صبحة ( عبد الجبار الدراجي )

رشيد كرمه

الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 11:05
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

كنت قـــد اعددت هـــذه المادة قبل فترة زمنية بعــد ان عرضت قناة الشرقية التلفزيونية اللقاء الأول للفنان المطرب والمثقف العراقي ( عبد الجبار الدراجي ) أحد اهم واجمل وأشهر الأصوات الريفية الغنائية التي سعت الى الطرب الأصيل مــنذ خمسينيات الــقرن العشرين والفنان الدراجي من مواليد بغداد محلة المشاهدة ظهر الى الساحة الفنية مــــع وجود عمالقة الفن العربي والعراقي ( محمد عبد الوهاب , فريد الأطرش , عبد الحليم , ناظم الغزالي , رضا علي , عباس جميل , حضيري ابو عزيز , داخل حسن ) ...
ولربما نعود الى سبب تصنيفه كمطرب ريفي في مقال آخر , المهم ان عبد الجبار الدراجي قارئ نهم , وشاعر , مرهف الحس , حلو المعشر ودمث الأخلاق .....أطال الله عمره
وقد كان اللقاء معه عبر الفضائيات شيئا جميلا ً , زاد من جماله بساطة اللقاء , وتلقائية مقدمة البرنامج ( نور رعد ) وابتسامتها العريضة وانسيابيتها مع فنان رائد حقا ً .
وعندما تُخنق الثقافة والطرب وتحل محلها الخرافة والجهل يصبح لزاما علينا تتبع هذه الكنوز العراقية التي لم تبخل على الناس جهدها في الغناء والتمثيل والموسيقى , وشاءت الصدفة ان التقي في اوربا وتحديدا مملكة السويد فناناً عراقيا ًعمل كــمخرج منفذ *لعدد مـــن الأفلام المهمة وكـان بحكم وظيفته الفنية البحتة قريبا من مصادر القرار , وكان لي مع هذا الفنان دردشة لا تخلو من معنى , اتمنى ان تصل الى المبدع عبد الجبار الدراجي الذي اتحفنا بصوته العذب المميز ....
ملاحظة (( مساء يوم 5 كانون الأول اعيد عرض اللقاء , وهذا مما حفزني لنشر الموضوع بعد ان احجمت عن ذلك لأنشغالي باعمال أخرى )
سألت محدثي : ما الذي أستوقفك في هذا اللقاء ؟ أجابني : الذي أستوقفني في اللقاء هو سؤال مقدمة البرنامج للمطرب الرائد عبد الجبار الدراجي : لماذا منع النظام السابق بث أغنيتك ( وعيونك يصبحة مانسينه ....صار فراقكم صعبة علينة )
أجابها الدراجي : إن منعها جاء متزامنا مع منع أغنية موفق بهجت ( ياصبحة هات الصينية... صُب ِالشاي ليكِ وليه َ.. ) ولا أدري لماذا منعت الأغنيتان ؟ !!!!!
وربما لم يرد ان يحرج الفنان مضيفيه في الشرقية او لا يريد ان يعكر علاقته بمن يعيش معه في الأردن وهي مليئة بالكادر البعثي الذي خنق الناس بما فيهم عبد الجبار الدراجي أيام دولة المنظمة السرية الرهيبة ولذلك تحاشى إثارة الموضوع وعلى أقل الأفتراضات انه لايدري سبب المنع .رغم ان الوسط الفني ـــ الأذاعي والتلفزيزني كان على علم بموضوع المنع ولكن ( اسبابه ) لم تكن معروفة ومنتشرة كما كانت مع منع اغنية البنفسج للمطرب ( ياس خضر ) على سبيل المثال او كغيرها من الأعمال الفنية التي كان النظام المباد يتوجس منها خيفةَ ان تكون ذات معنى مبطن وتحمل تأويلا ً أو إسقاطا ً رمزيا ً تستخدمه وتتلاقفه ألسنة الناس للنيل من سلطة القمع والأرهاب بشكل غير مباشر .
يتذكر محدثي تفاصيل حادثة منع الأغنيتين في بداية الثمانينات وهو شاهد عيان على الموضوع , حيث يقول: بعد إندلاع الحرب التي أشعل فتيلها الطاغية صدام ضد إيران , سخر كل إعلامه المرئي والمقروء والمسموع لخدمة معركته الشخصية , او بالأحرى قادسيته المزعومة , وفي منتصف الثمانينات وبعد ان إطمئن الى ان عملية التعمية ُ والتضليل وغسل الدماغ الذي مارسته آلته الإعلامية قد أتى ثماره , إنتقل الى الخطوة التالية في تأليه شخصه ضمن مفهوم عبادة الفرد , وبدأتالأعلام العراقي هذه المرة يمجد شخص الرئيس كقائد ضرورة و( كسليل للدوحة المحمدية ) وان نسبه يرجع الى الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب وتم بناء على هذا وضع شجرة نسب تثبت ذلك وبدات مطابع العراق بأنتاج ملايين النسخ من الشجرة الصدامية المحمدية ووزعت على الناس و تزامن ذلك مع أنتاج فيلم روائي كتبه ( عبد الأمير معلة ) وأخرجه المصري ( توفيق صالح ) يتحدث عن مسيرة ورحلة نضال صدام حسين كهارب من وجه العدالة أياماً طويلة .
في تلك الفترة وإنطلاقا من مركب النقص والشعور بالضِعة قاد الحاج ( خير الله طلفاح ) رئيس مجلس الخدمـة آنذاك حملة واسعة لتمجيد أخته أم صدام ( صبحة ) و أخذ الأعلام الرسمي يسبغ عليها الألقاب الكبيرة , ويتحدث عن ام المناضلين ( صبحة ) حيث انجبت للشعب العراقي والأمة العربية والأسلامية البطل المغوار ( صدام ) درع الأمة وفارسها , لأنه لايمكن للشجرة المباركة والدوحة المحمدية التي انجبت القائد الضرورة ان لاتكون ( أُمه ُ ) بأقل من هذا التأريخ المشرف وينبغي ان تحمل الهالة والقدسية بما يوازي النسب العظيم , وهكذا راحت الأفلام الوثائقية تتحدث عن ( صبحة ) وبدأت المقالات تُدَبج وتنشر عنها , وأنتشرت المعارض التي تحمل صورها سواء كانت معارض تشكيلية او فوتغرافية ولا حديث إلا عن ( أم المناضلين ) وكان وراء الحملة ( الخال خير الله طلفاح ) بمباركة ودعم غير محدود من الأبن ( صدام ) .
تزامنا مع هذا النهج الأعلامي المدروس في تضليل الجماهير , بث تلفزيون العراق أغنية للمطرب ( موفق بهجت ) حيث تقول كلماتها (( ياصبحة هات الصينية... صُب ِالشاي ليكِ وليه َ.. ) حيث تلقف الناس هذه الأغنية لخفتها وحلاوة أدائها وبساطتها وإنتشرت بشكل مذهل وبدء الناس صغارا وكبارا ً يرددونها في المناسبات والأعياد والأفراح بل وحتى في الأيام العادية .
في تلك الأيام أقيم معرض عن حياة ( أُم ) الريس في قاعة النصر في الباب الشرقي , وتوافد الزائرون والمدعوون لرؤية ( الأم ) العظيمة وافتتح ( الخال الحاج خير الله طلفاح ) المعرض المذكور , وكانت تبث حينها أغانٍ وموسيقى تتردد صداها في القاعة وبعد الأفتتاح مباشرة إنطلقت اغنية ..ياصبحة هات الصينية , وعندها أزبد الخال وعربد واعتبر ان بث الأغنية مقصدا للسخرية والأستهزاء , وإلا ما هذا ألتزامن ؟ الذي يسئ الى سمعة ام المناضلين مما توجب إحالة مديرة المعرض( الفنانة التشكيلية ليلى لعطار ) الى مجلس تحقيقي ومعاقبة جميع موظفي القاعة .
ثم أصدر قرارا ًيمنع فيه هذه الأغنية من التداول في الأذاعة والتلفزيون , القرار جاء بناء على مكالمة هاتفية الى وزير الثقافة والأعلام آنذاك ( لطيف نصيف جاسم )
أما (( المكَرود ) عبد الجبار الدراجي فلقد صادف اغنيته ( وعيونك يصبحة ) ضمن منهاج التنسيق في تلفزيون العراق في تلك اللحظة من اليوم , لذلك لفت الحيرة مدير التنسيق ( الفنان صادق علي شاهين ) ولا يدري هل يبث الأغنية ام ستواجهه مشكلة كالتي واجهت زملاءه وقد حسم الأمر وتوجه الى مدير عام التلفزيون ( صباح ياسين ) حيث اجابه : امنعها ولا تسبب لنا مشاكل .
هكذا كانت العقلية التي تدير الأعلام في زمن الدكتاتور صدام , ورغم المنع فلقد ردد الناس الأغنيتان وأحبهما الجمهور العربي والعراقي .
وتبقى أغنيتك يامطربنا عبد الجبار الدراجي ( وعيونك يصبحة ) في قلوبنا , طبعا صبحة الحبيبة وليست صبحة ام المناضلين وكم كنت اتمنى ان تذكر هذه التفاصيل في هذا اللقاء الذي أضاف اليه عازف العود ( علي حميد ) رونقا وبهاءً , فزمن الخوف ولى ايها الفنان المرهف وانت ذو فطنة ودراية أن كيف يعمل الأعلام اليوم فلا بد من ممارسة الحرية ونقد اي مسؤول مهما كان موقعه ومهما كبرت عمامته
فتحية اليك والى صبحة ......
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*
الشهادة للفنان العراقي محمد كاظم وهو مخرج سينمائي مقيم في السويد

#رشيد_كرمه (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل