أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ناظم ختاري - محطات من انفال به هدينان - المحطة العشرون















المزيد.....



محطات من انفال به هدينان - المحطة العشرون


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 11:35
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


أشار الانضباط بيده يسمح لنا بالمرور ولكن عائدا أخطأ فهم الإشارة أو لم يشاهدها ، وبقي منتظرا من غير أن يتحرك على الفور ، مما أدى ذلك إلى أن يحتار الانضباط في اللحظة الأولى ما بين أن يتحرك نحونا أو يتراجع ، ولكنه يبدو إن شيئا ما دفعه إلينا في نهاية الأمر ، بدأ يخطو خطوة ويتوقف ثانية ، لم تكن المسافة بيننا وبينه طويلة ، ولم يكن واثقا مما كان عليه أن يفعله إزاء سيارة أخطأ سائقها إشارته أو لم يشاهدها ، هل يكررها ويدعوها لمغادرة نقطة التفتيش أم يتقدم للاستفسار عن وجهة ركابها أو ما إذا كانوا يريدون سؤاله عن أمر ما ..؟؟ بدأت خطواته ثقيلة نحونا ، ولكنه أصر على أن يتقدم .. شعرت بمرارة تقدمه وخشية شديدة من خطواته واقترابه من السيارة .. كنت أنظر إليه وكأنه وحش جاء ليقضي علينا ، كنت أتابعه كيف يحرك أطرافه .. كان رجلا ضخما ، يرتدي بذلة عسكرية خاصة بالانضباطية .. يحمل بيريته الحمراء في يده اليمنى .. يتقدم بخطوات كسولة .. كان يقترب منا شيئا فشيئا ... ربما لم يكن يأبه بشيْ سوى تأدية عمله بشكل روتيني ولا كان مخططا لأي شيء ضدنا .. من يدري ..!! .. ولكننا كنا على أهبة الاستعداد للإجابة على أسئلته التي سوف لا يقتنع بها ، كنت أقولها بيني وبين نفسي .. إذن هذه هي النهاية.. هكذا شعرت .. ولكن كونوا رابطي الجأش .. رددتها في دواخلي مع أشياء أخرى .. والوقت لم يكن كافيا حتى أن ألتفت إلى رفيقاي .. لا تفشوا أسراركم إلى النهاية .. كونوا مصرين على إنكم بشرا من العراق .. قولوا له أننا ركاب هذه السيارة عن طريق الصدفة وقادمون إلى هنا كل لغرض مهمة اجتماعية .. لا نعرف بعضنا البعض .. لنا أقرباء وأصدقاء ومعارف في هذه الناحية أو تلك من هذه المنطقة البعيدة الواقعة على الحدود .. تلك الحدود التي ينشط على تخومها الطرفان .. أي طرفا البعث في سوريا والعراق .. قاتلنا البعث في الطرف الأخير وها هو يلاحقنا بالأسلحة الكيماوية التي أجبرتنا على ترك قلاعنا الجبلية في كوردستان واضطررنا اللجوء إلى دولة البعث في الطرف السوري.. إذن سنخترق ليلا تلك الحدود الممنوعة نهارا بين طرفي البعث إن لم نقع في قبضة هذا الرجل .. لا تبادل في الدخول إلى دولتا الطرفين عبر هذه الحدود شرعا وفق قرارات خلافية بين البعثيين في الطرفين .. سنوات طويلة والحرب المخابراتية هي الوحيدة (الشرعية ) و الناشطة ليلا بينهما عبر هذه الحدود .. ويصادف أن يعبرها المهددون بالفناء في الطرفين أناس من أمثالنا .. يجري استقبالهم في الطرفين ليس لأنهما حريصان على هؤلاء الضحايا بل همهما الوحيد استخدامهم كأوراق ضغط كل ضد الطرف الآخر .

حان الوقت أن نجرب قدرتنا على مواجهة أسئلة ربما محرجة سيوجهها إلينا هذا الانضباط ، فقلت ينبغي أن أتظاهر بأنني لست مهزوما من حرب رجحت كفتها لصالح الفيالق العسكرية التي ينتمي إليها هذا الانضباط .. فسرعان ما تذكرت إن لي سببا دفعني لزيارتي إلى هذه الزاوية من نهاية أرض بلادنا في هذه الحدود المحفوفة بالمخاطر والشبهات والحرب الجاسوسية ، كانت قصة أعددتها علها تقنع سامعيها من أفراد شرطة هذه السيطرات في الأوقات الحرجة قبل أن يتخذوا قرارهم بتوقيفي أو شدة التحقيق معي .. هذه الزاوية التي تكون منقذا في أحيان كثيرة لأناس كثيرين مثلنا رغم وجود البعث في الطرفين .. واستعدت للدفاع عن هذه القصة طالما بقيت الاستفسارات والأجوبة محصورة بيننا وبين الانضباط .. شعرت إن من كان في صحبتي سواء كان عائدا أم رفيقاي كانوا حريصين على قدر كبير بالظهور بشكل طبيعي أمام تقدم هذا الرجل الأمني نحونا .. يا ترى ماذا سيسأل وماذا سيقول ...؟؟ لحظات بطول عقد من السنين تفصل بيننا وبين سؤاله الأول .. ماذا سيكون هذا السؤال الأول ونحن بين يديه ؟! هل هناك من مخبر دعاه يتقصدنا أم إنه تقدم نحونا بسبب خطأ فهم عائدا له أو لإشارته وعدم ملاحظته لها .. ؟؟ هل سنرتبك أمام سؤاله أم سنكون واثقين من أنفسنا ، ونستطيع خداع الانضباط ..؟ بدأ يقترب من سيارتنا .. حاولت أن أعرف ما إذا كان قد أعد لنفسه سؤالا محددا لكي يوجه به إلينا . لم أدرك ذلك تماما ولكنني كنت مصرا على قصتي التي وجدتها مناسبة لمثل هذا الموقف الحرج .

الصمت أصبح سيد الموقف ، ولازلنا ننتظر وصول الانضباط .. لازلنا ننتظر السؤال الأول الذي يوجه في نقاط التفتيش في حالة حرجة كحالتنا .. هل سيشبه هذا السؤال الأسئلة الاعتيادية أي عندما يكون المرء في وضع طبيعي ويوقف في نقاط التفتيش..؟ وسط كل هذه التساؤلات والرهبة اخترق صوته مسامعنا قائلا ، وين رايحين شباب ..؟؟ سأل ولما تزل بطنه المنفوخة الضخمة التي يدور حولها حزام عسكري تقترب من نافذة السيارة من جهة السائق وهو يتكأ على قمرتها بكلتا يديه ، حاجبة عنا رؤية أي شيء عبرها ، إذن هذا هو سؤاله الأول ، وعلينا أن نجيبه ، لم يكن هناك أي أتفاق حول من يبدأ بالحديث أولا .. ولكن عائدا حسم الموضوع وأجبر الانضباط أن يختار من يسأله ، لكي يتلقى إجابته وما سيتخذه من إجراء ، إذا قال أنا سائق سيارة أجرة وهؤلاء هم ركاب سيارتي مقابل أجرتهم لذا تستطيع توجيه هذا السؤال إليهم .. أعاد رأسه قليلا إلى الخلف سائلا أبو أمل ( هويتك عيني ) أعطاه أبو أمل هوية باسمه كانت لطلبة الجامعات وكانت تلك هويته الأصلية عندما كان طالبا في الجامعة ولكن النصير كفاح تدخل لغرض تصغير عمره وبما يتناسب مع المرحلة الدارسية المفترضة لأبو أمل ، فلما رآها الانضباط وقرأ فيها إنه من أهالي بغداد قال له ( يابه أنت من بغداد أش جابك هنا) رد أبو أمل قائلا أنا طالب وأدرس في الجامعة ولي زميل يدرس معي في نفس الكلية وهو صديق عزيز عليً ومن أهالي ناحية سنونى .. سمعت بأنه مريض ، لذا أسرعت بالذهاب إليه وزيارته للاطمئنان على صحته .. أقترب أكثر من نافدة السيارة الخلفية وأعاد هويته إليه من غير أي تعليق على روايته ، ولكنه بدأ موجها حديثه هذه المرة إلى أبو ظاهر .. (وأنت أخونا هويتك بدون زحمة ) مد أبو ظاهر يده ليقدم هويته إلى الانضباط ، فتفحصها وأردف قائلا ( وأنت أش عندك هنا أستاذ)،( لما وجد إن هويته هي هوية مهندسين )كان قد أجرى النصير كفاح بعض التعديلات عليها لكي يستطيع أبو ظاهر التنقل بها .. وجدت أن أبو ظاهر هو الآخر قد أعد له قصة أراد منها أن تقنع الشرطة في نقاط التفتيش والتي رواها قائلا .. كما تلاحظ فأنا مهندس واعمل في مدينة الموصل في مقاولات وأعمال مختلفة واشتركت مع زميل لي وهو من أهالي أحدي المجمعات القريبة من هنا في مشروع معين ، ومنذ عدة أيام جاء بزيارة إلى أهله وبالرغم من مرور الفترة التي كان من المفترض أن يعود خلالها إلى حيث عمله ، فإنه لم يأتي لحد الآن لذا تجدني هنا للذهاب إليه بخصوص ضرورة التحاقه بالعمل ومتابعة المشروع .. فكما لم يعلق على رواية أبو أمل فإنه لم يعلق على رواية أبو ظاهر أيضا ، بل أعاد جسمه مرة أخرى نحو النافذة الأمامية للسيارة مناديا ( أنت الكاعد لكدام أنطيني هويتك ) أخرجت هويتي من جيب قميصي وقدمتها إليه مع ابتسامة خرجت بصعوبة بالغة ولكنها غير مشكوك فيها ، قرأ في هويتي عنواني الأصلي الذي حرصت على أن أدونه في هويتي المزورة .. فقال ( وأنت أش جابك من ألقوش لهنا يابه ) كانت قصتي جاهزة ولكن كان عليً أن استرسل في سردها بشكل طبيعي كي تكون قادرة في الـتأثير بالانضباط وأبعاده عن أية شكوك ربما مرت في خاطرته ضدنا ، وكنت واثقا من أن كل من أبو أمل وأبو ظاهر بذلا جهدا في هذا الاتجاه .. فقلت أن والدتي أصلا من التجمع .... الفلاني ، وهناك في القرية سمعنا إن خالي مريض وفي حالة حرجة ولما كانت والدتي كبيرة السن كلفتني كي أتحمل عنها عناء ومشقة الاطمئنان عليه ، وخصوصا لما كنت الوحيد من بين أخوتي متفرغا في هذه الأيام .. أعاد الهوية لي مرة أخرى دون تعليق في هذه المرة أيضا ، ولما انهمك لكي يتراجع ويتركنا كي نواصل طريقنا الأمر الذي أثلج قلوبنا ونحن على وشك الخلاص من أسئلة محرجة قد تخطر على باله وجدته في لحظة ما يقول مخاطبا الجميع (نحن) ، هل ستعودن هذه الليلة ..؟؟ لم أنتظر طويلا وحاولت أن احسم الموضوع ، فقلت أنا شخصيا سأعود لأن والدتي تنتظر بلهفة أي خبر عن شقيقها ، ولن أتأخر عنها وخصوصا إذا كان الوقت مساعدا لعودتي .. أما أبو أمل فقد قال أنا لا أستطيع العودة في هذه الليلة ولكنني بالتأكيد سأعود غدا .. وكانت إجابة أبو ظاهر .. إن عودتي تتوقف على رغبة زميلي المهندس ولكنها في كل الأحوال لن تتجاوز الغد ... مرة أخرى انتظرنا قراره الصعب ، هل سيتركنا أن نواصل ، هل تولدت لديه شكوكا حول رواياتنا .. هل كانت رفقتنا في سيارة واحدة موضع ريبة لديه .. هل يتركنا و اقتنع بأنه أدى مهمته على أكمل وجه ..وليكون هؤلاء من يكونون ..؟؟ هكذا نظرت إليه وهو يتوقف للحظة سريعة قبل أن يقرر أي شيء بخصوصنا وجدته يريد أن يفعل شيئا عندما تحركت بجسمي مقتربا من نافذة السائق أنتظر قراره واضعا يدي على كتف عائد ولكنني لم أستطيع تخمين ما سيقدم عليه ، وجدته ينحني مرة أخرى وهو يقول أعيدوا هوياتكم إليً .. لم يكن هناك متسع من ألوقت أن احدد مدى قلقنا ، فلاشك إنه كان عظيما وكم تمنيت أن لا تتواصل الأسئلة ، و لم ندرك ما سبب دعوته بإعادة هوياتنا إليه ثانية ، هل سيفحصها ثانية أم ماذا..؟ هل هذه بداية اعتقالنا .. ؟ و هل يعتقل المرء هكذا بسهولة لا حول ولا قوة له ..!! بعد أن جمعها في يده اليمنى ومسك بها من أحدى زواياها وأصبح يضرب بها على يده اليسرى قائلا عندما تعودون في هذه الليلة أو غدا ، يمكنكم مراجعة تلك الغرفة للاستفسار عن هوياتكم .. ولكن حذا ري أن لا تعودا .. إذ عندها سنضطر إلى غلق الحدود .. كانت إشارته إلى الحدود أمرا خطيرا شعرت بأن شكوكا حادة تدور في رأسه ولكنها لم تصل لحد إعلان قراره أو تنفيذه بإيقافنا ووضع أيادينا في سلاسل حديدية وقيادتنا إلى جهة مجهولة ينتهي أمرنا هناك . بعدها قال ( يله) تفضلوا .. بين أن نصدقه أو لا نصدقه قرصت عائدا من مكان ما في جنبه اليمين كي ينطلق .. ولما ابتعد عدة خطوات دعوته أن يسرع بقدر ما يستطيع .

كانت آمال بقية الأنصار والرفاق معقودة على نجاحنا في هذه المرة لكي يبدأوا بإرسال المجاميع بأكثر من سيارة واستغلال أكثر من مصدر ونقطة إنطلاق إلى المدينة والإسراع في نقل الرفاق ولكن ما حصل سيكون عاملا معرقلا للعمل المقبل وسيؤثر سلبا على حماس الرفاق ... قلت لعائد إنني لم أعد قادرا على العودة ثانية ، لأنهم بالتأكيد سيتعرفون عليً بعد فحص هوياتنا ، لذا فإن في عودتي خطورة بالغة ، ولهذا السبب ستعود وحدك وبالتأكيد ستبلغ الرفاق بتفاصيل ما جرى ، حال عودتك من هنا في الغد وعليك أن لا تغامر بالعودة في هذه الليلة ،عد غدا فهو أفضل .. وأحكي لرجال نقطة التفتيش أية قصة تجنبك مشاكلهم ، إن أوقفوك وسألوك عنا ، فردني قائلا ، سأتأخر إلى الغد إذ سأذهب إلى أحد معارفي في أحدى هذه المجمعات و سأعود غدا في وقت متأخر ، وسأتدبر أمري في نقطة التفتيش أيضا ، ولكن هلا قلت لي كيف يمكنني الاتصال بهم ، أي بالرفاق في الكه ند ..؟ في الحقيقة كان هذا الأمر صعبا لم استطع أن أدله في الحال على طريقة للاتصال ، لأنه كان الاتفاق أن أعود مع عائد وتحديد أماكن اللقاءات لاستلام المجاميع وإيصالهم إلى المحطة السرية بعد هذه الجولة ، ولكن الأمر أختلف اليوم ، فحدث ما لم نكن نتمناه ، ومما يؤسف له إننا لم نحسب لمثل هذا الأمر جيدا . أي لم نضع خططا بديلة تساهم على تمشية العمل بشكل سلس في مثل هذه الحالات ، على أية حال كان قلقنا كبيرا على الرفاق وأن يؤدي ما حصل معنا في نقطة التفتيش إلى عرقلة العمل بشكل كامل .. و لكنه رغم الذي حصل شعرنا بفرح غير قليل بعد انفلاتنا من قبضة ذلك الانضباط الذي سيعض أصابعه إن كان عنصرا سيئا أو يتعرض إلى عقوبة من وزن ثقيل إن كان من الطيبين جراء ( حماقته).

قلت لعائدا أن يذهب إلى نفس المكان الذي التقى بنا فيه ، وفي نفس الوقت الذي كان ينتظرنا فيه ، عله أن يجد أحد رفاقنا هناك وبذلك ستصبح المهمة سهلة وسينقذ الرفاق من حرج التفكير بأسباب عدم عودتي وسلامة وصول الرفيقين أبو أمل وأبو ظاهر إلى المحطة السرية بسلام ، وعندها سيتحدث لهم عن قصتنا في السيطرة.. وكررت قولي له .. أن يؤكد للرفاق بأننا بخير وسأعبر الحدود مع أول مجموعة . إلى جانب أشياء أخرى كانت عالقة لحين عودتي . ولكن العودة لن تتم وهذه الأشياء ستحسمها الصدف وإقدام بقية الرفاق .. تعانقنا مع عائد على عجل .. وتركنا بالقرب من المحطة السرية دون أن اخبره بأنها قريبة من هنا ، طلبت من الرفيقين أبو أمل وأبو ظاهر أن يسرعا باللحاق بي ، فدخلنا زقاقا وجدنا فيه مجموعة من الناس ، حاولتْ معرفة شيء عنا فأسرعنا ندور دورة كاملة حول المنزل الذي يعد المحطة السرية ، وكان للمنزل جدار خارجي علوه كان على طول قامة رجل ، طلبت من الرفيقين القفز من فوقه بسرعة كي نتجنب أية مشكلة قد تحدث لنا جراء ملاحقة هذه المجموعة و التي أصرت على تقفي أثرنا ، لحظات سريعة ونجد أنفسنا في حديقة صغيرة ضمن باحة المنزل بعد قفزة سريعة وخفيفة من فوق الجدار ، جلسنا هناك ننتظر ماذا سيحدث بعد ذلك دون حراك وبصمت مطبق ، وبعد لحظات قليلة وصلت تلك المجموعة إلى نفس الجهة من البيت ، ولما لم يجدوا أي أثر لنا قال أحدهم من كان هؤلاء وأين ذهبوا.. ؟ عرفنا مدى حيرتهم .. ولكنهم تركوا هذه الحيرة وراءهم وذهبوا إلى حيث ما أرادوا بعدما يأسوا من معرفة الاتجاه الذي سرنا أو اختفينا فيه .. فبعد دقائق قليلة ابتعدت أصواتهم ، وفي هذه الأثناء خرج أحد مستقبلينا من غرفة كانت تقابل الحديقة التي كنا نختبيء بها ، إذ عرف بوجود حركة لم يتأكد منها ، لذا انتفضت من مكاني و اقتربت منه وقلت له لا تقلق ، نحن هنا بعد أن أعطيته كلمة السر ، ففي الحال حثنا من جانبه على الإسراع بالدخول ، وأرشدنا إلى مكان تواجد رفيقنا من سنجار وكل من الرفيقين الدكتور حجي وماموستا كوران . الذين وجدونا في حالة غير طبيعية ، فسألنا رفيقنا بقلق ، هل هناك من خطر ..؟ قلت له نعم ولكن أهدأوا فإنه ليس مباشرا .. تحدثنا له عن ما جرى لنا في نقطة التفتيش ، وعن المجموعة التي لاحقتنا بالقرب من المنزل .. فقال ينبغي أن نحتاط للأمر فقد يشكل هذا خطرا جديا علينا ، فًطُرحتْ مسالة البقاء ضمن المحطة واستخدام المخبأ في حالة حدوث أي طاريء .. ولكنني عبرتُ عن قناعتي بضرورة اتخاذ إجراء آخر أكثر أمنا لنا و للعوائل .. فقال رفيقنا من سنجار نعم توجد هناك إمكانية أخرى إذ في هذه الحالة فإن الجبل هو أفضل ملاذ لنا .. فقررنا دون تلكأ الالتحاق بالجبل . عمل رفيقنا على إعداد بعض المستلزمات الضرورية للجبل كالماء والخبز و غير ذلك ، لم يمر وقتا طويلا حتى كانت استعداداتنا كاملة للخروج من المنزل نحو الجبل ، وجرى تزويدنا بقطعتي كلاشينكوف مع عتاد قليل .

اتخذ الشباب كل أسباب الحيطة والحذر للخروج بسهولة من المحطة السرية باتجاه الجبل حتى شيعونا في ظلام حالك .. لم تكن المسافة للوصول إلى الجبل طويلة أو شاقة ، إذ وصلنا إلى هناك بسهولة لم نشعر بضجر من السير بأحذية جلدية مدنية وبناطيلا تعيق حركة أطرافنا أو من تعب أعاقنا .. هناك في الجبل وفي أول صعود بلغنا قمته أمرنا الرفيق من سنجار بالتوقف عندها .. كانت تلك القمة المنخفضة بداية لصعود جبلي كان يحتاج إلى وقت أطول من الذي قطعناه .. قبل أن أعرف أي شيء عن الموقع شعرت إنه ربما لا يكون كفيلا بحمايتنا في حالة حدوث أي طارئ ، ولذلك وجدتني حائرا .. أتفحص ما حولي وأختبر الصخور التي بدأنا نجلس أو نهيأ لنا بينها أماكن نوم ربما إلى وقت متأخر من النهار التالي ، وربما كان شعور بقية الرفاق يذهب بهذا الاتجاه والخشية من هذا المكان .. شعر رفيقنا من سنجار بحيرتنا ، وأدرك إن سببه هو الموقع الذي أختاره لنا . لذا حاول أن يتحدث معي جانبا ، إذ أخبرني في خلوة بقصة صخرة كانت قريبة من الموقع ، وقال أرجو أن لا نحتاجها .. وواصل قائلا ، ترى أمامك هذه الصخرة التي تتوسط هذه الدائرة والتي يتوزع فيها أماكن نومنا .. فقلت وما بها ..! قال ، إنها غطاء مغارة تقينا من أي خطر قد يداهمنا في النهار ، قلت له وكيف ..؟ قال لأنها مغارة طويلة وفي الطوارئ ربما نجد أنفسنا في موقع آخر بعيد عن هذه النقطة بعد أن ندخل إليها اضطرارا ، بدأ قلقي يزول وازداد فضولي لمعرفة بعض التفاصيل عن هذه المغارة ، حينها لم يكن الوقت يساعد كثيرا للخوض في تفاصيل أمر ليس له أهمية ، بقدر أهميته كمخبأ لنا و أن يكون الموقع الذي نتواجد فيه آمنا وقادرا على حمايتنا ، تحدث لي رفيقنا بعجالة عن بعض مزايا المغارة وقال هناك البعض من المعارف يؤكدون إنها من المغارات الغير مكتشفة لحد الآن بالنسبة إلى الكثير من أهالي المنطقة ولكن بعض الهاربين من الخدمة العسكرية اكتشفوها بسبب الحاجة وعن طريق الصدفة وبدأوا يستغلون سريتها في الاختفاء أثناء ملاحقة مفارز الأمن أو الجيش اللاشعبي لهم .. وكانت المغارة وحسب وصفه شبيهة إلى حد كبير بتلك الموجودة في (حمبس)* في جبل خورزان ، التي كان يصل عمق بعضها إلى 20 م أو أكثر ، قضينا فيها سنوات طويلة نؤدي منطلقا منها مهامنا الحزبية وأوقاتا عصيبة أثناء تقدم قوات العسكر والجحوش وتطويقها للموقع وكان فيها العديد من مخابئنا السرية التي تعتبر مجهولة حتى الآن بالنسبة إلى أهالي قريتا خورزان وطفطيان القريبتان من هناك ، إلا أن رفيقنا أكد إن بعض الهاربين أكدوا إن هذه المغارة يمتد طولها إلى عدة كيلومترات ولها مخارج في أماكن أخرى بعيدة عن نقطة اختباءنا ، وهذا ما يميزها عن أخواتها في حمبس .

ما كان يدور في خلدي قبل أن استمع إلى حديث الرفيق من سنجار حول الموقع الذي توقفنا فيه لكي نمكث فيه ليلتنا هذه والنهار الذي يليها بطوله ، كان يدور في خلد الرفاق الآخرين أيضا لذا طمأنت من سألني عن الموقع وقلت إنه كفيل بحمايتنا ، دون أن أذكر عن وجود مغارة أفصح عنها رفيقنا من سنجار .. لم يكن النوم ممكننا في الليل ونحن لا نرتدي على أجسادنا غير قميصا وبنطلونا صيفيان .. لذلك وجدتنا نتحدث إلى بعضنا البعض إلى الصباح حتى أشرقت الشمس التي أدخلت الدفء في أجسادنا والتي رضخت في النهاية إلى الخمول وثم النوم لبضعة ساعات .. أما بقية النهار فقضيناها بالحديث عن مواضيع مختلفة ، ربما كان الأهم من بينها أن ينقضي النهار بسلام دون مشاكل ، قلت كان معنا ما يكفي من المأكل والمشرب فلم نضطر اللجوء إلى أكل أوراق الشجر كما كنا نفعله في جبل كارة .. قضينا تجربة جديدة في هذه النقطة لم نعتادها في السابق وهي أن نكون في الجبل دون سلاح متكامل وهذا ما لم يحدث لنا طيلة وجودنا في جبال كوردستان الأخرى إلا قليلا .. فقد كان المرء منا دون سلاح يشبه كمن ينقصه أهم ميزة جبلية .. فكيف بنا ونحن في الجبل وبملابس مدنية لا تساعدنا على المناورة فيه لا في الحركة ولا في أي شيء آخر.

لم يكن سهلا أن تمر ساعات النهار الطويلة بسرعة .. حرصنا على شكل حركتنا .. لم نكن نحتاج إلى عناء كبير كي نقدر هذا الحرص .. إذن إنها ساعات وستبدأ مرحلة قصيرة وجديدة من الخطورة تفصل بين أكداس من الأخطار أقحمناها وبر الآمان الذي ننتظره .. كان رفيقنا من سنجار واثقا من سهولة تجاوزها .. ولكن كان من الصعب علينا أن نشعر باطمئنان إزاء ها مثلما كان يطمئن إليها .

عشرات المرات كانت أيادينا ترتفع دون إرادة منا وتقترب من عيوننا لكي تعاين الساعات وتحسب الوقت المتبقي ونقيس على ضوءها مدى الخطورة المشكلة المتبقية على تواجدنا هنا .. وكأننا سندخل الجنة عندما يحين موعد الحركة ونحن نغادر وطن المحن والعذابات الذي لم يبقى لنا فيه ما يحمينا ، قلق وأحاديث ومعاينة ساعاتنا وشعور بالفرج وأحلام الخارج كل ذلك كان يصطدم بأرقام ساعاتنا لاحتساب الوقت الذي كان يسير بطيئا قاسيا مثلما كان كل شيء في هذا الوطن قاسيا ولكن رغم ذلك فإنه تقدم إلى الأمام حتى أعلن رفيقنا من سنجار ذات لحظة قراره وقال استعدوا فالوقت حان لكي نتحرك .. لم يكن هناك ما يؤخر استعدادنا .. إذ ليس هناك من ملابس عسكرية خاصة بالبيشمه ركه كي نتأخر في ارتداءها أو شد (البشدين )* ومخازن العتاد عليها ولملمة حاجياتنا ووضعها في حقائب خاصة بنا (عليجة) وشدها على ظهورنا ، لم يكن هناك العفاروف ولا الـ ربي جي لكي نحمل عن حامليها ذخيرتها ( ذخيرة هذه الأسلحة ) .. ليس هناك حرس ندعوه لترك قمة جبل ولكي ينظم إلينا ونبدأ المسير .. لم تكن هناك نيران أشعلتها المجاميع نقوم بأطفاءها بماء زمزمياتنا ، فكل الذي كنا نمارسه من طقوس البيشمه ركايتي في الجبل توقف منذ أن بدأت عساكر النظام المدججة بالأسلحة الكيماوية تتقدم نحو مواقعنا وقرى وقصبات كوردستان ، وكل الذي كان معنا تركناه في الكه ند ولم نأتي إلى هنا سوى بقميص وبنطلون صيفيان وحذاء جلد ومبلغا متواضعا من المال في جيب كل واحد منا وهوية مزورة جرى توقيفها في نقطة التفتيش الأخيرة ... وهموم جمة ، كلما غصت فيها تجد أبرز مابينها صورة الوطن التي بدأت تشكل عبئا ثقيلا لمن يريد الحفاظ عليها .. فإن كنت تحملها وتدافع عن الوطن وتحمل رايته فإن حكومة بلادك (الوطنية) لها حق ملاحقتك من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية ومن صخرة إلى صخرة ومن شارع إلى شارع وحتى عبر الحدود وها تلاحظون كم من أدوات قذرة استخدمتها في هذه الملاحقة .. وها تتتابعون رحلة انسحابنا من الوطن مهزومين منه تحت ضغط الأسلحة الكيماوية .. فهل ننفض من على أجسادنا غباره الذي تراكم عليه منذ أن ولدنا فيه ذات وقت محدد (عراقيين ) أم نبقى نحملها معنا إلى منافينا الإجبارية ، أي قدر يتحكم بنا بهذه القسوة .. أن نجبر على الانسلاخ من وطننا الذي لا يشبه في أي شيء أوطان الناس الآخرين .. !! فثمن انتماء العراقي إلى وطنه هو العيش بائسا أو الانتقال من سجن إلى آخر أو الموت بأقذر الأساليب أو التشرد إلى بلاد الآخرين .

حين وصلنا إلى مرعى ومزرعة كان فيها بئرا ارتوازيا وعددا من الأشجار لم أحاول معرفة نوعها كان الظلام قد فرش بجناحيه على هذه المنطقة الواقعة في أسفل الجبل الذي كنا نختبئ فيه أثناء الليلة الفائتة والنهار الذي كان ينقضي بهدوء وسكينة إلا من صراعات حادة في دواخل كل واحد منا .. استقبلنا هناك رجلا يتواجد في المكان باعتباره راعيا لقطيع من الماشية ، استلمنا من الرجل كمية من الخبز وماءا للطريق ، لم نتأخر هناك بالقرب من المزرعة كثيرا بل تحركنا بعد وقت قصير باتجاه المجمع ، عبرنا الشارع بحذر ودخلنا في واد يذهب باتجاه الحدود السورية وبعد مسافة قصيرة دعانا الرفيق من سنجار أن نتوقف في نقطة ما عرفنا إنها ستكون نقطة التقاءنا مع رفاقنا القادمين من سوريا والذين سيقودوننا إلى داخل حدودها ، في الحقيقة لم نكن نعرف من سيكون هؤلاء الرفاق وكم سيكون عددهم ، بقينا ننتظر وصولهم بلهفة شديدة ، وقدومهم إلى نقطة الالتقاء لم يتأخر إذ لم يتعدى انتظارنا إلا دقائقا محدودة حتى سمعنا أصوات أرجل تدق الأرض خفيفا تقترب منا ، بعدها بلحظات لاح شبح شخصين يتقدم نحو مكان تواجدنا ، قال رفيقنا من سنجار ، إنهم رفاقنا ، وبعد لحظات أخرى وجدنا كل من الرفيقين ( أبو نادية)* و(سردار دهوكي)* بيننا ، كانت فرحتنا بوصولهما شديدة . وعبرا عن اعتزاز هما بما أقدمنا عليه وعدم الاستسلام لهمجية النظام الدكتاتوري و إقحامنا لهذه المخاطر ، وعملا من أجل التخفيف عنا بسبب ما عانيناه خلال الأسابيع الماضية ، سألا على عجالة عن بقية الرفاق ، وبعد دقائق قليلة قال أحدهما من الأفضل أن نبدأ بالحركة ، فصاحبنا رفيقنا من سنجار إلى سوريا عبر الحدود التي تستعر فيها الحرب المخابراتية على طول ما يربط البلدين منها ليلا ، ونهارا تتراجع جيوشهما المخابراتية إلى داخل حدودها لتقييم ليلة معاركها وحصادها وإعداد خطط للليلة القادمة وزرع الطرف الآخر بعناصرها . في هذا المكان توقفنا ومنه بدأنا نراقب الشارع لمعرفة ما إذا كانت هناك كمائن في طريقنا . فكان الوضع على ذلك الخط من الحدود طبيعيا لم نشعر بأي شيء خلال فترة المراقبة يعرقل عبورنا الحدود ، لم نفكر أن نشارك الرفاق في اتخاذ أي قرار بخصوص العبور فكل شيء كان متروكا لأبو نادية وسردار دهوكي والرفيق من سنجار، كنا نصغي أليهم جيدا وننصاع لقراراتهم في الحذر وعدم إخراج الأصوات والسير سريعا أو بطيئا أو منفردا أو في رتل متقارب أو التوقف أو الانبطاح أرضا .

أذن لم يبقى بيننا وبين أن ننسلخ من جلد أرضنا التي كستنا منذ الولادة إلا دقائق تتوقف حركتها على قرار الرفاق في العبور سواء اتخذوه سريعا أم بطيئا . تلك الأرض التي أتعبتنا وأرعبتنا ، سنغادرها إن كانت تلك المسافة القصيرة من نهايتها غير مزروعة (بحماة الحدود ) .. هذه الدقائق التي كنا ننتظر فيها على الحدود كانت دقائق صفح وتسامح بيني وبين العراق .. ذلك العراق الذي لم يستطع حمايتي بعد أن عملت ما كان بوسعي من أجل حمايته ، يوم تركت مقعدي الدراسي قبل أن أنهي تعليمي في المرحلة الثانوية وإلى الأيام الأخيرة التي أوصلتني إلى الحدود والتي انشغلت فيها خائضا في الجبال ضمن مجاميع صغيرة لا حول ولا قوة لها إلا إرادتها في التحمل وإقحام المخاطر والحفاظ على الحياة وشرف الانتماء الحزبي وسط جيوش هائلة تحتل كل بقعة من أرض حريتنا ، ومتسللا بهوية مزورة مستولى عليها في النهاية ، عبر مدن مسجونة يحرس مخارجها وأزقتها الداخلية شرطة أمن وأمن خاص ومخابرات واستخبارات وعناصر الجيش اللاشعبي و قوات الحرس الجمهوري وفدائيي وأصدقاء صدام وعدد ما شئت من مغتصبين ينتمون إلى أجهزة تغتصب مدننا وقرانا ليلا ونهارا ، انشغلت فيها هذه المرة من أجل النفاذ بجلدي ومن أجل رفاقي الذين غصت معهم في سنوات قاسية من تاريخ أفتخر بأنني لم أركع أمام أهوالها ، وهذه المحطات هي جزء من ذلك التاريخ المليء بالدماء والويلات والمعانات والتي كانت تجتاح بلادنا من كل جهة من جهات هذا التاريخ في ظل وجود دولة بوليسية يحكمها دكتاتور بقبضة من الحديد ... رفاق وأصدقاء أنقياء كانوا ضحايا ضمن صفحات هذا التاريخ ... عوائل بكاملها تشكل جزءا مأساويا ضمن صفحات هذا التاريخ .. سجون .. ملاحقات .. اعتقالات .. معارك .. قتل .. مقتول ..جرح .. مجروح .. انتصارات .. هزائم .. قيم .. جوع .. عطش ..إعدام .. كلمة .. بندقية .. قصة .. قصيدة .. جريدة سرية .. رسالة ملفوفة .. تنظيم سري .. تخطيط لعملية .. مسرحية .. كتاب .. التسلل إلى الداخل ، كلها كانت مفردات هذه الصفحات من التاريخ .

أي زمن سنخلفه وراءنا ، وأي بشر سنتركهم مرغمين في ذلك الجحيم الذي حل ببلادنا .. ؟؟ كيف سنتواصل مع أحبتنا ..؟ هل ستكون الدقائق القليلة القادمة فاصلا أبديا بيننا وبينهم وسنغترب عنهم وعن وطن بدأت أخشى منه لأنني لوحقت في كل زاوية من زواياه وعلى طول ما يقارب عقدين من الزمن ..؟ إذن دقائق قليلة تفصل بيننا وبين أن نعبر من هذه النقطة حدود البقاء أو حدود عراق الموت .. الليل كان هادئا ونسيم هواء منعش مائل إلى البرودة يهب في سماء هذه الزاوية من نهاية الوطن .. نواظير رفاقنا فحصت بدقة ذلك الشارع الذي يخترق أرضا منبسطة شبه رملية تغوص في عمقها أقدامنا التي تحتذي جلدا غير مؤهل للسير عليه مسافات طويلة .. ولكننا نسير في نهاية العراق وهي ( النهاية ) أكثر إلحاحا من حذاء يعيق أرجلنا من أن تخطو خطواتها الأخيرة نحو نهاية العراق وتعبر حدوده .. همسة رفيق تحثني على عبور الحدود وهمستي تحث آخرا وفي دقائق سريعة تركنا الشارع وراءنا ولما يزل يحثوننا على العجلة لأن الأرض منبسطة وضوء القمر بدأ منذ وقت قصير ينيرها لمسافات بعيدة .. علينا أن نركض إلى أن نصل إلى الساتر وعندها سنكون في مأمن ، قالها رفيقنا من سنجار الذي صاحبنا إلى داخل الحدود السورية .

في الصباح الباكر من يوم 5- 10 – 1988 كنا في (البيت الكبير)* – محلة الغربية – مدينة قامشلي وبضيافة الرفيقين (أبو أفكار)* و(علاء)* نتناول فطورنا جبنا ومربى وخبزا حارا وشايا أعده أبو أفكار على نار طباخ غاز وليس موقد لحطب البلوط .

ولازال هناك ما أقوله في محطات أخرى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- (حمبس)* مكان ما في الجبل ضمن السلسلة الجبلية الممتدة بين شيخان وجامبور بالقرب من قريتا طفطيان وخورزان ، يبدو إنه تعرض في تاريخ قديم إلى انهيار، وعلى أثره تشكلت بين صخوره كهوفا ومغارات ، جرى استخدامها كمخابيء وأوكار من قبلنا والهاربين من الجيش في فترة الحرب العراقية الإيرانية ، كنا ننطلق من هذه الأوكار السرية إلى عملنا في عمق الده شت وإلى المدن.

- (البشدين )* قماش يلف على البطن وهو جزء ملازم مع الملابس الكوردية ، وعادة كان الأنصار والبيشمه ركه يكثرون من طوله لأنه كان كفيلا بحماية الخاصر من ضغط قبوريات مخازن العتاد.

- ( أبو نادية)* من الأنصار الأوائل ضمن مقرات الحزب في كوردستان ثم انتقل للعمل ضمن مفارز الطريق ، والآن يعيش في بريطانيا .



- (سردار دهوكي)* أيضا كان من الأنصار الأوائل ، ثم انتقل للعمل ضمن مفارز الطريق ، وألان يعيش في دهوك يقود العمل الحزبي هناك وهو عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني / العراق

- (البيت الكبير)* بعد وصولنا إلى هناك ووصول أعداد أخرى من الرفاق عبر طرق أخرى والذين بلغوا بالعشرات ، كان لابد للحزب تأجير المزيد من الدور السكنية لايواءهم ، فتعددت هذه الدور ولكن هذا البيت كان أقدمها وأكبرها ، وكانت الأنشطة الثقافية والإجتماعات وغيرها من الأمور تتم هناك ، ولذا سمي بالبيت الكبير . حيث كان عدد غرفه 8 غرف إضافة إلى المطبخ والمنافع ، وكان مشيدا من اللبن الطيني .

- (أبو أفكار)* من الأنصار الأوائل ، عمل في عدة مقرات وقواعد أنصار ثم انتقل للعمل ضمن مفرزة الطريق ، يحب هوايته في الطبخ ، فيعد أطباقا شهية ، يعيش الآن لاجئا في ألمانيا .

- )*( علاء)* كان من بين أنصار مفرزة الطريق ، تعرفت عليه فقط هناك في قامشلي . يعيش الآن في أحدى الدول الأوروبية ، انقطعت أخباره عني منذ سنة 1990 عندما التقينا في موسكو.



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات من أنفال به هدينان – المحطة التاسعة عشرة
- التخلف يتوسع ويتحدى ..والأفكار التقدمية تنكمش..!!
- وماذا بعد نكبة شنكال ..؟؟؟
- محطات من أنفال به هدينان – المحطة الثامنة عشرة
- مقتل دعاء الهزة الأعنف .. وقتل الأبرياء يعد الحلقة الثانية ف ...
- محطات من انفال به هدينان – المحطة السابعة عشرة
- المجتمع الأيزيدي يتعرض إلى مخطط خطير: ماهي مسؤولية الحكومة ا ...
- ما بعد أحداث شيخان ...لايجوز الإبقاء على ما قبلها ...حلول .. ...
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة عشرة
- محطات من انفال به هدينان - المحطة الخامسة عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثالثة عشرة
- محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة
- ماذا عن الميليشيات ..! أليست إرهابية ..؟
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الحادية عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة العاشرة
- أبا فؤاد يوارى الثرى
- المحطة التاسعة - محطات من أنفال به هدينان
- الممنوع الجديد في العراق الجديد ..!!
- !..حربكم قذرة .. الوطن يحترق بنيرانها .. أنتم تتحملون مسؤولي ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ناظم ختاري - محطات من انفال به هدينان - المحطة العشرون