أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة لاشكر - الغريب















المزيد.....

الغريب


سعيدة لاشكر

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 09:37
المحور: الادب والفن
    



في أحد الأيام وبعد طول غياب اتصلت بإحدى صديقاتي وحددنا موعدا لأزورها في بيتها , طرقت الباب, فإذا بها تفتح راسمة على محياها نظرة غريبة بادرت:
- أتبحتين عن شخص أنستي, فأنا كما أتصور لا أعرفك ولم تسبق لي رؤيتك, لا لا انتظري ...ربما كنت أعرفك لكن الإنسانة التي أعرفها لا تغيب عني هكذا ولا تنساني هكذا ولا تتحمل فراقي مذة طويلة هكذا, ادن بسرعة أخبريني على من تبحتين؟
سايرتها في حديتها وأجبتها:
- أنا أبحث عن صديقة لي مرحة جدا, تحب تقمص الأدوار وتحب المغالاة في الأحاديث وتحب الترحيب بي في كل مرة بشخصية جديدة, لكن يجب أن أخبرها أن شخصيتها هذه المرة سخيفة جدا فأنا رغم الغياب لم أنسها يوما ولأني لم أتحمل فراقها فقد بحتث عنها حتى وجدتها.
ابتسمت بسمة كبيرة تم نظرت إلي وقالت:
- كما عهدتك دائما تحسنين انتقاء كلماتك
- وأنا كما عهدتك دوما حساسة بطبعك
عانقنا بعضنا عناقا طويلا يستحق تلك المذة الطويلة التي لم نرى بعضنا فيها, يستحق طول البعاد وطول الغياب وطول الوقت الذي لم ننعم بعده بالرفقة الجميلة والأحاديث اللامنتهية والصداقة السامية, بعد العناق والقبلات دعتني للجلوس, جلسنا والضحكات لا تكاد تفارقنا
قالت وضحكتها الوديعة على شفتيها:
- كم اشتقت لك ياوفاء, اشتقت لكل شيء فيك
- أنا أيضا اشتقت لك خاصة ضحكتك هذه التي تميزك دون غيرك.
- لو كنت كذلك لما أطلت الغياب بهذه الطريقة.
- لا تحكمي علي عزيزتي بهذه الطريقة, فأنت تعلمين أنه مند تخرجنا من الكلية كل واحدة منا انشغلت بمستقبلها لكن مع ذلك تأكدي أن الصداقة الحقيقية هي أبدية ولا تنسى.
- ياه يا وفاء, كم أتمنى أن تعاد أيام الكلية, كانت أروع أيام وأجملها على الإطلاق
- هي الأيام الجميلة هكذا تمر بسرعة لا نكاد نستمتع بها, لكن دعينا مما مضى وقولي لي ما آخر أخبارك ؟ أما زلت تعملين في تلك الشركة؟
- نعم مازلت رغم أني ترقيت...
- حقا ؟ مبروك نوال مسرورة لأجلك
- شكرا عزيزتي, لكن أخبريني أنت كيف أحوالك وكيف أحوال الصحافة؟
- بخير لقد أخدت الصحافة جل وقتي لكن رغم كل شيء مازلت في بداياتي وما زال الطريق طويلا أمامي
- أتنبأ لك بمستقبل واعد
- ومتى أصبحت تتنبأين بالمستقبل يا نوال؟
- أنا لا أتنبأ بالمستقبل لكن من حبك القديم للصحافة وولعك الغريب بالصحفين والكتاب والرسامين وكل ما يهم الأدب يحق لي أن أتنبأ لك بذلك, فالإنسان غالبا ما يبرع في شيء يحبه ويتقنه
- هل أخدت الأمر بجدية كنت فقط أمازحك؟ لكنك رغم ذلك كنت حكيمة في إجابتك, دعينا من الأعمال قولي لي ما أخبارك مع خطيبك الوسيم؟
- جيدة جدا وربما قريبا ستسمعين أخبارا سارة.....
واصلنا الأحاديت التي لا تنقطع من موضوع لآخر, أحضرت والدتها الشاي, جلست معنا قليلا مرحبة بزيارتي وبعد السلام والتحية انصرفت لتتركنا نواصل أحاديتنا التي لا تمل عن الماضي والحاضر وحتى المستقبل, وبعد هنيهة أقبل رجل مارا من أمامنا فما لبت أن عرج ليسلم علينا تم انصرف خارجا.
بعد خروجه بادرت نوال:
- من هذا الرجل هذه أول مرة أراه هنا؟ هل هو أحد أقربائك؟
- نعم هو كذلك لكن حكايته محزنة جدا سيرق لها قلب أي شخص مهما كان متحجرا
- لكن ما الذي أصابه؟
- حقا تريدين أن تعرفي؟
- طبعا إن لم يكن هناك مانع ؟
- لا أبدا سأحكي لك , لكن سأعيدك للوراء قبل ثلاتين سنة

في قرية نائية نشأ شاب يافع وسط أسرة فقيرة , شاب جميل المحيا, مهدب وله سمات الريفين المميزة التي ما فتئت تتلاشى يوما عن يوم, وكان المختلف فيه عن جيل قريته أنه أحب القراءة , سمح له والده بالسفر للمدينة للدراسة بشرط أن يأتي في العطل ليعتني بالأرض وكان كما أراد الأب في كل عطلة يستعد الولد ليشتغل فيما علمه والده, يحرث الأرض, يزرع, يسقي, يشدب, يحصد, وهكذا مرت الأيام إلى أن جاء يوم كان الشاب في القرية حيت حدت وتعرض لحادث رهيب في رأسه, لا يهم كيف حدت ذلك لكن المهم أن آلة حادة من الآلات الفلاحية أصابته إصابة بليغة في رأسه , انشق وسالت الدماء غزيرة لا شيء يوقفها, عندها لم تدري الأسرة ماتفعل خاصة أنها نائية وبعيدة جدا عن المدينة فلم تجد سوى أن تأتي بالمرأة الحكيمة في القرية التي تداوي بالأعشاب, جاءت الحكيمة مزجت مختلف الأعشاب بيد ماهرة ملأت بها الجرح العميق والشاب مغمى عليه من فرط الألم, لكن بعد قليل التهب الجرح, ارتفعت الحرارة مندرة بحمى شديدة , و رغم كل هذا طمأنتهم الحكيمة أنه بعد أيام ستنخفض وبعدها يلتئم الجرح, وفعلا هكذا حدت هدأت الحمى والتأم الجرح, لكن الصدمة جاءت حين لم يذكر الشاب ما حدت له تم لم يعد يتذكر أقاربه الذين يزورونه, تم بعد ذلك لم يعد يتذكر أسرته, تم بعدها لم يعد يفرق بين الخطأ والصواب, أي أنه أصبح مجنونا.

لم يستطع أبواه فعل شيء سوى الدعاء له وزيارة بعض الشيوخ, فهام على وجهه في القرية تم بعدها لم يعد يرى في القرى , بحثت عنه أمه كالمجنونة إلى أن توفيت حسرة عليه وما لبت أن لحق بها والده.
لم أطق الإنتظار فقلت:
- حقا قصته محزنة لكن كيف حدت ووصل عندكم هنا؟
- لماذا أنت متسرعة هكذا؟ فالكلام آت ولم أنتهي بعد
- آسفة تفضلي وأكملي ما بدأته
- حسنا قلت أنه بعد وفاة والديه كان له أشقاء, كبرو وهم يعلمون أن شقيقهم الأكبر مفقود, مرت سنوات كثيرة, تعلموا, اشتغلوا, وكل واحد منهم كون أسرته وتيسرت حالته المادية من حسن إلى أحسن, لذا فكل الظروف توفرت ليفكرو في البحث عن أخيهم , فكان لهم ذلك بحثو كثيرا , نقبو كثيرا, إلى أن وجدوه أخيرا , فأودعوه أفضل المستشفيات للمعالجة, بعد سنوات من العلاج والتدقيق في حالته ومراعاته حقق الأطباء انجازا هائلا فتتبعو حالته إلى أن استقرت واسترجع عقله, لكنهم أخبروا العائلة أن هناك مشكلة بسيطة وهي أن كل تلك الفترة التي كان فيها هائما على وجهه كأنه لم يعشها وكأنه كان في غيبوبة مذة ثلاتين سنة استيقض منها الآن, إد من الطبيعي أن لا يعقل شيئا لأنه أصلا كان بلا عقل , أي أن تفكيره مازال كما كان لم يتغير, تفكير ذلك الشاب اليافع البسيط الذي نال قصطا ضئيلا من التعليم والذي يعتني بالأرض بكل ما يملك والذي لم يعاصر لاالتطورات التكنولوجية ولا القفزات العلمية في مختلف المجالات, وكل هذا يدل على أنه سيكون غريبا في بيئة غريبة عنه وبيت غريب عنه وآلالات ليست بالمرة تلك التي ألفتها يداه وسيدل أكثر على أنه انتقل زمنيا ثلاتين سنة رغما عنه.
- يا إلهي ما هذه القصة الغريبة وكأنك تحكي عن رواية أو فيلم ما؟
- لا عزيزتي هذا ليس فيلما أو رواية بل هو عين الحقيقة
- إذن فعقل ذلك الشاب اليافع في جسم هذا الرجل الناضج؟
- نعم هو كذلك
- وكيف أصبحت حياته مع عائلته؟
- أول ما فعلوه أنهم عرفوه على كل أفرادها تم بعدها عليه أن يمضي فترة في كل بيت لتتوتق أواصر العائلة لديه وبيتنا أول بيت.
- حقا؟ وكيف كانت أيامه الآولى؟
- كانت جد طبيعية هو بطبعه لطيف, مهدب...لكن الغريب في الأمر أننا في يوم كنا نجلس أمام التلفاز وآلة التحكم كانت لذى أبي فكان من الطبيعي أن يختار قناة الأخبار...
- نعم وبعد؟
- كانت نفس المواضيع التي تداع كل يوم, لكن الغريب أن ملامحه تغيرت وبدى الإنتباه جليا على وجهه, تم سأل سؤالا عجيبا قال:" هل هذا الذي نراه الآن حقيقي؟" فكان الجواب نعم تم سأل :" ولمن هذه الجتت والدماء والأشلاء؟" فكان الجواب أنها لأناس عرب فسأل:" وهل هم مسلمون؟" فقلنا نعم فكان جوابه كالصاعقة إد قال:" وكيف ترضون أن ترو إخوانكم المسلمين هكذا؟, كيف تستطيعون أن تتحادتو وتتجادبو أطراف الحديت وأحيانا تضحكو وأمامكم هذه المناظرالتي لا تجلب سوى القهر والأسى؟" فبهت الكل, لم يكن أحد ينتظر متل هذا الرد وكان جواب أبي:" نحن كذلك يا أخي نأسى, نحزن, نتحسر, لكن ليس بأيدينا شيء"
تم في أمسية أخرى كنا نتناول العشاء والتلفاز كما العادة مشغل الكل يتناول عشاءه إلا هو لم يتدوقه حتى فسألناه لماذا لا يأكل ألأن الطعام لم يعجبه؟ فأجاب:" لا ليس كذلك, لكني لا أستطيع أن آكل وأشرب وعيني ترى مالا تستطيع احتماله, لا أستطيع, هناك شيء أقوى مني يمنعني من ذلك, فقلبي يتمزق ولا أظن أن من يتمزق قلبه سيفكر في شيء سوى في الألم وسكرات الألم"
- وفاء, وفاء ...
- آسفة لقد شردت قليلا
- هذا واضح لكن فيما سرحت وأين؟
- أبدا, كنت فقط أفكر في كلام قريبك
أنهت نوال حكايتها وبعد قليل استأدنتها بالإنصرف وودعتها وداعا حارا على أمل اللقاء القريب بإدن الله.

نزلت الدرجات القليلة المفضية للشارع , فإدا بي مجددا أشرد مع كلام قريب نوال وأفكر
هل حقا تبلدت مشاعرنا لهذه الدرجة؟ حتى نستطيع أن نفتح أعيننا لنرى الجتت والدماء والأشلاء؟ هل من المعقول أن يكون كل هذا جزءا من حياتنا؟ لكن كيف حدت واقتحم كل هذا حياتنا؟ ربما هو التعود, تعودنا عليه كما تتعود الشجرة على العواصف والرياح القوية ربما بفضلها تصبح قوية قاسية تجابه كل شيء, لكن للأسف هذه الرياح والعواصف تذهب برائحتها الزكية وتذهب بأوراقها الندية وتتفرق بفعلها أغصانها المجتمعة وأكثر في كل يوم تقطع جدرا من جدورها المنغرزة في الأرض ورغم كل شيء, رغم أنها تكبر, تتضخم, تتفرع, تزهر, تثمر تتجعد بفعل السنين , إلا أنها تظل تخاف من يوم لن تتحمل فيه لمسة من العواصف والرياح.



#سعيدة_لاشكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنسانة والمرآة
- أنتَ طيب
- ذات الطباع الغامضة
- عالم شارد
- نافدة الظلام
- انسان خلف قضبان الإعاقة
- أجمل إحساس
- أقلام سوداء
- أخوة
- الخادمة
- امراءة بين ذئاب الحياة
- ضمير ضاع في الأنقاض
- فراق
- آآه منك يا قدر
- صياد القلوب
- رحلة إلى الريف
- زينب
- طريق بلا رصيف
- من مذكرات إنسانة
- ذكريات منسية


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة لاشكر - الغريب