أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هوشنك بروكا - دولة الجبل والعبور التركي الصعب















المزيد.....


دولة الجبل والعبور التركي الصعب


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فيما لو حدث هذا العبور المُهندَس أردوغانياً، هذه المرة، والمرخص ب"نعم كبيرة" من البرلمان التركي(17.10.07)، إلى الجنوب الكردستاني(كردستان العراق)، فإنه سيكون العبور الخامس بعد العشرين لكردستان الجنوب، منذ نشوب الأزمة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وتبني هذا الأخير، خيار المقاومة المسلحة في 15 آب 1984.

من المعروف أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كان وحزبه(العدالة والتنمية)، قبل الإنتخابات البرلمانية التركية الأخيرة(22.07.07) من أشد المعارضين في "تركيا المدنية الإسلامية" ضد "تركيا أتاتورك العسكرية"، لأي عبورٍ عسكريٍّ تركيٍّ، إلى كردستان العراق.
حينها، خطب أردوغان، في جمهوره الدياربكري(الكردي حصراً)، قائلاً: "كيف يطالبوننا(والمقصود بهم هنا، هم جنرالات تركيا العسكرية) بالتدخل العسكري المباشر في شمال العراق. هؤلاء، كيف يطالبوننا بالهروب إلى الخارج لمطاردة 500 إرهابي، في الوقت الذي يقابلهم في الداخل التركي، أضعاف أضعاف هذا الرقم(5000)...فهل قمنا بحل مشاكلنا مع هؤلاء الإرهابيين في الداخل، كي نطاردهم عبر الهروب إلى الخارج؟".

هكذا، لعب أردوغان، تلميذ أربكان الأمين، لعبة الإنتخابات مع ناخبيه من "أكراده المسلمين"، وأكلَ الحلاوة بعقولهم، حاصداً بذلك 41%(مقابل 16% في انتخابات 2002)، من مجموع أصوات الناخبين، في أكبر مدن كردستان الشمالية(آمد/ دياربكر).

هكذا، لعب أردوغان وحزبه "المؤمن"، و"المحجّب"، لعبته مع "أكراده المحجّبين"، الموعودين ب"تركيا قادمة، "مؤمنة"، "حاجّة"، محلولة، داخلياً": تركيا قادمة، عادلة(كعدالة حزبه)، لكل مواطنيها؛ تركيا قريبة، لكل داخلها.

اليوم، وبصكه لهذا القرار العبور، والقرار الهروب من تركيا الداخل إلى تركيا الخارج، يبدو ان أردوغان "المنتخَب، المؤمن، الواعد" قد نسى(أو تناسى) "تركياه" الداخلية، "المسلمة"، وتناسى ما لها وما عليها من مشاكل، فضلاً عن تناسيه لما قاله، بعظمة لسانه، في العرس الإنتخابي الكبير، لداخلها وأهليها من "المسلمين المؤمنين" الداخليين، لينضم بذلك، كأسلافه السابقين الماضين، من "مهندسي" الحكومات التركية الماضية(عدا تورغوت أوزال ذي التوجه السلمي، الذي قُتل، تركياً)، إلى جوقة تركيا العسكرتارية، الماضية في عسكرة الدولة ضد الدولة والمجتمع ضد المجتمع والتركي ضد الخارج عليه، منذ تأسيس الجمهورية التركية، على يد "إلهها" الأوحد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1923.

الأكيد، الذي يعلمه أردوغان وحكومته جيداً، هو أن "موسم" العبور التركي إلى الجنوب الكردي، هذا، لن يكون، لا موسماً ولا عبوراً عسكرياً، سهلاً، هذه المرة.
الديبلوماسية التركية التي تطير في هذه الأيام، من هذه العاصمة إلى تلك، ومؤتمراتها الصحفية "الكبيرة"، ذات العيار الثقيل، والمشتركة، مع هذه الجهة الصديقة وتلك، تؤكد مدى التخوفات الجدية، لدى القائمين على مراكز القرار التركي(تركيا المدنية+تركيا العسكرية)، من "العبور الصعب"، القادم إلى كردستان الجنوب.

منذ مصادقة البرلمان التركي على مسودة قرار السماح لهذا العبور، تركياً، طُرحت سيناريوهات كثيرة، ممكنة أو محتملة.
السنياريوهات التركية الأكثر نقاشاً، وتداولاً، بين الأوساط التركية، حسبما تتناقلها وسائل الإعلام التركية، السمعية والمرئية والمقروءة، هي:
1. استبعاد قيام تركيا بعمليات عسكرية واسعة النطاق في كردستان العراق. لأن ذلك سيكلّف تركيا كثيراً. لذا فإن أنقرة ستحاول ممارسة الضغوطات(مثل ما مارسته مع سوريا من قبل مثلاً، ما أدى إلى تخلي هذه الأخيرة عن دعم العمال الكردستاني وزعيمها عبدالله أوجلان في أوكتوبر 1998). هذا السيناريو يعوّل على ضرب الكرد بالكرد، وتخويف القيادات الكردية ل"لي عنق كردستانهم"، بإعتبارها "كياناً خطيراً" يهدد الأمن القومي التركي، حسب تصريحات المسؤولين الأتراك الكبار، نهاراً جهاراً.

2. بناء جدار عازل أو منطقة عازلة لمنع تسلل عناصر العمال الكردستاني، من داخل كردستان العراق، إلى تركيا.
3. الإكتفاء بضرب قواعد العمال الكردستاني المتحصنة في جبال قنديل النائية، والخارجة عن سيطرة حكومة الإقليم الكردي، مع إنزال وحدات خاصة مدرّبة، لمطاردة عناصر ال ب ك ك، داخل أراضي كردستان العراق.
4. القيام بعمليات برية واسعة النطاق في عمق أراضي الإقليم الكردي، ما يؤدي إلى مواجهات عنيفة بين البيشمركة الكردية(أكثر من 200 ألف مجنّد) في الإقليم والقوات التركية من جهة، و(ربما) بين هذه الأخيرة والقوات الأمريكية المتواجدة هناك، من جهةٍ أخرى.

في الجانب الآخر، كردياً، هناك بالطبع "خطوطاً حمراء" و "سناريوهات حمراء"، سوف لن تقبلها القيادات الكردية، ولن تسمح(وفقاً لتصرحاتها اليومية) لتركيا بالعبور، من خلالها إلى "حرم" كردستانهم.
فهم، رغم الإختلاف الهائل في موازين القوى، يعلنون استعدادهم ل"صد أي هجوم أو تدخل عسكري، يستهدف أمن واستقرار كردستانهم".
وعليه فإن العبور التركي إلى كردستان، والحال هذه، لن يكون عبوراً سهلاً أبداً، إلى كردستان، التي لن تكون، بالطبع، "فسحة سهلةً"، للتنزه التركي العسكري "السهل"، فيما لو وقع التدخل.

فالواضح من تصريحات القادة الأكراد(مسعود البارزاني خاصةً)، أنهم يرفضون لغة "التهديد والوعيد" التركية، فهم يعلنون صراحةً: أنهم سيقفون ضد أي تدخل تركي، عسكري، مباشر في أراضي كردستان العراق؛ وأن لغة الحوار هي الأنجع والأنسب، تركياً وكردياً، من لغة المدفع؛ وأن مشكلة حزب العمال الكردستاني، هي مشكلة تركية داخلية بحتة(هذا ما صرح به مسؤول رفيع المستوى من حلف الناتو أيضاً، منذ أيام)، قبل أن تكون خارجية (عراقية، أو سورية، أو إيرانية، أو أمريكية)؛ وأن للكردي العراقي "حقٌ" في آمد/ دياربكر الكردية، طالما يدّعي التركي "حقه" في كركوك؛ وأن للكردي العراقي "حقه المشروع" في التعاطف مع عمقه الكردي، في سوريا وإيران وتركيا، طالما هؤلاء يجيزون لأنفسهم، "حق" التعاطف والتضامن والتعاون "الأخوي" مع أعماقهم، هنا وهناك؛ وأن زمان الإقتتال الكردي الكردي، قد ولّى إلى دون رجعة... وسوى ذلك من التصريحات، والتصريحات المضادة.

تركيا الواحدة الموحدة(بوجهيها الكمالي والأردوغاني) تجاه أقلياتها ومكوناتها الأخرى، تقول لجارتها "الثقيلة الظل"، كردستان: "إما ان تكوني معي، ضد أكرادك "الإرهابيين"، أو أكون ضدكِ وضد كل كردستانٍ تتشكل، في أية جهةٍ من جهات الأرض، بما فيها جزر الواق واق".

رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، صرح بتحدٍّ واضح، أكثر من مرةٍ(ولايزال) أن "زمان قتل الكردي لأخيه الكردي، قد مضى...وذاك التاريخ الدموي المأساوي، الذي ذاقنا الأمرّين، لن يعيد نفسه، كردياً، مرةً أخرى".
في ردٍّ مبطنٍ على طلب الأتراك(في مقدمتهم أردوغان) ب"تسليم" قيادات ما سماهم ب"الإرهابيين الكبار"(أي قيادات ال ب ك ك)، رفض كلّ من رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الإقليم الكردي مسعود البارزاني، في مؤتمرهما الصحفي المشترك، قبل يومين، مبدأ "تسليم الكردي للكردي إلى جهة أخرى"، جملةً وتفصيلاً، بالقول: "لن نسلم لأحد، قطة من كردستان".

في هذه الجملة المقتضبة(فيما لو استمرّت واستغرقت)، إشارة واضحة، إلى أن أكراد عراق اليوم، ليسوا بأكراد "عراق صدام". في هذه الجملة الكردية الجديدة، والمتحدية، جوابٌ كرديٌّ، قويٌّ، وصريح على ما تريده تركيا وأتراكها، من أكراد العراق وكردستانهم:
"اقتلوا بعضكم بعضاً، كونوا جيراناً تحت الطلب، وأكراداً تحت الطلب، ورؤساء عشائر تحت الطلب، وبعض عراقٍ تحت الطلب، كي تكونوا....سلّموا لنا أمركم، وأمر كردستانكم، وأكرادكم كي تسلَموا".
هذه هي رسالة تركيا وأردوغان"ها" المسلم، لجيرانهم الأكراد المسلمين وكردستانهم "المسلمة".

"المواجهات الدموية"، حسب تصريحات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان، قد تقع في أية لحظة، طالما أن قرار المواجهة تلك، مصكوك، ومشروع، من قبل التركيَتين. ولكن مكوكية الديبلوماسية التركية، عقب المصادقة على "حق" العبور التركي المسلح، إلى كردستان، لمدة سنةٍ كاملة، تُظهر أن المواجهة الحقيقية "الحاسمة"، لن تكون قبل إشعال أمريكا الضوء الأخضر لتركيا، والسماح لها، تالياً، بارتكاب هذا العبور الصعب.
والأرجح أن ملامح وميكانيزمات هذا "العبور الحاسم"، لن يتوضح قبل مؤتمر استانبول المزمع انعقاده بين الأطراف المعنية(تركيا+أمريكا+العراق)، مطلع لشهر القادم.

أما المتوقع، إزاء كل هذه السيناريوهات الكثيرة، المطروحة(المحتملة واللامحتملة، القريبة والبعيدة)، في شأن هذا العبور التركي "الضروري"، من وجهة نظر تركيا الهاربة من داخلها المستفحل القريب إلى خارجها البعيد، فهو أن الديبلوماسية التركية، ستبحث من الآن، حتى انعقاد المؤتمر الإستانبولي المرتقب، عن حلفاء(أو شركاء) أقوياء،كأمريكا مثلاً، لضرب قواعد "دولة الجبل"، الكردية، المتحصنة في سفوح جبال قنديل الوعرة، والأكثر من صعبة، حسب شهادة الكثير من المراقبين والمعنيين بهذا الشأن.

من يتتبع تصريحات الجانب العراقي، سيلمس، دون أدنى شك، الإعتراف الكبير، لذوي شأن العراقَين، بشقيه العربي والكردي، بأنهم "عاجزون" عن "طرد" العمال الكردستاني من مرتفعات قنديل الوعرة، النائية، المتاخمة لحدودهم، مع كلٍّ من تركيا وإيران. فالمسؤولون العراقيون يصرّحون ليل نهار(آخر هذه التصريحات، صدرت قبل يومين، من رئيس الجمهورية جلال الطالباني، واليوم أيضاً، من مكتبه/24.10.07)، أن "جيرانهم الأتراك يطالبونهم بما لا يستطيعون إليه سبيلاً".
العراق الراهن(فيما لو استثنينا الشق الكردي في كردستان العراق الآمنة إلى حدًّ كبير، نسبياً) لا يستطيع الخروج من "المنطقة الخضراء"، فكيف به مطاردة من عجزت الدولة التركية بكل جبروتها، العضو في حلف الناتو منذ 1952، والتي تملك ثاني أكبر جيش فيه، عن طرده وتصفيته، طيلة أكثر من ثلاثين عاماً مضت.

والحال، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً، هو أن تعود تركيا إلى أحضان واشنطن، و"فردوس" دعم الأخيرة، "المفقود" لها، منذ دخول الأمريكان إلى بغداد وسقوط الصنم الأخير، في 09 أبريل/نيسان 2003.
أردوغان، قال ب"لهجةٍ اتهامية" أكثر من مرة، أن العمال الكردستاني "يختبئ وراء الحكومتين الأميركية والعراقية، ويستخدم أسلحة أمريكية ضد القوات التركية".
من جهته أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش لنظيره التركي عبدالله غول، "عزم واشنطن بالتعاون مع أنقرة" لمحاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره الطرفان "تنظيما إرهابياً".
بعد لقائه بنظيره البريطاني غوردون براون، واتفاقهما على "ضرورة مواجهة العمال الكردستاني"، قال أردوغان أن "بلاده قد تقوم بعملية عسكرية مشتركة مع واشنطن ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وأضاف "إن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اتصلت به، ولمست أنها ترغب في القيام بعملية مشتركة ضد الإنفصاليين الأكراد، الإرهابيين".

تصريحات أردوغان وواشنطن الأخيرة توحي، بأن السيناريو "الأمريكي التركي" المشترك، وبشهادة عراقية، للقيام بعبورٍ مشتركٍ، محتملٍ، ل"دولة الجبل" الكردية، في جبال قنديل، سيطبخ(على الأرجح)، قريباً، في استانبول المرتقبة، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.

الأمريكيون الباقون لأجلٍ غير مسمى، في الجيرة التركية، سوف لن يشاركوا، بالطبع، "أتراكهم" الذين خذلوهم، أيما خذلانٍ، في عراق الأمس، أيّ عبورٍ عسكريٍّ محتملٍّ، بدون مقابل.
الظاهر، هو أن الأتراك ندموا "ندماً كبيراً"، على ما اقترفوه من "رفضٍ"، أمام التعاون مع الأمريكان، إبان حربهم على "عراق الديكتاتور".

أما الأكراد في العراق الجديد، فقد أصبحوا اليوم، في السر والعلن، "أكراداً لأمريكا" قبل أن يكونوا أكراداً لأحد.
المسؤولون الأكراد، رحبوا(ولا يزالون)، بحسب مقتضيات مصالحهم القريبة والبعيدة (عراقياً وإقليمياً)، بإستضافة أكثر من قاعدة عسكرية أمريكية، نكايةً بقاعدة إنجيرليك، الأمريكية المعروفة، في جنوب تركيا.
وهذا الهدف الأمريكي الكردي المشترك، عبّر عنه أكثر من مسؤول أمريكي كبير، وعلى أكثر من مستوى. والأمريكان من جهتهم، لم يخفوا نيتهم ، عن استعدادهم للتخلي عن علاقتهم الكلاسيكية مع تركيا التي "شاخت"، وفقاً لمتطلبات المصالح الأمريكية الراهنة، التي تقتضي ضرورة البحث عن "أصدقاء جدد" لها(أصدقاء ما بعد الحروب الباردة) في المنطقة.

المعروف عن موقف أردوغان، قبل الإنتخابات التركية الأخيرة، هو أنه وقف بالضد من رغبة المؤسسة العسكرية، بالتدخل العسكري المباشر، في كردستان العراق، آنذاك. أما اليوم، نراه يعدل "عدولاً مبيناً"، عن قراره(القصير الأمد والتكتيكي والإنتخابي، بإمتياز، على ما يبدو)، نزولاً عند رغبة العسكرتارية التركية.

في الحرب الأمريكية المتوقعة مع إيران، سوف لن تقبل جنرالات تركيا العسكرية(حليفة أمريكا التقليدية، منذ أكثر من خمسة عقودٍ ونيف) من أردوغان و"تركياه"، هذه المرة، وفي هذه الحرب الممكنة، بإرتكاب ما ارتكبته حكومته من مواقف وتوجهات "ضد أمريكية"، حين رفضت أقطابها "المؤمنة" أي تحالف تركي، ممكن، مع أمريكا "الكافرة"، في حربها آنذاك، على العراق.

المحتمل إذن، هو أن أردوغان "الأنتي ـ أمريكي" في عراق الأمس، سوف لن يكون هو نفسه في "إيران أمريكا" القادمة. ولكن هذا التحول الأردوغاني من "أنتي/ ضد أمريكا" إلى "مع ولأمريكا"، سيكون مشروطاً، بتعاون الأخيرة معه، للعبور المشترك "الصعب" إلى كردستان، وضرب "دولة الجبل" الكردية، تالياً، و"تصفية" قياداتها.
بهذا سوف يقتل أردوغان، حسب أجندة حكومته "المسلمة"، "اللعيبة"، بالطبع، ثلاثة عصافير
بحجر واحد: مصالحة واشنطن، ومصالحة تركيا الأتاتوركية العسكرية، الناقمة، على "حكومته المحجّبة"، وتصفية "دولة الجبل".

قد يتحقق هذا السيناريو التركي الأمريكي، بالعبور إلى قواعد حزب العمال الكردستاني، في "دولة قنديل" المتحركة، ولكن العبورات الأولية التمهيدية تشير، إلى أن العبور "الحاسم والكبير" الذي ستركبانه كلٍّ من واشنطن وأنقرة، لتصفية "أكراد الجبل الشيطان"، لن يكون عبوراً سهلاً أبداً، كما قد يخال للبعض.

في أول عبورٍ(21.10.07)، اصطدمت فيه وحدات من الجيش التركي مع مقاتلي العمال الكردستاني، في منطقة هكاري(أورَمار) الحدودية، تبين جلياً، أن "الدخول التركي إلى حمام العمال الكردستاني، لن يكون كالخروج منه".
في هذا العبور فقط، فيما لو غضضنا الطرف عن عدد القتلى والجرحى من الطرفين، أثناء تلك المواجهات الساخنة(الأنباء متضاربة لأغراض تتعلق بطبيعة الإعلام الحربي)، هناك 8 أسرى مؤكدين، في أيدي مقاتلي "دولة الجبل"، نُشرت صورهم في وسائل إعلام تركية وعالمية كثيرة. وبعد مناشداتٍ إنسانية، تمكن البعض من ذوي الأسرى زيارة أبنائهم في الجبل.

إنّ سقوط هذا العدد من الأسرى، في أول عبور تركي إلى "دولة الجبل"، ليس بالقليل، مقارنةً مع ما يأكله أردوغان وآله وصحبه أجمعين، بعقل أتراكه، من وعودٍ، وعهودٍ، وحلاوة.

بعض جهات الإعلام التركي أثارت قضية الأسرى هذه، وهو الأمر الذي دفع بالبعض من مناهضي الحرب في تركيا، إلى القول: "دماء أبنائنا أغلى من تركيا تذهب إلى القتل والقتل المضاد". ما أدى إلى إثارة حفيظة أردوغان وحكومته، التي "أمرت مجلس مراقبة وسائل الإتصال السمعية والبصرية منع بث برامج سلبية تتعلق بهذا الهجوم. وأشار المجلس إلى رسالةٍ لنائب رئيس الوزراء جميل تشيشيك، تقضي بمنع بث البرامج المخصصة للهجوم الإرهابي، التي يمكن أن تؤثر سلباً على النظام العام والوضع المعنوي(...) عبر إعطاء إنطباع بضعف قوات الأمن"(العربية نت، 24.10.07).

المنع الحكومي الأردوغاني هذا، بدأ مع أول "عبورٍ إبتدائي"، لجنوده " المجبورين، والمغروسين في حربٍ، لم يريدوها أو يختاروها بأنفسهم.
في كلام النائب الأردوغاني جميل تشيشيك، هناك دعوة صريحة(منذ أول العبور، وسقوط الدفعة الأولى من أسراه) ب"ضرورة" الكذب، على أتراكه، و "ضرورة" خداع الشارع العام التركي، حفاظاً على "النظام العام"، و"المعنويات العامة"، لقوات "أمنه" العام، حسب "إيمانه".
في هذا الخصوص، هناك نقطة جداً مهمة، تتعلق بطبيعة سيكولوجية العائلة التركية والكردية، كضحيتين أكيدتين، قادمتين، لدى تعاطيهما، مع هذا العبور التركي، إلى الحرب القادمة المتوقعة، مع مقاتلي "دولة الجبل":
الضحية التركية، ذاهبة إلى حربٍ "إلزامية"، ب"قرارٍ إلزامي" ليس لها فيه لا خيار، لا "ناقة ولا جمل"، كما يُقال. هذا فضلاً عن عدم إيمان العنصر الكردي، المنخرط إلزامياً، في صفوف الجيش التركي، غالباً، بهكذا حربٍ، تفتح النار على أخيه الكردي، في الجهة الأخرى من الجبل.

أما الضحية الكردية(الكريلا)، فهي على العكس تماماً، راضيةٌ هناك، بالحرب لو أقبل، كما بالسلم، لأنها اختارت الجبل، مقاومةً، و"خلاصاً"، و"دولةً"، قبل أن يختارها "الجبل المقاومة"، و"الجبل الخلاص"، و"الجبل الدولة". هذا فضلاً عن "الرضى التام"، لا بل "الرضى المتفوق" لذويها الكرد، عن كل ما تصنعه "أولادها أكبادها"، من "جبالٍ للمقاومة والفداء"، هناك، بعيداً قريباً، من أجل قضيةٍ، يتفق على متونها الرئيسية، أكرادٌ كثيرون، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

في خضم هذا العبور التركي الصعب، سوف لن يقف ذوي الضحية التركية(على الأرجح)، متفرجين على ذهاب أبنائهم إلى "موتٍ"، يعانونه منذ أكثر من ثلاثة عقود.
هؤلاء، سوف يطالبون أردوغان وجنرالات حربه، على الأغلب، بدماء أبنائهم "الأغلى من تركياهم المحاربة"، كونهم معتقدون، بأنهم ليسوا معنيين ب"أزماتهم" سواء مع الداخل التركي أو خارجه.
وعليه، من الممكن أن يشكل ذوي الضحايا الأتراك، الذين سيكرهون دولة أردوغان وحكومته "المتحجبة"، حباً بدماء أكبادهم، ضغطاً داخلياً كبيراً، فيما لو تعنتَ أمراء الحرب، في المضي قدماً، إلى إرسال الشباب التركي، إلى ساحات الموت والحرب، بدلاً من ساحات الحياة والسلم.

العمال الكردستاني، أعلن الإثنين الماضي، بمبادرة من جلال الطالباني ومسعود البارزاني، وقفاً لإطلاق النار، من جانبٍ واحد. ولكن وزير خارجية تركيا علي باباجان، أعلن على الفور أن "حكومته لن تقبل بوقفٍ لإطلاق النار مع العمال الكردستاني، لأن الهدنة في الحرب، هي مع الدول، لا مع الإرهاب".
تركيا، ماضيةٌ إذن، في عبورها الشبه الأكيد، هذه المرة، إلى الحرب مع "دولة الجبل".

لا شك، أن الكل في هذا العبور، إلى الحرب "الحاسمة"(كما في كل حربٍ) سيخسر.
قد يخسر العمال الكردستاني، بضع عشراتٍ أو مئاتٍ، و ربما أكثر، من مقاتليه.
قد يخسر هذا الحزب المتحرك، في كل أجزاء كردستان، بعضاً من كردستان الثابتة.
قد تخسر، هذه الحركة الكردية المتحركة، بعضاً من "دولته المتحركة" في قنديل الجبل المتحرك.
قد تخسر "دولة الجبل"، بعضاً من "دولة" أكرادها في السهل.
قد تخسر "ديبلوماسية الجبل"، بعضاً من أمريكا أو حتى كلها، فيما لو شاركت الأخيرة تركيا عبورها "الحاسم"، إلى "الجبل الدولة".
قد تنجح تركيا، في منع تسلل مقاتلي "دولة الجبل" إلى أراضيها، عبر بوابة كردستان العراق.
قد تنجح تركيا(مع أمريكا القادمة)، في ضرب "دولة" العمال الكردستاني، في خارجها.
إلا أن الثابت والمؤكد، أيضاً، هو، أن الكثير من هذه "الدولة القنديلية الكردية"(أكراد بملايينه المؤيدة+23 برلماني مؤيد/كتلة حزب المجتمع الديمقراطي+53 بلدية مؤيدة)، التي تعمل وتتحرك، سياسياً، تحت سقف ذات الحركة، وذات الخط، وذات الجبل، في الداخل التركي المتقيِّح، ستبقى.

تركيا ستخسر، كثيراً أيضاً: هي ستخسر الكثير من ثقة أتراكها وأكرادها؛ والكثير من هيبتها وأمنها واستقرارها؛ والكثير من اقتصادها؛ والكثير من "حجاب" حكومتها؛ وربما بعضاً من أصدقائها(الأوروبيين الرافضين لهذا العبور، مثلاً).

الثابت أيضاً، هو، أن "دولة الجبل" هذه، سوف تربح الكثير من أكرادها، في كل أنحاء الكرد وكردستاناتهم المشتتة والمشرّدة.
"دولة الجبل"، ستربح في خسارتها المحتملة، لبعضٍ من "قنديل كردستان"، الكثير من آمد/ دياربكر، والكثير من الجنوب الكردي، والكثير من الشرق والغرب الكرديين.

هكذا، تقول العبورات التركية الماضية، في 24 عبورٍ سابقٍ، فاشلٍ، مضى.
هكذا، يقول الدم التركي البريء، الذي لا حول له ولا قوة، والذي لم يختار الحرب، ولم يذهب إلى جهنمها، بإرادته، بقدر ما هي اختارته، وذهبت إليه، بزعامة مهندسيها وأمرائها "المحجّبين".
هكذا، يقول الدم الكردي المباح و"الحلال"، مثلما قالت كل الدماء الماضية، التي أرادت لنفسها، حرةً، أن تكون.
هكذا، يقول تاريخ الجبل الصديق، كردياً، أبداً.
هكذا، تقول السيرة الكردية لأصدقاء الجبل.



#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشار الأسد: -عنترة- في أنقرة
- العراق الممكن و-العراقات- الواقعة
- كردستان المطارَدة
- الإيزيديون: نزلاء الذات اللامتفقة أبداً
- الإنتيليجنسيا الزئبقية
- كردستان في زمن الكوليرا
- الأزهريون وخرافة -الوحي الثاني-
- شنكال: الضحية المزدَوَجة
- شنكال: أول الهولوكوست
- جلالة الرئيس وأكراده المفترضون
- لا تقلّدوا الديكتاتور
- كردستان المُختتنة
- حدود سلمان رشدي ولاحدود الإرهاب
- هنا لندن: -القتل الشريف- مرةً أخرى
- ثقافة الحَجب
- الله أكثر من أن يكون ماضياً فحسب
- كاسك يا غوار الطوشة
- بعض سؤالٍ برسم رئيس برلمان كردستان
- العربية نت في فخ الخطاب التفخيخي
- حاذروا -بغددة- كردستان


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هوشنك بروكا - دولة الجبل والعبور التركي الصعب