أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهند البراك - دولنا العربية ومعوقات الأصلاح . . 1 من 2















المزيد.....


دولنا العربية ومعوقات الأصلاح . . 1 من 2


مهند البراك

الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم تكن المنطقة العربية منطقة مجهولة للعالم الوسيط او غير معروفة لبعثات الأستكشاف الأوربية، في زمن النهضة وتطوّر الرأسمال في الغرب ثم توسعه وبحثه عن اسواق وخامات وعن ايدي عاملة ارخص الذي تمّ في اغلب الحالات بالعنف بعد ان فشل في تحقيق الطموح الى المزيد من الأرباح عن طريق السلم، ثم دور تأثيرات ومصاعب الحروب والأحتلال التي فيما تحكّمت بمصائر المنطقة، فأنها افتتحت عهوداً جديدة لعبت ادواراً كبيرة في اشكال تطوّر مجتمعات الغرب ذاتها . .
لقد اصطدمت دول وكيانات الغرب في القرون الوسيطة بكيانات حضارية اسلامية الطابع منذ مناداة النبي العربي بالأسلام ديناً ، حضارة كوّنت جذوراً وشقّت اسساً واشادت اقطاباً ثقافية علمية ادبية، انسانية دينية وروحية في مقاييس ذلك الزمان، استمرت ولم تضمحل وانما اعترتها ثغرات تخلّف وجمود اصابت جوهرها . . بعد ان كانت قد تكونت قبل اكتشاف الأمريكتين وجزائر الهند الشرقية ـ الفلبين، استراليا، نيوزيلندا . . وغيرها.
وكوّنت كيانات وجدت تعبيرها في دول وحضارات . . ان حكمت اسبانيا (الأندلس) في ماضي بعيد ، فانها اخذت تدكّ اسوار فيينا في عصور متأخرة، واستمرت ـ بثغراتها ـ في تهديد مراكز حضارات اوروبا الأحدث التي ارتبطت بها براً . . الأرتباط الذي شكّل جسوراً للسلم والصداقة والمنافع المتبادلة و شكّل ايضاً عاملاً هاماً للتنافس والحروب والصراعات المباشرة التي صارت بين امبراطورية اقطاعية تجارية الطابع، شرقية الحماسة والعاطفة، وبين غرب كسرت الثورة الصناعية والنهضة قيوده وخرافاته وانهت حروب ممالكه واماراته وتناحرها، ووضعتها على سكة احدث سواءاً في حلول تناقضاتها، اوبينها وبين امم الأرض المتنوعة .
ولابد من ذكر مؤثر لايزال يلعب ادواراً في مفاصل عالم اليوم، بأنه حتى اشتعال الحرب العالمية الأولى في الربع الأول من القرن الماضي، شكّلت منطقتنا العربية والشرق اوسطية الأسلامية الكيان الوحيد الذي استطاع تحطيم الحملات الصليبية في معركة " حطيّن " بقيادة القائد الأسلامي " صلاح الدين الأيوبي " حين اعلنت الكنيسة الكاثوليكية حروبها الصليبية المقدسة ضد الكنائس المنافسة وضد اليهود والمسلمين (1) دون ان تقوى الكيانات الأخرى على ذلك .
اذن فالصراع والتفاعل بين شرقنا والغرب يأخذ طابع عمليات متعددة الأبعاد : تاريخية، دينية وروحية، حضارية، اقتصادية وسياسية وعسكرية، لايمكن انهائها بخطابات وبحوث نظرية فقط ، ولا بضربات حربية صاعقة، وانما هي عمليات تاريخية تستغرق زمنا ليس بالقصير، لبناء علاقات على اسس المنافع المتبادلة والرفاه الأجتماعي والتطور الحضاري والسلام، بعد ان ازداد الصراع والتنافس ضراوة بسبب تزايد الفقر والظلم والقهر السياسي والأجتماعي في شرقنا الذي سعت الأقطاب المتنفذه الدوليه على تكريسه للنفوذ فيه . . والذي زاده تطرفاً والتصاقاً بواقعه.
حيث لم يكن السلطان العثماني الذي حكم المنطقة، في مراحل هبوط الحضارة العربية الأسلامية ذا طموح في وضع اسس لبناء دولة حديثة، خوفاً من انفراط حكمه المطلق عليها، الذي كان قد جعل منه كما لو كان ملكاً اقطاعياً له وفق حق مقدّس، اجاز له ولحاشيته حكمها بيد من حديد وادىّ الى قمعه وحاشيته نزعات التحرر والأنتفاضات التي اندلعت فيها بحد السيف، والى اغراقهم ايّاها بالدموع والدماء بلارحمة .
في الوقت الذي كانت فيه الانظمة السياسية في اوروبا المجاورة وغيرها، تستند على دستور ومؤسسات تتطوّر، كتعبير قانوني عن مكوّنات نظام الحكم وتوجهاته، الذي منه تستمد السلطة قوتها وشرعيتها، والتي حققت نجاحاً بعدما استجابت لحاجات المجتمع في تجديد النظام السياسي، وتقبلت التعديل ضمن شروط جرى الأتفاق عليها، بناء على محصلة وآفاق توازن القوى المتواجدة على الساحة السياسية، بما عاد بالنفع لعموم المجتمع. وعلى اساس ان المبادئ النظرية تخدم تلك الحاجات لا العكس، وانها لا يجري فرضها، والاّ ادىّ ذلك الى تزوير حاجات المجتمع وقمع تطلعاته . . الآليات التي بتراكم تجاربها ادّت الى ترسيخ وتطوير مبادئ الديمقراطية عبر الممارسة .
وحتى اليوم، لايمكن النظر الى اوضاع المنطقة وصراعاتها ونموها بمعزل عن موروث حكم سلاطين آل عثمان الأوتوقراطي و روتينية دواوينه واساليب تأهيل موظفيه، الذي تلاه مايقارب قرناً من السيطرة الغربية المتنوعة الأشكال التي انفرضت ولم يجرِ اختيارها، والتي رغم ما انجزت جوبهت بنزعات تحرر واستقلال التي عنت الرفض الاّ انها لم تقدم بديلاً . . ولابمعزل عن الصراع العنيف للقوى العظمى في المنطقة والشرق الأوسط . . اضافة الى الواقع الشبه الأقطاعي الأبوي، الشبه الرأسمالي، التجاري، الذي استمر تكريسه، حيث لم يُشجّع التطوّر الأقتصادي، بل أُعيق ووضعت العصي في طريق تطوّر البرجوازية الوطنية، التي كانت ولاتزال تشقّ طريقها بمشقة كبيرة متزايدة.
واضافة الى تأثيرات النزعة التي دعت الى تكريس ومحاكات مفاهيم تدعو الى قيام دولة عربية اسلامية عظمى وتحديد ورثة لها . . الذي شجّعته وكرّسته الدوائر الغربية في حينه في مواجهتها للدوائر الشرقية، والذي فيما ترك آثارا ضارة على القوميات والطوائف غير العربية وغير الأسلامية، على الصعيد المحليّ، فانه اخذ يشكّل عقبات متزايدة امام تفاعل الشرق والغرب .
في وقت استفحل فيه تأثير وموروث النشاطات الضّارة التي اتّبعتها اغلب انظمة حكمها ذات الطابع الفردي الأوتوقراطي شبه الشمولي ـ المدعوم من قوى عظمى ـ الذي زاد من تفريق الصف الوطني، ونفخ في الروح القومية الضيّقة والطائفية المريرة، بعد ان اعتمدت على فئة او طائفة ما، في مواجهة اخرى، اضافة الى زيادة تكريسها لمفاهيم (البلاد التابعة والتفكير التابع) بعد ان قمعت ايّ نزوع مهما كان مصدره فيها للسعي الى التعامل المتكافئ على اساس الفوائد المتبادلة . . الأمر الذي ترك ويترك آثاره على دولنا وبنائها، وعلى عموم الوعي الأجتماعي ـ السياسي بدرجات متنوعة .
من ناحية اخرى فأن منطقتنا اضافة الى موقعها الستراتيجي البشري والجغرافي، الأستهلاكي والعسكري، فقد لعب كونها اكبر مواطن النفط،، وتشكيلها القطب العربي الأسلامي، ودوره الفعّال في تكوّن رأس المال المالي العالمي، اضافة الى دورها العالمي الفائق الأهمية بالبترودولار في تكوّن البنوك والأحتكارات الكبرى التي تتحكم في تمويل اكبر المشاريع المتنوعة العالمية . . جعلها تلعب دوراً هاماً في تقرير اتجاهات السياسة الدولية، باشكال متنوعة.
كل ذلك وغيره الذي فيما شجّع مشاريع اوربية وغيرها للأستثمار والى التحديث في المنطقة، فانه تسبب في سعي دوائر اخرى الى محاولات تقنين المعلومات عنها لأبنائها ذاتهم ! ومحاولاتها تكريس درجة من التخلف بوسائل متنوعة كاشعال الفتن فيها، ثم السعي لجعلها بؤرة دائمة للعنف والحروب لتبديد اموالها في السباق لشراء الأسلحة، محققة لنفسها اعلى الأرباح بشكل دائم، فيما تحاول دوائر اخرى بشكل محموم لجعلها مركزاً لتعاطي وتجارة المخدرات والسوق السوداء وانواع الممنوعات . .
فمنذ فشل مشروع القضية العربية ابّان الحرب العالمية الأولى، الذي رمى الى تحقيق حلمها باستعادة دولتها وشخصيّتها بمفاهيم ذلك العصر، تقسّمت اوطان العرب على دول الحلفاء المنتصرين عسكرياً في الحرب، الذين سعوا الى تحقيق ارباح اكبر لهم باشعال الحرب، كتأمين الخامات والمواقع الستراتيجية والركائز الخدمية، بايدي عاملة رخيصة من شعوب المستعمرات واشباهها، جنوداً وفلاحين، وعمالاً بمهارات ابتدائية في : سكك الحديد، الموانئ وعموم المواصلات، وغيرها من الخدمات .
وشجعت تطوراً بطيئاً يضمن خدمة مشاريعها اساساً . . الذي لم يفِ بتطلعات واماني اوسع الأوساط الوطنية في تشجيع التصنيع مثلاً، لأنها كانت تسعى لضمان تصريف منتجاتها هي المهددة بالكساد، كما لم تشجّع او تهتم بتطوير الزراعة والري وادخال الأنظمة والوسائل الكفيلة بتحسينها لضمان وتحديث وصيانة الدورة الأقتصادية الوطنية الكفيلة بتحقيق وضمان رفاهية وتقدم اجتماعي في بلداننا.
وقد نافقت اكثر دوائرها و سعت الى التقرب من الدين ومؤسساته، والى محاولة اثارة تلك المؤسسات لمواجهة انتشار الأفكار الوطنية والراديكالية، ثم القومية التحررية والأشتراكية . . التي كانت تنتشر انتشار النار في الهشيم بفعل عوامل متعددة آنذاك، وشجعت الأتجاه القومي ذا الطابع المحافظ وليس التحرري، وفسحت له مجالات لمواجهة مالم تستطع المؤسسة الدينية مواجهته، وفق طبيعة المرحلة الدولية، وهيمنة وصراع القطبين الدوليين .
وكان تعبيراً عن تحكمها بمنطق انتصارها العسكري وتفوقها المتكبّرعليها، الذي ادىّ الى استخدامها وتشجيعها للعنف الموجود وجعله وسيلة للحكم !! في مجتمعاتنا وبناء الدول فيها ومسيرتها، بصيغ واشكال متنوعة . . الأمر الذي اوقع مجتمعاتنا بعلاقاتها ودرجات ثقافتها، صراعاتها وخلافاتها وقيمها شبه الأقطاعية، في حالة جديدة اعقد من التمزّق والفوضى .
فرغم جلب المحتل والمهيمن معه مفاهيم جديدة وحديثة للأدارة ولتنظيم الحكم والدولة، التي حرّكت المجتمع وايقضته من سبات وليل طويل واوجدت حياة برلمانية ولو شكلية في النصف الأول من القرن الماضي . . ورغم انها ساعدت على تكوين اجهزة ودوائر حكم على طرازاحدث من السابق، استمر في عدد من دول المنطقة الى اليوم، الاّ انها ابقت على مضمون لم يلبِّ تطلعات وحاجات اكثرية شعوب ودول المنطقة ومكوناتها الاساسية، في الخبز والعمل، والديمقراطية على اساس مؤسسات وتشريعات دستورية فاعلة حيّة يقرها الشعب كي تلبيّ حاجات اوسع الفئات والشرائح الكادحة المتزايدة، وتبعاً لتنامي الوعي الوطني، القومي التحرري، الأجتماعي والطبقي.
وفيما يعزي باحثون فشل مجتمعاتنا في تحقيق مشروعها اثر الحرب العالمية الأولى، الى اسباب عدم نضج امكاناتها و الى ظرفها الأقتصادي الأجتماعي الحضاري الذي لم يستطع الوقوف (بالحساب النهائي) امام ضغوط القوى العظمى وخداعها . . يرى آخرون بانها كانت تحتاج الى تحديث يفتح لها آفاق الحياة ويطلق طاقاتها من اسر الأنغلاق، وكانت بحاجة الى قوى ورؤى تحديث . . تؤديّ الى انشاء انظمة حكم احدث تتفاعل مع العالم ومع الحياة المتطوّرة، وتعمل على تحشيد شبابها وعلى تفعيل وزيادة تركيز الروح الحية فيها، التي كانت بوادرها ملموسة في مصر مثلاً عهدذاك لأسباب متعددة .
لقد اصطدمت مصالح القوى العظمى بطموح النخب الأجتماعية في مجتمعاتنا وابقت سلطتها في حدود تلبية تلك المصالح، وشاركت بشكل مباشر او غير مباشر في قمع محاولات مفكريها وسعي واجتهاد متنوريها الى الأستقلال والواقعية في الرؤيا . . حيث حورب العمل والسعي الجاد لمعرفة ذاتنا، وصياغة السبل المجدية الواقعية للسير على طريق نهضتنا وسبل معارفنا وامكاناتنا على تَمَثّل اجتهاد الآخرين، بعيداً عن الأكراه وعن ثقافة العنف وعقوبات القهر والموت المتنوّعة، الأمر الذي ادىّ الى تسرّب طاقات مؤهلة باعداد متواصلة هائلة ومواصلتها خارج بلداننا او ضياعها في بقاع العالم المتنوعة.
لقد تواصل ذلك الواقع وآثاره واستمرا بالتراكم وبتكوين تغييرات نوعية تشدّها الى الماضي والتغنيّ به، رغم احداث تغييرات متنوعة لم تمسّ الجوهر، بعد ان استمر الحاكم بل وحتى اقسام كبيرة من المعارضة، بتغليب الخطاب السياسي الحماسي دون الأهتمام الضروري بالتنوير . . . الأمر الذي لم يكن بسبب النقص او العجز عن استشراف الجديد الواقعي لوحده، وانما بسبب انانية ومصالح وضيق أفق القائمين على الدولة، وبسبب المصالح والضغوطات الخارجية التي ولّدت وتولّد ازمات متتالية لم تنقطع لها، وممارسة القهر والقمع بحق محاولات نشر المعرفة والتنوير والدعوة الى الأصلاح، الذي تلحّ عليه طلائع مجتمعاتنا برجالها ونسائها، من اجل التفاعل مع العالم ومن اجل حياة لائقة لمجتمعاتنا . . قادرة على مواجهة التحديات.
الأمر الذي ادىّ الى استمرار عدم التفاهم والصدام بين مجتمعاتنا و دولنا !! دولنا ذات النظم والآليات التي بنتها القوى العظمى وسارت عليها وعملت على تحديثها من زاوية تلبية مصالحها هي اساساً، رغم عدم تلبيتها حاجات وطموحات مجتمعاتنا التي تعاني الفقر والجهل والمرض، ولم تساعد على تشذيبها وتقريبها الى معرفة حقيقة واقعها، لتحديد مواقع البدء بمسيرة فاعلة للتقدم في الزمان والموقع المعيّن . .
وفيما يرى قسم من المتخصصين انها كانت سياسة رسمت باساليب عالية التنظيم نحو ستراتيجية مخطط لها. يرى قسم آخر ان ذلك اضافة الى عوامل تخلفنا . . شكّل نتاجاً سلبياً لخطط تقسيم ونحت بلداننا وفق قرارات القوى العظمى وتوازن الأحتكارات والمؤسسات الأقتصادية المالية العسكرية النفطية العالمية واتجاهات حركة ضمانها اعلى الأرباح في استثمار ثروات المنطقة . . لم يبالِِ باضرار ذلك على مجتمعاتنا واوقعها في فوضى ضيّعت عليها تمييز الضار من المفيد لها .
الأمر الذي ادىّ ويؤدي الى احتقان الطاقات وتوتر المجتمعات وتصاعد مشاعر الظلم والمرارة التي سعى قسم من حكّامنا الى امتصاصها، وبدفع لم يكن عفوياً . . الى توجيهها نحو تأجيج الروح العدوانية ضد الأصغر قومياً او الأضعف عدداً، سواء كان قوماً او ديناً وطائفة، او جنساً او فكراً ورأياً مجدداً، وبالتالي الى الضغط عليهم واضطهادهم، الأمر الذي ادىّ الى اشتعال نزاعات وصراعات داخلية متنوعة لعبت على اطرافها قوى كثيرة التنوع داخلية وخارجية ادّت الى اهدار هائل في الطاقات القادرة على العطاء، حجب الرؤية عن الآفاق الواعدة التي تستطيع تحقيقها طاقات البلاد المتنوعة ان وحّدت صفوفها وحددت وجهة نشاطها . . واضاف قيداً جديداً الى قيود اعاقة الأصلاح والتنمية .
من ناحية اخرى، وفيما تُصنّف بلداننا وفق مقاييس تطور عالم اليوم بكونها نامية او متوسطة وضعيفة التطوّر، تلعب فيها " الدولة " الدور الأهم والأكبر في عمليات التنمية والأصلاح . . لابد من القول ان " الدولة " عندنا وللأسف لم تستطع التقرّب من المواطن ومن همومه وبالتالي مساعدته وتقديم العون له، بل استمرت بلعب دور المتسلط عليه بممارستها ثقافة القهر، باستسهالها التلاعب بالقوانين، تاركة انطباعات مستمرة عن كونها تلعب دور الخصم !!
لقد لعبت المرحلة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية والأنتصار على الفاشية، التي رغم ما اصطلح عليها بمرحلة انتصارات قوى التحرر الوطني في المنطقة، ورغم تحقيقها تغييرات هامة في بداياتها الواعدة، فان تلك التغييرات انقطعت او لم تستمر في زخمها الطبيعي على صعيد الأصلاح والتنمية. وشكّلت مرحلة تطور قلق كثير التذبذب عكس شدة الصراعات وصعوباتها التي احتاجت من قوى التغيير شروطاً لم توفرها او لم تستطع توفيرها، وادّت الى ان تكون في النتيجة استمراراً مضطرباً لما مرّ في عهود الأحتلال والأنتداب، عاكسة عدم خروجها او عدم قدرتها على الخروج من دائرة توازن القوى الدولي آنذاك والحرب الباردة التي صارت تغذيّ صراعات القوى الوطنية الداخلية وتصعّدها الى درجة الخلاف، رغم الخطب الرنّانة في الداخل والوعود والوعيد من الخارج . .
وادّت الى ظهور اوضاع متسارعة الوتيرة استمرّت في عدم السماح للتطور الطبيعي للفرد والمجتمع، اقتصاديا وفكريا وثقافيا ونفسيا، اللذين استمرّا في وضع تتقاذفه القوى الرهيبة العظمى لرأس المال والنفط والعسكرتاريا، وازداد تعرّضهما لأشباح الحروب والضربات العسكرية الخارجية، وللخدمة العسكرية وقوانين الطوارئ . . التي أُعلنت ومُدّدت مرّات ومرّات، اضافة الى التأثيرات الضارة لضرائب الدفاع الوطني، التي استنزفت اجيالاً متواصلة، عمراً وتأهيلاً وسلامة صحية ونفسية، في ظروف لم يولَ الشباب بطاقاته الأبداعية الهائلة فيها، الأهتمام الضروري .
اضافة الى تزايد حصول القوى المحافظة التي نشطت تحت واجهات القومية المحافظة والدين والطائفية على دعم خارجي، و زيادة بروز مفاهيم العنف والتعصب وتحقيق الأهداف بالقوة، اضافة الى وضع الكثير من خطط التنمية والأصلاح، ومشاريع القوانين الجديدة على الرفّ كي (لاتثير مشاكل تفرّق الصف) . . وتزايد الخوف من زيارات (زوار الفجر) وقسوة الجزمات العسكرية التي قامت بسلسلة الأنقلابات العسكرية وشبه العسكرية (الثورية) وبنت اقسى السجون واكثرها رعباً للناشطين السياسيين ودعاة التقدم والتحضّر والحداثة .
في وقت رفع فيه عدد من الثورات ان صح التعبير، شعارات ( التنمية الأنفجارية ) التي دعت الى حرق المراحل، لبناء ( الفرد الأعجوبة) الجديد . . بعد ان تصوّرت ان الحلول تكمن في امتلاكها اموال البترودولار سائلة باليد، ولم تدري ؟ انها لاتملك الأحصاء والمعلومات الواقعية عن فردها ومجتمعاتها وحقيقة حاجاتها ووارداتها وكيفية التصرّف بها وغيرها، ولا تمتلك احصائيات عن كادرها العلمي والفني ومجالات تخصصه، بل انها لم تطِق آراء خبراء البلاد في خبرهم وعلومهم، لأنها لم تنسجم مع رغبة وتمنيات الحاكم، الأمر الذي ادىّ الى تعرّضهم الى انواع العقوبات والتهميش والتضييع، وادىّ الى هروب عديدين تفادياً من البطش، تلاحقهم اشباح الأنتقام .
لقد كشف الزمان وتقلّب الموازين . . ان كثيراً مما سمي بخطط التنمية الأنفجارية لم تكن الاّ سراباً خادعاً وجزءاً من الديكور الضروري لتقبّل الأنقلابيين الجدد في حينه، الأمر الذي كبّد تلك البلدان خسائر فلكية فادحة ادّت بها الى فقر جديد . . الخطط التي شهدت وتشهد عليها الأعداد الهائلة من بقايا المشاريع والأجهزة المتروكة تحت الشمس المحرقة، لتباع باسعار زهيدة في اسواق الخردة. ولتكشف انه اضافة الى ماتسببته من اهدار اموال وبطالة عشرات الآلاف، ان هناك انواعاً متجددة من مجاميع الفساد الأداري وانواع السرقات الهائلة التي تمت وتتم في ليل بهيم .
ولتكشف انها انتجت مُراوحة مستمرة وتزييفاً وخداعاً، في ظروف ادّى فيها تزايد بروز الدولة الريعية العائشة على الخامات (في بلدان النفط خاصة) او العائشة على القروض بمقابل . . التي لاتبالي بتحفيز الأقتصاد وتنشيط الدورة الأقتصادية والرفاه الأجتماعي، بقدر اهتمامها بالتسلّح وبزيادة الأنفاق عليه الذي فيما اخذ يرهق الميزانية الحكومية، ويساهم بشكل خطير في زيادة الفقر . . فانه اخذ يشجّع فكرة الأنقلابات العسكرية وعسكرة المجتمع، مكرّساً الآليات القديمة الموروثة في الحكم بالقوة، وآليات الأحتفاظ بكرسي الحكم !! . . الأمر الذي لم يؤدِّ الاّ الى زيادة الأرهاب ومؤسساته كفعل وردّ فعل، وتزايد الضائقة الأقتصادية حدة لدى الأوساط الواسعة وتزايد البطالة، السوق السوداء وبروز القطط السمان وضباع الحروب ومافيات المخدرات والجنس والدعارة والجريمة المنظمة، واستشراء العنف والعنف المضاد، على ارضية من تفاقم رهيب للهبوط الأجتماعي، وللتخلف الفكري والسياسي . .
وفيما ادىّ ذلك الى انفجار السخط عفوياً رداًّ على مجتمع العنف والأستبداد وتطبيق آليات الحكم الشمولي. فأنه ادى الى تزايد الأستقطابات حدة، وتفاقم حجم المخاطر النابعة من قصور " الدولة " في حل مشاكل المجتمع، في ظروف نشوء فراغات سياسية تجتاح العالم والمنطقة اثر فوضى محاولة اعادة تشكيل العالم على اساس القطب الواحد من جهة، واثر تزايد الدور الستراتيجي للمنطقة في العالم من جهة اخرى .
والى تزايد نزعة تشكّل فئات اجتماعية حصرت او تحاول حصر الحكم بها وحدها، والى بروز مفهوم " دولة المخابرات " الساعية لتجميل نفسها بالشعارات استرضاءاً للشارع، دون الأعتماد على برنامج واقعي للتنمية والأصلاح الأجتماعي والأقتصادي، بعد ان صار التغيير يبدأ من اوساط المخابرات وادراجها، وليس من المؤسسات التمثيلية والدستورية ان وجد دستور معمول به . . وليتواصل العنف كأداة دائمة للحكم !! (2) ( يتبع )

13 / 1 / 2008 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. في دلالة من دلالات كثيرة على انه لايوجد (زواج كاثوليكي) بين المسيحية واليهودية ضد الأسلام والمسلمين كما تروّج القاعدة الأرهابية، وانما هناك مصالح وبحث عن سلطة وثروات ومشاريع ارباح .
2. راجع وقارن " امراء الظلام " ـ لورانت مورافيك / بالأنكليزية عن دار راومان و ليتلفيلد للنشر ـ الولايات المتحدة الأميركية، 2005 .




#مهند_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخاطر مدمّرة للعدوان التركي ! 2 من 2
- مخاطر مدمّرة للعدوان التركي ! 1 من 2
- مخاطر التقسيم على نار (هادئة) !
- - الحوار المتمدن - والفكر المتجدد !
- معاقبة مجرمي الأنفال وقضية مسيرة البلاد !
- حول دور الأحتكارات النفطية في العراق ! 2 من 2
- حول دور الأحتكارات النفطية في العراق ! 1 من 2
- اللاجئون العراقيون وشرط ( الخدمة العسكرية) !!
- الى المجد د. نزيهة الدليمي !
- تشي جيفارا الأسطورة الحية !
- لا . . لا لتقسيم العراق !!
- العراق وجيشه و ورثة الدكتاتورية !
- الطائفية السياسية : عليّ وعلى الجميع . . !
- مذبحة الأيزيدية ... هل يريدون انهاء اطياف العراق ؟!
- لا حل الاّ بانهاء نظام المحاصصة الطائفية !
- كأس آسيا . . والآمال المقبلات !
- على هامش اللقاء الأميركي الأيراني !
- ثورة 14 تموز . . تأكيداً للروح وللقرار العراقي !
- حول تصاعد الخطر التركي !
- من اجل انجاح جبهة المعتدلين !


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهند البراك - دولنا العربية ومعوقات الأصلاح . . 1 من 2