أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - كيف نحمي العراق ونصنع مستقبله















المزيد.....


كيف نحمي العراق ونصنع مستقبله


كريم عبد

الحوار المتمدن-العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13 - 11:52
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


العراق الآن في حالة ضياع سياسي، والأسوأ هو أن أية جهة ذات شأن، ليس لديها تصور واضح بالنسبة للمستقبل المنظور. لا جواب عملياً على سؤال : إلى أين ستسير الأمور خلال العشر سنوات القادمة ؟! وهل ستواجه الأجيال القادمة المعاناة القاسية المستمرة منذ خمسين سنة ؟! الجواب على هذين السؤالين هو في غاية الأهمية لأي مشروع سياسي وطني، بحكم الضرورة والمسؤولية. فالمخطط الأمريكي كان واضحاً، هدفه تدمير الدولة والمجتمع، وتحويل اليأس والعدمية، وما يَنتـُج عنهما من أخلاق مشوهة، إلى ثقافة عامة بغية خلق مجاميع سياسية على أنقاض المجاميع السياسية النافذة الآن، والتي أصبحت محترقة السمعة بالنسبة للرأي العام، مجاميع بديلة تستجيب لشروط الهيمنة الأمريكية الإسرائيلة، وهذا هو المعنى الحقيقي ل(العراق الجديد). وهذا ليس خطأ الأمريكان والإسرائيليين فهم يتـّبعون أية سياسة بإمكانها خدمة مصالحهم المحكومة بآليات الهيمنة على الآخرين وتقويض قوتهم من الداخل، بل هي أخطاء وخطايا الأحزاب الدينية والكردية التي وجدت مصلحتها في كل هذا الخراب !!
وما يزيد الأمور تعقيداً هو الإنعكاس السلبي الخطير لصراعات القوى الاقليمية على (الساحة العراقية) والتي أعطت في المحصلة هذا الزخم الغريب للمنظمات الإرهابية التي ارتكبت وترتكب المزيد من الجرائم الشنيعة يومياً !! المطلوب إذن هو خلق بديل عراقي وطني مستقبلي لمواجهة المرحلة الثانية من المخطط الأمريكي الذي يتم تجهيزه الآن خلف الكواليس. وهو أسوأ من المشروع السيء القائم الآن.
على العقل العراقي الجمعي أن يتحرك منذ الآن، بخطوات مدروسة واضحة ومحددة، لا على أساس أننا سنستلم السلطة بعد سنتين ونغير الأمور بالشعارت الطنانة. ولكن من خلال مشروع سياسي عملي وفعال للعشر سنوات القادمة. ولكي يُصبح مشروعنا مفهوماً علينا أن نوضح أولاً : لماذا العشر سنوات القادمة ؟!
إن الاحتلال الأمريكي – الإسرائيلي والتدخل الإيراني - السوري المبرمج إلى جانب الإرهاب وعموم القوى الإقليمية الداعمة له، وبتواطؤ متعدد الأشكال والدوافع من قبل الأحزاب العراقية النافدة، وكل هذه الجهات ألتقت عند هدف تفكيك الدولة والمجتمع لأسباب متباينة وكلٌّ وفق مصلحته المفترضة، حيث خلقت سياسة هذه الأطراف مجموعة ظواهر سياسية مشوَّهة، أدى تراكمها وتداخلها إلى تعقيدات داخلية لا يمكن التفكير بتغييرها خلال سنتين أو ثلاث. وإزاء ذلك أصبح العراقيون أمام ثلاث خيارات:
إما الإنخراط في الفوضى الحالية بذرائع أو جروح طائفية أو قومية، والمساهمة في تغذية العنف الأعمى وإدامة التناقضات والضياع في دوامتها.
أو السقوط تحت وطأة اليأس، وتبرير اللهاث الرخيص وراء الأوهام والعظام التي يلقيها الأمريكي أو الإيراني أو سواهما.
أو العودة إلى (العقل والضمير والقيم الوطنية والمسؤولية التاريخية إزاء تضحيات الأجيال السابقة ومصير الأجيال القادمة) والمفردات بين قوسين أصبحت موضوع سخرية عند الأحزاب النافذة، ومن يرددها الآن يُعتبر ساذجاً سياسياً ولا يعرف أصول (اللعبة) !! فأصبحنا بفضل هذا المنطق أمام لعبة جهنمية سيذهب العراق برمته ضحية لها، لعبة تحويل الانحطاط إلى ثقافة عامة !!
أن وجود قوى تخطط وتعمل من أجل ضمان المستقبل هو أمر في غاية الضرورة، لأن طبيعة الصراع ونوعية أطرافه خلال العشر سنوات القادمة هي التي ستحدد مصير العراق وتوجهاته. فإذا استمرت (اللعبة) الحالية دون مواجهة من قبل طرف عراقي وطني، فإن مستقبل العراق سيكون في مهب الريح، أو أننا سنكون أمام نظام سياسي مشوَّه يبنيه الأمريكان على هواهم.
فإذا اضطروا للإنسحاب الكلي أو الجزئي، تبقى الفئات السياسية المرتبطة بهم والتي تمثل مصالحهم بشكل مبرمج سلفاً، أو تلك التي غرقت في مستنقع الفساد والجرائم فأنكشفت سياسياً ولم يعد أمامها سوى التشبث بالأمريكان أو الإيرانيين. أي أننا سنكون في مواجهة مجاميع من لصوص السياسة وعديمي الضمير، يدافعون بشراسة وقسوة عن سلطتهم وامتيازاتهم اللامشروعة أمام أي تحرك شعبي، أو أية قوى أو إتجاهات وطنية ديمقراطية، أي أن نظام صدام سيعود من حيث الجوهر ولكن بشخصيات وأقنعة وشعارات مختلفة. وسيعيش العراقيون القرن الواحد والعشرين تحت وطأة نفس الكوابيس التي عاشوها في القرن الماضي. فإذا لم نتحرك حركة منظمة من الآن، لإبطال هذا الكابوس وقلب السحر على الساحر، فإن مصيرنا سيكون مظلماً وسينكّل بنا القريب قبل البعيد.
ولكي يصبح مشروع التغيير ممكناً، علينا أن نحدد عناوين جميع الظواهر السلبية القائمة، أي معوقات المشروع الوطني الديمقراطي بعيداً عن رطانة الأحزاب الأيديولوجية، التي خلّفت صراعاتها العدمية وغبائها السياسي كل هذا الخراب القائم الآن، بل هي المسؤولة أساساً عن إنتاج ظاهرة صدام حسين خلال صراعاتها العشوائية السابقة، وليس اعتباطاً أن يتشابه سلوك بعض المسؤولين الحاليين وأولدهم بسلوك صدام وأولاده، أنها مدرسة الإنتهازية والشراهة السلطوية نفسها.
لماذا احترقت سمعة الأحزاب النافذة الآن أمام الرأي العام ؟! لأنها فشلت في مهمتها الأساسية المُفترضة، فشلت في فرض الأمن والاستقرار بمعانيهما السياسية والاقتصادية والحقوقية. لأنها لم تتمكن من طرح مشروع سياسي يعتمد على القوى الحية للمجتمع، لأنها لا تمتلك إنتماءً حقيقياً لتلك القوى، فسلَّطتْ علينا الميليشيات والإنتهازيين وأنصاف المتعلمين. إنها أحزاب أزمة وليس أحزاب حل. أما نجاحها في الانتخابات فقد جاء تحت وطأة تصاعد الإرهاب وظروف الاحتلال الإستثنائية عموماً. وأية أنتخابات قادمة ستكون نتائجها معاكسة، لأن أقنعة وأدوات التعبئة الطائفية أُستُنفذتْ وسقطتْ. والخلاصة أن مبررات وجود هذه الأحزاب أنتهت عملياً.
وقبل أن تندثر لتحل محلها أحزاب مشوَّهة أخرى فندخل في حلقة سياسية مفرغة، علينا أن نفهم بأن المطلوب الآن هو تجديد الحياة السياسية أحزاباً ومفاهيم، ولكن خارج (اللعبة) القائمة وأطرافها. وهذا لا يعني القطيعة التامة – كما قد يتصور البعض - مع كل ما هو قائم حكومة ومعارضة والإنتظار عشر سنوات لبدء التحرك، بل المطلوب، بموازاة العمل السري لتشكيل الحزب أو الأحزاب الجديدة وحمايتها من الإندساس والاختراق، أستثمار كل الظواهر الممكنة لترسيخ النظام الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة والمطالبة بترسيخ أسس صحيحة للاقتصاد العراقي وقوانين حماية المستهلكين والمنتجين المحليين، وكل ما يساعد على ضمان مستقبل العراقيين وخصوصاً فضح ثقافة الفساد والتشوه السياسي التي يُراد ترسيخها في عقول المواطنين.
العراق بحاجة إلى أحزاب مدنية ديمقراطية تعتمد ستراتيجيتها على مبدأ رئيسي هو أستقلال القرار السياسي العراقي من خلال بناء إقتصاد عراقي مكتفٍ ذاتياً ومتطور، ومن هذه القاعدة الواقعية والعملية تنشأ فكرة صناعة المستقبل وحمايته، لأن أستمرار هذه الفوضى السياسية والعفن الأخلاقي الذي كرسته الأحزاب النافذة بدون بديل، سيؤدي إلى أستمرار إعادة إنتاج الأزمة إلى ما لانهاية !! لذلك تجب القطيعة مع ثقافة هذه الأحزاب الطائفية والقومية، والتواصل مع عناصرها لوضعهم أمام المسؤوالية الوطنية، أي العمل المُقنع والمدروس لتفيك هذه الأحزاب من الداخل، خاصة وهي في حالة فضيحة سياسية وأخلاقية الآن بسبب الفساد وتردي الخدمات. أي المشاركة مع كل من له مصلحة في تطور البديل الوطني الديمقراطي بالتوازي مع السقوط المتسارع لتلك الأحزاب. بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نبني أسس صناعة المستقبل التي ستضطلع بها الأجيال القادمة.
إن المعركة في العراق هي معركة المستقبل، ولكن لا يمكن ضمان نتائجها إلا بوجود أحزاب مدنية ديمقراطية تحول دون استعمال الدين والرشاشات للسيطرة على الدولة والمجتمع كما تفعل الأحزاب الدينية السنية والشيعية الآن. ولكي نعجل برحيلها، ينبغي أن نكون ضد القيادات المشوهة والاستبداية وليس ضد كوادرها وقواعدها، خصوصاً تلك التي لا تعي ما تفعل ولا تعرف حقيقة (اللعبة) التي يتوجب علينا شرحها وإيضاحها بروح موضوعية هادئة لسحب البساط من تحت اقدام تلك القيادات.
ولكن من سيضطلع بهذه المهمة ؟!
هناك نظرية معروفة تقول: في كل مجتمع عشرة بالمائة من المواطنين فاسدة لا يمكن إصلاحها. وعشرة بالمائة أخرى نزيهة لا يمكن إفسادها. والصراع يدور بين الطرفين على من يستقطب الثمانين بالمائة التي تشكل الغالبية ؟!
إذا كانت الأحزاب الكردية والدينية، وبسبب من أزمتها السياسية وأهدافها غير السوية، قد استقطبت العشرة بالمائة الفاسدة وصارت تعتمد عليها للهيمنة على الدولة والمجتمع، فإن على العشرة بالمائة النزيهة، والموجودة في جميع المحافظات، أن تنفضَ عنها ثقافة الخذلان، أي أن تتحرك حركة مدروسة ومنظمة لإستقطاب الثمانين بالمائة ضحية اللعبة القائمة. أي أن تمتلك أداتها السياسية، أي حزبها القادر على إدارة الصراع، لإنقاذ العراق من براثن الفاسدين، والإستعداد لخوض المعارك السياسية القادمة ديمقراطياً، في مواجهة الأحزاب النافذة الحالية، وأيضاً في مواجهة الطاقم السياسي غير المُعلن الذي هيّئهُ الأمريكان منذ الآن. وإلا فإن هذه القوى الحية والنزيهة التي تجد مصلحتها ومصلحة المجتمع بإعادة الإعتبار للقيم الوطنية، سَتُهمّش من الآن ثم تُدفع إلى خارج المعادلة السياسية، ولا تعود ثمة فائدة حتى من نزاهاتها، لأن النزاهة في السياسة تعتمد على تنظيم واقعي يقود العمل السياسي المبرمج والفعال وليس على الشعارات المثالية والأحلام، أو الإكتفاء بالنزاهة فقط !! فالنزاهة ليست هواية أو مزاج بل هي مسؤولية أخلاقية وسياسية يتحملها الجميع، فإذا لم تملك وسيلة لتعميم النزاهة على الآخرين، هذا يعني أنك تفسح المجال للمستفيدين من الثقافة المشوهة في تعميم مفاهيم الفساد على المجتمع. إذن نحن لا ندعو إلى المثالية بل إلى مشروع واقعي نابع من قيمنا الأخلاقية ومصالحنا المشروعة وهذا هو ما اتبعته جميع الشعوب التي دافعت عن كرامتها ومستقبلها.
إن فكرتنا عن المستقبل ينبغي أن تكون واضحة، فصناعة المستقبل في بلد كالعراق، عملية تاريخية مركبة تشترك فيها أجيال متتالية، ولكن يجب أن نؤسس أولاً لثقافة المستقبل، أي العودة إلى ثقافة القيم الوطنية والمصالح الوطنية وكيفية التوازن بينهما، أن نوقظ بذرة الأمل في نفوس الأجيال الجديدة، فالسياسة حقائق ومعادلات صراع وتضحيات، وليست ( كذباً وألاعيبَ وانتهازَ فرص) كما تثقـّف الأحزاب الحالية عناصرها لتقودهم إلى (حفرة) صدام ذاتها ولو بعد حين.
إن إمكانية تحقيق هذا المشروع السياسي وأهميته تعتمد على الحقيقة التالية: لقد ضيعت الأحزاب الحالية الورقة الأساسية في (اللعبة) التي تدعي أنها تُدرك قوانينها !! وهي ورقة الشعب العراقي. إن عامل القوة في هذا المشروع يعتمد على إمكانية الحزب أو الأحزاب الجديدة في أكتشاف وتكريس القواسم المشتركة بين العراقيين، فالقوى الدولية والإقليمية وجدت مصلحتها في تدمير أية قوة عراقية منظمة يمكن أن تكون بديلاً توحيدياً ديمقراطياً للنظام السابق، لذلك استغلت الانشقاقات المتوارثة بين الأحزاب المعروفة فاحتوتها من الداخل وعمّـقت الهوة فيما بينها، وهنا تكمن أهمية طرح المشروع التوحيدي بعد أن ذاق العراقيون الأمرين من تلك الانشقاقات، وهذا ما قصدناه بقلب السحر على الساحر. أن الأحزاب الحالية تخلت عن المجتمع !! فهي تعتقد أن الورقة العراقية لا قيمة لها لأنها لا تؤمن أساساً بالهوية الوطنية العراقية، لذلك عوّلت على الأوراق الإقليمية أو الدولية !! علينا إذن أن نستعيد الورقة العراقية، أي الثمانين بالمائة المضُطَهدة من العراقيين، لا لكي نقامر بها سياسياً، أو نقبض باسمها مساعدات من دول الجوار، بل أن نستعيدها كي نمتلكها لنواجه بها أعداء العراق الداخليين والخارجيين، ولكي نساهم بمنح العراقيين الفرصة كي يشاركوا بعملية بناء مستقبل العراق، فالعراق هويتنا وكرامتنا وكنزنا الذي يتنافس عليه اللصوص، فهل يمكن أن نتخلى عنه بالسهولة التي يتصورها البعض ؟!
رب سائل يسأل: ولكن ما هي طبيعة هذا الحزب أو الأحزاب المدنية الديمقراطية المطلوب تشكيلها ؟! ومن سيبدأ بهذه المهمة ؟! الجواب هو: أن في العراق عقولاً ومثقفين وشخصيات وطنية كفوءة وأجيالاً جديدةً، وطبقة وسطى تم تفكيك بنيتها التحتية داخلياً وَشُردت خارج البلاد ولا بد لها من أن تعود كي تمتلك بلدها وهذا حقها المشروع، وهناك طبقات مسحوقة ومفقرة قدمت الكثير من التضحيات ولم تحصد سوى الخيبة لأن الأحزاب الحالية تاجرت بتضحياتها، وكل هذا القوى وسواها أصبحت تُدرك أن ثقافة الفساد وإنهيار القيم الذي تعتمده الأحزاب الحالية هو سبب المأساة الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولذلك فأن كل هذه القوى هي الأقدر على الإجابة العملية على السؤالين السابقين، لأن المعاناة الطويلة والمريرة التي يعيشها العراقيون، لا بد أن تُنتج مشروعاً للخلاص، وإذا كانت هذه الأطراف غير قادرة أو أنها لم تنضج بعد !! فهذا يعني أن هناك خللاً خطيراً في قيم وثقافة المجتمع العراقي، ولا تمكن معالجته إلا بهذا المشروع السياسي ذاته، وهذا هو معنى المسؤولية التاريخية التي يجب أن تضطلع بها جميع الأطراف المعنية وفي جميع محافظات العراق.
وختاما لهذه السطور التي هي بحاجة إلى نقاش وإغناء مستمرين، لا بد أن نأخذ بنظر الإعتبار النقاط التالية:
1- إن التوجه السياسي لهذا المشروع لا يهدف إلى القطيعة مع أي طرف إقليمي أو دولى ما دام يقر بحق العراق في السيادة والاستقلال، وهو لا يعني وضع العراق في مواجهة الولايات المتحدة أو سواها، بل هو ضد الأخطاء والخطايا السياسية التي إرتكبتها إدارة بوش أو سياسة الاحتلال في عموم العراق.
2- أن الموقف ضد قيادة الأحزاب النافذة ينبغي أن يندرج ضمن التنافس السياسي الديمقراطي، مع الإنتباه للاستثناءات الوطنية والنزيه في صفوف تلك القيادات، التي بالإمكان أستثمارها لمصلحة تجديد الحياة السياسية.
3- هذا المشروع (حزباً واحداً أو عدة أحزاب) سيكون منذ اللحظات الأولى عرضةً للإختراق والإندساس من قبل الأجهزة المحلية والإقليمية وخصوصاً البعثيين المتمرسين بالتآمر والإندساس إذ يحسبون ذلك عبقريةً والحقيقة أن هذا السلوك لا يدل إلا على الإبتذال عندهم وعند سواهم. لذلك يجب أن تكون التشكيلات التأسيسية الأولى موثوقة وتعرف بعضها البعض الآخر تماماً، وهذا ما يجب أخذه بنظر الإعتبار عند أتصال المحافظات بعضها بالبعض الآخر. وهناك أختراق أكثر خطورة وهو إستلام المساعدات المالية من دول الجوار أو غيرها، الأمر الذي سيؤدي إلى تخريب المشروع من داخله، ولذلك يجب تحريم هذه الممارسة والإعتماد على تبرعات الأعضاء والمؤازرين فقط.
4- إن عمل هذا الحزب أو الأحزاب يكون سرياً وعلنياً في نفس الوقت. كيف ؟ العمل السري هو العمل الحزبي الخاص الذي سيستمر إلى أن تتمركز الأجهزة الأمنية للدولة لتكون قادرة على الحد من نشاط الأجهزة الإيرانية وأعوانها في الأحزاب الدينية، التي عملت وتعمل على اغتيال الشخصيات الوطنية في مختلف المجالات، وهي فترة ضرورية أيضاً لنضوج هياكل الحزب التنظيمية كي تصبح قادرة على إدارة الصراع السياسي الديمقراطي، وذلك بعد تحديد أهدافها وشعاراتها على خلفية نضوج جهازها الفكري والقيمي الواضح والمحدد. أما النشاط العلني فيبدأ منذ الآن بالنسبة لأي عراقي يجد جدوى في هذا المشروع. أي حتى قبل تشكيل الحزب، لأن النشاط العملي لهذه الشخصيات يعتمد على الإتصال بالمواطنين وخصوصاً قواعد الأحزاب الدينية وتوعيتهم بخطورة الأوضاع الحالية والطريق المجهول الذي تقودنا قيادات تلك الأحزاب إليه، وأهمية إعادة الإعتبار لعامل الزمن والقيم الوطنية التي لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بدونها، وبالتالي خطورة المبررات التي تُسوقها هذا الأحزاب السنية والشيعية والكردية لتسويغ تعاملها مع القوى الأجنبية من أجل مصالحها الذاتية التي تعني دفع العراق إلى الهاوية حيث لن يدفع الثمن سوى الشعب العراق الذي تحمل المزيد من التضحيات دون جدوى. والواقع أن فكرة صناعة المستقبل والاستعداد للتضحية مترابطان، أي أن نضحي ولكن ضمن خطة وأهداف نحققها بتضحياتنا التي تاجرت بها قيادات تلك الأحزاب بطريقة رخيصة لم تكن تخطر على بال أحد. أن نضحي وأن نعرف لماذا نضحي ؟! ولأية أهداف ؟! هل من المنطقي، وهل ينسجم مع مباديء الإسلام، أن يقتل بعضنا البعض الآخر، نحن أبناء الفرات الأوسط والجنوب، لكي ينتصر مقتدى الصدر أو عمار الحكيم ؟! كيف يمكن أن نؤمن بأشخاص لا تختلف شراهتهم للسلطة والتسلط عن شراهة صدام حسين ؟ ثم من قال أن أولاد العلماء هم مراجع أيضاً وواجبي الطاعة ؟! هل يوجد نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو تعاليم الأئمة الأطهار أو المراجع العظام يؤيد ذلك ؟! أم إننا أغبياء ومسلوبي الإرادة إلى الحد الذي نخلص فيه من عبودية صدام حسين بشق الأنفس لندخل في عبودية أل الصدر وأل الحكيم بطوع إرادتنا !! أليست هذه مأساة بحد ذاتها !! أليست هذه المأساة نفسها تجري في المحافظات السنية والكردية برموز ومسميات أخرى ؟! من هنا تأتي أهمية العمل على تفكيك الوعي الزائف عند أتباع هذه الأحزاب ومساعدتهم على فهم الحقائق. إن أتباع الأحزاب الدينية هم أخوتنا وأبناؤنا وبالتالي فمن أول مسؤولاياتنا إنقاذهم من عملية الغش السياسي الخطيرة التي يتعرضون لها منذ سقوط الديكتاتورية. إن القيادات التي دفعت شبابنا للإنخراط في الميليشيات وعصابات الإغتيال السياسي أو دستهم في صفوف الشرطة والجيش لا يمكن أن تكون حريصة على العراق وعلى مستقبل دولته. أن هذا المخطط الجهنمي وحده يضع العديد من علامات الإستفهام أمام وطنية تلك القيادات بل حتى أمام سويتهم الأخلاقية.
5- أن أول وأهم أهداف هذا الحزب أو الأحزاب هو إستقلال القرار السياسي العراقي وسيادة الدولة العراقية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا ببناء الاقتصاد الوطني من خلال إعادة بناء الطبقة الوسطى، وعليه فإن في صدارة الإهداف الإجرائية سيكون قانون تعويض عوائل الشهداء والضحايا خلال حقبة الديكتاتورية وفترة الاحتلال في جميع المحافظات. وكذلك تعويض جميع رجال العراق الذين أفنوا زهرة شبابهم خلال الخدمة العسكرية الطويلة في فترات حروب صدام، وينبغي أن تكون التعويضات مجزية بحيث تتمكن هذه الفئات من الإنخراط في المشاريع الاقتصادية، أي تتحول بالتدريج إلى صفوف الطبقة الوسطى المُنتجة، فهذه الفئات هي التي ستكون أحد أهم روافد هذا المشروع السياسي الوطني، وهذا ما فعلته الدول الأوربية بعد خراب الحرب العالمية الثانية، فمبدأ التعويضات كان أساس إعادة بناء المجتمعات الأوربية بالطريقة التي أدت إلى تطورها لاحقاً.
6- نحن بحاجة إلى عمل فكري متواصل كي نقنع مزيداً من العراقيين بأن ظاهرة الحزب الديني هي كارثة سياسية، والمآسي الحالية هي الدليل على ذلك، ولا فرق بين حزب الحكيم أو الصدر أو الصرخي أو اليعقوبي ..الخ، بل أن هذه الأحزاب إذا استمرت ستؤدي إلى تدمير حياة العراقيين في الفرات الأوسط والجنوب قبل سواهم، وهذا ما هو حاصل الآن، فنحن من دفع الثمن الباهظ خلال الأربع سنوات الماضية، فهل ستستمر حالة الإستلاب هذه إلى أن يتسلط علينا بالكامل أوباش الأجهزة الإيرانية !! أين كرامة العشائر العربية إذن ؟! أين كرامة الشعب العراقي ؟! وهل علينا أن نعيش بدون كرامة وبدون حقوق من أجل عيون همام حمودي وعبد العزيز الحكيم ؟! نحن بحاجة إلى عمل فكري متواصل كي يتأكد العراقيون بأن الأحزاب المدنية والحكم المدني هما اللذان يحميان الدين والمراجع الدينية والمزارات والتقاليد والطقوس الدينية، ولا تستطيع أية قوة أن تباعد بين العراقيين وبين دينهم وتاريخهم وثقافتهم.
7- بحكم الضرورة القصوى التي بدأت تفرض نفسها لمقاومة التغلغل الإيراني الخطير في الفرات الأوسط والجنوب، فإن من واجبات هذا الحزب ومؤازريه تشجيع ودعم هذه المقاومة والدفاع عنها باعتبارها حقاً مشروعاً وواجباً وطنية لا يمكن التغافل عنه، بما في ذلك المقاومة الاقتصادية، أي فضح أية جهة عراقية يؤدي عملها أو مواقفها إلى عرقلة التنمية الزراعية والصناعية المحلية لمصلحة تطوير التجارة مع إيران.
8- تحتل العاصمة بغداد أهمية قصوى في هذا المشروع الوطني. بغداد التي تعرضت أحياؤها لمؤامرة خطيرة تمثلت في التهجير الطائفي والتهجير المضاد من قبل السلفية التكفيرية والأجهزة الإيرانية، ولذلك يجب العمل بكل الوسائل على إعادة الهوية العراقية التعددية للمجتمع البغدادي وتعويض جميع المتضررين من عمليات الغدر والتهجير. فلا يمكن الحديث عن المصالحة الوطنية قبل إعادة أهالي بغداد إلى أحيائهم كما كانت قبل التهجير.
9- أن هذا المشروع يحتاج إلى أمور كثيرة ولكن ليس من بينها الحماسة والنزعة العاطفية، بل هو بحاجة إلى كوادر من المدن والأرياف، تمتاز بالصبر والحكمة، متعلمة ومثقفة بمختلف العلوم الحديثة التي من شأنها بناء المجتمع المعاصر والدولة المعاصرة. وهذا هو خيار الحاضر والمستقبل. هذا هو خيارنا الصعب لأنه خيار الكرامة الوطنية.





#كريم_عبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب البعث بصفته وباءً سياسياً 2-2
- حزب البعث بصفته وباءً سياسياً ( 1 - 2 )
- خارجية العراق: مسؤولية لا يشعر بوطأتها الوزير !!
- الأخلاق والإنسان العراقي
- فكرة - المجتمع - في خيال دولة الأجهزة
- رسالة إلى السيد نوري المالكي : ولكن ما هي الديمقراطية يا دول ...
- العراق الجديد : مقولات زائفة ورأسمال سياسي فاسد !!
- خلفيات وأهداف التدخل الإيراني في العراق ؟!
- الحركة الإسلامية في مفترق طرق : إدارة الصراع في لحظة سياسية ...
- الزرقاوي وخالد مشعل : الجهاد والأخلاق والمسؤولية السياسية
- أكاذيب حكام طهران بشهادة إيرانية دامغة !!
- المثقف العربي مُعلقاً من قدميه
- الإنحطاط بصفته ثقافة
- معنى استمرار الإرهاب وتصاعده في العراق !!
- أطوار بهجت تعود إلى سامراء كي تُقتل ثانية ً !!
- حقائق وأرقام أمام الحكومة العراقية القادمة !!
- هل لحكومة الجعفري أن تقلب السحر على الساحر ؟!
- عبد الكريم قاسم
- صناعة ( النجوم ) في قناة الجزيرة : ( فاضل الربيعي دكتوراً ) ...
- طبيعة الدولة ومفهوم الانتماء عند العراقيين !!


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - كيف نحمي العراق ونصنع مستقبله