أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - سياحات خيالية (2) / الممرضة سعاد















المزيد.....

سياحات خيالية (2) / الممرضة سعاد


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 09:10
المحور: الادب والفن
    



كيف تعرفتُ على الممرضة البغدادية سعاد ؟
( جميل ) صديق وزميل دراستي الثانوية . أخبرني ذات يوم أن ممرضة مستوصف صحة الطلاب تريد أن تعقد علاقة صداقة معي وأنها تحبني وقد كلفته أن يبلغني رسالتها على عجل . لم أصدق كلام صديقي جميل . كان شاباً لاهياً يجري وراء البنات وكان طالباً خاملاً كسولاً خائباً في دراسته . كيف تعرفت عليها يا جميل ؟ سألته . قال إنّ له علاقة قربى بأهل البيت الذين أجروها غرفة في بيتهم . وإنه يزور أقاربه بشكل دائم . هناك تعرف عليها وما كانت تميل إليه كما أخبرني هو . وكيف عرفتني وطلبت منك إبلاغي رسالتها ؟ قال رأتنا ذات يوم نتمشى معاً فأعجبتها وصممت مذ ذاك أن تتعرف عليك . قالت إنها أحبتك كما في الأفلام المصرية من أول نظرة . هل يلعبني صاحبني ويستغفلني بهدف إيقاعي في ورطة أو في بئر عميق ؟ هل يروم إشغالي بأمور تبعدني عن مدرستي ودروسي على قاعدة [ عليَّ وعلى أصدقائي يا رب ُّ ] ؟ هل يروم ترحيل فشله الدراسي لي ولباقي أصدقائه وزملائه في المدرسة ؟ هل وهل وهل ... فلم أقر على قرار . ما كان نذلاً ولا خبيثاً ولا حقيراً . كان لاهياً لعوباً فقط . كانت ثقتي به عالية خاصة ً وإنه كثير التجارب في الحياة كثير التخالط بالبشر واسع المعرفة بأمور البيع والشراء وآليات السوق إذ كان يساعد أباه في إدارة محل ٍ صغير لبيع العباءات وبعض الأقمشة ومعاطف الفرو وقضايا أخرى مهربة من السعودية يحملها حجاج بيت الله الحرام معهم تهريباً . كان أبوه ميسور الحال شديد البخل مقتراً على إبنه ، صديقي ... لذا كان الصدام بينهما أمراً علنياً مألوفاً لأصحاب دكاكين ذلك السوق المغطى والضيق والرطب تختلط فيه أصوات الباعة الجوالة مع أصوات مطارق الحدادين مع زعيق أصوات مناشير النجارين وصفقات فناجين باعة القهوة المتنقلين بين الدكاكين ومن سوق إلى سوق يعرفون بدقة كم فنجان َ قهوة يشرب هذا الزبون وكم يطلب ذاك وكم يعطي هذا وكم يمنح الآخر ... لهم بهذا الخصوص ذكاء خاص كنتُ أحسدهم عليه وأتمنى أن تكون ذاكرتي في موضوع الرياضيات والهندسة والجبر والمثلثات بقوة ذاكرتهم . كنت أتقزز من طريقتهم في تنظيف فناجين القهوة وهي تدور من فم إلى آخر طوال النهار . ما كانوا يحملون معهم ماءً لغسيل الفناجين أو مناديل ورقية تستعمل لمرة واحدة ثم ترمى في القمامة . أبداً ، ما كان ذلك يخطر في بالهم . كانوا يمسحونها بعد الإستعمال مباشرة ً بمنشفة حمراء اللون يشدونها على أواسطهم لتقي ملابسهم مما قد يتساقط عليها من قطرات سائل القهوة الأسود الحار والثقيل . كانوا يزيدونه كلما نقصت كميته في الدلال الساخنة دوماً بفضل جمرات النار المتقدة تحتها ... يزيدونه من خزان صغير يعلقونه متدليا ً في أحزمتهم التي تشد ُّ أواسطهم بقوة . مساكين ، يكدحون نهاراً وليلاً ، صيفاً وشتاءً ، تحت شموس الصيف وأمطار الشتاء . قلت إن َّ صديقي جميل كان صديقاً صافي السريرة وفياً لأصدقائه رغم خيباته المتكررة في المدرسة . لذا نحيت الشك الأسود في أنه يروم لي شراً لإسقاطي في علاقات معقدة ملتبسة عليَّ ما كنت خبيراُ بها وبتشعباتها من أجل أن نتساوى ونتقاسم الفشل الدراسي والخيبة التي يتخبط فيها إلى أُذنيه . أبعدتُ الشكوك وإستعدتُ ثقتي بصديقي وسلمت أموري له . طلبت مشورته وكيف أبدأ أول المسيرة وما عساي أن أفعل كي أتجاوب أو أُعرب عن موافقتي على الإستجابة لرغبتها وربما لهواها الذي ما كنت أفهم دوافعه أو دواعيه . ما كنت أفقه ما معنى أن تحب إمرأة ٌ شاباً مثلي لا يعرف إلا الدراسة وطريق المدرسة . ما معنى إنها تحبني . ولماذ تحبني دون سواي من طلاب المدارس ؟ صممت على قبول التحدي وتجريب المجهول وليكن ما يكن . الفضول وحب الإستطلاع القوي لدى بعض المراهقين . أردت أن أعرف سر نجاح صديقي جميل في علاقاته مع العديد من النسوة . قال لي مرة إن له علاقة عميقة متينة مع سيدة في مثل عمر والدته . ويلك ! قلت له ، وماذا وجدتَ فيها وماذا وجدتْ هي فيك ؟ شرع يغني أغنية محمد عبد الوهاب : الصبا والجمال ُ ملكُ يديك ... وكان يجيد تقليد أغاني عبد الوهاب ولا سيما أغنية ( يا ورد من يشتريك / وللحبيب يهديك ) وغيرها من أغاني هذا المطرب . ثم أضاف مستعيراً بعض أبيات من شعر الأخطل الصغير ( لطف ُ الغزالِ وقوة ُ الأسد ِ ) ... يقصد نفسه جواباً على سؤالي : وماذا وجدتْ هي فيك ؟ كانت معه منسجمة في غاية الإنسجام ، وكانت هي عاقراً أو زوجها كان . ما كان في بيتها أطفال ٌ . ولأنه نجح كعادته في تطمين حاجات المرأة فيها ومتطلبات طبيعتها الأنثوية فقد تعلقت به إلى أقصى حدود التعلق . ولما كانت ميسورة الحال فقد أخذت تغدق عليه ما يأتيها من مال من زوجها الذي أخذ يحبها ويعبدها أكثر وأكثر كلما تعمقت علائقها بصديقي أكثر فأكثر . ما سر هذه الظاهرة ؟ يغرق الزوج في عشق زوجه كلما غرقت هي في عشق شاب قوي البنية مفتول العضلات مقبول الصورة وسيم المظهر . غدا صاحبي في هذه المرحلة مبسوط اليدين ولا حاتماً الطائي . يسرف في الإنفاق على أصدقائه . يبالغ في كرمه . يكثر من شراء الملابس الجيدة والأحذية الإنجليزية المستوردة يبتاعها من بغداد . ما كنت أسأله عن سر هذا الإنفاق وكل هذا الكرم الحاتمي أو البرمكي . ما كنتُ بحاجة إلى كرمه وما كنت محتاجاً شيئاً أصلاً . سوى إنه كان يصر على دفع ثمن مشروبي حين يجرني معه إلى بعض مقاهي مدينتنا ولا سيما تلك التي تقع مباشرة ً على ضفة النهر . أذكر مرة ً أنه دعاني لتناول طعام الغداء في بيت أبيه الثري فذُهلت إذ فوجئت بشدة تواضع غرفة الإستقبال . ثلاثة كراسي بسيطة وطاولة صغيرة لا أكثر . جاء مضيفي يحمل وجبة الغداء في صينية هائلة يتوسطها صحن كبير مملوء بثريد الباقلاء بالدهن الحيواني ذكي الرائحة مع بيضتين مقليتين أو ثلاث ولا أكثر ! كنت لحسن حظي أحب هذا الطبق كثيراً منذ طفولتي المبكرة . ربما لأن في الباقلاء مع البيض والدهن الحيواني الكثير من السعرات الحرارية التي كان جسمي النحيف بأمس الحاجة إليها . على الغداء تفاهمنا حول الكثير مما يخص وساطة صديقي بيني وبين الممرضة الحلوة سعاد . إقترح عليَّ أن أكثر بادئ ذي بدء من زياراتي لها في مستوصف صحة الطلاب بحجة المرض . إستجبت ُ ونفّذتُ . كان سرورها بزياراتي المفتعلة هذه عظيماً . لا تكاد حجرتها تستوعبها . لا تعرف ماذ تقول وكيف تتصرف معي . تضيع كلماتها بين شفتيها المتوردتين بدون أصباغ ودهونات . ومن جهتي ما كنت بأفضل حال ٍ منها . كنت أكثر ضياعاً منها . ماذا أقول لها في ساعة دوامها الرسمي يشاركها حجرتها رجل ثانٍ وقبّالة حجرتها تماماً حجرة الطبيب سامي ؟ تورطتُ ، ورطني صديقي . اللعنة عليه . إنه طالب فاشل لكنه مغامر ناجح . أما أنا فلست فاشلاً في دراستي لكني أمي في الأمور الأخرى التي يبرع فيها صديقي جميل . نجاحي طالباً يقابله فشله في مضمار الدراسة . وفشلي في دنيا الحب يقابله نجاحه في هذا الحقل . النتيجة صفر . متعادلان . إنتهيت إلى نتيجة وما كنت غبياً في مسائل الإستنتاج . إنتهيت إلى قرار صارم مؤداه أني لا أصلح لمسائل الحب أبداً أبداً . لم أشعر بعاطفة أو رابطة حب تشدني إلى الممرضة سعاد . ما معنى أن تحبني سعاد ؟ مذا تريد مني مقابل ذلك ؟ مع ذلك واظبتُ على مزاولة خدعة المرض والتمارض من أجل كسب المزيد من الخبرة في ميدان جديد علي َّ لا خبرةً لي فيه سابقة . ماذا أخسر ؟ بل أكسب / نصف ساعة خارج أسوار المدرسة التي تشبه من بعض الوجوه الكثير من سجون العراق . الرتابة القاتلة في طرق التدريس ونظام ساعات الدراسة وخشونة أغلب المدرسين وفقرالأبنية وغياب الحدائق والشجر والزهور والظلال وخاصةً في شهور صيف العراق . فضلاً عن تعاسة بيوت الراحة وقذارتها الدائمة وعدم توفر الماء البارد صيفاً والصالح للشرب صيفاً وشتاءً . مصيبة . أدمنت في نهاية المطاف على زيارة مستوصف صحة الطلاب وغدوتُ زبوناً شبه دائم ٍ على الطبيب الخلوق المؤدب ( سامي شيخاني ) . كان يرحب بي في كل مرة أدخل مكتبه ، يلاطفني ويسألني من هو أبي ومن هم إخوتي وكم عمري وهل لدي صديقة أبادلها الحب ؟ إنتبهتُ ! وصل الطبيب بي إلى الخط الأحمر ! يسألني عن صديقة أبادلها الحب ؟ إذا ً طبيبي على علم بقصة الممرضة سعاد معي ، وما مجيئي إلى المستوصف إلا ذريعة مكشوفة للإلتقاء بها والتمتع بالحديث القصير معها. قررت أن أعترف له بحقيقة أمري وأمر سعاد معي . وجدتها فُرصة سانحة مثالية لكشف الموضوع . إنه طبيب يداوي الأجساد والنفوس . إنه ((حكيم روحاني )) ثم إنه رجل أجنبي لا يمكن أن يكون فضولياً يتدخل في شؤون تخص شباباً في عمر أولاده . ما كان خطِراً علي َّ ولا على علاقتي التي لم تزل مبهمة غير واضحة المعالم بممرضة المستوصف . لا أظنه يغار عليها من طالب مدرسة ثانوية دائم المرض ناحل البنية . ثم إنه كان يقضي معظم لياليه يلعب القمار ويأكل ويشرب في بيت عائلة مسيحية من أثرياء ووجهاء المدينة . كان هو الآخر مسيحياً والمسيحي يميل إلى صداقة المسيحي خاصة ً وفي بيت مضيفيه بنت طويلة شقراء في مقتبل عمرها . كنت أُمني نفسي بأمنية أتعزى بها فحواها أن الطبيب سامي لا بدَّ في نهاية الأمر من أن يتزوج [ جولييت ] ... إبنة صديقه النصراني . مُحبتي ممرضة مسلمة تحت إمرته فما حاجته بها وهو طبيب ؟ إطمأن َّ قلبي إلى هذه التداعيات والإستنتاجات . إرتحتُ كثيراً وغدوت لا أتحرج أو أتهرب من الحديث مع الطبيب ومبادلته الأسئلة والأجوبة بصراحة وإنفتاح . ما سبب إنفتاحه على أحد مرضاه أو مفتعلي المرض والعلل الوهمية ؟ لا أدري . قلت ربما يحسبني أحد إخوته الصغار أو ربما يجد في خلقتي شبهاً يذكره بواحد من أشقائه البعيدين عنه ، هو في العراق وهم في لبنان . ربما .



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياحات خيالية (1)
- قصص ألمانية سوريالية (6)
- قصص ألمانية سوريالية (5)
- ورابعهم المتنبي (1)
- قصص ألمانية سوريالية (4)
- قصص ألمانية سوريالية (3)
- قصص ألمانية سوريالية / (2)
- قصص ألمانية سوريالية (1)
- المتنبي والأرمن / شكر للسيدة سهيلة بورزق
- من تأريخ الحلة النقابي والسياسي / الجزء الثاني
- من تأريخ الحلة النقابي والسياسي / الجزء الأول
- المتنبي وفاتحة والطبيبة أسماء
- رسايل تلفونية بين المتنبي وحنان عمّان
- المتنبي يزور الخيمة سراً
- المتنبي والمتصوف هرون بن عبد العزيز الأوراجي
- المتنبي وحنان
- المتنبي وإبن بطوطة ( مداخلة إشتراكية رمزية ) / إلى مليكة الح ...
- المتنبي والصورة / إلى حنان في عمّان
- المتنبي يروي قصة لجوئه
- المتنبي متوعك الصحة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - سياحات خيالية (2) / الممرضة سعاد