباقي الخلفاء الراشدين بجمهور المسلمين، ومعروف ما حًُكي عن عمر ابن الخطاب، وقد يكون في ذلك الكثير من الأسطرة - من الأسطورة - أنه رفض الحجابة ( أي أن يكون له حاجب ) وأنه قيل له: عدلت فنمت يا عمر إلى آخره، وفي الحقيقة فإنه لم يأمن بذلك على حياته، حيث مات مغتالا، أقول هذا لأؤكد أن المراتب السلطانية، والحجابة على الخصوص، ظهرت أول مرة مع بداية الدولة الأموية، وبالتحديد مع معاوية ابن أبي سفيان، الذي كان قد بدأ يشعر آنذاك، أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة شوكة وعصبية، أي قائمة على الإخضاع، كما قال ابن خلدون، والأكثر من ذلك، أن وظيفة الحجابة جاءت في الحقيقة ليأمن الحاكم من عمليات الاغتيال.
إن ثمة أيضا مسألة مهمة حول الحجابة أو البروتوكول في التاريخ العربي الإسلامي، هي أنه - أي البروتوكول - تم اقتباسه من النظام السياسي الفارسي الساساني، ومما يدل على ذلك، أن كل الكتب السياسية الإسلامية، التي تحدثت عن المراتب السلطانية، والحجابة من ضمنها، تطرقت لطقوس السياسة السلطانية، التي تعرضت لكيفية الدخول على الملك وما شابه، وكيفية اختيار هذا الأخير لوزرائه، أو الظهور أمام رعيته إلى آخره، نجد أن كل تلك الكتابات السياسية، إما مترجمة عن كتابات سياسية فارسية، ولا ننسى هنا الدور الكبير لابن المقفع على وجه الخصوص، أو من إنتاج مثقفين ينحدرون من بلاد الفرس، وبالتالي فإن ظهورها كان نتيجة لانفصال العلاقة بين الحاكم والمحكوم، من جهة، وكذلك نتيجة عاملين أساسين لم يكونا حاضرين في البداية، وهما الاتساع الجغرافي في بلاد الإسلام، ونجد أن قضية الحجابة قد تطورت أكثر مع العهد العباسي.

- أين يُمكن أن نجد عمق هذه المرجعية الإسلامية العربية في البروتوكول الملكي المغربي؟

+ سبق لي أن اشتغلت على هذا الموضوع، وآخر كتاب صدر لي بصدده هو "الفكر السلطاني نماذج مغربية"، مما يحيل بطبيعة الحال، على الثقافة السياسية المغربية، وحينما أقرأ مختلف النصوص السياسية التي تحدثت عن هذه المراتب السياسية، وطقوس الحكم وشكلياته إلخ، فإنني لا أرى فارقا بين ما تحدثت عنه وعاشه المشرق، وما وقع في المغرب على نفس المستوى، ومعنى هذا أنه من الصعب أن نتحدث عن ثقافتين سياسيتين في المشرق والمغرب، فهذان الأخيران، هما في هم السلطة شرق، كما يُقال، ربما هناك شيء واحد مهم، انتبه إليه صاحب المقدمة وهو ابن خلدون، الذي ربط بين الاهتمام بطقوس الحكم التي سماها شارات الحكم، أو السلطة التي يدخل ضمنها كرسي العرش والخاتم، وقد خصص لها فصلا كاملا في مقدمته، وقصد بها كل علامات الحكم، التي تبيح نوعا من الظهور للسلطة، وقد نبه إلى أن ظهور تلك الشارات في السلطة، معناه أن السلطة وصلت إلى درجة من التقدم الحضاري، أو نوعا من العمران الحضاري بالأحرى، وبالتالي لاحظ كيف أن المرابطين في بدايتهم، لم يكونوا في حاجة إلى هذه المراتب السلطانية، وأنهم كانوا عبارة عن بدو، والمعروف عن هؤلاء البساطة في التواصل والعيش الخ، وبعد مدة تستقر فيها عصبية السلطة وأمورها، تدخل الدولة ما اسماه ابن خلدون بمرحلة الترف، وهنا تبدأ المراتب السلطانية في التجذر، حيث نجد الحاجب السلطاني، وصاحب الشرطة والوزير إلخ.

- ما الذي استوردناه وما الذي يعتبر نابعا من البيئة المغربية، فيما يتعلق بطقوس البروتوكول الملكي بالمغرب؟

+ في الحقيقة لا أحبذ استعمال كلمة المستورد بهذا الصدد، وأفضل عليها كلمة الاقتباس، فإذا كان المشرق قد اقتبس عن الفرس ثقافته السياسية، وكذلك أشكالها من وزارة وشرطة وحجابة إلخ، فذلك لأنه كان في حاجة إليها، فحينما تعقدت أمور الدولة نسبيا في المشرق، ولم يكن للعرب إرث سياسي يتكئون عليه لتقعيد دولتهم، فكان من الطبيعي أن يقتبسوا أولا من بلاد فارس بحكم عامل القرب الجغرافي، أولا، وثانيا لأن بلاد فارس تعتبر حضارة عريقة، وثالثا لأن تلك البلاد دخلت الإسلام.

- وماذا بالنسبة للمغرب؟

+ نفس الشيء بالنسبة للمغرب، فإذا اقتبس المرادي وابن رضوان وابن الأزرق وعشرات المفكرين المغاربة أفكارهم من ابن المقفع والماوردي، والجاحظ وابن أبي الربيع وغيرهم، فلأن ما يقتبسونه كان يجيب عن أسئلتهم. إن الثقافة الفارسية التي ذهبت إلى المشرق، تقوم بالأساس على الاستبداد السياسي، وهذه الأخيرة كانت تترجم بشكل أو بآخر، طبيعة النظام السياسي السلطاني الذي استمر في المغرب، منذ الأدارسة والمرابطين إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي.

- إذن البروتوكول السلطوي عريق في تاريخ المغرب؟

+ إننا نبالغ بعض الشيء حين الحديث مثلا عن البروتوكول عند المرابطين، أو الموحدين، وسأحكي لك أمرا بهذا الصدد، لقد فوجئت مرة حينما أطلعني باحث مغربي مختص، في التاريخ الديبلوماسي للمغرب وعلاقاته بفرنسا وبريطانيا إلخ، يقرأ مصادره باللغتين الفرنسية والإنجليزية، على صورة تمثل ما يُطلق عليه الآن المخزن، بمعنى السلطان وبقية مساعديه، والفترة هي بداية القرن التاسع عشر، فوجئت بالطريقة التي بدا عليها هذا المَجْمَع المخزني الرفيع، على مستوى لباسهم وسحنتاهم، والصندوق الذي كان بجانبهم، الذي يبدو أنه كان هو بيت المال.. لقد كان المشهد غاية في البساطة، وبالتالي فإننا نبالغ أحيانا في التضخيم من أمور الدولة والسلطة، إن الأمر يتعلق بهذه الأخيرة، لكن ليس بدولة مكتملة، ويكفي أن نقارن بين إيتيكيت (بروتوكول) البلاط في فرنسا وما كُتِب عنه منذ الملك لويس التاسع في القرن الثالث عشر الميلادي إلى غاية الملك لويس الرابع عشر، ستجد أن البروتوكول الملكي في أوروبا في العصر الوسيط كان أكثر دقة مما كان عليه الأمر في مغرب بداية القرن السادس عشر.

- هذا يجرنا إلى الوقت الحاضر، ما الذي تلاحظه كباحث مختص في علم السياسة، وبالتحديد ظواهر ومظاهر السلطة السياسية في المغرب، عن البروتوكول الملكي المغربي؟

+ لدي ملاحظة قبل ذلك عن البحث السياسي في المغرب، تتمثل في أن كل الذين يهتمون بهذا المجال في بلادنا، يركزون على مضامين السلطة السياسية مثل القانون الدستوري، والفصل التاسع عشر منه واختصاصات الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، وبما أن النظام الملكي في المغرب، يحتل قلب السلطة، لذا حينما يتحدث عنه الباحثون يفعلون ذلك باعتباره سلطة ومؤسسة، لكن من النادر جدا أن تجد من يتحدث عن أشكال السلطة، فأنا لم أقرأ أبدا أية دراسة تتعلق بالجانب الشكلي أو الطقوسي او المراسيمي للسلطة.

- هل تعتقد بأنه جانب حاسم في التعبير عن مضمون السلطة؟

+ نعم، هذا بالضبط ما قصدته، فحين يستحضر الناس عندنا السلطة الملكية يهتمون بمضمونها، ولا يلتفتون للجانب الشكلي، في حين إن هذا الأخير هو الأهم، لأن له مضمونه ودلالاته العميقة، لنأخذ على سبيل المثال حفل الولاء والبيعة، وظهور الملك وتقبيل يده إلخ.. إن هذه الأمور الشكلية تعبر أكثر من غيرها عن طبيعة السلطة في المغرب، فهي علامات على حصول الطاعة والولاء إلخ.

- ذكرت في كتابك "الآداب السلطانية" في سياق الحديث عن آداب مجالس السلطان، أن الأشكال البروتوكولية لا تُلزم فقط مَن يحضر مجلس السلطان، بل أيضا الملك نفسه، كيف ذلك؟

+ يجب أن تميز في حديثي، بين ما أقصده بالنظام السياسي السلطاني القديم، والنظام السياسي الملكي الحالي، الذي ما زال يحتفظ بالكثير من الأشياء عن الذي سبقه، غير أن هذا لا ينفي وجود أشياء جديدة طرأت سنتحدث عنها في حينها. أما فيما يخص التزام الملك نفسه بقواعد وضوابط البروتوكول، فأعتقد أن هذا أمر طبيعي، فكل الذين تحدثوا عن هذا الجانب المرتبط بالمجلس السلطاني وقواعده وضوابطه، أَلزموا الحضرة السلطانية أو الملكية أيضا، أي أن يتقيد السلطان أو الملك هو نفسه، بضوابط وشروط ومواصفات تجعل منه سلطانا وملكا.

- شروط ومواصفات من مثل ماذا؟

+ إنها تبدأ من شخصه إلى أدق التفاصيل، من لباسه وكلامه وصمته، ومكان جلوسه إلى غيرها من التفاصيل الدقيقة؛ إن هناك عبارات ضمن الآداب السلطانية القديمة، تلخص مضمون الشروط التي يجب أن يلتزم بها السلطان أو الملك، وهي أن هذا الأخير يجب أن يكون على حال لا يُمكن للآخر أن يستشف ما يجول في خاطره، حيث لا يجب على الملك أن يبدو فرحا ولا قلقا، أي انه ليس بفرح ولا بمنبسط، وليس بمنشرح ولا منقبض، بمعنى أن يُطبق القول المأثور: خير الأمور أوسطها، أي أن يكون على حال لا يُمكن من خلالها أن يُسْتَدلَّ على شيء من حاله، كما يجب أن يكون المكان الذي يجلس فيه السلطان مرتفعا عن الآخرين بما يسمح له برؤية الفضاء برمته، أي ألا يغيب عن بصره أي شيء؛ ومن المواصفات الأخرى المطلوب توفرها أيضا في الملك، ألا يكون كثير الكلام، وأن لا يتثاءب، أو يحك رأسه، بمعنى أن لا يمنح الانطباع، من خلال أية حركة، مهما كانت بسيطة، بأنه يخضع لجسده. غير أن هذا لا يمنع، من أن الحاضرين لمجلسه، هم الأكثر التزاما بشروط المجلس السلطاني، سواء في دخولهم أو خروجهم، أو السلام عليه أو جلوسهم حسب المراتب الممنوحة لهم، أو الكلام.. حيث لا يخوضون فيه إلا بعد استئذان، ولا ينصرفون كذلك إلا بعد استئذان، وأن يتحدثوا عندما يُؤْذَنُ لهم، بصوت خفيض، وألا يكون كلامهم في صيغة سؤال، ومعنى هذا أن الملك يَسأل ولا يُسأل، الأكثر من ذلك انه إذا كانت هناك ضرورة قصوى لتوجيه سؤال للملك، فيجب أن يكون السؤال في صيغة جواب. إن هذه الأمور قد تبدو من الشكليات، لكنها تنطوي على أهمية كبيرة، والمستخلص من كل هذا أن يكون السلطان أو الملك منفردا متفردا، وحيدا في سلطته، ولا مجال للتماثل معه، ولا للتشبه به إلخ. وكل العلامات الشكلية تفيد بهذه الفرادة والوحدانية.

- كيف تفسر بقاء بعض أشكال البروتوكول المغرقة في العتاقة والتقليد، ومنها مثلا تقبيل يد الملك؟

+ فيما يخص حفاظ النظام السياسي المغربي على بعض الأشكال التقليدية، في تمظهر السلطة، فإنني أعتقد كمواطن يُشاهد أحيانا بعض هذه المظاهر في التلفزة المغربية، أن هناك الآن نوعا من الليونة في التعامل مع مسألة تقبيل يد الملك، فعند المقارنة بين عهدي الحسن الثاني ومحمد السادس، فمن المعروف في الفترة السابقة، أي خلال حكم الحسن الثاني، انه كان هناك اهتمام كبير بالشكل، والطقوس البروتوكولية، حيث كانت مسألة تقبيل يد الملك لا تُناقش، باعتبارها علامة أولى وأخيرة على حصول الطاعة والولاء، أما بالنسبة للعهد الجديد، كما يُسمونه، أعتقد أنه كان هناك تحسيس للناس وخاصة في بداية العهد المذكور، أن هناك نوعا من التخفيف في هذه المظاهر البروتوكولية، وما زلت أتذكر فيما يخص مسألة تقبيل يد الملك، خلال مناسبة استقبال الملك محمد السادس للكتاب والمفكرين الفائزين بجائزة المغرب للكتاب، أنهم سلموا عليه، بطريقة تلقائية عادية لا تخلو من تقدير واحترام، كما انه لوحظ خلال قيام الملك بزيارات إلى الخارج، أن عددا من أعضاء الجالية المغربية بالخارج، كانوا يسلمون عليه بنفس الطريقة البسيطة والعادية، ونجد كذلك أن هناك من يُقبل يده أو كتفه ومَن لا يفعل إلخ. ويبدو أن الملك غير مكترث لهذا الأمر. بمعنى أن هذه المسألة موكولة للمعني بتقبيل أو عدم تقبيل يد الملك.

- ما رأيك في المبادرة التي أقدم عليها الملك عبد الله في السعودية، والمتمثلة في إصدار بلاغ ملكي أصبح تاريخيا الآن في الأدبيات السياسية السعودية، بمضمون التخلي عن ظاهرة تقبيل يد الملك، باعتبارها عادة غير سليمة، وتنقيصا من شأن الإنسان الذي كرمه الله، كيف تفسر أن مبادرة مماثلة لم تطرأ في المغرب؟

+ أعتقد أن نمط الملكية في السعودية يختلف عن نظيرتها الموجودة في المغرب، ولدَيَّ ملاحظة على المبادرة السعودية أصوغها في هذا السؤال: ألم يتضح أمر التنقيص الذي تمثله مسألة تقبيل يد الملك، من شأن الإنسان، سوى في السنتين الأخيرتين؟ لذا أعتقد أن في الأمر بعضا من السياسة، أكثر من أي شيء آخر، أما بالنسبة للمغرب فإنني اعترف بعدم فهم المغزى من الإبقاء على مسألة تقبيل يد الملك، ولكن ربما يجب البحث في بعض الجوانب الثقافية والاجتماعية.

- هل تعتقد أن بعض الظواهر الاجتماعية والثقافية التقليدية في المجتمع المغربي هي المسؤولة عن الاحتفاظ بمسألة تقبيل يد الملك؟

+ إن لمسألة تقبيل اليد دلالة الخضوع، أكثر من الاحترام، في المجتمع المغربي، بل إنها تدل على أكثر من ذلك، حيث تكون مشوبة بالشعور بالهيبة والوقار والرهبة. وجميع المغاربة تقريبا تعودوا على تقبيل يد الأب والأم، وبالأخص الأب، حيث تجد رجلا مغربيا، في الستين من عمره يُقبل يد أبيه الطاعن في السن، بكل تلقائية وخشوع ورهبة وخضوع، أما فيما يتعلق بتقبيل يد الملك، فإن من أهم الصور التي يمكن استشفافها، بالنسبة للملك داخل المنظومة السياسية المغربية، هو أنه يٌُشكل نوعا من الاعتراف لـ "الأب"، يعني أن هناك سلطة هو راعيها، يجب أن يحنو على رعيته، وهذا معناه أيضا أنه أب، يجب أن يحنو على أبنائه، وان يُقومهم أيضا، ولكن بالمقابل يجب على هؤلاء الأبناء، أن يتهيبوا من أبيهم وأن يخضعوا له وان يساعدوه في مهمته إلخ. اعتقد انه خارج هذا التفسير الثقافي، يصعب إيجاد تفسير آخر لمسألة تقبيل يد الملك، وبطبيعة الحال هناك تفسير آخر مرتبط بالسابق، ونعني به الجانب الديني، أي النسب الشريفي للملك، الذي يضيف لمسة أخرى على المسألة؟

- هل نحن شعب خاضع؟

+ يبدو أن الأمر كذلك، غير أن هذا لا يعني أن هناك شعبا غير خاضع، إذ لا وجود لحرية الغاب، ففي كل مجتمع يوجد خضوع، إنما الفرق شاسع بين الخضوع للقواعد القانونية، والدستور والرأي العام، أي لنظم وضوابط الدولة الحديثة، وبين الخضوع الاستعبادي للسلطة، أي الخضوع الذي لا يقوم على القانون بل على القوة، والسيف، واحتكار الوسائل الزجرية والوسائل التقليدية في الإخضاع.

- هل هذه الحالة الأخيرة هي التي تنطبق علينا في المغرب؟

+ إن حالتنا متراوحة بين النموذجين، ونتمنى أن يزول يوما ما الخضوع الاستعبادي للقوة بشكل نهائي من المغرب، ليبقى النوع الأول، وهنا أستطرد لأقول لك بأنني قرأت مؤخرا كتابا رائعا وجميلا، لمفكر فرنسي عاش في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، اسمه "إيسيان دو لابواتيي"، يحمل عنوان "مقالة في العبودية المختارة" وهو في الحقيقة كتاب فلسفي أدبي تساءل فيه مؤلفه: لماذا يعشق الإنسان في غالب الأحيان عبوديته؟ وكيف يحدث أن يُدافع العبد عن عبوديته؟ وكيف يحدث أن يحكم شخص واحد ملايين الناس؟ وكيف يحدث أن تهيمن حكومة من بعض الأفراد على مجتمع بكامله؟ ويعطي صورا استتيقية جميلة جدا بهذا الصدد، واعتقد أن أجود ما في الكتاب، هو أنه لا يقدم أجوبة للإشكاليات التي يطرحها، بقدر ما يوضح حالة غريبة في التاريخ الإنساني، حيث يطرح مثلا مسألة كيف ظل المجتمع المصري القديم، خاضعا للفراعنة آلاف السنوات.

- مما يحيل على أن مسألة الخضوع معقدة؟

+ اعتقد أن مسألة الخضوع لدى المجتمع المغربي من الصعب تفسيرها فقط من الجوانب الثقافية، حتى لا نسقط في النزعة الثقافوية، التي تفسر كل شيء بالثقافة، إن التاريخ السياسي للمغاربة هو تاريخ للاستبداد، وهنا لا بأس من أن أؤكد مرة أخرى، بأنني لست من أولئك الذين يغالطون أنفسهم، ويكذبون على التاريخ، فنحن المغاربة لنا تاريخ بسيط، عكس ما يُقال، من أنه حافل بالمفاخر والأمجاد، فهذا كلام لا أساس له من الصحة. حيث إن تاريخنا كله استبداد منذ أن بدأ حتى الوقت الراهن، ويبدو أننا ننتقل الآن، من النظام السياسي التقليدي الذي كان يرتكز على الاستبداد السياسي، إلى النظام السياسي الحديث، المرتكز على القانون، فكيف، والحالة هذه، يمكن أن نطلب من المواطن المغربي أن يصبح بين عشية وضحاها إنسانا ديمقراطيا، يحترم القانون؟ وكيف تريد من الحكومة المغربية نفسها، أن تكون على شاكلة حكومة الدانمارك أو ألمانيا؟ إن تاريخنا السياسي الحديث لا يتجاوز عشر سنوات. هذا إذا سلمنا بأن هذا التاريخ، يبدأ حين يكون فيه للمجتمع رأي وحركية سياسية واجتماعية، وهذا كما قلت لا يتجاوز عمره عندنا عشر أو خمسة عشرة سنة.


محمد العلمي/دبلوماسي سابق
كان المغاربة يجثون على رُكبهم حين مرور الملك والحسن الثاني هو الذي رسخ البروتوكول

- كيف نشأ البروتوكول الملكي بالمغرب؟

+ إن النظام الملكي المغربي له مرجعية إسلامية، ذلك أن عددا من السلاطين والملوك الذين تعاقبوا على حكم المغرب اعتبروا أنفسهم من سلالة الرسول (ص) ومعلوم أن الرسول كان لديه بروتوكول بسيط، غير أنه بعدما انتهى عهد الخلفاء الراشدين، جاء عهد الأمويين الذي عرف معهم العالم الإسلامي نمط الحكم الشمولي المستبد.

- وهناك بدأ البروتوكول؟

+ نعم بشكل لم يكن معهودا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث أصبح مطلوبا المبالغة في أشكال التعظيم للحكام والانحناء والركوع والسجود لهم إلى غير ذلك، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن جاء العباسيون الذين كان لديهم بروتوكول غاية في التعقيد لأنهم كانوا يحكمون أطراف العالم العربي، بل وفي أقطار أخرى محسوبة على أمم وأقوام أخرى، ثم استمر الأمر إلى أن جاء حكم العثمانيين، وقد جاء هؤلاء أيضا ببذخ كبير، في مظاهر الحكم، وبأشكال لباس اقتبسوها من أوروبا والمظلة التي أخذوها عن أباطرة آسيا، إلى أن بدأ طقس تقبيل اليد عندهم.

- وهذا ما يذكرنا بأحد طقوس البروتوكول الملكي المغربي، فهل يُمكن القول إن عادة تقبيل يد الملك في المغرب مأخوذة عن العثمانيين؟

+ نعم.

- كيف تم ذلك؟

+ إن العثمانيين كانوا جيران لنا حينما احتلوا الجزائر ومصر وليبيا .. إلخ.

- كيف أخذ الملوك المغاربة تلك العادة عن العثمانيين؟

+ تم ذلك عن طريق التمثيليات الدبلوماسية والزيارات المتبادلة إلخ، حيث وصل الأمر إلى حد أن العثمانيين كانوا يهدون النساء لسلطان المغرب.

- متى كان ذلك؟

+ منذ العهد السعدي، واستمر في العهد العلوي، مع مولاي علي الشريف ومولاي امحمد ومولاي رشيد وغيرهم، حيث بدأت طقوس الحكم كما كانت معروفة لدى العثمانيين وأباطرة آسيا، من قبيل استعمال المظلة إلخ.

- ألفت كتابا باللغة الفرنسية سنة 1971 عن البروتوكول الملكي، ما هي أهم مضامينه؟

+ إن في هذا الكتاب مجموعة من الطقوس في الحياة اليومية للملك من قبيل الاستقبالات التي يقوم بها، وشؤون حياته، والحرف القائمة على خدمته، ونسائه، ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أن الأستاذ عبد الرحمان بن زيدان ألف أيضا كتابا مهما في الموضوع اقتبستُ بعضا من تفاصيله.

- كيف كان أمر البروتوكول الملكي على عهد الملك محمد الخامس؟

+ من المعلوم أن محمد الخامس كان رجلا بسيطا في مسلكه ومظهره. يجب ألا ننسى أن خدمة البروتوكول كانت أيضا بسيطة قبل ذلك مع مولاي عبد الحفيظ ومولاي عبد العزيز، غير أن ذلك لم يمنع من أنه حينما كان السلطان، في تلك الفترة، يمر على مجمع من المغاربة فإن هؤلاء كانوا "كايتوتشو"، أي أنهم كانوا يضعون ركبهم على الأرض. لقد رفض الفرنسيون تسليم السلطة السياسية لرجال الحركة الوطنية، عقب اتفاقية إيكس ليبان التي رفضها مجموعة من الوطنيين، وفضلوا بدلا من ذلك تسليمها - أي السلطة – للسلطان الذي أصبح يسمى فيما بعد ملكا، وهو الذي آلت إليه الوصاية على المغرب، وما زال الأمر مستمرا على ما كان عليه إلى حد الآن، وبعد موت محمد الخامس، وللحقيقة، فإن هذا الأخير كان رجلا محبوبا، من طرف الشعب المغربي، وكان بسيطا في مسلكه ومظهره، كما أن ثروته كانت متواضعة جدا، فضلا عن أنه كان رجلا ديبلوماسيا يعرف كيف يتعامل مع الناس، ثم جاء الحسن الثاني، الذي أحاط نفسه بمجموعة من عملاء الاستعمار، والعسكريين، أمثال أوفقير ومولاي حفيظ العلوي، وغيرهما، وقد رأينا نتيجة ما تم، لقد تسلم الحسن الثاني الحكم وعمره إثنان وثلاثين سنة، وكان طموحه أن يكون هو لويس الرابع عشر بالنسبة للمغرب، فكان أن زاد القصر في تعقيد أمور البروتوكول.

- كيف اعتمد الحسن الثاني سياسة التشدد في تطبيق طقوس البروتوكول الملكي؟

+ إن الأشكال البروتوكولية في عهد الحسن الثاني عكست خصائص شخصيته، وهي الخصائص نفسها التي انعكست على باقي شؤون البلد مثل السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة إلخ.

- ما هي أهم محطات تقنين الحسن الثاني للبروتوكول الملكي؟

+ أبرزها ما حصل على المستوى السياسي، حيث نجد انه كلما كانت تزداد المظاهرات المناهضة له، كان الحسن الثاني يُمعن في التشدد في المظاهر البروتوكولية، وكذلك في أنواع وزراء الداخلية الذين كان يختارهم، حيث أن الكثيرين منهم لم تكن لديهم ثقافة واسعة، كما انه ظهر أشخاص وصوليون كان كل همهم أن يتسلقوا المراتب من خلال التقرب لرئيس الدولة ، أي الملك.

- هل كان هؤلاء هم الذين كرسوا أشكال الخضوع البروتوكولية؟

+ نعم.

- ما هي أشكال الخضوع الأكثر بروزا في تلك المرحلة؟

+ مثلا أن يقبض أحد موظفي البروتوكول بكتف شخصية جاءت للقاء الملك ويرغمها على الانحناء.

- تقصد ما كان يقوم به وزير التشريفات حفيظ العلوي؟

+ نعم هو وغيره.

- هل حضرت مشاهد من هذا القبيل؟

+ نعم.

- هل لديك نماذج لأسماء الذين فُعِل معهم ذلك؟

+ لا استطيع ذلك لأن الموضوع حساس جدا، لا أريد أن أُحرج أحدا، ودعني أقول ما هو أهم من أسماء الأشخاص، وهو ما أراه في أن تلك النوعية من الأشخاص الذين أحاطوا بالحسن الثاني غداة توليه الحكم هم الذين كرسوا تلك الطقوس البائدة في أشكال الحكم.

- وماذا عن ظاهرة تقبيل يد الملك؟

+ ذكرت في كتابي عن البروتوكول أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يقبل أن يقبل أحد يده، وبما انه لدينا في المغرب المرجعية الإسلامية فمن المفروض أن لا يقبل السلطان أو الملك أو الحاكم، بهذا الطقس البائد.

- من أين جاءتنا هذه العادة؟

+ من آسيا، أي من أباطرة من قبيل هولاكو وباقي حكام المغول، ومن العثمانيين، لقد جرت العادة أن الناس تقبل أيدي آبائهم وأمهاتهم والأشخاص المسنين، وهو تقليد لا يمت بصلة للإسلام. إن ما كرس هذه العادة هو مرور زهاء ألف وثلاثمائة وخمسين سنة على حكم السلاطين الذين حكموا بشكل مطلق.

- مَن من السياسيين المغاربة الذين عايشتهم وكانوا يرفضون تقبيل يد الحسن الثاني؟

+ علال الفاسي وعبد الله إبراهيم، وإلى حد ما عبد الرحيم بوعبيد، والمهدي بنبركة.


كيف انتقلت وظيفة الحجابة بباب الملك إلى وزارة ثم مديرية للبروتوكول؟

لقد كان للبروتوكول الملكي دور قطب الرحى في دوران نمط شكل الحكم الذي ألح ملوك المغرب على ترسيخه في أذهان وأفئدة أجيال من المغاربة، ومن شأن فتح ملفات ما كان يسميه ابن خلدون ب "شارات الحكم" أن يضيء الكثير من الزوايا المعتمة في تاريخنا السياسي المعاصر والقديم. غير أن وظيفة الحجابة - أي البروتوكول الملكي - كان لها تاريخ، وإن من بعض تفاصيله ما يجعل المرء يفتح فمه دهشة، منها مثلا أن حاجب السلطان الحسن الأول، تحول إلى صدر أعظم، منها مثلا أن حاجب السلطان الحسن الأول في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ونعني به أحمد بنموسى (با حماد) كان بمثابة الصدر العظم (أي الوزير الأول) في المملكة المغربية لسنوات طويلة، بل كان له دور في اختيار عبد السلطان عبد العزيز، وكاد أن يتحول إلى ملك يورث الحكم لولا أن "يقظة" المخزن الخائف على مصالحه اوغرت عليه صدر السلطان عبد العزيز، الذي قام بتتريكه.. وعزله، إنها بعض من تفاصيل مهنة "الحجابة" في باب السلطان يتناولها هذا المقال ببعض التفصيل قديما وحديثا.

سُئل مرة السيد عبد الحق لمريني، الذي اشتغل لفترة طويلة في ظل رجل لا يقل خطورة ومخزنية عن الجنرال حفيظ العلوي: ما هي المواقف الأكثر طرافة التي صادفتك في حياتك العملية كمدير للبروتوكول الملكي؟ فكان ان أجاب "سي عبد الحق" بشكل غارق في العمومية، و"الهروبية" كذلك إذا صح التعبير، حيث تحدث عن الطرائف والغرائب التي يصادفها مسؤول عن البروتوكول، لمدة عشرات السنين يصعب حصرها، أو تصنيفها" إنه من نافلة القول، التأكيد أن مهام رجل يعمل بالبروتوكول، ناهيك عن المسؤول عنه في بلد مثل المغرب، تجعله يزن كلامه ليس فقط من ذهب بل من لسعات الحذر".
كيف لا والأمر يتعلق بتنظيم وضبط "عقارب" ساعة زمن أهم مؤسسة سلطة في البلاد، وهي المؤسسة الملكية. ذلك لأن بعضا مما يراه المغاربة عبر شاشة التلفزة في الغالب، من مظاهر احتفال أو استقبال وما شابه منقولا إليهم بصوت مذيع متهيب، يكون في الحقيقة محل إعداد متأن لا مكان فيه للخطأ، لأن الخطأ في مثل هذه الحالة يعني قطع أرزاق، وربما أكثر من ذلك.
فما الذي تنطوي علية "مؤسسة" البروتوكول الملكي من مضامين وأشكال؟ يقول بعض قدامى المحتكين والمهتمين بحياة الملوك والقصور في المغرب، إن شأن تنظيم حركات وسكنات السلاطين المغاربة قبل المرحلة الاستعمارية، كانت تقتصر على وجود حاجب للسلطان، يكون هو الآمر الناهي في كل شؤون القصر وسيده، وراعي كل شاذة في القصر، أو وافدة إليه قبل أن تصل بمئات الأمتار إن لم نقل الكيلومترات، لذلك لم يكن مستغربا أن يتخذ شأن الحجابة ( أو البروتوكول بلغة العصر) شانا كبيرا وصل في بعض الأحيان إلى حد أن يُصبح شخص الحاجب أهم مسؤول في البلاد بعد السلطان، وربما قبله، وهذا ما ينطبق على حاجب السلطان الحسن الأول الذي حكم المغرب طيلة الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ونعني الحاجب احمد بنموسى الشهير بلقب "با حماد"، فهذا الأخير استطاع ان ينتقل من مجرد حاجب (شاوش) للسلطان إلى حد التقرير في شأن المملكة لمدة تجاوزت حياة وحكم سيده أي الحسن الأول. وفي بعض تفاصيل ذلك ما يؤكد الأهمية القصوى التي كانت لحاجب السلطان في بعض مراحل التاريخ المغربي القريب.
فمن المعلوم أن السلطان الحسن الأول توفي أثناء قيامه بإحدى "حَرْكَاتِه" على واحدة من قبائل الجنوب المغربي في منطقة سوس، غير أنه أثناء عودته وافته المنية، في إحدى نقط الطريق بمنطقة تادلة، واجتهد حاجبه الذي كان بمثابة الصدر الأعظم (الوزير الأول بلغة العصر) ليستبقي أمر موت السلطان سرا مكنونا هدد العارفين به من مقربي السلطان بقطع ألسنتهم إن هم افشوه قبل الأوان الذي كان قد قرره هو، وكذلك كان، حيث "أبدع" باحماد مسرحية غاية في الميكافيلية السياسية، تمثلت في الإيحاء لكل الجمهور، الذي رأى موكب السلطان من منطقة تادلة، حتى القصر الملكي بالرباط، وهناك فقط أعلن عن وفاة الحسن الأول، وكانت غايته أن يُنصب أصغر أبنائه على العرش، وهو عبد العزيز الذي لم يكن عمره يتعدى السادسة عشرة، وذلك بطبيعة الحال ليخلو الجو للحاجب "با حماد" حتى يحكم المغرب كما يريد، في ظل سلطان لم يكن يحلق شاربيه بعد.
تؤكد هذه الواقعة الأهمية السلطوية التي كانت للحاجب الملكي، وعمق تدخله في الشأن العام للمملكة، وهو ما استمر أيضا مع خلفه، ونعني به "المهدي المنبهي" الذي انتقل من موقع "متعلم" في ظل "با حماد" إلى كبير المسؤولين في عهد السلطان عبد العزيز، قبل أن يهرب من بطش خلفه عبد الحفيظ إلى انجلترا. أما حاجب السلطان يوسف، الذي تولى شؤون المملكة بعد ذلك باختيار من الفرنسيين، بعد هرب سلفه عبد الحفيظ، بمجرد توقيعه لمعاهدة الحماية، فكان - أي الحاجب - هو عبد القادر بنغبريط، حيث حاول هذا الأخير أن يكون له شأن حاسم في أمور المملكة، بيد أنه اصطدم بمنافسين شرسين، سيما أن الظرف كان استعماريا، إذ كان الفرنسيون يقررون في كل شيء بما في ذلك مَن يجب أن يراه السلطان ومن لا يجب أن يراه، لذلك خفت همة الحاج بنغبريط، وحينما جاء الاستقلال كان من السهل على منافس صاعد هو معلم الطفل محمد (الذي أصبح فيما بعد هو الملك محمد الخامس) واسمه الفقيه محمد المعمري أن يتخلص منه، ويأخذ مكانه.
يمكن القول إن "أهمية" الحاجب الملكي، وتدخله في الشؤون الكبيرة والصغيرة، خفت حدته، إن لم نقل إنه اختفى، تقريبا، مع تولي محمد الخامس الحكم خلفا لوالده بن يوسف، حيث تولى مهمة الحاجب، كما سبقت الإشارة، معلمه منذ كان طفلا، سنة 1917 الفقيه محمد المعمري، الذي قام بالمهمة بكثير من الصمت.
وتعود فكرة إنشاء بروتوكول ملكي بالمعنى الحديث نسبيا إلى سنة 1944، وذلك من خلال ورود هذه الفكرة عقب زيارة الرئيس الأمريكي خلال تلك الفترة تيودور روزفلت للمغرب يوم 20 يناير 1943 ، حيث لوحظ التنظيم الحديث للحياة اليومية للرئيس الأمريكي، فطرأت للفقيه المعمري أن يقوم بنوع من المحاكاة للتنظيم المذكور، فكان ان انتقلت مهمة الحجابة من مجرد معناها اللغوي الذي يعني ذلك الشخص الذي يُظهر السلطان أو يحجبه لمن يريد، إلى نوع من الضبط البروتوكولي الحديث.
انتهت مهمة الفقيه المعمري يوم 26 فبراير سنة 1961 أي تاريخ وفاة الملك محمد الخامس، حيث طلب إعفاءه من مهمته، متعللا بوجود مدير للتشريفات والأوسمة هو أحمد بناني. غير أنه سرعان ما سطع "نجم" اليوتنان كولونيل في الجيش الفرنسي، والجنرال في الجيش المغربي بعد ذلك حفيظ العلوي ضمن الشلة الدائرة بالملك الحسن الثاني، حيث كانت الصداقة الملغزة للرجلين قد قادت الأول بسرعة للعب أدوار حاسمة في كثير من الجوانب السوداء في مغرب ما بعد الاستقلال، لم تُسلط عليها الأضواء بما يكفي لحد الآن.
تولى حفيظ العلوي وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، رسميا في سنة 1963 تاركا مهمة مديرية الأوسمة التي كان يُشرف عليها لأحمد المسطاتي (شقيق احد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944)، ومنذ ذلك الحين ظل الجنرال حفيظ العلوي وزيرا اكبر من كل الحكومات المتعاقبة، أي أنه كان صاحب وضع استثنائي، وهو ما استثمره حتى آخر قطرة، حيث كان هو الذي "نحت" بشكل أكثر عمقا أشكال التعظيم الملكي التي كان يرغب فيها الحسن الثاني، وحينذاك فقط توفرت الوسائل المادية والمعنوية، كي يصبح للحسن الثاني وللملكية في المغرب أشكال التعظيم الجديرة بالأباطرة والحكام الشموليين، ويكفي أن يتم الاطلاع على بعض التفاصيل الشكلية الدقيقة التي غرق فيها البروتوكول الملكي، لندرك حجم العمل الذي قام به رجل صارم وقاس بشكل أسطوري مثل الجنرال حفيظ بنهاشم (انظر البورتريه الذي أنجزناه عن الرجل ضمن هذا الملف)، حيث تحول البروتوكول الملكي بأشكال ضبطه التقليدية، الموغلة في بلاطات حكام عصور أباطرة الفرس والرومان القدامى، وملوك وحكام العصور الوسطى الشموليين، وكان من المستغرب له حقا أن يرغم الحسن الثاني وجنراله حفيظ العلوي، أفراد النخب المغربية بمختلف اتجاهاتها، أن تنصاع لتلك الأشكال التقليدية البالغة العتاقة في تمظهر الحكم الملكي، وهي السمات المهمة التي يرى ذ عز الدين العلام (انظر حوارنا معه بهذا الصدد) بحق أنها محددة لأهم مضامين الحكم.
وكان هناك قلائل ممن انتبهوا في زحمة الحياة، إلى العمل الدقيق الذي كان يقوم به الحسن الثاني، بمعية جنرال البروتوكول حفيظ العلوي، وبتطبيق أكثر من المطلوب، من طرف باقي موظفي دولة المخزن، حيث تم اللجوء بالتدريج لكن بحسم إلى القطع مع بعض مظاهر التحديث في الحياة اليومية والأذهان التي كان الاستعمار الفرنسي قد تركها لدى أفراد النخبة المغربية، وسلوكاتها، الأكثر من ذلك، أنه تم "تطويع" الحديث للقديم، ومنه العودة بإلحاح إلى الأشكال البروتوكولية القديمة، وإحياء الكثير منها، مما كان قاب قوسين أو أدنى من الزوال، وكان ملفتا أن تتخذ أشكال الحكم التقليدية، من قبيل حفلات الولاء والأعياد الدينية، في حلتها الملكية الطقوسية، وأعياد العرش، وغيرها من المناسبات، كل تلك الهالة التعظيمية، على حساب الكثير من مضامين الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة يقول معها البعض إن المغرب عاد القهقرى، في نمط الحكم الشمولي قرونا إلى الوراء.
يذهب البعض ومنهم ذ عز الدين العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة المحمدية، إلى أن السنوات التسع الأخيرة من حكم محمد السادس، ولا سيما عند بدايتها، عرفت نوعا من التخفيف في بعض الأشكال البروتوكولية، ومنها تقبيل يد الملك، غير أن هذا لا يمنع من ملاحظة كثير من أشكال الدلالة على مضمون الحكم التقليدي، ما زالت قائمة بقوة، بل إن بعضها استعاد "عنفوانه" كما لاحظ الكثير من الملاحظين المحايدين، ومنهم بعض الإعلاميين والدبلوماسيين الأجانب، وذلك نظرا لعودة سطوة وتاثير حاشية الملك المخزنية، المشغولة أكثر بقضاء مآربها الدنيوية، بما يكفي للتغطية على آمال الانتهاء مع أشكال التعبير عن مضمون الحكم الذي "يرتع" فيه المغرب والمغاربة.
++++++++++++++++++++
تمرد على البروتوكول الملكي فجرده الحسن الثاني من وزارة الإعلام
خلال الفترة التي نزل فيها "شاه إيران" ضيفا على الملك الراحل الحسن الثاني، حدث تمرد غريب على البروتوكول الملكي، من طرف أحد الصقور في المربع الأمني للملك، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدولة في الإعلام، ويتعلق الأمر بمستشار الحسن الثاني السابق عبد الهادي بوطالب، فبعد أن تم الإعلان عن قيام النظام الجمهوري في إيران، كان "شاه إيران" يتذوق المرارة والحسرة على انفلات ملكه الذي عمر طويلا بين يديه، وصادف مكوث شاه إيران في المغرب حلول عيد الأضحى، حيث دعيت بهذه المناسبة الهيأة الوزارية إلى القصر الملكي لتقديم التهاني والولاء للملك الحسن الثاني، كما جرت بذلك العادة، وكانت آنذاك وزارة التشريفات والأوسمة، بقيادة الجنرال مولاي حفيظ العلوي، قد وزعت على كل عناصر الهيأة الوزارية برنامج استقبال الملك الحسن الثاني للمدعوين المهنئين له، حيث تضمن البرنامج أن استقبال الوزراء من طرف الملكين (الحسن الثاني وشاه إيران) سيتم حسب ما هو مرسوم له في الترتيب البروتوكولي، ولما شرع الوزراء في السلام على الملك و "الشاه" تراجع عبد الهادي بوطالب إلى الخلف، حتى أصبح خارج الصف، وقد وصف بوطالب ما حدث ذات مرة قائلا "لم أسلم لأنني لم أكن على استعداد لتقديم الولاء بمناسبة العيد لملك غير ملك المغرب، وهذا ما قلته بالحرف للملك فيما بعد".
عندما انتهى حفل تقديم التهاني والولاء تقدم عبد الهادي بوطالب للسلام على الراحل الحسن الثاني، وكذا تقديم التهاني له بمناسبة العيد، فكان أن نهره الحسن الثاني قائلا "لماذا لم تفعل مثل ما فعل باقي الوزراء، ولم تسلم علي؟ ساعتها أجابه بوطالب "لأنني لا أعرف في المغرب إلا ملكا واحدا، والبروتوكول وزع علينا دعوات تتحدث عن ملكين"، كان هذا الجواب حسب هذا الأخير بمثابة "مخرج" من الأزمة. غير أن ذلك لم يكن كافيا، " لعله في تلك اللحظة - كما قال ذ عبد الهادي بوطالب فيما بعد - قرر الاستغناء عني كوزير للدولة في الإعلام".
+++++++++++++++++++++++++
عبد الحق لمريني مدير بروتوكول محمد السادس
ظِلُّ الجنرال الذي يظهر ويختفي
++++++++++
" ترعرع" ذ عبد الحق لمريني، في ظل رجل لا يقل "أهمية" مخزنية وعسكرية عن ليوطنان كولونيل الاستعمار الفرنسي، وجنرال الحسن الثاني، حفيظ العلوي، الذي كان جميع مَن "اختلط" به يحرص على استباق اسمه بلقب "مولاي"، وبطبيعة الحال فإن قدر كل رجل "ثان" سيما في بلد مثل المغرب، وفي مكان مثل معقل المخزن المغربي، وفي خدمة رجل مثل الحسن الثاني، أن يكون بمواصفات استثنائية للغاية، من قبيل "خفة" المرور من أمام محاذير وفخاخ غاية في الدقة، لذا فإن المطلوب ممن يلعب مثل هذا الدور الحساس ان يكون بمواصفات خاصة جدا، إن هذا ما تحاول التفاصيل التالية من ملامح شخصية "سي عبد الحق لمريني" تبيانه.
+++++++++++++++
قال عبد الحق لمريني مرة عن نفسه في حوار مع جريدة الشرق الأوسط السعودية: "إنني حفيد الأمين محمد المريني رحمه الله، الذي تقلب في عدة مناصب «مخزنية» في العهد اليوسفي، حتى وصل الى رتبة «امين الصيار» بدار المخزن (اي المسؤول عن مالية القصر الملكي). وتوارثي لجدي في خدمة القصر الملكي، هو صدفة من الصدف التي تقع في حياة الانسان، فيالها من صدفة طيبة وما اجلها عندي".
إننا إذن إزاء سليل عائلة مخزنية، غير أن هذا لم يمنع عبد الحق المريني الذي وُلد في مدينة الرباط أواخر سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، من أن "يتدحرج" في دروب الحياة بحي "لكَزا" بالمدينة القديمة بالعاصمة، ليس فقط كتلميذ بمدارس محمد الخامس كأي "رباطي" قح، بل أيضا كمعلم بأكثر من مدرسة ابتدائية ثم ثانوية الحسن الثاني كأستاذ للغة العربية بنفس المدينة التي نشأ بها، ومن الأشياء التي ما زال يذكرها سي لمريني انه كاد يموت ذات يوم حين انقلبت حافلة نقل حضري تصل العدوتين، الرباط وسلا، حينما كان لا يزال فتى يافعا.
إنه ابن قاع المجتمع المغربي بمعنى ما، غير أن الانتماء العائلي "المخزني" لعائلته جعله يتطلع دوما إلى مكانه "الطبيعي" أي أسياد سلالته، ونعني بهم سلاطين وملوك العلويين.
وتوفرت "الفرصة" للشاب عبد الحق منذ بداية سنوات سبعينيات القرن الماضي، حيث كان هناك مَن أخبر وزير قصور وتشريفات الحسن الثاني، الرجل الأصلع الأملط الرهيب، حفيظ العلوي، أن ثمة شابا رباطيا من عائلة مخزنية "قحة" يدعى عبد الحق، يستطيع أن يحل مشكلته مع اللغة العربية التي لم يكن يفرق فيها "ليف من الزرواطة" وكذلك كان، حيث ذهب الشاب الرباطي "المُعرب" إلى مكتب جنرال الحسن الثاني المُكلف بالشاذة والفاذة، ليس فقط في قصر الحسن الثاني، بل أيضا بكل شؤون وشجون المملكة، ويبدو أن عبد الحق لمريني عرف كيف يجتاز امتحان النظرات المتفحصة للجنرال الرهيب التي أكلت كل تفاصيل جسده وما بدر عنه، ويبدو من العشرين سنة التي قضاها الرجل الرباطي – أي لمريني – إلى جانب الجنرال حفيظ العلوي، أنه عرف كيف يمسح كل حذر حارس معبد البروتوكول الملكي، ليس ذلك فقط، بل أن يكون خليفته "الطبيعي" في مهمة إدارة البروتوكول، من موقع منصب مدير، وليس وزيرا كما كان عليه الشأن مع حفيظ العلوي.
وبطبيعة الحال فإنه لكي "يصمد" المرء كل تلك المدة الطويلة إلى جانب شخصية كاسحة كما كان عليه أمر الجنرال حفيظ العلوي، فإنه يلزمه، ليس فقط الكثير من الصبر، بل أن "يلغي" ذاته إلى حد الانمحاء.
وبالفعل فإن بعضا ممن خالطوا ذ عبد الحق لمريني، يذهبون إلى القول بأنه يتمتع بطاقة كبيرة على الإنصات للغير، والاكتفاء بذلك حتى لو تعلق الأمر بما قد يكون مسيئا له، وان لديه طاقة مذهلة على تذكر تفاصيل الأحاديث التي يتبادلها مع جلسائه، وان هذه الطاقة تنشط لديه أكثر فأكثر حينما يتعلق الأمر بقضايا تدخل في نطاق اختصاصاته المهنية.
يتذكر كاتب هذه السطور، كيف أن ذ عبد الحق كان يُدير بروتوكولا ضخما، مثل زفاف الملك محمد السادس، بكثير من الدقة والصرامة، من خلف المنصة التي كان يجلس عليها الملك وزوجته، دون أن يلحظ أغلب الحاضرين، حركاته الدقيقة والحاسمة اتجاه أفواج وفرق المغنين والراقصين التي كانت تمر أمام المنصة الملكية.
ولعل في ذلك واحدا من أهم خصائص شخصية الرجل الدقيق القسمات، غير أنه قد يكون مفاجئا لعموم المغاربة، المتعودين على ترفع أفراد نخبهم السياسية والمالية عن مخالطتهم في الشارع والأسواق، أن يجدوا ذات يوم مدير بروتوكول الملك وهو يتبضع من سوق السمك بالسوق المركزي (المارشي سنطرال) بالرباط أو يتصفح إحدى الجرائد أو المجلات بكشك بشارع محمد الخامس بالعاصمة، يقول أحد الذين عاشروا الرجل في مراحل حياته الأولى، لأن تفسير ذلك أبسط من الإحالة على خصائص التواضع وما شابه، بل إن ثمة بالفعل نكهة خاصة لا يعرفها سوى الذين ترعرعوا في مدينة الرباط، للتبضع من سوقها القديم، وارتياد المعاقل الحضرية العريقة لمدينة الموحدين.
أما بصدد المهام الموكولة للسيد عبد الحق لمريني باعتباره حاجبا للملك، فلندعه يجيب بنفسه حول هذه النقطة، نقلا عن نص الحوار المذكور آنفا، حيث قال جوابا على سؤال حول "طبيعة المهام الموكول له القيام بها باعتباره مديرا للتشريفات والأوسمة"، "من المهام الموكولة لمدير التشريفات كما هو الأمر بالنسبة لكافة مديري هذا القطاع، هي الإشراف على تنظيم الاستقبالات الملكية، والحفلات الرسمية، كحفلات عيد العرش وعيد ميلاد جلالة الملك، وتقديم التهاني بمناسبة حلول الأعياد الدينية، وتنظيم التدشينات التي يترأسها جلالة الملك في القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والاحسانية وسواها"، قبل أن يستطرد: "كما يشرف مدير التشريفات على تهيئ الزيارات التي يقوم بها جلالة الملك لعدد من بلدان العالم، إما للقيام بزيارة رسمية لها، أو لحضور مؤتمر من المؤتمرات العالمية المنظمة بها، وكذا الزيارات التي يقوم بها رؤساء الدول لبلدنا، وهكذا دواليك".
بطبيعة الحال لسنا في حاجة إلى التأكيد بأن دور الرجل أخطر من أن "نبتلع" بشأنه مثل هذا الجواب الدبلوماسي اللبق، حيث لا يُمكنه أن يقول مثلا في لقاء مع صحافي إنه يُشرف على تفاصيل يكاد الذهن المكدود ينهار تحتها، من قبيل الحركة والسكنة خلال عشرات الاستقبالات الملكية، أي كل دقائق الأمور التي تعلّم من عمله الطويل الدؤوب مع جنرال بروتوكول الحسن الثاني، حفيظ العلوي، إنها أكثر أهمية من الصلوات الخمس، وإن الإخلال بها أخطر من كل خرق آخر، حيث أصبحت مهنة تنظيم البروتوكول أشبه ب"ديانة" لا تحتمل تقديما أو تأخيرا.
في الواقع إن الرجل كتوم باستثناء مقالاته وكتبه "الفكرية" التي ينفح بها نوعا من القراء، مثل المهتمين بسيرة الشاي المغربي، أو "قداسة" اللغة العربية، حيث نشر قبل بضع سنوات، مقالا في هذا الصدد، جر عليه غضب ذوي النزعة الأمازيغية المفرطة، الذي ردوا عليه بكثير من الحدة جعلته يرتد على عقبيه، ليس من أثر الهزيمة امام خصومه الإيديولوجيين العرقيين، بل "احتراسا" من خطورة تعريض مركزه لنقاش عرقي قد يتعدى الحدود المسموح بها.
وفي ذلك واحد من مفاتيح شخصية الرجل، فقد فضل دائما أن يظل ضئيل وطأة الأقدام في أبهاء القصر الملكي الصامتة، حيث الأسماع أكثر دقة من أجهزة رادار، وحرص على أن تكون حركاته وسكناته، محسوبة بدقة، حيث اختار الاقتداء بمعلمه الأول والأخير، الجنرال عبد الحفيظ العلوي، أن يظل دائما بعيدا عن الأضواء مكتفيا ب "عزف" موسيقاه، في شكل أوامر ونواهي لكبار وصغار موظفيه، ضمن خلية لا يعرف عنها المغاربة الشيء الكثير، إنها مديرية البروتوكول الملكي.
ومما لا يعرفونه أن ثمة مؤسسة "تجتهد" لتجعل من مظاهر البروتوكول الملكي، سراطا مستقيما مثل الطريق الذي يسلكه عقربا الساعة، ويبدو ان شخصية "سي عبد الحق لمريني" تلعب دورا أساسيا في هذا الاتجاه، كيف لا وهو الحريص على " ضبط" كل صغيرة وكبيرة مما يدخل في نطاق مهامه، وهو ما يجعله أحيانا يخرج عن طوره الهادئ، وتخفيه الشبه الوسواسي، حين يتعلق الأمر بالتعدي على أحد اختصاصاته، كما حدث منذ نحو سنتين، حين نشرت أسبوعية "الجريدة الأخرى" ملفا عن زوجة الملك، حيث انبرى عبد الحق لمريني للرد على هيئة تحرير المنبر المذكور، بلهجة لا تخلو من وعد ووعيد، حيث حرص على "التذكير" بأن إدارته هي المخولة بنشر ما تراه مناسبا لذلك، من تفاصيل حياة القصر، وليس لأي منبر سيار. وبطبيعة الحال فقد عرض سي لمريني نفسه بذلك لسخرية الساخرين، باعتبار أنه كان يصدر فيما صدر عنه، عن طباع مخزنية عفا عنها الزمن، وكان ملحوظا أن يبتلع الرجل غضبته، ومعها خرجته الإعلامية فجأة، ومرت الأمور كأن شيئا لم يحدث، وفي ذلك واحدة من غرائب مملكة المغرب الأقصى، التي يفهمها "سي عبد الحق" جيدا.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا تكرس المواطنة عندنا
- مازالت أزمتنا أزمة مركبة
- برافو المخزن
- لصوص القصور بالمغرب
- هكذا كون الحسن الثاني الثروة الملكية
- حوار مع محمد الحنفي/ فاعل سياسي وجمعوي
- كان الحسن الثاني ينقل الأموال إلى الخارج
- دردشة مع فاعلين جمعويين حول تكوين ثروة الملك الحسن الثاني
- ليس تشاؤما..وإنما هي مرارة السؤال
- توزيع -تركة الوزير اليازغي
- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تقوى عوده خلال سنة 200 ...
- ملفات غير مكتملة تنتقل إلى عام 2008
- انتشار الجريمة بالمغرب
- مختلف الطرق المؤدية إلى مراكمة ثروات الحسن الثاني
- لصوص الملك و لصوص باسم الملك
- بداية نهاية عهد الامتيازات
- أتهم فؤاد عالي الهمة
- العلاقات التجارية المغربية - الإسرائيلية؟
- حوار مع عبد اللطيف حسني
- أثرياء محمد السادس


المزيد.....




- كوريا الشمالية تدين تزويد أوكرانيا بصواريخ ATACMS الأمريكية ...
- عالم آثار شهير يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة المصر ...
- البرلمان الليبي يكشف عن جاهزيته لإجراء انتخابات رئاسية قبل ن ...
- -القيادة المركزية- تعلن إسقاط 5 مسيرات فوق البحر الأحمر
- البهاق يحول كلبة من اللون الأسود إلى الأبيض
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /29.04.2024/ ...
- هل تنجح جامعات الضفة في تعويض طلاب غزة عن بُعد؟
- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - طرائف-البروتوكول الملكي-