أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (23)















المزيد.....


قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (23)


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2126 - 2007 / 12 / 11 - 11:29
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


الحزب الشيوعي العراقي والقضية الكردية في عهد قاسم
77

هذا هو عنوان الفصل الثاني والعشرون من الكتاب الثاني لمؤلف عزيز سباهي. يستهل الكاتب هذا الفصل بالإشارة الى أن القضية الكردية شغلت في هذه الحقبة حيزاً كبيراً من إهتمام الحزب الشيوعي العراقي، نظراً الى أنها كانت تتعلق بالقومية الكبيرة الثانية في البلاد والتي ظلت تتطلع، طوال العقود الماضية من تاريخ العراق الحديث،إلى المساواة وإلى تحقيق حقوقها القومية، وتتاح لها، لأول مرة، فرصة حقيقية لكي تمارس بعضاً من حقوقها القومية، بعد ثورة 14 تموز.

وكان الحزب الشيوعي العراقي قد صاغ في الكونفرنس الثاني عام 1956 موقفه إزاء القضية الكردية بوضوح، وأشار دون لبس أو إبهام الى أن "الإستقلال الذاتي لكوردستان العراق (الحكم الذاتي)، وفق إتحاد إختياري كفاحي أخوي، هو تدبير موقوت بظروفه، تقتضيه مصلحة الشعب الكردي نفسه. وهو بهذا المعنى ليس حلاً نهائياً للمسألة القومية الكردية، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن حق تقرير المصير للأمة الكردية. وإنما سيكون عاملاً مهماً في تحرير الأمة الكردية، وفي تحقيق وحدتها القومية، وفي تهيئة الظروف الملائمة لممارسة الأمة الكوردية حقها في تقرير المصير، بما في ذلك تكوين دولة مستقلة لكردستان كلها (1).

كانت العلاقات، كما يشيرسباهي، بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردي (اﻠﭙﺍرتي) تتصف، عموماً بكونها علاقات ود وتعاون. ولكنها لم تكن دائماً علاقات متينة وواضحة. فقد شابتها الإختلافات والمماحكات أحيانًاً. ومع ذلك، كانت على العموم، علاقات ودية عادت، بشكل عام، بالنفع على حركة التحرر القومي الكردية والحركة الوطنية العراقية عامة. وأقام الحزب الشيوعي العراقي و (البارتي) علاقات منتظمة قبل ثورة 14 تموز. ومن خلال تعاونهما كان يجري التنسيق بين جبهة الإتحاد الوطني و(اﻠﭙﺍرتي). وحين جرت محاولة إحياء جبهة الإتحاد الوطني في تشرين الثاني 1958، إنضم الحزب (اﻠﭙﺍرتي)اليها وشارك في التوقيع على البيان الذي صدر عنها يوم ذاك.

بعد أن شرّعت ثورة 14 تموز قانون الإصلاح الزراعي، إلتجأ العديد من الأغوات الإقطاعيين ورؤساء العشائر الكردية الى أيران ووجد هؤلاء لدى حكومة الشاه في ايران الدعم والترحيب. فقد إعتبر الشاه وحكومته أنه من الممكن إستخدامهم كأداة فعّالة لإثارة المتاعب للجمهورية الوليدة في العراق. وكانت السلطات الإيرانية تمدهم بالمال والسلاح، وتدفعهم للتسلل الى العراق. وقد حصلت تمردات كانت تقمع من جانب الحكومة بالتضافر مع القوى الديمقراطية، كما حصل عند قمع حركة رشيد لولان، حين كان التعاون يسود العلاقات بين الحزبين، الشيوعي و(اﻠﭙﺍرتي).

ولكن بحلول ربيع 1959، إتجهت حكومة قاسم نحو التضييق على القوى الديمقراطية، وراحت هذه النشاطات المعادية تتفاقم. ولوحظ أنها قد إزدادت، بوجه خاص، مع تأزم المفاوضات مع شركات النفط، وتوتر العلاقات بين حكومة قاسم و(اﻠﭙﺍرتي). وقد كثر الحديث عن نشاط حزب (شورش). وهو غير حزب شورش الكردي الديمقراطي الذي ظهر في الأربعينات. وكان هذا الحزب قد ظهر لفترة قصيرة جداً قبل إندلاع الحركة الكوردية المسلحة في أيلول 1961، وكان أقرب الى التجمع الإقطاعي منه الى حزب سياسي.

وحين بدأ قاسم سياسته في التضييق على الحزب الشيوعي، وقفت بعض العناصر المتنفذة في (اﻠﭙﺍرتي) ذات الموقف الذي إتخذته بعض العناصر البرجوازية الديمقراطية العربية، لاسيما بعد أن نال (اﻠﭙﺍرتي) إجازته في العمل القانوني. فناصرت جريدتهم (خه بات) قاسم ضد الشيوعيين، ولم تنتبه الى أن الديمقراطية لا يمكن أن تتجزأ، وإن القضية القومية الكردية هي جزء لا يتجزأ من النضال من أجل الديمقراطية في كل أنحاء العراق. وبعد أن فشل قاسم في تحويل (اﻠﭙﺍرتي)الى مجرد أداة لمساندته، شرع قاسم في التضييق على الحركة القومية الكوردية. فبدأت الحكومة في مضايقة جريدة (خه بات). وأحيل إبراهيم أحمد، رئيس تحرير الجريدة، وسكرتير الحزب، الى المحاكمة مرتين (2).

وعلى خلاف ما كانت عليه حالة الحزب الشيوعي العراقي في كرستان، قبل صيف عام 1959 والتي تميّزت بالحيوية والإلتفاف الواسع للجماهير حوله، فقد غدت تحركاته لاحقاً تتصف بالتردد بفعل نهج التراجع غير المنظم. لقد كانت هناك حاجة جدية لأن يطور الحزب سياساته وأساليب عمله، وأن يظل يحتفظ في الساحة بالمبادرة في النشاط بين الجماهير، لاسيما أن منطق الأمور يقول بأن الحكم سيصطدم بطموحات ومصالح الشعب الكردي القومية المشروعة، طالما إعتمد الحكم نهجاً عسكرياً ومنافياً للديمقراطية. وحاول سلام عادل سكرتير الحزب أن يخطو خطوة هامة في الإتجاه الصحيح، إلا أن "الكتلة" الرباعية عرقلتها. ففي ربيع 1960، قدم سلام عادل تقريراً الى المكتب السياسي يشرح فيه آفاق تطور الحركة القومية في كردستان، وحاجة الحزب الى تهيأة نفسه سياسياً وتنظيمياً لمواجهة تطور الحركة. وإقترح لهذا الغرض ما يلي:

أولاً: تأكيد الحزب من جديد على شعار الحكم الذاتي لكردستان العراق.
ثانياً: تكوين لجنة مركزية للفرع، وتغيير إسم فرع الحزب في كوردستان إلى "الحزب الشيوعي لكردستان العراق"، على أن يبقى مرتبطاً تنظيمياً بالحزب الشيوعي العراقي.
ثالثاً: تشكيل منظمات ديمقراطية في كردستان.

وبعد مناقشة المقترحات في المكتب السياسي، لم يقبل إلا بالمقترح الثالث، بعد إستثناء نقابات العمال. أما المقترحين الأساسيين الأول والثاني فقد رفضا في حينه، ولم يقرهما المكتب السياسي إلا في آذار 1962، بعد تأخر سنتين. ولم يتيّسر تنفيذ المقترح الثاني بكامله. وإذ فقد الحزب المبادرة في التحرك في كردستان، صارت سياساته بشأنها ترسم،على ضوء ما يخطط لها الآخرون، وبإنتظار ما تسفر عنه تطورات الوضع، ومناشدة الأطراف الأخرى بتجنيب البلاد مما ينتظرها من أخطار، بدلاً من أن يكون الحزب طرفا ًأساسيا ومستقلاًً في حل النزاع (3).

78

وبحلول ربيع 1961، راح الوضع السياسي في كردستان يتوتر تدريجياً، فبادر الحزب الشيوعي العراقي الى إصدار بيان للشعب في 30 أيار 1961، دعا فيه الأطراف الوطنية الى تدارك أسباب التدهورالذي يشهده الوضع في كوردستان. ودعا الحكومة، بوجه خاص، والقوى الوطنية عامة، الى اليقظة تجاه دسائس الإستعمار وشركات النفط. ونبّه الى خطورة الدعوات الي تروّجها بعض صحف بغداد حول "الصهر القومي" للأكراد وتجاهل الخصوصيات القومية للشعب الكردي. وحذر من السياسة التي تسير عليها الحكومة وأجهزتها الإدارية والأمنية، والتي تقوم على تحريض بعض الزمر الإقطاعية ضد البارزانيين تمهيداً للقيام بعمل عسكري واسع ضدهم، وطالب بالكف عن تفريق صفوف الشعب. وفي 22 آب 1961، عاد الحزب وأصدر بياناً الى الشعب أشار فيه ، بوجه خاص، الى الإجتماعات التي كان يعقدها السفير الأمريكي في ايران والملحقون العسكريون وغيرهم من عناصرالسفارة الأمريكية في طهران مع الأغوات في المناطق الكردية ـ الايرانية المجاورة للعراق. وحذر الحكومة أيضا من مغبّة السياسة الخاطئة التي تسير عليها والتي تقوم على إسترضاء الأغوات الإقطاعيين لضرب الحركة الفلاحية التقدمية في كردستان، وتهديد المواطنين البارزانيين. وناشد الشعب أن يدافع عنهم.

في غمرة هذه الأوضاع المتشابكة إندلعت الإشتباكات المسلحة في كردستان. وكما يقول جرجيس فتح الله المحامي الكردي والكادر في (اﻠﭙﺍرتي)، كانت التجمعات الكردية المسلحة التي رفعت السلاح في وجه الحكومة، في الأصل، "تجمعات عشائرية ساخطة يقودها مبدأياً زعماء رفعوا السلاح بوجه الحكومة لأسباب شتى لاتمت الى أهداف قومية واضحة بصلة". غير أن قاسم بادر الى إرسال قواته الى مناطق هذه التجمعات المسلحة، وأوعز الى طيرانه بضربها في 11 ايلول 1961، وشتتها بعد 7 أيام من الضرب المتواصل. وعلى أي حال، فإن كل من قاسم والملا مصطفى البارزاني، لم يكونا يريدان الحرب أو يعملان لها . ويروي (اوريل دان)، أن قوات كبيرة من عشيرة آكو، القوية، المتحالفة مع البارزانيين، إندفعت بقيادة رئيسها، عباس مامند أغا، للإيقاع بقافلة عسكرية متجهة من كركوك الى السليمانية في كمين نصبته بالقرب من دربندي بازيان، وكبّدتها خسائر كبيرة. فردت الحكومة على ذلك بقصف عباس مامند أغا في 11 ايلول 1961. ولم تكتف الحكومة بذلك، وإنما أغارت طائراتها على قرى بارزان، بعيداً عن مواقع الإصطدام في مضيق بازيان، وقصفتها. فإندفعت الأقلية التي كانت تنادي بالحرب في الحزب الديمقراطي الكردستاني الى العمل المسلح، وجرّت وراءها مجموع الحزب (4).

وعاد الحزب الشيوعي في 14 ايلول الى إصدار بيان مطوّل إختتمه بدعوة الجماهير الى النضال لوقف الإضطهاد القومي والفضائع البربرية التي ترتكبها الحكومة في كردستان، والتخلي عن الحملة العسكرية النظامية وغير النظامية... والنضال من أجل جبهة وطنية شاملة لإنهاء الحكم الفردي وإقامة نظام برلماني ديمقراطي. وكرّر الحزب نداءاته في بيان آخر في 17 ايلول، ففضح طابع الحملة العسكرية الإنتقامية، وذكّر بوعيد آمر الفرقة العسكرية الثانية بتدمير أية قرية كردية يجري فيها إعتداء على أي موظف حكومي!

79

في أوائل عام 1962 درس المكتب السياسي المسألة الكردية. ويشير الفقيد زكي خيري بأنه قدم تقريراً للمناقشة ينطلق من أن " الحرب الأهلية[!] في كردستان هي نتيجة سلبية لإنتهاء الوضع الديمقراطي الثوري الذي ساد العراق في العام الأول من ثورة 14 تموز عندما كانت القضية العامة المشتركة لثورة الشعب العربي والكردي على السواء هي السائدة. وإن إنتهاء الوضع الثوري الى دكتاتورية عسكرية بدلاً من نظام حكم ديمقراطي يتمتع الشعب الكردي بظله بكامل حقوقه القومية الإقليمية هو الذي أثار القضية الخاصة بمعزل عن القضية المشتركة بعد أن رفض القوميون الأكراد التحالف مع الحزب الشيوعي لإنهاء الفترة الإستثنائية".

ويواصل خيري كلامه ويقول:" عارض جمال الحيدري هذا المنطلق بشدة وكان منطلقه هو أن الإنتفاضة المسلحة ثورة كردية طبيعية وإيجابية وجاءت في وقتها المناسب ويجب على الحزب الشيوعي تأييدها بدون تحّفظ وتعاطف معه عزيز محمد. [كان سلام عادل في موسكو آنذاك]. وقد أعد الحيدري تقريراً بديلاً... وكانت النتيجة تقريراً مشتركاً يضم منطلقات جمال الحيدري بصورة مخففة والصيغة التي وضعتها أنا" (5) .

طرح التقرير على إجتماع اللجنة المركزية في آذار 1962. وصدر تحت عنوان " سياستنا وطريقنا لحل المسألة الكردية في العراق حلاً ديمقراطياً عادلاً" (*). وكانت الوثيقة عبارة عن برنامج ديمقراطي واف لحل القضية الكردية، بإعتبارها جزءً لا يتجزأ من قضية الديمقراطية في العراق. وفي عين الوقت فهي تعتبر القضية التي لايمكن من دون حلها إنتصار الديمقراطية فيه. وكما جرى التأكيد على مطالبة الحزب بالحكم الذاتي لكردستان العراق، وعلى حق الأمة الكوردية في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك حقها في تكوين دولتها المستقلة (6).

هاجمت الأحزاب البرجوازية العربية جميعها الحل الديمقراطي الذي طرحه الحزب الشيوعي ورأت بالحكم الذاتي جريمة لاتغتفر بحق الوطن والأمة. ووصفت المطالبة به ضرباً من العنصرية والإنفصالية. وهاجم حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي، في جريدته (الإشتراكي) لشهر نيسان 1962، أممية الحزب الشيوعي العراقي ووصفت قراره حول حق الشعب الكردي بتقرير مصيره"بالماركسية الجامدة"، وإعتبر المطالبة بالحكم الذاتي "خيانة للقومية العربية والوحدة الوطنية" (7). أما الثورة الكردية فقد تبّنت، كما يذكر الرفيق كريم أحمد"مشروع الحكم الذاتي، الذي طرحه الحزب الشيوعي العراقي لحل المسألة الكردية في ذلك الوقت، أي عام 1962..." و "في الوقت الذي رفعت [الثورة] السلاح بوجه السلطة الحاكمة طالبت أيضاً بالحل السلمي للقضية الكردية..." (8).

وتحّرك الحزب على ضوء الوثيقة المذكورة. فنظم حملة جماهيرية واسعة، متعددة الأشكال والأساليب: مذكرات جماهيرية، وفود مختلفة، مظاهرات وإضرابات جماهيرية. ووجّه سلام عادل في 26 مايس 1962، وهو في موسكو، رسالة الى قادة الأحزاب الشيوعية والعمالية، والى رؤساء الدول الإشتراكية يناشدهم فيها مساندة قضية الشعب الكردي العادلة، والوقوف ضد الحرب التي يشنها عبد الكريم قاسم على الشعب الكردي، وزودهم بالوثيقة الصادرة عن اللجنة المركزية حول المسألة الكوردية. وبسبب هذا النشاط الواسع زجّت الحكومة أعدادا كبيرة من الشيوعيين ومؤيديهم في السجون. وإزاء الضغط المتواصل،إضطر قاسم الى إعلان وقف إطلاق النار، لكنه ظل يمانع في حل المسألة حتى إنهار حكمه في إنقلاب 8 شباط الفاشي (9).

80

كان هناك طريقان أمام الثورة الكردية. ويطرح سباهي طريقاً ثالثاً آخراً إضافة اليهما ويؤكد بأن الثورة لم تنجر اليه، وهو الإنسياق وراء رغبات ومشاريع الدوائر الإمريكية في جر الثوار الأكراد الى التعاون معها بإسم المساعدة والدعم. لا أعتقد بأن هذا هو طريق آخر، لأن الأكراد كانوا بالأساس بحاجة الى قوى عراقية في القسم العربي بإمكانها تغيير موازين القوى وحسمها في العاصمة، وأن دور الدعم والمساعدة الخارجية هنا عوامل مساعدة وليست حاسمة.

نعود الى الطريقين. فالأول هو فرض الحل السلمي الديمقراطي للمسألة على أساس الحكم الذاتي، وكان هذا الحل يتطلب تحالفاً ديمقراطياً متيناً مع الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية التي تتحالف أو تتعاطف معه كعناصر الحزب الجمهوري وغيرها، ومع القوى الديمقراطية من البرجوازية العربية، وهو ما رفضته قيادة الثورة. والثاني هو التعاون مع القوى القومية العربية لإسقاط حكم عبد الكريم قاسم، وهوطريق ملغوم ، نظراً لموقف هذه القوى المعادي لأبسط الحقوق القومية الكردية، وهو موقف معلن ومعروف، وقد أشرنا اليه تواً، ولإرتباط ما كانت تخطط له هذه القوى بالمصالح الغربية. وبالتالي، فقد لا ينتهي هذا التعاون الى شيء جدي بالنسبة للقضية الكردية، وإنما يدخل، في كل الأحوال، في دائرة المغامرة والمقامرة. هذا الطريق هو الذي إختارته قيادة الثورة أخيراً، وقبلت بمجرد وعد شفهي بتحقيق مطالبها من قبل طاهر يحيى ومن ثم من علي صالح السعدي، أمين عام حزب البعث العراقي (10)، وهو ذات الحزب الذي كان يعتبر الحكم الذاتي بمثابة "خيانة للقومية العربية والوحدة الوطنية" كما مر بنا. وقد تنكر إنقلابيو شباط الفاشي لوعودهم. وكان الحكم الذي أتى به إنقلاب 8 شباط هو أسوء من حكم قاسم سواء للشعب العربي أو الكردي في العراق .

ويمكن القول الآن، بأن هناك سببين رئيسيين لعدم ولوج التاريخ الطريق الأول. أحدهما يتعلق بالحزب الشيوعي الذي فصل بين الوطني وبين الديمقراطي، وأخضع الأخير للأول، وظل متشبثاً بحكم قاسم الوطني. وكان ذلك سببا في أن تذهب أدراج الرياح كل مناشداته ونداءاته لتوحيد القوى الديمقراطية والقوى المناهضة لقاسم من أجل إنهاء الحكم العسكري الفردي اللاديمقراطي وإقامة نظام ديمقراطي. أما السبب الآخر فهي النظرة القومية الضيقة ﻠ (اﻠﭙﺍرتي) الذي إنطلق من "مصلحة" الكرد بمعزل عن مصلحة ومصير العراق ومصير الديمقراطية فيه. والنتيجة لم تكن لا لصالح الكرد ولا لصالح العراق. لقد كان من الممكن أن يؤدي، تعاون الثورة الكردية مع الحزب الشيوعي، الى تطوير موقف الأخير من الحكم، خاصة وأن تياراً أخذ ينمو في الحزب الشيوعي العراقي بإتجاه الإبتعاد عن قاسم. وإتضح ذلك عندما تبّنى الحزب الشيوعي، كما مر بنا، في ربيع ذلك العام، برنامجاً متقدماً ومتطوراً لحل المسألة الكردية، وكرّس طاقاته وإمكانياته السياسية والجماهيرية المختلفة من أجل تحقيقه. وإصطدم الحزب بقوة بحكم قاسم وقدّم على هذا الطريق تضحيات كبيرة. وتعمّق نهج الإبتعاد عن قاسم في الربع الأخير من العام المذكور. وتشير التجربة التاريخية بأنه كان على قيادة الثورة الكردية إختيار هذا الطريق، طريق التعاون مع القوى المؤمنة بالحقوق القومية الكوردية في برامجها المعلنة وسلوكها العملي، وعدم الإعتماد على وعود لفظية من قوى لا تؤمن بأبسط حقوقهم القومية، وإنجرارهم الى تأييد إنقلاب فاشي، كانت عواقبه وتداعياته وخيمة على الشعبين الكردي والعربي في العراق.
________________________________________
(1) "خطتنا السياسية في سبيل التحرر الوطني والقومي"، وهي الوثيقة الصادرة عن الكونفرنس الثاني للحزب الشيوعي العراقي المنعفد في عام 1956. راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ط 2 ج 1 ص130. يدّعي الكاتب جرجيس فتح الله بأن قيادات الحزب الشيوعي لم تعترف بحق تقرير المصير بعد قيادة بهاء الدين نوري وقد تراجعت عن ذلك الإقرار. ويدّعي كذلك بأن الحزب الشيوعي لم يعترف بوجود الأمة الكردية، إن النص أعلاه يفنّد إدعاءه. فقد ورد في النص ذكر "حق تقرير المصير مرتين" و"الأمة الكردية" ثلاث مرات . وما يلي نص ماكتبه فتح الله: " بقي الحزب الشيوعي العراق الذي كان في أيام العهد الملكي يتعرض لأشد الملاحقة والتنكيل متذبذباً لايستقر على رأي في مسألة الأعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير المصير [....] حتى عام 1952عندما كان (بهاء الدين نوري) سكرتيراً عاماً له وهو كردي، فقد إعترف بهذا الحق بصراحة. إلا أن القيادة التي تدوالتها مختلف الأيدي بعده تراجعت عن هذا الإقرار ربما كان ذلك يرّد الى الخوف من دعاة الحركات القومية...الخ". ويقول أيضاً: " وأقام ح.ش. ع. الدنيا وأقعدها على الحزب الديمقراطي الكردستاني بإصراره على إعتبار الكرد أمة...الخ". جرجيس فتح الله. مصدر سابق،ص864. . إن الوثيقة التي إستشهدنا بها هي وثيقة هامة ومشهورة وصدرت في عام 1956، عندما كان سلام عادل سكرتيراً للحزب. (جاسم)
(2) راجع سباهي مصدر سابق، ص499 ـ 405. والهامش رقم 5.
(3) راجع سباهي مصدر سابق، ص506. يذكر سباهي بأن سلام عادل قدم التقرير المذكور في نهاية 1960. والصحيح هو أنه قدمه في ربيع العام المذكور، وبالتالي فأن إقراره قد تأخر حوالي السنتين، وليس سنة ونصف. راجع مطالعة الشهيد جمال الحيدري في إجتماع المكتب السياسي المكرس لمحاسبة الكتلة االرباعية. . ثمينة ونزار. مصدر سابق، ط 2 ج 2 ص409.
(4) راجع جرجيس فتح الله. مصدر سابق، ص848. راجع كذلك اوريل دان. مصدر سابق، ص419. ـ راجع أيضاً سباهي. مصدر سابق، ص509 وما يليها.
(5) زكي خيري، مصدر سابق، ص225 وما يليها.
(*) نسب جرجيس فتح الله هذه الوثيقة ، الصادرة عن اللجنة المركزية، الى الشهيد جمال الحيدري شخصياً. وهذا خطأ، فالوثيقة حزبية وليست شخصية مادامت صادرة عن هيئة حزبية، ولم ينفرد الشهيد الحيدري بوضع مسودتها، بل كانت مشتركة، كما هو واضح في أعلاه. راجع جرجيس فتح الله. مصدر سابق، ص869.
(6) راجع زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص313.
(7) زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص313.
(8) كريم أحمد. مصدر سابق،157.
(9) راجع سباهي. مصدر سابق، ص512 وما يليها. راجع كذلك ثمينة ونزار. مصدر سابق، ط 2 ج 2 ص150.
(10) اوريل دان. مصدر سابق، ص431.
يتبع



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة نقدية في كتابعزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ا ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (23)