أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بشير الحامدي - تعليم الكفايات لصالح من؟















المزيد.....

تعليم الكفايات لصالح من؟


بشير الحامدي

الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:33
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    



ـ 1 ـ
الكفايات من المؤسسة الاقتصادية إلى المدرسة

مكنت التكنولوجيات الحديثة المؤسسة الاقتصادية الرأسمالية من مصادر جديدة للقوة ومنحتها قدرة وإمكانيات ضخمة على التجدّد.
لقد نتج عن استخدام المؤسسة الاقتصادية لهذه التكنولوجيات أن ظهرت أنماط في التنظيم والإدارة لم تكن معروفة وانتشرت علاقات عمل وطرق في الإنتاج والتسويق والاستثمار جديدة ، كما ظهرت مهن جديدة لم تكن متوقعة واختفت مهن أخرى وتخصّصات أخرى عديدة وانتشرت مفاهيم جديدة وأفكار جديدة مثل [المرونة ـ التكيف ـ التجدد ـ التأقلم ـ التأهيل ...]
ولمواكبة هذه المستجدات تحتّم على المؤسسة الاقتصادية الرأسمالية إعداد قوة عمل حاصلة على كفايات قابلة للتوظيف في هذه النظم الجديدة للإنتاج والإدارة وبمواصفات تمكّن من مسايرة ما يحدث من تغيرات.
ولتحقيق هذا التوجه أحدثت المؤسسات الصناعية والمالية في الأول مراكز تكوين وتأهيل لعمالها لإكسابهم المهارات الجديدة المطلوبة ولتسهيل تأقلمهم مع متطلبات أنشطتها. وقد عُدَّ هذا التكوين وهذا التأهيل كاستثمار في رأس المال البشري لهذه الشركات والمؤسسات الهدف منه هو تحقيق مستويات عالية من الكفاءة في الأداء الوظيفي. وعديدة هي الإحصائيات والدراسات التي تبيّن حجم الإنفاق الكبير على هذا التكوين،لكن وأمام تعدّد وتشعّب مجالات هذا التكوين وهذا التأهيل ونظرا لسرعة تقادم المهارات التي تكتسب وما يترتب عن كل ذلك من ارتفاع متواصل في الكلفة رأت هذه المؤسسات أن مهمة تمكين قوى العمل ممّا هو مطلوب من مهارات وكفايات أساسية للعمل يجب أن يوكل للمؤسّسات التعليمية،ولتحقيق ذلك مارس أرباب العمل والصناعة والمال ضغوطات كبيرة على الحكومات وعلى سلطات القرار في القطاع التعليمي حتّى تكون البرامج التعليمية في صورة كفايات.
لقد حقّقت المؤسسة الاقتصادية الرأسمالية بواسطة هذه الإستراتيجيا نقل منظومة الأفكار والمبادئ التي ظهرت في حقل الاقتصاد وأدت إلى تطوير نظم العمل في الصناعة والخدمات وإدارة الأعمال إلى المؤسسة التعليمية.
لقد وقع تنفيذ هذه الإستراتيجيا الخاصة بالتعليم والمحكومة بالغاية الاقتصادية وبها فقط في عديد البلدان المتقدمة صناعيا وهي كذلك تنفذ في كثير من البلدان التابعة ومنها عديد البلدان العربية [ تونس ـ المغرب مثلا].

تعليم الكفايات من "المركز" إلى "الأطراف"

انتقل تعليم الكفايات إلى "الأطراف" من مجتمعات شهدت تغييرات جذرية في كل المجالات بفعل انتشار واستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال. فالمعلومات في هذه البلدان أصبحت أحد أهم العوامل التي تصنع تقدمها وتطورها وتشير إحصائيات عديدة إلى أن جزءا كبيرا من النائج الإجمالي في هذه البلدان المنتجة للتكنولوجيات الحديثة والمستثمرة لدفق المعارف والمعلومات المتولدة عن استخدامها مبنى على إنتاج المعارف فالمعارف في هذه البلدان أصبحت موردا أساسيا من الموارد الإقتصادية وعامل قوة حقيقي في الإدارة و التنظيم و الإنتاج و أحد أهم الأنشطة ذات العائد المرتفع.
غني عن البيان أن المجتمعات التي ظهر فيها تعليم الكفايات هي مجتمعات متشبّعة بالتعليم وتحوز على وسائل ووسائط متعددة للتّثقيف والتعلّم وهي تمارس هيمنة إقتصادية وثقافية وعلمية لا حدود لها بواسطة هذه التكنولوجيات وعبر عديد الآليات الأخرى على البلدان المستوردة لها فضلا عن سيطرتها على جميع قطاعات الاقتصاد في العالم ولم يعد خافيا أن هذه السيطرة الإقتصادية ترافقها سيطرة ثقافية وعلمية مدمّرة لكل خصوصية واستقلالية، فالشركات الرأسمالية الضخمة الأمريكية والأوروبية العابرة لكل الحدود هي التي تحتكر تقريبا كل الصناعات الثقافية والإعلامية في العالم أجمع وتسيّر أغلب مراكز البحوث في كل المجالات وتشيع بواسطة ذلك ثقافة هيمنيّة مخترقة تؤثر على الرّغبات والتصرّفات والحاجات والعقليات وعلى أنظمة التعليم ومجالات التّرفيه وبالتالي على مجمل القيم وأنماط السلوك لكل الشعوب تصوغها وتكيفها وتصنعها وفق مصالحها وسيؤدي ذلك بالطبع إلى إفقار واندثار كل ماهو محلي وخصوصي لصالح هذه الثقافة العابرة.
إنّ تعليم الكفايات هو أحد الجسور التي عبرها سيتدعّم حضور هذه الثقافة وهيمنتها على البلدان التابعة كيف لا والتصوّر المرجعي لمنظومات التعليم التي تطبقها هذه البلدان يقوم على تبنّي المقولات المؤسّسة لهذه الثقافة الهيمنيّة. لقد وفد هذا النمط من التعليم إلى الشعوب في البلدان المتخلفة لإعداد أبناء هذه الشعوب للقيام بالأدوار التي ضبطتها لهم المؤسسات الموجّهة والمتحكّمة في عولمة التعليم، أدوار ستؤمّن لهذه المؤسسات أكثر فأكثر سيطرتها وستبقي على تخلف هذه البلدان. وكنتيجة لذلك ستتعمّق الفجوة العلمية والمعرفية التي تفصل هذه البلدان عن البلدان المهيمنة ومثلما فشلت إستراتيجية التنمية التي اعتمدتها البلدان التابعة في العقود الخمس الأخيرة والتي قامت على استيراد ونقل وتوطين تكنولوجيا الصناعة في بناء اقتصاد منيع ومستقل ستفشل إستراتيجية نقل التكنولوجيات الحديثة في بناء اقتصاد المعرفة المتحدث عنه في هذه البلدان في الفترة الحالية.
إنّ المجتمعات في البلدان التابعة والتي أجبرت على مسايرة أنماط التعليم الجديدة وتبنّتها وفي الوقت التي تعيش فيه المجتمعات المصدرة لهذه الأنماط من التعليم العصر ما بعد الصناعي عصر تكنولوجيا المعلومات والثورة الاتصالية مازالت هي لم تعرف في معظمها عصر الصناعة. فالقطاع الصناعي في هذه البلدان وجوده محدود ونموّه بطيء ويعتمد على الصناعات الاستهلاكية والإستخراجية والتحويلية أما قطاع الخدمات فهو قطاع طفيلي تابع ومرتبط بما يحدث في الدول المتقدمة والتي تحوّل فيها هذا القطاع إلى قطاع مهيمن ومنتج ومراكم للثروة ويقود توجه التقدم برمته.
إنّ طريق اللحاق بركب هذه المجتمعات أو الرهان على الاستفادة من هذا التقدم العلمي والتكنولوجي وفي ظل التبعية وخيارات الاستيراد والنقل سيظل طريقا مسدودا ولن تجني منه البلدان التابعة غير المزيد من التبعية على كل المستويات.
لقد بينت تنمية التخلف المتبعة أن الفجوة وفي كل المجالات تزداد اتساعا بين "العالمين"وبمقارنة بسيطة وحصرا في مجال التعليم مثلا من حيث نسبة الأمية أو من حيث المخصص من الميزانيات للبحث العلمي أو من حيث نسبة النشر العلمي و الثقافي أو من حيث القدرة العلمية أو الثقافية أو من حيث نسبة الالتحاق بالتعليم العالي نتبيّن فشل مشاريع التنمية المتبعة ونلمس مدى وفداحة الضرر الملحق بنا وبمجتمعاتنا من جرّائها وندرك مدي تخلفنا وتقدمهم.
يقول بشار عباس في كتاب [ثورة المعرفة والتكنولوجيا] في الصفحة 37 متحدثا عن هذه الفجوة المعرفية وعن استحالة اللحاق بالبلدان المتقدمة صناعيا في ظل هيمنة استراتيجيات التبعية أنّ " الوصول إلى مستوى الاستيعاب في المستويات التعليمية السائدة في البلدان المتقدمة في منتصف التسعينات لن يتحقق قبل 2030 أمّا الوصول إلى المستوى الذي وصلت إليه البلدان المتقدمة في المستوى الثالث من التعليم فإنه يحتاج إلى 150 عاما وعلينا أن نتخيل أين سيكون قد وصل المستوى في المرحلة نفسها في البلدان المتقدّمة".
إنّ استيراد الأنظمة التعليمية وليدة واقع البلدان المهيمنة وتطبيقها في البلدان التابعة وتطبيعها مع واقع مجتمعات هذه البلدان دون مراعاة للفروق في البني وفي الاحتياجات الحقيقية لهذه البلدان أفقد ويفقد المدرسة والتعليم الدور المفروض أن يوكل لهما في مجتمعات مازالت في حاجة إلى مشروع تعليمي يكون نابعا من احتياجات هذه المجتمعات ومستجيبا لمتطلباتها وهادفا إلى تحريرها وتنويرها في إطار استراتيجي مستقل.
إنّ نقل نظام تعليم الكفايات إلى هذه البلدان مخطط فرضته الدوائر المالية العالمية المانحة للقروض وتدعّمه شركات الربح والمضاربة العابرة وتروج له بواسطة مراكز بحوث وجامعات و"خبراء" مرتبطين بها وهو مشروع يهدف في حقيقته إلى:
ـ أقلمة المدرسة عالميا مع مقتضيات الانخراط في مسار العولمة وذلك بمراجعة وظائف المدرسة وغايات التعليم. فوظيفة المدرسة يجب أن تكون إكساب روادها الكفايات والمهارات التي يحتاجها "حرفاء المدرسة " والمقصود بهم أصحاب المؤسّسات،والتعليم يجب أن يكون انخراطا في عملية تعلم دائمة لاكتساب الكفايات التي تؤهل للشغل هذه الكفايات المتغيرة باستمرار نظرا لتسارع نسق تغيّر المهن.
ـ إرساء منظومة تعليم استثمارية موازية للمدرسة [ التعلم عن بعد ] والتي تهدف إلى الرفع من وتيرة استهلاك المعارف وبالتالي المزيد من الإنفاق على عملية التعلّم.
ـ محاصرة قطاع التعليم العمومي ومنافسته بمنظومة تعليم خاص ينفق فيه المتعلّم أو المتكوّن على تعليمه أو على تكوينه [ خوصصة التعليم والتكوين ] .
ـ دفع الدول إلى التخلي عن تمويل التعليم ووضع إستراتيجيات بديلة تفسح المجال للمؤسسات الاقتصادية والمجموعات الاستثمارية للهيمنة على هذا القطاع ذي الربحية العالية.



#بشير_الحامدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب: حول تاريخ الثورة الروسية وتناقضات نظرية الثورة على مرا ...
- بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل تفرض حل إضراب الجوع ب ...
- في تونس إضراب جوع 36 يوما مرت! فهل الأساتذة المضربون عن الطع ...
- في تونس ثلاثة أساتذة تعليم ثانوي يخوضون إضراب جوع منذ 20 نوف ...
- رسالة إلى النقابيين في تونس وفي المنطقة العربيةعن طبيعة مؤسس ...
- دفاعا عن الحرية النقابية من أجل نقابة مناضلة


المزيد.....




- Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
- خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت ...
- رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد ...
- مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
- عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة ...
- وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب ...
- مخاطر تقلبات الضغط الجوي
- -حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف ...
- محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته ...
- -شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بشير الحامدي - تعليم الكفايات لصالح من؟