أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الغيطاني - سيرجي أيزنشتاين...سينما تتحدث ثورة















المزيد.....

سيرجي أيزنشتاين...سينما تتحدث ثورة


محمود الغيطاني

الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 08:59
المحور: الادب والفن
    


في العام 1925 خرج علينا المخرج الروسي "سيرجي أيزنشتاين"- أبو فن المونتاج السينمائي- بفيلمه الثوري، الأكثر شهرة في تاريخ السينما العالمية "المدرعة بوتمكين"، ولعل هذا الفيلم- بالرغم من أهميته القصوى ومكانته في تاريخ السينما العالمية- يكاد يكون- إن لم يكن الوحيد في ذلك- من أكثر الأفلام على الإطلاق منعا ومصادرة وتقطيعا لأوصاله في الكثير من دول العالم؛ نتيجة لحسه الثوري العالي الذي يحاول الإعلاء من قيمة الثورة المجردة، وحق الإنسان فيها ضد الظلم وسلب الحقوق، هذا فضلا عن تمجيده الكبير لثورة تشرين العظمى- الثورة الشيوعية البلشفية بقيادة فلاديمير لينين-، ولذلك (ضربت ألمانيا، جمهورية "فايمر" الرقم القياسي في فحص الفيلم، فقد ظل على طاولة الرقيب بين المنع والإجازة 8 أشهر، من آيار وحتى تشرين الأول عام 1926 ، وحتى حين عرض أخيرا اضطرت اللجنة إلى الانعقاد بسببه ثلاث مرات وأصدرت تعليمات بمنع الشباب من حضور العرض لأن مضمونه "ذو تأثير سيئ على عقولهم"، كما عرض الفيلم في فرنسا لأول مرة في 18 تشرين الثاني 1926 بباريس في قاعة أجّرتها بالمناسبة- ولعرض واحد بعد الظهر- جماعة "نادي السينما" ثم انتقل العرض في قاعات عديدة بفضل جماعة "أصدقاء سبارتكوس" التي نظمت عروضا خاصة، وقد دفعت هذه الجماعة ثمن حماسها، فقد صدر أمر قضائي عام 1928 بحل الجماعة وحظر نشاطها، وهكذا واجه الفيلم أخيرا مقاطعة كاملة في فرنسا من بينها قاعات العرض التقليدية، ولم يرفع الحظر عن "المدرعة بوتمكين" إلا في عام 1953 قبل عشر سنوات من السماح بعرضه على الجمهور العام في اليابان وسبع سنوات من ذلك في ايطاليا) (1) ، ولعل مثل هذه الأمور جميعا تجعلنا نتساءل مندهشين، لم يتم فعل كل هذا القطع والمنع والمصادرة في حق فيلم لم يقدم سوى ثورة لمجموعة من البحارة على سطح إحدى السفن الحربية نتيجة سوء أحوالهم المعيشية والقهر الذي يواجهونه من قبل ضباط هذه السفينة؟
علّ الإجابة على مثل هذا التساؤل لا يمكن إدراكها إلا إذا عرفنا ظروف صناعة هذا الفيلم، والظروف التاريخية التي أحاطت به، يذكر أنه في عام 1905 قامت ثورة بسيطة- ولعلها كانت النواة الأولى لإشعال ثورة تشرين العظمى على القيصر في 1917 – كان روادها من العمال الذين ثاروا على ظلم الحكم القيصري وعدم إعطاء العمال كامل حقوقهم، وان كان السبب الرئيس لقيام تلك الثورة هو فصل عاملين من العمال فصلا تعسفيا مما أدى إلى إضراب بقية العمال مؤازرة لزميليهم، ولكن بعد شهر من الإضراب ومحاولة العمال التوجه إلى قصر القيصر "نيكولاس" كي يعرضون عليه مطالبهم- لاسيما وأنهم كانوا يظنون به دائما خيرا باعتباره الأب العطوف- فوجئوا بالجنود القوزاق يطلقون عليهم النيران ليقع منهم ألف قتيل وألفين من الجرحى مما أدى بهم إلى الثورة على القيصر نفسه وإقامة المتاريس والمطالبة بحقوقهم من خلال تلك الثورة، ولكن بدون استخدام القوة والسلاح؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى القضاء عليهم جميعا من قبل الجنود القوزاق، ولعل هذه الثورة الهامة والعادلة للمطالبة بالحقوق كانت من أهم الثورات في روسيا والتي مهدت الطريق بحق لقيام ثورة تشرين العظمى 1917 ، ولعلها أيضا أفادت البلاشفة أيما إفادة بأن أعطتهم درسا هاما مفاده، أن الثورة والمطالبة بالحقوق لا يمكن أن يكون بالطريق السلمي؛ بل لابد من استخدام القوة لانتزاع الحقوق، ولذلك نقرأ هذه الجملة المنسوبة للينين في بداية فيلم "المدرعة بوتمكين"( الثورة هي الحرب، من كل الحروب المعروفة في التاريخ هي الوحيدة القانونية والشرعية والعادلة والعظيمة بحق... في روسيا أعلنت هذه الحرب وابتدأت).
أظن أنه حينما قامت ثورة 1905 لم يكن روادها من العمال المعدمين يعرفون أن هناك من سيخلد فعلهم الثوري بعد عشرين عاما من قيامها، بل وسيقلب الأمور والحقائق كي يجعل من الفشل الذريع- الذي لاقته تلك الثورة- نجاحا ساحقا منقطع النظير؛ كي يحاول دائما بث روح الثورة داخل نفوس مشاهديه، بل ولإيمانه الشديد وولاءه العميق لثورة تشرين العظمى التي نراه يقول عنها (أعطتني الثورة أثمن شيء في حياتي، لقد جعلت مني فنانا، ولو لم تقم الثورة لما كان من المفروض أن أحطم تقاليد الأسرة على الإطلاق، إذ كان من المفروض أن أصير مهندسا)، ولذلك وبهذه الروح الثائرة داخل "سيرجي أيزنشتاين" كان انطلاقه واهتمامه الأساسي حينما صنع فيلمه "المدرعة بوتمكين" 1925 منصبا على الحدث الفعلي والواقعي لثورة 1905 ؛ كي يستطيع من خلاله تمجيد تلك الروح الثورية، وبث روح الثورة داخل فيلمه ومن ثم نفوس مشاهديه- لا يستطيع أحد إنكار أن هذا الفيلم قد أثار داخل العديد من المشاهدين في جميع أنحاء العالم الرغبة المكبوتة في الثورة- ولقد كان من هؤلاء المشاهدين الكثير من مثقفي أوروبا الذين سارعوا بالانضمام إلى الحزب الشيوعي بعد مشاهدتهم لهذا الفيلم، بل لقد ظن الكثيرون من المشاهدين أن الفيلم فيه الكثير من التسجيلية محاولين في ذلك إخراجه من روائيته- ربما نتيجة صدقه وأمانته في التصوير وتقديم الكثير من الحقائق- حتى أننا رأينا المنتج البريطاني "جون جيرسون" وهو من أشهر منتجي الأفلام التسجيلية يقول (إن حركة الأفلام التسجيلية البريطانية ولدت من آخر بكرة لبوتمكين)، ولعل هذا الصدق وهذا التأثير قد ظل ممتدا حتى يومنا هذا لكل من يشاهد الفيلم، ولعلّي لا أستطيع نسيان اليوم الذي شاهدت فيه فيلم untouchables للمخرج "برايان دي بالما" حينما شاهدت مشهد سقوط عربة الطفل داخل محطة القطارات على الدرج، أذكر الآن أني يومها تجمدت أمام الشاشة ليرد أمام ذاكرتي نفس المشهد الذي صنعه "سيرجي أيزنشتاين" في فيلمه "المدرعة بوتمكين" وهو مشهد مذبحة سلالم الأوديسا حينما خرج جميع أهل الأوديسا لتحية البحارة الثائرين على ظهر المدرعة التي نحت باتجاه الشاطئ، والذين تخلصوا من ضباطهم الظالمين، لينهال عليهم الرصاص فجأة من الخلف نتيجة تلقي الجنود القوزاق أمرا بتفريقهم وإطلاق الرصاص عليهم، فنرى لقطة لامرأة شابة تضم يديها إلى صدرها والدم ينزف بغزارة عليها، ثم لقطة لعربة بها طفل رضيع تندفع بسرعة فوق درجات السلم، لعل هذه اللقطة البارعة كان لها من التأثير على العديد من المشاهدين حتى لقد تأثر بها "برايان دي بالما" بعد كل هذه السنوات.
ولعل ثورية "سيرجي أيزنشتاين" تبدو واضحة جلية منذ أول فيلم روائي طويل قام بتقديمه عام 1925 وهو فيلم "إضراب"، وبالرغم من كونه كان متأثرا كثيرا- من الناحية الفنية- بما قدمته المدرسة التعبيرية الألمانية في السينما، إلا أنه يكاد أن يكون الإرهاصات الأولى والمقدمة التي تنحى نحو صناعة فيلم "المدرعة بوتمكين"، حيث يتحدث الفيلم حول القمع العنيف الذي لاقاه إضراب عمال أحد المصانع عام 1912 ، ولعل هذا ما نحا بسينما "أيزنشتاين" بقوة تجاه التسجيلية، كما لاقى هذا الفيلم الكثير من الاهتمام خاصة من صنّاع الثورة وقائدها، كما نراه يقدم فيلمه "أكتوبر" 1928 الذي يتناول فيه المراحل الأولى من ثورة تشرين 1917 والاحتفاء بالعشرة أيام الأولى من هذه الثورة، ولكن بالرغم من سلامة نيته وإخلاصه الشديد للثورة نرى أن الثورة في المقابل لم ترض عن هذا الفيلم بالقدر الكافي؛ لأنه من وجهة نظرها لم يكن فيلما دعائيا بالقدر الذي أرادته، بمعنى أن فن السينما لابد أن يكون فنا شعبيا يفهمه الجميع أكثر من كونه فنا له قواعده المنهجية الخاصة، كذلك نرى تلك الروح الثورية الوثابة في جميع أفلام "سيرجي أيزنشتاين" الثائر دوما، فقدم لنا "خط الجنرال"، كذلك فيلم "أليكسندر نيفسكي" 1938 ، "ايفان الرهيب" 1941 ، وغيره من الأفلام التي كانت تنطلق دوما من تلك الساحرة- ثورة تشرين العظمى- كي تصب منتهية إليها في نهاية الأمر.
ولكن السؤال الهام الذي لابد من طرحه حين تأملنا لسينما "أيزنشتاين" هو، من الذي أفاد الآخر، ومن كان أكثر إخلاصا للآخر؟ "سيرجي أيزنشتاين" أم الثورة؟
علّ الإجابة على هذا السؤال تكمن في أن "سيرجي أيزنشتاين" بإخلاصه الشديد وإيمانه العميق بمبادئ ثورة تشرين العظمى 1917 ، بل ومن خلال تاريخه السينمائي كله الذي لا يتحدث سوى ثورة منذ أول فيلم له حتى نهايته، نقول أن هذا المخرج هو الذي أفاد الثورة أيما إفادة بسينماه التي تضج ثورة والتي خلدت ثورة البلاشفة في الأذهان حتى اليوم، بل وكان هو الأكثر إخلاصا لها على الإطلاق.
هوامش:
(1) أنظر المتابعة التي كتبها الناقد "جودت جالي" في جريدة المدى العراقية بعنوان "بعد الثورة بمئة عام وبعد الفيلم بثمانين عاما(المدرعة بوتمكين)"، ولكننا لم نستطع التوصل إلى تاريخ النشر أو رقم العدد الذي صدرت فيه الجريدة.

محمود الغيطاني
نشرت بجريدة الأهالي العدد 1349
24أكتوبر 2007



#محمود_الغيطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجلوس على الخازوق
- دنيا...كلما طغت الفكرة فسدت الرؤية السينمائية
- ليلة ساخنة..رحلة كابوسية في ليل القاهرة
- خيانة مشروعة...السيناريو اذا أصبح بطلا سينمائيا
- همس النخيل... بين همس التسجيلية و الضجيج الروائي
- عليا الطرب بال3... وصفة سحرية كي تكره السينما
- ما تيجي نرقص... و ننسى سخافة المجتمع
- ديل السمكة...مجتمع يتفسخ في حالة صخب
- عطر البرتقال الأخضر..عندما يتحول الماضي الى وسيلة للتطهر
- عمارة يعقوبيان... مصر المهترئة تحتضر
- .الكاتب والناقد السينمائي محمود العيطاني.. المحصلة النهائية ...
- حريم كريم و أزمة النقد المراهق
- أرض الخوف.. بين سينما المؤلف و ميتافيزيقا الدين (نموذج (1) ل ...
- الواد محروس..سينما النجم الأسطورة و سمات الفقر الفكري(نموذج ...
- النمس.. الوجه الآخر للجنتل مع بعض التصرف
- شعائر من كتاب الموت
- ( نموذج 4 للسينما النظيفة (اسعاف و سينما السقوط من الذاكرة55
- الحب الأول ..نوستالوجيا غير متحققة - نموذج 3 للسينما النظيفة
- جنون الحياة.. نزوع نحو الإيروتيكية أم نكوص نحو سينما السبعين ...
- الناظر و اشكالية الاحتفاء بسينما التخلف العقلي (نموذج 1) للس ...


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الغيطاني - سيرجي أيزنشتاين...سينما تتحدث ثورة