أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد سعيد السراج - الشخصيات المريبة -2-















المزيد.....

الشخصيات المريبة -2-


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 2144 - 2007 / 12 / 29 - 11:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الشخصيات المريبة -2-

هذه هي المقالة الأخيرة التي سوف نرسلها عن كتاب ( الشخصية المحمدية ) هذا العمل الهام والخطير الذي كتبه الشاعر العراقي – معروف الرصافي – وقد قمنا بذلك تلبية لرغبة الكثيرين من الذين راسلونا بعد كتابة المواضيع الأولى , وفي نهاية المقالة عن الشخصيات المريبة في الإسلام , يوجد تعريف بشخصية الكاتب , ورأيه فيما كتب , ونحن إذا اختلفنا أو اتفقنا معه كان همنا هو إيصال المعرفة للقارئ حتى لو كان ذلك إشكالياً , إذ أن الكتاب حرم عليه النشر لعشرات السنين التي مضت 0
(00 ومما يؤيد أنه ابن نوح لا ربيبه القراءة الثالثة التي جاءت على الندبة والترثي , فإنها تدل على أن شفقة الأبوة قد تغلبت على نوح حتى صار لما رأى ابنه مغرقاً يندبه ويترثاه بقوله وا ابناه , ويبعد أن يقول ذلك لربيبه , وأيضاً أن امرأة نوح كانت كافرة كابنه وكانت من المغرقين في الطوفان , ولكن نوح لم ينادها كما نادى ابنه , ولم يرث ِ لها كما رثى لابنه لأن شفقة المرء على زوجه دون شفقته على ابنه 0 ولكن رغم هذه الدلائل والقرائن كلها نرى الحسن البصري مصراً كل الإصرار على القول بأنه لم يكن ابنه, وما أدري إلى أية غاية يرمي من وراء هذا القول وماذا يترتب من الحكم على كون المنادى / 1147/ هو ربيب نوح لا ابنه, أوليس هذا في تفسير القرآن ابتعاداً عن اللباب وحوماً حول القشور وإثارة للخلاف الذي ليس تحته طائل سوى افتراق الكلمة وتذبذب الآراء0
ومن أغرب ما روى المفسرون عنه في تفسير قوله تعالى:( إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) (2) , قال الحسن البصري: صفراء فاقع لونها فاقع لونها أي سوداء شديدة السواد, وهذا غريب جداً, ولعل الذي حمله على هذا التفسير هو ما قالوه من تفسير الصفر بالسود في قوله تعالى : ( كأنها جمالات صفر ) (3) , أي سود, وهم إنما فسروا الصفر في هذه الآية بالسود لأن الصفرة غير معهودة في الإبل ولا محمودة, أو لأن سواد الإبل تعلو صفرة, ولكن الكلام هنا في البقر لا في الإبل 0
لا ريب أن تفسير الصفراء في هذه الآية بالسوداء مخالف لما تقتضيه العبارة والفهم الصحيح, أولاً لأنه وصفها بأنها فاقع لونها والفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه , ويقال في التوكيد أصفر فاقع كما يقال أسود حالك وأحمر قانئ وأخضر ناضر وأبيض يقق, فالمتعارف المشهور هو أن الفاقع يكون صفة للأصفر لا للأسود , ثانياً لأنه قال:( تسر الناظرين) , والسرور إنما يحصل من النظر إلى الأصفر لا إلى الأسود, وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: من لبس نعلاً صفراء قل همه , لقول تعالى:( تسر الناظرين) , وعن وهب بن منبه قال:( تسر الناظرين) , لأنك إذا نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها (4) , فكل هذه القرائن تدل على أن الصفراء في الآية ليست بمعنى سوداء, ولكن الحسن البصري يقول إنها / 1148/ سوداء شديدة السواد, ولعله قال هذا القول جرياً على قاعدة " خالف تعرف"0
تحمسه وتقواه
لم أصادف فيما رأيته أو سمعته من أحوال المتقين المتحمسين في العبادة أشد تألهاً وتحمساً ولا أعظم تعمقاً وتنطساً في الدين من الحسن البصري , فقد تقدم أنهم قالوا في وصفه من هذه الناحية بأنه إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه, وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه, وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له, قد نقلت لك هذه العبارة من السيرة الحلبية (1) وما أدري من أين نقلها صاحبها0
فتصور أيها القارئ الكريم رجلاً مقبلاً عليك ترى عليه من الكآبة والحزن ما يجعلك تظن أنه مقبل من دفن حميمه , أي من دفن ابنه أو أخيه أو صديقه , ثم تصوراً أسيراً مقيداً قد أريد قتله صبراً فجلس جلسة خاشعة مضطربة والسيف مصلت على رأسه ليضرب به عنقه, ثم تصور رجلاً متعبداً قد ذكرت له النار فأظهر من الجزع والهلع ما يدلك على أنه يرى النار لم تخلق إلا له, فإذا تصورت في مخيلتك رجلاً هذه حالته فقد رأيت بعينك الحسن البصري كيف يقبل عليك وكيف يجلس وكيف يكون إذا ذكرت له النار0
أما أنا فأقول إن الذي ألهمتنيه الفراسة وعلمتنيه التجارب وأثبتته لي الخبرة الصادقة في هذه الحياة هو أن هذه الحالة ليست إلا حالة المرائين من الناس, فلذا كانت حالة الحسن البصري هذه مركزاً لدائرة كل ما دار حوله في خلدي من الشكوك والريب0 وإليك تعليل ذلك وتوضيحه 0 / 1149/
ليس من الممكن عادة أن تكون هذه الحالة جبلية, لأن الإنسان جبل على حب الحياة وحب كل ما يقوم به كيانها ويتم به كمالها , وانسلاخ الإنسان من جبلته أمر مستحيل عادة, كما أنه ليس من المعقول أن تكون صادقة غير جعلية لأنها تخالف الغاية المطلوبة من الدين, لا سيما دين الإسلام الذي هو دين التيسير لا التعسير ودين التخفيف لا التشديد, ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) (2) , ( ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (3) , كما أن الغلو في كل أمر من أمور الدين مذموم , وقد ذم الله أهل الكتاب بالغلو ونهاهم عنه نهي زجر وتوبيخ فقال:( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) (4)0
ومما ورد النهي به عن التشدد في الدين خبر الصحابي عثمان بن مظعون الذي كان يجهد نفسه بالعبادة وينهكها , فقد رووا عن عائشة: أن خولة بنت حكيم وهي امرأة عثمان بن مظعون دخلت عليها وهي متشوشة الخاطر فقالت لها عائشة: ما بالك؟ قالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار , فدخل النبي على عائشة, فذكرت له ذلك, فلقي النبي عثمان ونهاه عن ذلك فقال له: " يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا, أما لك بي أسوة , والله إن أخشاكم الله وحدوده لأنا" (1) , أي وأنا لا أتعمق في عبادة الله كما تتعمق أنت0
ولا شك أن المتدين إذا أخلص لله إيمانه وأحسن في أعماله نيته, ونفض من غل وحسد صدره, وطهر من أوساخ الرذائل نفسه كان مقبولاً عند الله في الدرجة الأولى , وإن لم يظهر للناس بمظهر المتقين المتعمقين في تقواهم0 وقد جاء في الحديث النبوي: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى ما في قلوبكم" (2) , فلا قيمة للظاهر إذا /1150/ خبث الباطن خصوصاً بالنسبة إلى الله العليم بذات الصدور0
وعليه فأي شيء يدعو الحسن البصري وغيره من المتقين إلى الظهور بهذا المظهر العجيب سوى الرياء الذي به يموهون على الناس ما يريدون وبه يسترون ما يدسون0
ومما يؤيد ما نقول ما تقدم ذكره عن الحسن أنه قيل له: يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله وأنت لم تدركه؟ فقال: كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله فهو عن علي بن أبي طالب, إلا أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً , أي خوفاً من الحجاج(3)0
فانظر يا رعاك الله هل يصح للمتعمق في دينه إلى الحد الذي ذكرناه أن يكون مداجياً في قول الحق خوفاً من الحجاج, أفلا يجب على المتخشع من خشية الله كتخشع الحسن لا يخشى من قول الحق لومة لائم وأن يمتنع من الجهر به ولو كان السيف مصلتاً على رأسه0 إن بين هذا وبين ما ذكرناه من حالته العجيبة تناقضاً لا يخفى0 وأين الحسن البصري من أحمد بن نصر الذي كان من أهل الحديث, فإن الخليفة العباسي الواثق أحضره من بغداد إلى سامراء مقيداً وسأله عن القرآن فقال: ليس بمخلوق , وعن الرؤية يوم القيامة فقال: كذا جاءت الرواية, وروى له الحديث , فقال له الواثق : تكذب, فقال للواثق : بل تكذب أنت, فقام إليه الواثق بالسيف وأمر به فأجلس على النطع وهو مقيد فمشى إليه فضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فصلب بها, وصلبت جثته في سر من رأى0 هكذا يكون المتشدد في دينه الصادق في إيمانه 0 إن أحمد بن نصير هذا لم يكن إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه كما أن الحسن البصري الذي/ 1151/ لا يستطيع أن يذكر علياً خوفاً من الحجاج0 وإذا كان لا يستطيع أن يذكر علياً خوفاً منه فكونه لا يستطيع أن يذمه أو ينكر ظلمه كائن بطريق الأولى0 ولكن الحسن البصري كالضبع , " وليس يأكل إلا الميتة الضبع" فلذلك استطاع أن يذم الحجاج بعد موته, وأن ينكر ظلمه بعد انفلال سيفه إذ قال لما مات الحجاج, اللهم أنت أمته فاقطع سنته, فإنه أتانا أخفيش أعيمش يخطر في مشيته ويصعد المنبر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي, ولا من الناس يستحي , فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون , لا يقول له قائل الصلاة أيها الرجل , الصلاة أيها الرجل , هيهات دون ذلك السيف والسوط0
وآخر ما نقوله هنا هو أن أموراً ذكرت عن الحسن يظهر منها أنه كان يميل إلى الوحدة ويبغض الفرقة والانشقاق , منها ما رووا من أنه كان ينقم من الحكومة المروانية بعض المظالم, فلما ثار يزيد بن المهلب وأعلن الانفصال عن بني أمية أمر بعض عماله أن يأخذ له البيعة من الحسن, فأبى وأسدى له نصيحة ثمينة, ولما انجلت تلك الغمرة وعاد الحسن إلى حلقته في المسجد كانت أول كلمة قالها " لا بد للناس من وزعة إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فهذا صريح في أنه كان يريد الوحدة ويبغض الفرقة والانشقاق0
فأقول إن صحّ هذا عن الحسن فهو ليس على ظاهره , بل هناك أسباب قاهرة لا تخفى على فطانته فهي تضطره إلى التظاهر بهذا المظهر0 وقد قلنا إنه كان حازماً شديد التكتم والتحفظ واسع الحيطة لنفسه في الأمور, وكيف لا يتظاهر الحسن بهذا المظهر / 1152/ وهو يعلم أن ابن المهلب ليس ممن يجمع عليه المسلمون, وأن بني أمية الأقوياء غير تاركيه مستأثراً عليهم بالملك وهم الذين لم يتركوا علي بن أبي طالب ولا ابنيه الحسن والحسين الذين يمتون إلى رسول الله بالقرابة النسبية والصهرية فكيف يتركون ابن المهلب يتغلب عليهم في مثل هذا الأمر الجليل0
إن الحسن البصري كان من الحزم وبعد النظر في عواقب الأمور بحيث لا يضطجع إلا بعد أن يدمث لجنبه مضطجعاً قبل النوم, فكيف لا يمتنع من بيعة ابن المهلب وهو يعلم حق اليقين أن أمره لم يكن إلا سحابة صيف عن قريب تقشع, فالصحيح أن امتناعه عن البيعة وقوله لا بد للناس من وزعة لم يكن ناشئاً من حب الوحدة وبغض الفرقة, إنما كان ناشئاً من خوفه بني أمية أولئك الذين كان الحسن لا يستطيع أن يذكر علياً خوفاً من أحد عمالهم وهو الحجاج0 وكيف يبايع ابن المهلب الخارج على بني أمية من لا يستطيع أن يذكر علياً خوفاً من بني أمية, وبيعة ابن المهلب أشد هولاً وأعظم وقعاً عند بني أمية من ذكر علي في رواية الحديث عنه0
على أن هناك سبباً آخر يدعو الحسن إلى الامتناع عن بيعة ابن المهلب وإلى إنكارها , وذلك أنه كان كسائر أبناء فارس علوياً في نزعته السياسية , إلا أنه كان يتكتم فيها خوفاً من بني أمية, وليس المتكتم في نزعته بجرئ0 فهو لا يرى البيعة جائزة لابن المهلب ولا لبني أمية سوى أن خوفه من بطش بني أمية ألجاه إلى الخضوع لسلطانهم القاهر خضوعاً0 /1153/
خاتمة
وإليك في خاتمة هذا البحث كلمة نقولها في الشخصيات المريبة في الإسلام وهي كثيرة, ومنها ما هو أشد غموضاً من هذه الشخصية التي أطلنا الكلام فيها0 وجل هذه الشخصيات المريبة إن لم نقل كلها من الأمم المغلوبة التي لها عند العرب والإسلام ترات وذحول, والتي أخذ أبناؤها في صدر الإسلام يكيدون ويمكرون جهد أحقادهم متسترين بثوب من إسلامهم الظاهر لكي يضربوه بسيف مطبوع من أحكامه ويرموه بسهم من ريش بآياته0 فكان قتل عمر بن الخطاب باكورة مكائدهم ثم تلته فتنة قتل عثمان التي هي أم الفتن الإسلامية كلها والتي كانت لعبدالله بن سبأ اليهودي اليد الطولى في إيقاد نارها وإن كان أكب أبطالها ابن الأشتر0
ثم أخذ الوهن يدب في الإسلام من طريق الرواية التي كان معظم القائمين بها من هؤلاء الموالي الموتورين, ثم دخلت فيها السياسة فهمدت طرياً مهيعاً لأكاذيب الرواة بما شوهوا به الإسلام وفرقوا به المسلمين, وظلت أخبارهم ورواياتهم تلوكها الألسن وتمضغها الأفواه مدة قرن وربع قرن حتى جاء ابن إسحاق فدونها بعجرها وبجرها وقد دخل فيها من الطمس والمسخ ومن التحريف والتغيير ما لا يحيط به إلا الله0
وإن الرواة الذين جاؤا من بعد ابن إسحاق كانوا كلهم عيالاً عليه في رواياتهم وكان معظمهم مثله من الموتورين أيضاً, وأكثرهم من أبناء فارس كالخراساني والبخاري وابن منده ومغلطاني وأبو شامة والنووي والجوزقاني والبيهقي وغيرهم0
وإذ تحققت لنا خيانة بعضهم , حصل الشك في الباقين وحامت/ 1154/ الريبة حولهم أجمعين أن لا نقبل ما رووه إلا بتحفظ, وأن لا نصدقه إلا بعد التصفية والتحميص0 وقد ألف بعض علماء الإسلام كتباً خاصة بالأحاديث الموضوعة, ولا ريب أن هذا يدل دلالة قاطعة على أن في الرواة من يضعون الأحاديث ويكذبون , فبذلك قد علمنا أن هذه الأحاديث المسطورة في كتبهم قد اختلط فيها الصدق بالكذب والصحيح بالفاسد فكيف إذن نطمئن إليها ونثق بها0
إن ما نراه في كتب الحديث والسير من الأحاديث والأخبار أشبه شيء بكثبان الرمال التي يوجد بين ذراتها قليل من الشذور الذهبية, فيجب أن نستخلص منها هذه الشذور بنوع من التنقية, وأحسن طريقة لذلك ما ذكرناه لك فيما تقدم من الكلام عن الرواية, وذلك بأن نضعها في غربال منسوج من القرآن ومن المعقول ونغربلها فما بقي من الغربال أخذناه وما سقط منه تركناه ونبذناه, وإلا بقينا هكذا مشتتين حيارى , مختلفين في ديننا متأخرين في دنيانا0 وأنا على يقين من أننا إذا غربلنا هذه الكتب بمثل هذا الغربال لم يبق لنا منها إلا شيء قليل , أو كما قال شاعر البشر أبو العلاء المعري:
لو غربل الناس كيما يعدموا سَقَطاً لما تحصل شيء في الغرابيل

(1) الكشاف , تفسير الآيات 42- 46 من سورة نوح- (2) سورة البقرة , الآية 69- (3) سورة المرسلات , الآية: 33- (4) الكشاف , تفسير الآية السابقة- (1) السيرة الحلبية 2/ 89-(2) سورة البقرة , الآية: 185-(3) سورة البقرة , الآية: 286-(4) سورة النساء , الآية: 171- (1) حديث متواتر ؛ حلية الأولياء 1/ 106- (2) السيرة الحلبية 3/124-(3) السيرة الحلبية,1/ 880



* حياة معروف الرصافي

أصبحت لا أقيم للتاريخ وزناً ولا أحسب له حساباً لأني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلال ومتشجم أهواء الناس , إذا نظرت فيه كنت كأني منه في كثبان من رمال الأباطيل قد تغلغلت في ذرات ضئيلة من شذور الحقيقة 0
ولئن أرضيت الحقيقة بما أكتبه لها لقد أسخطت الناس عليّ , ولكن لا يضرني سخطهم إذا أنا أرضيتها , كما لا ينفعهم رضاها إذا كانت على أبصارهم غشاوة من سخطهم عليّ , وعلى قلوبهم أكنة من بغضهم إياي0
فإن قلت أيها القارئ الكريم من يضمن لك إنك ترضي الحقيقة؟ وهل رضاها عنك فيما تكتبه هنا إلا دعوى مجردة 0 قلت كفى بحرية الفكر ضامناً لي رضاها وما عليّ في نجاح هذه الدعوى مني وصدقها إلا أن أفتكر حراً وأكتب حراً فإن أصبت ما أردته لها فقد أرضيتها , وإن أخطأت فلي ما يعذرني عندها من أنني لا أقصد إلا رضاها ولا أنحاز إلا إلى جانبها0 وإذا كنت لا أتبع هوى النفس فيما أكتبه فما أنا بمسؤول عما لا طاقة لي به منها0
أما سخط الناس من أجل أنني خالفتهم لوفاقها وصارحتهم في بيانها جرياً على خلاف ما جروا عليه من عادات سقيمة وتقاليد واهية فلست مبالياً به ولا مكترثاً له0 وإني لأعلم أنهم سيغضبون ويصخبون ويسبون ويشتمون , فإن كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم , ولكني سأحتمل الأذى في سبيل الحقيقة وإلا فليس لي أن أهتف باسمها ولا أن أدعي حبها كما يدعيه الأحرار, وإن كنت ميتاً فلا ينالني من سبابهم خير كما لا ينالهم منه خير فإن سب الميت لايؤذي الحي ولا يضر الميت, كما قال محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر 0
* فلوجة 5 تموز 1933 , معروف الرصافي0



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لمحمد معجزات؟
- حوار مع الشاعر : عايد سعيد السراج
- الشخصيات المريبة-1-
- حكي بردانين
- الحوار المتمدن منارة الحرية
- الشخصيات المريبة
- القراءة الناشئة من اختلاف اللغات
- جمعية سي السيد , ومأساة فتاة القطيف0
- تعدد القراءات واختلافها في القرآن -1-
- تعدد القراءات واختلافها في القرآن
- جدلية العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية
- حول بقية القصص القرآنية
- حوار الأحرار
- المرأة الشيطانية
- تموت البلاد على أبواب بغداد
- الفرق بين قول اليهود وقول النصارى في صلب المسيح
- قصة المسيح عيسى بن مريم
- محمد غانم, والبطل المأزوم0
- استنظار إبليس
- القصص القرآنية


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايد سعيد السراج - الشخصيات المريبة -2-