أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!















المزيد.....

العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 11:30
المحور: حقوق الانسان
    


" وسوف يظل البحث عن الحقيقة يوقظ
حماسة الانسان ونشاطه ما بقي فيه عرق
ينبض وروح تشعر..."
هيغل

يعتبر مفهوم العدالة الانتقالية من المفاهيم التي ما تزال غامضة أو ملتبسة خصوصاً لما يشوبه من إبهام فيما يتعلق بالجزء الثاني من المصطلح ونعني به "الانتقالية" فهل توجد عدالة انتقالية؟ وما الفرق بينها وبين العدالة التقليدية المرتبطة بأحكام القضاء واللجوء الى المحاكم بأنواعها ودرجاتها؟
وإذا كانت فكرة العدالة قيمة مطلقة ولا يمكن طمسها أو التنكر لها أو حتى تأجيلها تحت أي سبب كان أو ذريعة أو حجة، فإن العدالة الانتقالية تشترك مع العدالة التقليدية في إحقاق الحق واعادته الى أصحابه وفي كشف الحقيقة وفي جبر الضرر وتعويض الضحايا، خصوصاً لما له علاقة بالقضايا السياسية والمدنية العامة.
لكن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية المتواترة في كونها تُعنى بالفترات الانتقالية مثل: الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح الى حالة السلم، أو الانتقال من حالة صراع سياسي داخلي رافقه عنف مسلح الى حالة السلم وولوج سبيل التحوّل الديمقراطي، أو الانتقال من حكم سياسي تسلّطي الى حالة الانفراج السياسي والانتقال الديمقراطي، أي الانتقال من حكم منغلق بانسداد آفاق، الى حكم يشهد حالة انفتاح واقرار بالتعددية، وهناك حالة اخرى وهي فترة الانعتاق من الكولونيالية أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي، وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الاجراءات الاصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة وبخاصة ذات الابعاد الجماعية.
قد يتبادر الى الذهن وهو ما وقع في ورشة عمل مهمة لعدد من الخبراء والنشطاء في الرباط مؤخراً لتأسيس فريق عربي للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بدعوة من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية والمعهد العربي لحقوق الانسان ومركز حقوق الانسان والديمقراطية المغربي، ان اختيار طريق العدالة الانتقالية يتناقض مع طريق العدالة الجنائية سواءًا على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، في حين أن اختيار الطريق الأول لا يعني استبعاد الطريق الثاني وخصوصاً بالنسبة للضحايا، ومسألة إفلات المرتكبين من العقاب!!
ولكن مفهوم العدالة الانتقالية ودوافعها السياسية والقانونية والحقوقية والانسانية، أخذ يتبلور وإنْ كان ببطئ في العديد من التجارب الدولية وفي العديد من المناطق في العالم ولاسيما في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يخص ضحايا النازية، وانْ كان قد شابه شيء من التسيس وبخاصة بعد تقسيم ألمانيا من جانب دول الحلفاء، كما اتخذ بُعداً جديداً في امريكا اللاتينية وبخاصة بعد ما حصل في تشيلي اثر الانقلاب العسكري في 11 أيلول (سبتمبر) 1973، الذي قاده الجنرال بينوشيه.
ومنذ السبعينات وحتى الآن شهد العالم أكثر من 30 تجربة للعدالة الانتقالية من بين أهمها تجربة تشيلي والارجنتين والبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب افريقيا وتيمور الشرقية وصربيا واليونان، ويمكن اعتبار البرتغال واسبانيا والدول الاشتراكية السابقة بأنها شهدت نوعاً من أنواع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، كما يمكن اعتبار تجربة لبنان ما بعد الحرب الاهلية 1975-1989 وما بعد مؤتمر الطائف بأنها شهدت شكلاً من أشكال العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وان لم تنطبق عليه الشروط العامة للعدالة الانتقالية كاملة، وخصوصاً كشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا والاصلاح المؤسسي، الاّ أن التجربة اللبنانية رغم ما عليها بحاجة الى تأمل ودراسة وبخاصة في ظروف لبنان الراهنة ومعركة الرئاسة "العتيدة"، لكي لا يعيد التاريخ نفسه!!
ولا بد من ادراج تجربة المغرب كأحد أهم التجارب العربية والدولية في امكانية الانتقال الديمقراطي السلمي من داخل السلطة، خصوصاً بإشراك المعارضة التي كان في مقدمتها عبد الرحمن اليوسفي الذي تم تعيينه رئيساً للوزراء ( الوزير الأول) وفتح ملفات الاختفاء القسري والتعذيب وفيما بعد تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض الضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات.
أما التجربة العراقية فهي بحاجة الى وقفة خاصة فيما يتعلق بتخليص البلاد من طاحونة العنف والطائفية والارهاب والحرب الأهلية في إطار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لانتهاكات الماضي الجسيمة وانتهاكات الحاضر الشديدة الخطورة والفداحة، الأمر الذي يستوجب إطار حقوقي وإنساني شامل، بعيداً عن الإنتقام والثأرية والمصالح الانانية الضيّقة.
قد يعتقد البعض أن وصفة العدالة الانتقالية لوحدها ستكون شافية لاصلاح الاوضاع وإعادة الحقوق وانتهاج سبيل التطور الديمقراطي، لكن مثل هذا الاعتقاد غير واقعي ان لم يترافق مع اعتبار العدالة الانتقالية مساراً متواصلاً لتحقيق المصالحة الوطنية والسلم الاهلي والمجتمعي والقضاء على بؤر التوتر والارهاب والعنف، وصولاً الى انجاز مهمات الاصلاح المؤسسي والتحوّل الديمقراطي.
ورغم حداثة التجربة التاريخية للعدالة الانتقالية، الاّ أنها أكدت انه لا توجد تجربة انسانية واحدة ناجزة يمكن اقتباسها بحذافيرها، بل هناك طرقاً متنوعة ومختلفة للوصول اليها وتحقيق المصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، ومثل هذا الاستنتاج يعنينا على المستوى العربي، فلا يوجد بلد عربي يمكنه الاستغناء عن مبادئ العدالة الانتقالية وصولاً للتحوّل الديمقراطي، خصوصاً وانها بحاجة اليه بهذه الدرجة أو تلك لوضع المستلزمات الضرورية للاصلاح والتحوّل الديمقراطي ووضع حد للانقسام والتمييز المجتمعي.
ولعل مثل هذا الاستلهام ورد في اعلان الرباط الذي حدد مرجعيته بعدد من الوثائق الدولية بما فيها قرار الجمعية العامة للامم المتحدة حول العدالة الانتقالية لعام 2006، إضافة الى الشرعة الدولية لحقوق الانسان ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة الى عدد من الوثائق العربية بضمنها وثيقة مؤتمر الدوحة لعام 2007.
ان اختيار طريق العدالة الانتقالية وصولاًً للانتقال الديمقراطي عبر المصالحة الوطنية يتطلب أولاً وقبل كل شيء إرادة سياسية وبخاصة من فريق السلطة، إضافة الى الفاعلين السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني، ناهيكم عن أجواء سلمية مناسبة، وبالتالي لا بدّ من توفير بيئة حاضنة لعملية المصالحة واستعادة الحقوق، وهذه تحتاج الى تربية على الديمقراطية لا باعتبارها مفاهيم ومبادئ حسب، بل قوانين ومؤسسات وتطبيقات ومساءلات وشفافية وتداول سلمي للسلطة عبر الانتخابات، الأمر الذي يستوجب وضع استراتيجيات بعيدة المدى، سواءًا لبعض البلدان التي ما تزال لم تدخل مرحلة العدالة الانتقالية أو بلدان دخلتها وتلكأت فيها، أو بلدان سارت أشواطاً فيها ولكنها بحاجة الى تطوير.
ولعل دور المجتمع المدني سيكون مهماً خصوصاً اذا ما أصبح قوة اقتراح للقوانين واللوائح والأنظمة وليس قوة تحريض او احتجاج او اعتراض حسب، بل قوة اشتراك مع الفاعليات السياسية الحاكمة وغير الحاكمة، وخصوصاً في العمل مع البرلمان والنقابات والاتحادات المهنية.
ان مجرد قبول فكرة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يعني ان أوساطاً واسعة بدأت تعطي مؤشرات وعلامات على الاستعداد للتحول سواءًا كان لاسباب تاكتيكية أو اضطرارية او جزئية، لكنها تعني أن القطيعة مع الماضي لا بدّ أن تبدأ وبالتالي لا بدّ من رؤية جديدة لإعادة بناء الدولة والمجتمع في إطار قواعد جديدة قوامها احترام حقوق الانسان وحكم القانون، بمراعاة التطور القانوني الدولي في هذا الميدان، الامر الذي يحتاج تأهيل وتدريب وتطوير للأجهزة الحكومية وبخاصة القضائية والتنفيذية بما فيها أجهزة الشرطة والأمن.
من هنا تأتي أهمية مبادرة الفريق العربي للعدالة الانتقالية وذلك بهدف تحديد الأولويات ووضع السياقات والفرص المتاحة، بعيداً عن الاتفاقيات السياسية الفوقية أو المساومات الظرفية وفي ظل مواجهة الماضي الأليم بجرأة وشجاعة ليس بقصد الانتقام أو نسيانه، وإنما إحياء الذاكرة لتجاوزه وطي صفحاته المأساوية وفتح الباب أمام مصالحة وطنية حقيقية وصولاً للانتقال الديمقراطي.
د. عبدالحسين شعبان*
* كاتب ومفكر عراقي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شط العرب.. وصاعق التفجير!!
- هل الديمقراطية مثالية؟!!
- المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
- التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
- العرب والتنمية!!
- العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
- العرب ومفارقات العولمة
- القضية العراقية بين التدويل والتأويل
- الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل
- اختلاس الزمن في ظاهرة الاختفاء القسري!
- البصرة هل هو ثمن الحرية!
- الهوية الثقافية: الخاص والعام
- حين يختفي الاعلامي مؤرخ اللحظة !!
- مجتمع الايتام والآرامل!!
- اللاجئون العراقيون: مسؤولية من!؟..
- شهادة حية على التعذيب في سجن ابو غريب
- الاقليات والحقوق الثقافية
- المساءلة والحقيقة في تجارب العدالة الانتقالية
- التنوّع الثقافي والشعية الدولية !!
- التنوّع الثقافي: الاقرار والانكار !


المزيد.....




- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...
- الأمم المتحدة تطالب الاحتلال بالتوقف عن المشاركة في عنف المس ...
- المجاعة تحكم قبضتها على الرضّع والأطفال في غزة
- ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت
- حماس: الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين ستبقى وصمة عار تطارد ...
- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!