أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الغيطاني - ( نموذج 4 للسينما النظيفة (اسعاف و سينما السقوط من الذاكرة55















المزيد.....


( نموذج 4 للسينما النظيفة (اسعاف و سينما السقوط من الذاكرة55


محمود الغيطاني

الحوار المتمدن-العدد: 1329 - 2005 / 9 / 26 - 08:34
المحور: الادب والفن
    


في أواخر الستينيات و أوائل السبعينيات من القرن الماضي وقع اللوم و التقريع العنيف علي المخرج الكبير* "توفيق صالح" لأنه لجأ إلى سوريا في إنتاج فيلمه "المخدوعون" 1972 و الذي أنتجته المؤسسة السورية للسينما، و لم يكن أمام "توفيق صالح" من طريق آخر في ذلك الوقت سوي الذهاب إلى سوريا و من بعد ذلك إلى العراق ليخرج هناك فيلمه "الأيام الطويلة" 1980 كي يستطيع الحياة بكرامة بعد أن أوصدت أمامه كل الأبواب في بلاده.
و في ذات الوقت نال ذلك اللوم المخرج "يوسف شاهين" لأنه أنتج- بالتعاون مع رجل المخابرات السعودي كمال أدهم في شراكة إنتاجية- فيلمه "العصفور" 1972 لاجئا للجزائر التي ساعدته في الإنتاج ربما لأن جميع السبل المتاحة وقتها قد أوصدت في وجهه؛ فلم يكن أمامه كي يعمل إلا أن ينتج و لم يكن من الممكن لكي يسترد ماله المحدود إلا أن يلجأ للجزائر لعدم إمكانية حشو فيلمه السياسي بالتوابل التجارية.*
و في العام التالي مباشرة لتلك الواقعتين وقع اللوم العنيف علي المخرج "صلاح أبو سيف"- مخرج الواقعية الأشهر في ذلك الوقت- لإنتاجه و إخراجه فيلمه "حمام الملاطيلي" *1973 و إدخاله الكثير من الإعلانات في الفيلم الذي كان بداية موجة نقدية شرسة علي "صلاح أبو سيف" باعتباره قد باع نفسه للشيطان و أصبح يتاجر بغرائز الجمهور علي حساب تاريخه كله، بل ووصل الأمر إلى حد مطالبة البعض للرقابة بمصادرته كما يقول الناقد الأستاذ "هشام لاشين"، بل كاد ذلك اللوم يلحق المخرج الراحل "شادي عبد السلام" مخرج فيلم "المومياء" 1975 لأنه كاد أن يلجأ لأمريكا كي تنتج له فيلمه "مأساة البيت الكبير" أو "إخناتون" و الذي ظل مشروعا قائما لم يتم تنفيذه حتى وقتنا الراهن و الذي أدي إلى موت صاحبه- شادي عبد السلام- كمدا بعد عشر سنوات من العذاب و المعاناة اثر فشله في الحصول علي تمويل للفيلم من مصر، إلا أن الأمل تجدد لاحقا عام 1997 في خروج مشروع الفيلم للنور حينما رصدت وزارة الثقافة المصرية مبلغ عشرة ملايين جنيه لإنتاج الفيلم بالتعاون مع جهة تمويل إيطالية للمشاركة في الإنتاج إلا أن الأمل سرعان ما ذوي حينما كان الشرط في ذلك أن يخرج الفيلم المخرج الإيطالي "فرانكو زيفيريللي"؛ فكيف بالله عليكم أن يتولى أجنبي الإخراج و الفيلم مصري الروح و الطابع و الشخصية هذا فضلا عن أن صاحبه "شادي عبد السلام" كان من أشد معارضي إسناد إخراج الفيلم المصري التاريخي "وااسلاماه" الذي صمم ديكوراته و ملابسه للمخرج الأمريكي "أندرو مارتن" ؟
و لعل السبب الرئيس في اتجاه كل هؤلاء إلى سلوك مثل هذا المسلك- و هو الأحق باللوم- المؤسسة المصرية العامة للسينما (هيئة السينما) لأنها لم تنتج هذه الأفلام بل و اتجهت- كما يقول أستاذنا الناقد سمير فريد- لتسليف القطاع الخاص مما أدي بالطبع إلى هجرة الكفاءات الإخراجية من مصر إلى العديد من البلدان العربية؛ فاتجه "توفيق صالح" للعراق و أخرج هناك- كما أسلفنا- فيلمه "الأيام الطويلة" 1980 و الذي كان مشروع ثلاثية عن السيرة الذاتية للرئيس العراقي "صدام حسين" علي أن يقوم "توفيق صالح" بإخراج الجزء الأول و الثالث منها بينما يقوم مخرج عراقي آخر بإخراج الجزء الثاني إلا أنه قد تعثر المشروع و كان هذا الفيلم آخر أعماله الإخراجية.
ثم لحق "توفيق صالح" في تلك الهجرة العديد من مخرجي السبعينيات لتبدأ فترة التعاون الإنتاجي السينمائي مع لبنان- العصر الذهبي للسينما المصرية في لبنان-في النصف الأخير من الستينيات و أوائل السبعينيات و التي آذت صناعة السينما المصرية بشدة نتيجة إفرازها العديد من الأفلام السخيفة التي أفقدت المشاهد الثقة بالسينما المصرية و اللبنانية علي حد سواء، و لعل المثال الأوضح علي مثل هذه الفترة فيلم "رمال من ذهب" للمخرج المصري "يوسف شاهين" 1966 ، و فيلم "شارع الضباب" للمخرج "سيد طنطاوي" 1966 أيضا و غيرها من الأفلام.
بل لقد شهدت تلك الفترة و التي كانت بحق أسوأ عقود السينما المصرية علي وجه الخصوص و أكثرها ركودا من الناحية الإبداعية بعض إرهاصات فنية متناثرة لم يكتب لها الاستمرار منها علي سبيل المثال فيلم "زائر الفجر" للمخرج "ممدوح شكري" 1975 في محاولة منه لمحاكاة السينما الإيطالية السياسية في تلك الفترة و التي تعتمد علي قالب التحقيق البوليسي الذي يحاول أن يصل إلى الحقيقة من خلال قصاصات متناثرة؛ ففشلت تلك الإرهاصات الصغيرة أيضا.
و لم يتوقف الأمر بالسينما المصرية عند ذلك فسارت بها الأمور من سيئ إلى أسوأ و من ثم بدأت صناعة السينما المصرية الدخول إلى حقبة جديدة شديدة الارتباك، شديدة الإظلام في الثمانينيات فيما أطلق عليه فيما بعد "سينما المقاولات" تلك الحقبة التي دخل فيها رجال الأعمال و الحرفيين و غيرهم من ذوي الأموال المكدسة- الذين لا يفهمون شيئا في صناعة السينما- إليها من أبوابها الخلفية لإنتاج العديد من الأفلام الركيكة الهابطة تحت دعاوى السوق و إيرادات الشباك و مغازلة الجمهور "اللي عايز كده" و لعل السبب الرئيس في مثل هذه الأفلام رغبة هؤلاء المنتجون في تكديس أموالهم بالربح من صناعة السينما و التي تحولت علي أيديهم إلى نوع من التجارة الخاضعة لآليات السوق مما أدي إلى فقدان الأمل و التأكد تماما أن تلك الصناعة لن تنهض من عثرتها مرة أخري بل و أنها قد دخلت النفق المظلم الذي لا رجوع منه.
إلا أن ظهور العديد من المخرجين المميزين بآمالهم و طموحاتهم الفنية في تلك الفترة ممن كونوا اتجاها جديدا سمي "بالواقعية الجديدة" أو "السينما الجديدة" كما يحب أن يسميهم الناقد "أحمد يوسف"* ممثلين في جيل (محمد خان، داود عبد السيد، خيري بشارة، رأفت الميهي، عاطف الطيب) و غيرهم ، نقول أن ظهور هؤلاء و لمعان نجمهم في تلك الفترة- علي الرغم من ظهور العديد من الأفلام لهم قبل الثمانينيات- كان بمثابة النسمة الرقيقة التي تهب علينا في نهاية يوم خانق؛ فلقد كان هؤلاء هم الأمل الذي أعاد إلى نفوسنا البهجة مرة أخري، بل و لعل هؤلاء المخرجين أثروا في آخرين غيرهم فظهر لنا فيما بعد (سيد سعيد، رضوان الكاشف، مجدي أحمد علي) و غيرهم ممن أثروا السينما المصرية أيما ثراء.
و لكن بما أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن فهكذا كان الحال بالنسبة للسينما المصرية:
- توقف "محمد خان" بعد ثمانية عشر فيلما هي كل تاريخه الفني بعد أن قدم لنا "يوم حار جدا" 1995 نتيجة يأسه الشديد من الظروف الإنتاجية في مصر- عاد إلينا مرة أخري عام 2001 مع أيام السادات-0
- يواجه "رأفت الميهي" العديد من الصعوبات ربما لسخريته من واقع المجتمع العبثي الذي يحيطنا حتى أنه قد ترددت أنباء تقول أنه توقف عن الإنتاج من خلال شركته الخاصة- أستوديو 13 – في الآونة الأخيرة، بل و مصاعب أخري تواجهه في رقابة التليفزيون التي تكاد أن توقف عرض أفلامه هذا فضلا عن مصادرة روايته الوحيدة التي كتبها- هورجادة-.
- توفي العملاق "عاطف الطيب" و هو ما زال في ريعان شبابه بعد أن توقف قلبه المريض- ربما من واقع الظروف الإنتاجية في مصر- فلم يستطع أن يقدم لنا كل ما كنا ننتظره منه.
- توقف "خيري بشارة" منذ عام 1996 بعد أن قدم لنا تجربته الإخراجية الأخيرة "إشارة مرور" و لم يعد للإخراج السينمائي مر أخري حتى الآن- بدأ في الإخراج التليفزيوني هاجرا السينما و إن كان الأمل قد تجدد في عودته مرة أخري من خلال سينما الديجيتال-.
و ما زال "داود عبد السيد" بأعماله القليلة التي يخرجها من حين لآخر هي الأمل الذي يبزغ لنا في الظلام و لكننا نعتقد أنه سرعان ما سيزول- ربما لغلبة الرديء-.
ثم جاءت حقبة التسعينيات لنشهد في النصف الثاني منها ظهور العديد من الأعمال السينمائية التافهة و التي تحولت إلى ظاهرة غريبة محيرة نتيجة ملاقاتها نجاحات منقطعة النظير رغم مستواها الرديء أو المتوسط- و ربما المثير للريبة- بداية من "إسماعيلية رايح جاي" 1997 للمخرج "كريم ضياء الدين" مرورا ب" عبود علي الحدود" للمخرج "شريف عرفة" 1999 انتهاءا ب "55 إسعاف" للمخرج "مجدي الهواري" 2001 ، بل و تبدأ في الظهور معايير جديدة تماما علي السوق السينمائي في مصر فيما أطلق عليه "سينما الشباب" أو "سينما المهرجون الجدد" ، تلك السينما التي تعتمد علي "سينما النجم الأسطورة" أو النجم الأوحد الذي يحاول أن يستجدي الضحكات بأية وسيلة ممكنة من أفواه المتفرجين.
و هكذا تبدأ الأفلام المصرية- من خلال معايير غير خاضعة للعقل- في حصد الملايين- صعيدي في الجامعة الأمريكية للمخرج "سعيد حامد" 1998 حقق 27 مليون جنيه- بل و تنشأ في سوق صناعة السينما العديد من الكيانات الإنتاجية العملاقة مثل "العدل جروب" و "الشركة العربية" و غيرها من الشركات التي كانت هي الأمل الجديد في النهوض بصناعة السينما المصرية من عثراتها المتتالية، إلا أن هذه الشركات خذلتنا جميعا حينما وجهت أنظارها للسوق بمعيار المكسب و الخسارة فقط قبل النظر إلى جودة مضمون الفيلم من عدمه فازدادت الرؤية أمام أنظارنا قتامة.
بل و الأفدح من ذلك أن التليفزيون ممثلا في قطاع الإنتاج برئاسة "يحيي العلمي" حينما حاول التدخل من أجل حل مشكلة صناعة السينما في مصر- بأمواله المكدسة- و قام بإنتاج مجموعة من الأفلام التليفزيونية تحول الأمر إلى كارثة نتيجة كثرة الأفلام الرديئة و السطحية بل و المخلة التي قام بإنتاجها- أنتج أربعين فيلما من 1998 حتى 2001 – بل و لأن أكثر هذه الأفلام يظل حبيسا في العلب- معلبا- غير قابل للعرض مما يؤدي إلى الموت الحتمي للفيلم بعد عرضه بعدة سنوات من إنتاجه.
بل ووصل الأمر إلى أن العديد من المخرجين الذين تعاونوا مع التليفزيون غير راضين عن أعمالهم مثل "سعيد مرزوق" في "جنون الحياة" 2000 و الذي يقول أن المسائل هناك غامضة و التعامل لا يستند إلى معيار محدد.
نقول أن دخول التليفزيون مجال الإنتاج السينمائي قد خيب توقعاتنا في النهوض بصناعة السينما حتى أنه سيأتي وقت نطالب فيه بإنقاذ السينما من التليفزيون كما يقول الأستاذ "محمود الكردوسي".*
و لعل مثل هذه الظروف الإنتاجية البشعة التي تمر بها صناعة السينما في مصر هي التي دفعت العديد من منتجينا لخوض تجربة الإخراج معتمدين علي الموجة الهزلية الجديدة التي بدأت ترسخ أقدامها في السينما المصرية منذ أواخر التسعينيات؛ فرأينا منتجا مثل "مجدي الهواري" يتحول هكذا فجأة و بقدرة قادر إلى مخرج ليتحفنا بفيلمه الروائي الأول- غير الجاد- "55 إسعاف" عن سيناريو مهلهل يفتقد للحبكة الدرامية و المعني- بل هو أشبه بمجموعة من الصور و الكادرات المتفرقة التي يحاول كاتبها أن يجعل منها عملا معتمدا علي " المجاورة" أو عمليات القص و اللصق- كتبه السيناريست "أحمد عبد الله" في تجربة ركيكة أفضل ما يمكن أن يقال عنها أنها فاشلة، و لعل أيضا مثل هذه الظروف التي تمر بها صناعة السينما من عثرات و كبوات هي التي أدت إلى دخول العديدين إلى مجال تلك الصناعة مما أدي إلى انهيارها.
إلا أنه إذا كانت السينما منتجا فكريا يعبر عن الواقع الاجتماعي كما تعرفها الدكتورة "هدي زكريا" أستاذ علم الاجتماع، و إذا كان المثل الصيني يقول "صورة واحدة تعادل عشرة آلاف كلمة"، فالكارثة الكبرى أن العديد من مخرجينا اليوم لا يعرفون ذلك فيقومون بإنتاج و صناعة أفلام مشوهه سواء في المضمون أو التكنيك تؤدي بالتالي إلى نوع من التشوه النفسي و الذوقي للمتلقي الذي يحاول مشاهدة مثل هذه الأعمال و من ثم تكون الكارثة الكبرى بإفساد ذوق المشاهد الذي يتهمه القائمون علي تلك الصناعة بأن "الجمهور عايز كده"، فكيف بالله عليكم تفسدون ذوق الجمهور بمحاصرته بكل ما هو فاسد و رديء حتى يكاد أن يدمن ذلك الرديء- لعدم وجود الجيد- ثم بعد ذلك نتهمه بفساد الذوق؟!
أم أن الأمر كما يقول الدكتور "محمد عصفور" عندما يصيب الفساد القمة فانه ينحدر كالسيل جارفا أمامه كل الارادات و القيم؟
و لعلنا إذا حاولنا تحليل تجربة "مجدي الهواري" الروائية الأولي "55 إسعاف" بعد تلك المقدمة الطويلة التي أسهبنا فيها ربما لخجلنا من مجرد تناول موضوع الفيلم لا بد و أن نصاب يقينا بصدمة عصبية لا شفاء منها؛ لأن ذلك الفيلم في حاجة إلى إسعاف لإنقاذه- علي حد قول زوجتي- فهو يقدم لنا "سيد" (أحمد حلمي) سائق الإسعاف، "مرعي" (محمد سعد) مساعده اللذين يحاولان إنقاذ الحالات المريضة، تلك الشخصيتان الكاريكاتوريتان اللتان تشبهان "توم و جيري" في أفلام الرسوم المتحركة؛ فهما في حالة شجار دائم نتيجة مواقف كوميدية هزيلة فنراهما واقعين في حب الطبيبة "وفاء" (غادة عادل) طبيبة المستشفي التابعين لها فنراهم تارة يتشاجران في الطريق لأن كل منهما يرغب في الاتصال بالطبيبة من أجل إخبارها أنهم في الطريق و معهم حالة في حاجة للعلاج، بل و نراهم يحاولان بطح أنفسهم تاركين الحالة المريضة هي التي تقود لهم الإسعاف، و تارة أخري نراهم يتشاجران لرغبة كل منهما دخول مكتب الطبيبة قبل الآخر.
بل و يقدم لنا السيناريو مجموعة من الشخصيات الهزلية المشوهة و التي لا يمكن وصفها بأنها ذات معني مثل مدير المستشفي "يوسف داود" الذي يسرق من ميزانية المستشفي و يزوّر فيها بل و يتركها بلا رعاية في حالة إهمال تام ثم نراه حينما يعلم أن وزير الصحة سيزور المستشفي يحاول تجميل الأمر بإعطائه الأوامر بتنظيف واجهات المستشفي و طرقاتها بل و نقل المرضي و إتاحة الأدوية الناقصة التي يأتي بها المرضي علي نفقتهم الخاصة فتبدو المستشفي أمام الوزير و كأنها المثال في البلد.
و بالطبع نحن لا ننكر مثل هذا الإهمال في مستشفياتنا بل و جميع مصالحنا الحكومية و لكن السيناريست "أحمد عبد الله" و المخرج "مجدي الهواري" لم يحاولا النفاذ إلى عمق الموضوع، فربما كان من الممكن أن يخرج من تحت أيديهم فيلما ذا قيمة يعالج قضية جادة نحن في أمسّ الحاجة لعلاجها إلا أنهما فضلا الاستسهال و البساطة و السطحية لسلق الفيلم فخرج لنا فيلما ماسخا لا مذاق له.
بل و نري شخصية هزلية أخري "عزيزة" (حنان الطويل)- التي كان وجودها بلا مبرر درامي في الفيلم اللهم إلا استمرار أحداثه- و هي جارة كل من "سيد، مرعي" تلك الشبقة جنسيا، الراغبة دوما في أي رجل و السلام حتى أنها تطارد "سيد، مرعي" في حالة شبق دائم لا مبرر له سوي أنها في حاجة للزواج دون طرح أية خلفية عنها، بل نحن نراها دائما في كل حركاتها أشبه بالساحرة الشريرة التي أدمنا رؤيتها في أفلام الأطفال الكرتونية.
و لا يتوقف بنا الأمر عند هذا الحد، فمن أجل المزيد من مغازلة الجمهور- الذي جاء ليري أعمالا هزلية تناسب المسرح قديما أكثر من مناسبتها للسينما- نري (علاء زينهم) سائق الوزير، ذلك الأبله البدين الذي لا حيلة له علي الدوام.
و هناك أيضا الدكتور "وليد" (محمد الشورى) زميل الدكتورة "وفاء" (غادة عادل) الذي يأتي دائما بحركات مصطنعة لا يأتيها إلا من تظهر عليهم علامات الجنون أو العبط.
و لعلنا لا ننسي ذلك الشخص الشديد القصر القليل الجسم نتيجة نحافته الزائدة و الذي يظهر لنا في الجامعة من أجل التبرع بالدم فيدخل في شجار مع "سيد، مرعي"- العمالقة بالنسبة إليه- و بالرغم من ذلك يكاد أن يحطم عظامهم في مشهد شديد السذاجة لا يمكن أن يقنع طفلا رضيعا.
بكل هذه التوليفة الكاريكاتورية التي يقدمها لنا صناع الفيلم نري مجموعة كبيرة جدا من المشاهد غير المترابطة، غير المقنعة و التي لا يربط بينها سوي أن هناك شخصيتان "سيد، مرعي" يقومان بالعديد من المقالب الكوميدية السخيفة و أن هناك طبيبة ما يحبها الاثنان، بل و من أجل استمرار أحداث الفيلم بالمط و التطويل الممل لا بد أن يكون هناك وزيرا للصحة (رفيق محسن) الذي يصاب بإغماءة سكر علي طريق مصر الإسكندرية الزراعي عند كفر الدوار و بالمصادفة البحتة الملفقة تلفيقا عمديا من صناع الفيلم- الذي ليس بفيلم- يمر من هناك "سيد، مرعي" بسيارة الإسعاف متجهين إلى حفل زفاف "عزيزة" جارتهم الشبقة دوما و التي لا بد أن يكون زفافها بكفر الدوار من أجل أن يجدوا السيد الوزير الجاهلين بهويته فيأخذوه معهم باعتباره حالة مرضية و من ثم تتعطل منهم السيارة فيتصلون بالدكتورة "وفاء" (غادة عادل) في القاهرة- لاحظ بعد المسافة- التي ترد عليهم منزعجة (أنا جاية حالا) و كأن المسافة بين القاهرة و كفر الدوار مجرد فركة كعب، بل و كأن الجمهور الساذج سوف يصدق أن إغماءة السكر سوف تظل مع الوزير ليلة كاملة و نصف يوم دون أن يكون الوزير قد انتقل إلى رحمة الله.
و لكن ماذا بيدنا أن نفعله و ماذا يتبقى لنا من القول أمام رغبة السيناريست و المخرج في ذلك؟ فلولا فبركة هذه الأحداث لما قدر لأحداث الفيلم أن تستمر، إذن فلا بد لنا من التصديق حتى تتخيل الشرطة أن الوزير قد تم اختطافه و هنا تبدأ سلسلة جديدة من المطاردات بين الشرطة و "سيد، مرعي، وفاء" من جانب و بينهم و بين عصابة ما من جانب آخر، بل و يستمر الأمر علي هذا المنوال حتى تصاب "وفاء" بطلق ناري من رئيس العصابة أثناء محاولتها إنقاذ الوزير فيأخذها الوزير إلى أقرب مستشفي لإنقاذها و هنا يقرر "سيد، مرعي" عدم العمل في الإسعاف مرة أخري لينتهي بنا الفيلم- بعد نفاذ صبرنا- و نحن نراهما يركبان سيارة مطافئ لتنزل تيترات النهاية مكتوبا عليها (إلى اللقاء في 66 مطافئ) و كأن في نية المخرج و السيناريست إتحافنا بالمزيد من مثل هذه الهراءات التي كادت أن تصيبنا بفقدان دائم للذاكرة؛ فالفيلم بمجرد الانتهاء من مشاهدته سرعان ما يسقط من ذاكرتك مباشرة و كأنهم يحاولون التكريس و التقعيد لما نسميه بسينما السقوط من الذاكرة.
بل إن عبارة النهاية ذكرتني مباشرة بالمخرج "عباس كامل" و فيلمه "الكيلو 99 " عام 1956 بسبب التفاهة التي تربط بين الماضي و الحاضر، و لقد كان فيلم "الكيلو99 " أول فيلم يمنع عرضه بسبب تفاهته من قبل اللجنة العليا للرقابة علي الأفلام و الذي كان من إنتاج "علي الجابري" و بالرغم من أنه ليس من أفلام المقاولات فهو يسبقها زمنيا بوقت طويل إلا أنه كان "تريلر" (مقدمة) يعرض مبكرا لأفلام المقاولات كما يقول المخرج "كمال عطية".*
نقول أن هذا الفيلم بالرغم من منع عرضه إلا أن هناك مساع كثيرة بذلت لإلغاء ذلك القرار عن طريق "سعد الدين وهبة" وكيل أول وزارة الثقافة في ذلك الوقت و الذي أمر بعرض الفيلم استنادا إلى أن السيناريو كان قد عدل بمعرفة الرقابة و قد التزم "عباس كامل" بتنفيذ التعديلات بالكامل، فتم عرض الفيلم و قال "عباس كامل" معلقا بسخرية علي ذلك (حلو.. كده نعمل بقي فيلم تاني باسم الكيلو 100 و نعملها سلسلة أفلام بالكيلو متر و الكيلو لحمة)، و لعل هذا ما دار في ذهني بعد الانتهاء من مشاهدة "55 إسعاف" فلعل "مجدي الهواري" سوف يقدم لنا بعد ذلك 66 مطافئ، 77 نجدة، 88 قوات مسلحة ليصل بنا إلى الكيلو99 و يسير علي درب الكفاح مع "عباس كامل" ليكمل لنا سلسلة أفلامه الرقمية.
أقول أن صناعة السينما تحتاج إلى المزيد من الجدية و البعد عن الاستسهال و الجري وراء جيوب المتفرجين لأن كل ما يصنعه مخرجينا اليوم سوف يخلده التاريخ فيما بعد و لعل كل مخرج من مخرجينا لا يحب أن يوصم بأفلام هي كالعار الملتصق به حتى بعد موته، بل لعل المخرج "مجدي الهواري" يتعلم من عثرته و يقدم لنا عملا ذا مضمون فيما بعد- هذا ما نأمله- و ليحاول أن يتخطى عثرته الأولي- أو فليهتم بالإنتاج السينمائي و يحاول ترك الإخراج لأصحابه- و لعل (غادة عادل) تستفيد من العديد من التجارب التي قامت بها و تدرك بشكل يقيني أن فن التمثيل لا يعتمد علي جمال الوجه فقط لأن الاعتماد علي عنصر واحد يؤدي بالممثل دائما إلى البلادة و الجمود و من ثم عدم الصدق مما يؤدي إلى افتقاد المصداقية في الأداء.
و لنحاول جميعا نسيان تلك التجربة السيئة- التي لن ينساها التاريخ- التي قدمها لنا صناع سينما يحاولون ترسيخ ما نسميه بسينما السقوط من الذاكرة، تلك التي سقطت منا جميعا فيما عدا الموسيقي التصويرية الخفيفة الظل و التي كانت الحسنة الوحيدة في العمل للموسيقي "خالد حماد" .



#محمود_الغيطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب الأول ..نوستالوجيا غير متحققة - نموذج 3 للسينما النظيفة
- جنون الحياة.. نزوع نحو الإيروتيكية أم نكوص نحو سينما السبعين ...
- الناظر و اشكالية الاحتفاء بسينما التخلف العقلي (نموذج 1) للس ...
- مقدمة سينمائية حول اصطلاحات غير سينمائية
- مشاهد تتشكل ذاتيا
- هلاوس ذهنية
- الخروج من الكابوس
- حول السينما النظيفة و السينما التي ماتت
- مملكة الجنة.. الانسان يعلو فوق كل شئ


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الغيطاني - ( نموذج 4 للسينما النظيفة (اسعاف و سينما السقوط من الذاكرة55