أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - عمران عز الدين أحمد والقصة القصيرة جداً















المزيد.....

عمران عز الدين أحمد والقصة القصيرة جداً


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 11:23
المحور: الادب والفن
    



القصة القصيرة جداً ليست فناً جديداً على عالم القصة، فلها امتداد قديم في ابداع الكثير من الكتاب العرب وغيرهم ، لكنها أخذت حيزها الواسع وانتشارها الكبير في عالم القصة العربية في الآونة الأخيرة باستهوائها للكتاب العرب بارزين ومبتدئين، لنجد هذا الكم من نصوصها الابداعية شبه المسيطرة على عالم القصة القصيرة ، اضافة الى الاهتمام بها والدراسات حولها.
ربما تكون العلة في انتشارها هي ظروف العالم المعاصر من تقدم سريع وانشغال الناس وضيق وقتهم وتشعب اهتماماتهم واتساع النشر على شبكة الانترنيت التي استقطبت اعتماد الناس عليها في تحصيل معلوماتهم وثقافتهم ومتابعة النصوص الابداعية أكثر من اعتمادهم على النشريات من صحافة ومجلات وكتب. كما أن وقت المتلقي لم يعد فارغاً بالكفاية والاتساع لكي يقضيه في قراءة المطولات الابداعية مثلما كان في الماضي. وهذا التطور أخذ تأثيره على مختلف فنون الابداع ، المسموع من أغان وموسيقى ، والمقروء من فن الكتابة شعراً ونثراً. اضافة ايضاً الى وقت المبدع نفسه الضيق في زحمة الحياة السريعة والممتلئة بشتى الاهتمامات. كما أن البعض من الكتاب غير الموهوبين فنياً وابداعياً وجد فيها استسهالاً تخيله، مثلما حدث فيما سمي بقصيدة النثر ، لنلتقي بكم هائل من نصوص تفتقر الى ابسط القواعد الفنية والثقافية المفترض توفرها في النص المبدَع. حتى قيل أن الفاشلين من الكتاب شرعوا بالتوجه نحو هذا النوع الأدبي.

من الاسماء التي برزت في فن القصة القصيرة جداً في الفترة الأخيرة القاص السوري الشاب عمران عز الدين أحمد. الذي نشر قصصه في الصحف والمجلات السورية والعربية اضافة الى مواقع الانترنيت المختلفة، فبدأ اسمه يلمع من خلال مثابرته وجهده في الاشتغال على فنه.المتابع لقصص عمران عز الدين أحمد يجد أمامه موهبة ومقدرة فنية قصصية فتية قادرة على الاستمرار واعطاء المزيد والارتقاء بفنه الى مستويات أعلى. إنه يمتلك العنصر المهم من عناصر القص ابتداءاً وهي قوة الخيال في استنباط الحدث وخلقه ثم سرده في ترابطية ملتحمة مع الهدف الاساس من الحكاية المروية ، بمعنى خلق الحكاية واستقراء تواصليتها مع الحياة العامة المعاشة وأهميتها في حركة الحدث وحبكته ورفعه الى الخاتمة المرسومة عبر المغزى المراد ايصاله الى ضمير المتلقي وغالباً في مفاجئية نهائية يختم بها سرده . وعنصر النهاية المفاجأة هو أحد مقومات القصة القصيرة جداً، ومثالاً لا حصراً قصص (حرية) ، (زمن) ، (حذاقة) ، (حفلة تنكرية) ، ( مخاتير أمام العواصف).
المفاجأة لا تكون مفاجأة بمفهوم الشيء غير المتوقع الذي يصدم القارئ، لكن المفاجأة في القصة القصيرة جداً هي سير الحدث المكثف الى نهايته المرسومة مع إحداث صعقة فنية مشحونة بمغزى يريد القاص ايصاله الى الناس. وهو ما نجده في ومضات يوجين أونيسكو ، حيث ينهي غالبية قصصه القصيرة جداً بعظة شبيهة بالحكمة والموعظة الحسنة وتقترب من الأمثال والأقوال المأثورة ، وهي مستخلصة من القصة ، ووضعها أونيسكو تحت عنوان (عِظة) في نهاية الحكاية. وهو ما ابتعد عنه كتاب القصة القصيرة جداً. لكنهم استبدلوه بوعي أو بغير وعي غالباً بجملة توجز المعنى الكامن خلف القصة. وهو ما نراه عند القاص عمران عز الدين أحمد وفي العديد من قصصه.

من عناصر القصة القصيرة جداً التكثيف في سرد الحدث ، أي ضغط الحكاية المروية الى أقصر حد ممكن ، دون الاخلال بسردية القص المهمة جداً في فن القصة عموماً. فالقصة القصيرة بأنواعها هي التقاط حدث واحد، واقعة كانت أم حالة نفسية مرتبطة بالشخصية المحكي عنها، وفي وحدة موضوعية دون تشتت في الفكرة أو تخلخل في الحدث . وقد يقع القاص أحياناً أسير هذه الخاصية فينزلق في خطأ التقدير والخلط ليكون نصه اقرب الى فكرة عامة او قول نلقيه في حوارية عن شيء ما، فيخرج من دائرة الفن والقصة ليقع في محيط الخاطرة السريعة . وهو ما يمكن أن نجده في قصص كاتبنا عمران: (حنين) و(دليل) و (غموض).

تعتبر اللغة عنصراً آخر مهماً في هذا الفن القصصي من حيث تكثيفها وتركيزها وابتعادها عن الالتطويل التوصيفي ، أما اعتبار البعض أنها تحل محل السرد فهو تجاوز على عناصر فن القصة فيما نرى، فالسرد هو العنصر الأساس لأي فن قصصي ، والا ألقينا النص في عالم مت يسمى بقصيدة النثر. نعم ان التركيز والتكثيف اللغوي في القصة القصيرة جداً واعتماد هذا الفن في غالبيته على تجاوز اللغة الخاصة والتفصيلات حول الشخصية والحدث والاعتماد على الحساسية والمونولوج الداخلي هي من مقومات القصة القصيرة جداً ، وهي من مفترضات القصيدة الحديثة ، إلا أن مقدرة القاص الفنية وحرفيته المطلوبة وخبرته المتراكمة هي المانع الذي يحول دون وقوعه في الشعرية . وهذا يتطلب جهداً ووعياً فنياً عالياً. لأن الحدود بين فن القصة القصيرة جداً وقصيدة النثر وكذا الخاطرة دقيقة تتطلب دربة واستبصاراً عميقين طويلين. فهناك الكثير من القصائد الدرامية في مضمونها حدث حكائي الأداء.

في قصص عمران عزالدين تتوفر لغة سليمة قاعدياً خالية من الأغلاط نحواً وصرفاً ولفظاً مما يدلل على قدرة و تمكن منها ومن قواعدها واساليبها ، علماً بأن تخصصه الدراسي هو طالب حقوق. وهذا ما يثبت لنا ثقافته اللغوية والأدبية العالية. في الوقت الذي تصدمنا الكثير من الغلطات اللغوية والاملائية عند عدد كبير جداً ممن يسمون أنفسهم شعراء وقصاصين لا نجدها عند تلاميذ المدارس، مما يظهر ضعفهم اللغوي ونقص ثقافتهم الأدبية المفترض توفرها في من يدعي نفسه أديباً. فالسلامة اللغوية اساس مهم في النص الأدبي ، ولا يعني عدم التخصص في اللغة حجة في العبور على أبسط القواعد في كتابة نص ناجح.
لقد استطاع قاصنا عمران أن يوظف امكانيته اللغوية في كتابته ليخرج علينا بنصوص سليمة نظيفة نقية من اية شائبة لغوية معيبة ، اضافة الى ابتعاده عن الاستطرادات التوصيفية ، بحيث يكثف لغته بتركيز ليخدم فنه القصصي المطلوب فيه ذلك. لكنه يقترب احياناً من الشاعرية ، وقصة (حقيقة) مثال ، فهي تقترب من الشعر في روحها ولغتها وصورها والاحاسيس التي تتضمنها بحيث تبدو قصيدة بأجوائها التخيلية وأسلوبها التعبيري الرقيق. ولنفترض لو أنه كتبها كالآتي :
قال الشتاء لبائع المطر :
أسعارك الغالية
دمرت الزرع .
بكى المطر
رذاذاً خفيفاً
بعد هذه الحقيقة ..!

ومع بعض التغييرات والتعديلات والاضافات الصياغية الشعرية في الجمل وفي الاسلوب والتصوير ربما أطل علينا الكاتب بقصيدة ! مع اشارتنا الى أننا نرى أن الجملة الأخيرة (بعد هذه الحقيقة) فائضة عن المعنى والسياق والتناسق النصي ، خالية من الصياغة الأدبية المفترض توفرها لابعاد الضعف عن النص، فلو حذفت واستبدلت بأخرى أدبية التعبير والتأثير وأقرب الى سياق المضمون وتناسق المعنى ، أو حذفت تماماً وتركت النهاية مفتوحة للقارئ في استنباطها وتخيلها ، لكان اوقع في النفس واشد تأثيراً. لأن الحقيقة بمعناها التضميني المتعارف هي اشارة الى شيء ثابت الدلالة في ذهن المتلقي ، فالمطر حقيقة ، والزرع حقيقة ، لكن اسعار المطر وغلاءها وبكاءه مجاز بلاغي مستخدم لايصال دلالة النص الى القارئ، وهي ليست حقيقة معروفة الاشارة.

بعض قصص عمران عزالدين أحمد القصيرة جداً تتناول حكايا عن الحيوان مثل قصص: ( وردة لحارس الغابة ، ديك وعصفور، حملة شعواء، مستنقع آسن، حنين ، لماذا يسير النمل بخط مستقيم ؟! استقواء ، الراعي النائم ) بالضبط كما فعل يوجين أونيسكو في ومضاته ، وهي بالتأكيد من مؤثرات قصص الحيوان في الآداب القديمة ، وخير مثال قصص كليلة ودمنة . وبالطبع فإن هذه القصص ذات مغزى وحكمة انسانية ولكن على لسان الحيوان. وهي من باب تلطيف الحدث من خلال غرائبيته وطرافته واضفاء جو من المتعة لاثارة واستغراء ذائقة المتلقي وايصال الفكرة المعنية بظرافة لاحداث الهدف والتأثير المقصودين .

تتقاسم قصص عمران مضامين مختلفة : سياسية انتقادية لانظمة الحكم ولظلمها وبطشها ومعاناة الناس منها (خبر عاجل ، نكسة قائد ، الوصية، خيبة الأحفاد، تبّاً للمتربصين ، نحن وهم ، حروب الخطابات ، غريب الأطوار ، الرجل الشفاف، خطبة، لن يعتذروا .... وغيرها).
وموضوعات في الوطنية وحب الوطن (الوطن ، الوطنية ، أب ، سؤال مواطن صغير) . كما تسود في بعضها الروح الثورية ( الوصية) ( أب).
وموضوعات اجتماعية عن معاناة الناس الحياتية وخاصة الفقراء (لماذا تاب..؟، ثورة ، عدالة ، استئجار حمير ، لماذا انفجر القطار.؟! )
وموضوعات اجتماعية نقدية عامة لظواهر سلبية سائدة (حرية ، توبة نصوح ، الأحياء الراقية ، الدَين).

لقد أفرز فن القصة القصيرة جداً اسماء مبدعة كثيرة ولجت بنجاح عالمه الفني ، ومنها اسم عمران عزالدين احمد الذي استطاع أن يبني لنفسه مكاناً واضحاً وسط هذه الاسماء. ومن خلال المتابعة لفنه القصصي نلمح فناناً قادراً على اعطاء المزيد في فن القصة عموماً قصيرة ورواية ، وهو ما نتمنى عليه أن يصرف عليهما أيضاً جهده القادم مستقبلاً ويعطيهما من وقته وابداعه حيزاً قد يتحفنا بما نأمله فيه، وبالخصوص أنه يمتلك الموهبة والمقومات المطلوب توفرها في والج هذا النوع الأدبي ، اضافة الى الاستزادة الثقافية المتواصلة والنهل من بحره ومن مجيط عمالقته الكبار.


عبد الستار نورعلي
الجمعة 19 اكتوبر 2007



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ومضات- ليوجين أونيسكو
- عيدكم مبارك ؟!
- مختارات للشاعر السويدي بيورنر تورسون
- مصطفى لغتيري وفن قصة الفيديو كليب، قصة (حرية) نموذجاً
- الشجرة
- نازك الملائكة بين الشكل والمضمون
- مرثية بغداد
- الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان بين العشق والبركان
- خارج أسوار القفص
- مؤتمر شرم الشيخ ووثيقة العهد. من ينفذ؟
- ثلجٌ يتساقطُ
- مشاهدات رائد مزمن لشارع المتنبي في بغداد المتنبي
- هنا كانتْ بغداد..!
- مجلس النواب أم مجلس السواح العراقي ؟
- معنى الشعر عند بريهان قمق
- أسلمَة الحرب على الارهاب
- سِفر الخروج
- بريهان قمق بين اللغز وتراجيديا البحث
- وثيقة العهد، اعتراف صريح باقتراف جرائم الارهاب والقتل
- الرأس


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - عمران عز الدين أحمد والقصة القصيرة جداً