أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبد زيد - الأسطورة والأدب















المزيد.....



الأسطورة والأدب


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2076 - 2007 / 10 / 22 - 10:48
المحور: الادب والفن
    


الأسطورة والأدب
" دراسة الفكر الأسطوري "
د- عامر عبد زيد
أ‌- القراءات الحديثة التي تناولت الأسطورة : لقد مرت الأسطورة بوصفها موضوعا للبحث والدراسة بمراحل متعددة تأثرت بها وبالمعنى الذي تم إضفاؤه عليها حيث شكلت تلك المرحلة قراءات وعلينا ( ان نميز بين المعنى الحرفي الملاصق لخطاب ما ) وبين أثار المعنى المتولد عن قراءته لدى القراء . فقد يفهم القراء إيحاءات وأشياء في النص لم يكن يقصدها المؤلف ولم يفكر بها . فالقراءة تخلق النص أيضا ) (1) .

بمعنى إن هناك معنى خاصا بالنص ( الأسطورة ) مرتبط بالظرف التاريخي الذي كان يحيط بالنص ( فكل الحوادث التي حصلت في تاريخ البشرية تعتمد على التمفصل المبتغى مباشرة من قبل المبشرين والقديسين والإبطال التاريخيين ومن المعلوم إن مقدرة هؤلاء جميعا على توليد أثار معنى جديد أو معاني جديدة تعتمد على شيئين اسايين ، أولا : جاذبيتهم الشخصية ، وثانيا : مساعدة الظرف التاريخي أو المنعطف التاريخي لهم والتزواج ( أو التقاطع ) الناجح بين كلا هذين العاملين هو الذي يؤدي إلى نجاح الشخصية التاريخية في مهمتها (2) .

وقد ساعدت تلك الوظيفة المهمة للأسطورة إلى القراءات المعاصرة لها والتي تنطلق من ظروف فكرية مختلفة تحاول إن تبحث في الأساطير عن معنى لها . فقد يكون يهدف الى تحقيق دراسة مقارنة بين تلك الأساطير والنصوص المقدسة التي تدعي المقارنة أو محاولة البحث عن المركزية الأوربية وتطورها العرقي أو محاولة تهدف إلى دراسة التطور المعرفي الذي مر به المجتمع البشري بهدف وضع اطر علمية لهذا تنوعت تلك الدراسات وتنوعت مناهجها واطروحتها وتأويلاتها على النصوص الأسطورية .

فقد ذهب ( ماركس مل ) إلى إن دراسة اللغة هي الوسيلة العلمية الوحيدة للكشف عن جوهر الأسطورة . فتعدد المعاني والمرادفات في الكلمات ليس من المظاهر العرضية للغة انه نتج عن طبيعتها ذاتها . والذي يترتب على هذا انه أستشرك أشياء مختلفة في الاسم وبالعكس .

وهذه هي نقطة ضعف اللغة . ولكن نقطة الضعف هذه ستمثل بنفس الوقت الأصل التاريخي الذي انبعثت منه الأسطورة . إن تسمية الشيء الواحد باسمين مختلفين مثلا قد أدى إلى انبعاث شخصين مختلفين من الاسمين ، وهذا أمر طبيعي لا مندوحة من حدوثه ، ولما كان من المستطاع رواية نفس القصة عن كليهما لذا ليس من المستبعد تصوير هاتين الشخصيتين كأخ وأخت وأب وابنة وهكذا فان الأسطورة ليست أكثر من وهم كبير فهي ليست خدعة واهية ولكنها خدعة ترتبت على طبيعة العقل الإنساني ، فجاءت أولا وبوجه خاص لطبيعة الكلام الإنساني .(3)

سيجموند فرويد . لقد بدت الأسطورة في إطار ( الفرويدية ) بعيدة الغور في الطبيعة الإنسانية ، بقدر ما تعتمد على غريزة أساسية لايمكن دفعها إلا وهي الغريزة الجنسية . لقد انتهى ( فرويد ) عبر دراسة نظام الحرمان والنظام الطوطمي إلى وجود التوافق في المضمون بين ما ينتهي إليه هذا ن النظامان وعدم قتل الحيوان الطوطم ، وعدم استعمال امرأة تابعة لنفس الطوطم لأية إغراض جنسية من جهة وجريمة ( اوديب ) الخاصة يذبح أبيه وجريمته الثانية عندما اتخذ أمه زوجة له من جهة أخرى . والتوافق من جانب أخر بينهما وبين الرغبتين الأوليتين للطفل المتمثلين بالتجاذب الجنسي بين الطفل وإلام ، وكراهية الطفل لأبيه (4) .

غوستاف يونغ تفكيره لون عالم علم النفس الحديث من مصطلحاته المشهورة ( انبساطي) ، ( انطوائي ) وكان إسهامه في الفهم السايكولوجي هو مفهومه في اللاوغي – ليس ( كمفهوم " دون الوعي " لفرويد ) مجرد نوع من الثقب الماجد للرغبات المكونة ، بل عالم هو جزء أساسي وحقيقي من حياة الفرد بقدر ماهر الوعي ، العالم ( المفكر ) للانا ، وأوسع وأغنى بلا حدود .حيث يؤكد ( فإننا باستمرار تستخدم تعابير رخوية لتمثل مفاهيم لا نكون فادرين على تحديدها أو إدراكها تمام الإدراك ، هذا هو احد الأسباب الأديان التي توظف لغة أو صورا رمزية . لكن هذا الاستخدام الواعي للمرموز ليست إلا مظهرا واحدا من مظاهر حقيقة سايكولوجية ذات أهمية قصوى : إن الإنسان ينتج أيضا رموزا ، عفويا وبلا وعي ، في شكل أحلام .(5)
وقد أعطى للأسطورة أو الماضي حضورا مافي الوعي من خلال تحديد مفهومين _ الانيما ) هي العنصر الأنثوي في اللاوعي ألذكوري و ( الاتيمو ) في اللاوعي الأنثوي .

مرسيا الياد . خطوة ابعد في الكشف عن جوهر الأسطورة عندما رأت فيها واقعا ثقافيا ، وانطلاقا من هذا المنظور حددت الأسطورة باعتبارها قصة مقدسة تشير إلى حدث فان الأسطورة يروي كيف إن واقعا كان قد تحقق بفضل مأثرة الكائنات ما فوق الطبيعة ولا يهم إن يكون هذا الواقع هو الواقع الكلي (الكون مثلا ) أو جزء منه فقط ( نوعا بنائيا مثالا ، إن الأسطورة بهذا المعنى تمثل قصة ( الخلق ) فهي تروي كيف إن شيئا ما كان قد اتخذ طريق الكينونة والوجود ولكن الأسطورة لا يتحدث عن ذلك كما كان قد تم فعلا فأشخاص الأسطورة يتمثلون بكائنات ما فوق طبيعية فالذي كان قد تم كان قد تم على يد هذه الكائنات ، وقد تم في الزمن المهيب ( للبدايات ) الأولى . إن الأسطورة تكشف ، إذن عن النشاطات الخلاقة كمظهر للقدسية التي تميز بها إعمال هذه الكائنات . فالأسطورة بهذا ترتبط بمعرفة سر اصل الأشياء من خلال منظر متميز و الأسطورة تتميز :

1- مثل تاريخ الأعمال التي تقوم بها الكائنات ما فوق الطبيعية .
2- إن هذا التاريخ ينظر إليه من قبل الإنسان الذي يخضع لها باعتباره حقيقيا بشكل مطلق ، بحكم كونه من عمل الكائنات ما فوق الطبيعية .
3- إن الأسطورة ترتبط ( بالخلق ) فهي تروي كيف إن الأشياء ما كان قد جاءت إلى الوجود وكيف إن سلوكا أو مؤسسة أو أسلوب في العمل كان قد قام .
4- معرفة الأسطورة ، يتم التعرف على ( اصل الأشياء ) ، وبالتالي بلوغ القدرة في الهيمنة عليها والتصرف بها طبقا للإرادة (6)

كاسبرر : يذهب إلى إننا لا نستطيع إن ننكر بان الأسطورة هي شكل من إشكال الوهم . فإذا ما سلمنا بان الأسطورة هي مجموعة من الأفكار أو بالا حرى مجموعة من المعتقدات ، فان هذه المعتقدات ستتميز بأنها أفكار أو بالا حرى مجموعة من المعتقدات ، فان هذه المعتقدات ستتميز بأنها تتناقض تناقضا صريحا مع تجاربنا الحسية ، هذا بالإضافة إلى انه لا توجد أية موضوعات طبيعية تناظر التخيلات الأسطورية ربما لهذا السبب نستطيع إن نقول بان الأسطورة هي شكل من إشكال الوهم .

ثم إن كاسبرر نظر إلى الأسطورة بأنها تقوم في الجوهر على أساس من رغبة حماسية تدفع الأفراد إلى الشعور بوجود هوية بينهم وبين المجتمع والطبيعة ويتحقق إشباع هذه الرغبة بوساطة الطقوس الدينية فهناك تذوب الفوارق بين الأفراد ويتحولون إلى كل لا يعرف التمايز (7) .

جورج تومسن : يشير إلى إن الأسطورة ( لا تمثل كما ذهب إلى ذلك بعض المختصين ، تفسيرا للطقوس ، وإنما هي بالا حرى الشكل المنطوق للاداء ألطقسي في المرحلة الأولى على الأقل انه التعبير الجماعي عن التجارب التي لا يمكن نسيانها ،التي يشارك قيها المشاركون في الطقوس ذاتها بصورة دورية .

ب – الأسطورة والأدب :إن الحديث عن الرابطة التي تجمع بين الأسطورة والأدب لاشك أنها علاقة بين مستوى من الفكر وأداة تعبير ، ولاشك ان العلاقة قوية بين الاثنين ، لان الأسطورة هي أدب ( فالحقيقة إن الصلة بين الأسطورة والتاريخ صلة قوية تحتم ضرورة الاستفادة من المادة الأسطورية كمصدر للمادة التاريخية فالأسطورة تعبير أدبي عن أنشطة الإنسان القديم الذي لم يكن قد طور بعد أسلوبا للكتابة التاريخية يعينه على تسجيل إحداث يومه فكانت الأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه خلاصة فكره ، والوسيلة التي عبر بها عن هذا الفكر وعن الأنشطة الإنسانية المختلفة التي مارسها بما فيها النشاط السياسي والديني والاقتصادي (8) .
إن الحديث عن هذه العلاقة يعني الحديث عن ثلاثة مستويات ، الأول يتعلق بالأسطورة ، والثاني يتعلق بالأدب الأسطوري ، والثالث يتعلق بالمضمون الفكري للأسطورة .

أولا- الأسطورة : تشكل الأسطورة ظاهرة تتسم بالشمول لأنها تحول المراحل أو الحقب الحضارية فعند كل شعب ظهرت الأسطورة بل هناك من يراها حتى في الحضارة المعاصرة التي بدورها تشكل أساطير جديدة ( كما قال بارت ) ( قال الأسطورة ظاهرة لازمت المجتمعات قديما وحديثها بحيث لا يخلو تراث أي امة من الأمم منها (9) .

والأسطورة من ناحية اللغة ما سطر القدماء والأساطير : الأباطيل والخرافات بوجه عام ، وليس مهما الكشف عن مصادر هذه الخرافات والشكل الذي صبغت به (10) .
والسطر الخط هو الصف من الكتاب والشجر والبخل والجمع من كل ذلك اسطر واسطار وأساطير وأسطورة كما قالوا أحدوثة واجاديث، قال تعالى : " ، والقلم وما يسطرون : ، أي وما تكتب الملائكة .

وفي اللغة الإنكليزية يتشكل الحقل التداولي الذي تعتمده في تقديم تعريف للأسطورة : (tale ) حكاية ، أو كذبة ، وشائعة (Fiction ) قصة أو خيال أو نخيل و ( Fictilious ) خيالي أو زائف و( Romance ) قصة حب ومغامرة و ( Legend ) أسطورة (Myth ) أسطورة أو خرافة وتفريقا عن المصطلح الأخير (Mythical ) أسطورة أو خرافي أو خيالي ولكن ( Mythology ) تعني مجموعة أساطير وبخاصة الأساطير المتصلة بالإله وأصناف الالهه في ( عصورا لوثنية ) والإبطال الخرافيين عند شعب ما كما تعني : علم الأساطير (11) .

وان كلمة ( Myth ) مشنقة من الكلمة اليونانية (Mythos ) التي تعني كلمة أو كلام ولم تستعمل هذه الكلمة بمعنى القصة إلا متأخرا(12) .و (Fabe ) خرافة ذات مغزى .
من الملاحظ إن الحقل الدلالي يظهر ان المشترك كونها قصة أو حكاية أو أسطورة تتسم بكونها خالية زائفة خرافية متصلة بحياة الإله ، وهي كلام ، وقد ارتبطت تلبك المعاني عن الأسطورة لتجعل منها مرتبطة بالماضي ، وكأن الأسطورة لا ترتبط إلا به . وهو تفكير غير دقيق ، ذلك لان الأسطورة تواكب مسيرة الإنسان في ماضيه وفي حاضره ، وفي مستقبله وهذا الفهم التقليدي للأسطورة -0 أي ربطها بالماضي – يرتبط بلا شك ، بمفهومنا للمعقول واللامعقول بموضوع ما لايمكن إن ينسجم مع الترتيب القائم للأشياء وهي نظرة ( ارسطية ) تقوم على مفهوم ( ماهو مؤكد سلفا ) وماهو مثبت وقائم من وجهة نظر الاتفاق العام (13) .

لكن تبقى الأسطورة ذات أهمية كبيرة لكونها تبقى هي حلقة الوصل بلين ( الحدث ) الطبيعي وبين الفعي المقدس والفلسفي وهنا تظهر أهمية أخرى للأسطورة باعتبارها عتبة مهمة في فهم القدسي والفلسفي العقلي وعلى هذا تظهر ضرورة الأتي :

تلعب الأسطورة دور الوسيط بين ( الحدث الطبيعي ) والنص القدسي والفلسفي لهذا يجب اضفاء الأساطير المتوسطة بين الحدث والتجريد الميتافيزيقي واللاهوتي ويجب أيضا كشف الظرف التاريخي للحدث وعلى هذا يمكن متابعة آليات تشكل المعنى ، فالتغير الذي يطرأ على الحدث الطبيعي أو التاريخي يمكن في بعدين :

إما إن يرتفع ( الحدث ) ليندمج في الأساطير وبالتالي تقديم تاريخ مؤ سطر أو إنزال الأساطير واسطرة ( الحدث ) كالذي سوف يشكل معنى مضاد لتلك الأساطير ، لان الأساطير في البدء جاءت استجابة لحالة وتفسير لظاهرة ، مرتبطة بوعي معلن فإذا ما تم إنزال تلك الأساطير وإسباغها على حدث تاريخي فان هذا سيولد الضد ( كما ثقلنا ) بمعنى انه سيخلق قطيعة مع ذلك الوعي الذي نشأ فيه أي الوعي الطبيعي . لان التوظيف سوف يسبغ معنى جديد وسوف يحرف في المعنى الأول لهذا إثرنا هنا إن نصف ذلك المعنى الأول محيط التداولي الطبيعي . الذي شكل تعاليا بالحدث من بعده التاريخي إلى الأسطورة وهذا حدث من خلال الآليات آلاتية :

1- حذف الزمان ، مما يجعل الحدث الممتد عرضة للتغير عبر مسيرته من الشفاهية إلى التدوين .
2- إنزال الأساطير وإضفائها على حدث أخر ، عبر أسطرته وتقديم تفسير له ووصف له ذي بعد أسطوري متعال على التاريخية .
3- إخضاع الحدث إلى الطقس ، مما يجعله عرضة لتكرار في سبيل إدراك الحدث الأول المعنى الأصلي ولا تذكر الحدث ابدأ وتحسينه يساعد الإنسان البدائي على تحقيق الحقيقي والاحتفاظ به (13) .
4- ربطه بمكان رمزي يشكل بالا على من ناحية وبالعالم السفلي من ناحية أخرى وهذا المكان يتغير بتغير المتحدثين الذين يفيدون إضفاء ذلك التراث على إحداثهم وإدخال التراث لتلك الثقافة في تراثها متغير الأسماء ضمني يعد بشكل صدام الحضارات وصراعها وإعادة امتلاك تلك الحقائق وإسباغها على تراثها من خلال إحلال ألهيتها محل الإلهية القديمة في فعالية تعكس صراع التواجد وفرض السلطة وامتلاك الأرض والراسنمال الرمزي وتأميمه (14) .
وقد تنوعت الأساطير بأشكال وهيئات فنعدد منها الأتي :
1- الأسطورة من حيث الشكل – وهي قصة قد تكون جديدة التركيز وكأنها موعظة أو ممتدة كأنها حكاية أو تاريخ لكنها في كل الأحوال تصدر عن اعتقاد ديني يصور قصة تخضع لقواعد السرد القصصي من حبكة وشخصيات وحركة في الزمن وطابعها صوري والرمزية منها واضحة .

2- الأسطورة ذات صيغة حضارية في القدم يمكن إن تتعرض للتطور ( صيغتان أو صيغة منها) كما يمكن إن تتعد طرائق روايتها ولكن هذه المستويات تجري جميعا بقوة عصرها وليس العصور التالية منن شروط الأسطورة أنها أبداع مارسنه الجماعة ، وليس من وضع شخص معين فهي ثمرة ممارسة وتأملات وخيالات مسيطرة على جماعة محددة .

3- تدور موضوعات الأساطير حول الوجود الكوني والخلق الإلهي للبشر ، ولهذا تكون الآلهة ، وإنصاف الإله مصدر القرار ومحور العمل في الأسطورة فإذا أظهرت في سياق الأسطورة ( بشر ) فانه سيكون مجرد أداة ويسهم في تحمل محدد .

4- الأسطورة تصور مقالا خارقا جوهريا بالنسبة للكون أو الإنسان وهذا العدد من الجدية هو الذي جعل عصر الأساطير مقدمة ضرورية لعصر الفلسفة فلم تكن الفلسفة – في بدايتها – أكثير من قراءة رمزية للأساطير تحاول ان تستخلص من مجموعها معنى للعالم وللخلق وللوجود البشري وحماية كيانه الاجتماعي

5- الأسطورة حكاية مقدسة ، انبثقت عن الشعائر الأولى وقد منحها هذا سلطة عظيمة على عقول الناس ونفوسهم في زمانها ومن خلال المنظور الديني الذي تنتمي إليه وتثبت معتقدات تلك المنظومة وسطوتها على الاعتقاد والسلوك العام (15) .










المبحث الثاني
الأدب الأسطوري والملحمي
( الأدب العراقي أنموذجا )

ما زال سخر الأسطورة يشدنا إلى الماضي لما يمثله من ثقل راسب في أعماق نفوسنا ويمثل الوسيط بين الحدث الطبيعي والنص القدسي والفلسفي فإذا كانت ( الأسطورة أداة نفسية لملء فراغات لم تكن اللغة مهيأة لملئها بمفرداتها في صقل المشاعر الإنسانية ) (16) .

إلا أنها شكلت محاولة لإيجاد حل للمشاكل التي واجهها الإنسان وتركت تأثيرا في طرقة تفكير الإنسان ونظرته إلى الوجود وعلاقته به منخلات الأسطورة ( التي هي عملية تأمل من اجل الإجابة عن اسئلة مبعثها الاهتمام الروحي بموضوع ما ) (17) .

من هنا كانت الأسطورة سدا لحاجة وتأمل من حيث الطبيعة وكانت الأسطورة للإنسان المبكر تأملاته ، حكمته ، أرادته في التفسير والتعليل أدب ، فلك ، عرف ، قانون ، انعكاسا لحقائق التفسير الداخلية (18) .
ومن هنا تشكل أثار وادي الرافدين منذ العصر الحجري الحديث وحتى مطلع العصور التاريخية أكثر الآثار خصبا وتنوعا في الشرق الأدنى القديم (19) .

إذ تعد النصوص المسمارية الأدبية على جانب كبير من الأهمية كونها مرآة صادقة تعكس الكثير من الأفكار والمعتقدات الدينية (20) . وهكذا جاء الأدب بوصفه مر آة عاكسة لمتطلبات الحياة وحاجاتها لهذا جاءت الأسطورة بوصفها كلمة أو هي مجموعة من الكلمات التي تظهر على شكل رسالة (21) .

لكن هذه الكلمات التي تحمل رسالة مرتبطة بتلك الحاجات للحياة لهذا كانت الأسطورة تستمد شخوصها وأزاحتها وأمكنتها من التاريخ وتتحول هذه الشخوص وتلك الإزاحة والأمكنة بالتدرج من شخوص محدودة زمانا ومكانا إلى أزمنة وأمكنة غير محددة (22) .وهكذا جاءت تلك الفترة التاريخية الممتدة من الإلف التاسع إلى الإلف الرابع قبل الميلاد في العراق القديم ليست بالفترة البسيطة ، وهنا لعرض دراسة الأدب وإبعاده التي تؤكد بواكير الفكر الفلسفي في العراق القديم تناولنا الأدب العراقي القديم باعتباره يمثل الأثر النصي الذي يقدم تصور لما كان .

فالأدب في العراق القديم ينقسم إلى نوعين كبيرين هما :
- الأدب الديني :/ وهو أدب الكهنة الذي يرددون الأناشيد الدينية .
- الأدب الدنيوي : الطابع في القصر ، ويتدرج تحت كل منها مجموعة من فنون ذلك الأدب (23)

أولا- الأدب الديني :إذا كانت الكلمة حبر الوجود فان تدوينها هو المعجزة التي أثمرت أدبا وتاريخا وعلما . فجاء الأدب متداخل الإغراض يصعب فض الاشتباك بين أنواعه الدينية والدنيوية وهو تصنيف وظائفي لم يكن مفكر به لدى العراقي القديم إلا إننا ممكن إن نحدد هذه الوظيفة والمكان الذي كانت تقام فيه في المعبد لغرض التعبد الديني وفي القصر لغرض دنيوي ، إلا إن الوظيفة المدنية كانت هي السابقة في العراق القديم حيث كانت النصوص الدينية قد تطورت وشاعت وترعرعت بين الكهنة وداخل المعبد وكان لها السبق على النصوص الأدبية ذات الوظيفة الدنيوية فقد شاعت في المدرسة وأشاعها المعنون المرتبطون بالموسيقى الدنيوية في القصر وبين الناس .

وهكذا كانت هناك نوعان من الآداب من الناحية الوظائفية ، أدب ديني وأخر دنيوي ( لم يكتب الغايات دينية يغلب عليه الطابع الذاتي أو الانفعالي ) (24) . إما الأدب الديني ( فيشمل النصوص المرتبطة بغايات عملية طقسية أو تلك المرتبطة بالآلهة ( الأساطير) أو الخوارق الدينية ويغلب عليها الطابع الموضوعي والميتافيزيقي والأسطوري والسحري )(25) .

ومن هنا جاء الأدب الديني ، فإذا كان الدين يتضمن أولا : مبدأ الخارجية ، أي القول بان المجتمع يستمد قوانينه من خارج لا من ذاته . وثانيا مبدأ ( المغايرة ) أي القول بان البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم وليس إلى بشر مثلهم ويتضمن ثالثا : مبدأ ( الاتصال) أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره بين الجماعة والمبدأ المؤسس والمشروع لها .(26) .فجاء الأدب الديني بتوجيه من هذا الأصل الدين الذي نصح بجميع مكوناته الرئيسية ( العقيدة ، الأسطورة ، الطقوس ) وهو بالتالي يجتمع على نواة المقدس الديني وتكون غايته ووظيفته ذات طابع روحي تهدف بالأساس إلى ترسيخ الدين وجعله شغلا شاغلا لحياة الفرد أو الجماعة

والأداة هي اللغة القادرة بمصطلحات مستعارة من ميدان طبيعي وهذا ما يحصل عبر اللغة وقدراتها المجازية ( فالمجاز هو جمع عدة وحدات معقدة في صورة واحدة قوية ، انه تعبير عن فكرة معقدة .. بالإدراك المفاجىء لعلاقة موضوعية تحويل الصور الموضوعية إلى صور جديدة لذا فانه اختراعنا ) (27) . فهذا الاختراع لصورة عن القوى الغيبية نابع من قياس الغائب على الشاهد وتشكيل صورة متخيلة قدسية منفصلة عن الصورة الدنيوية فيظهر الفضاء الأسطوري حيث ألاماكن تلعب دورا ثانويا لان الأسطورة لا تستند إلى المكان بل إلى العلاقات مع التخيل وعلى هذا ظهرت تلك النصوص التي تعكس سلطة دينية ومجتمعة تداعب لرغبات الفردية الساعية الى الحياة ومقاومة الموت عبر فعالية لغوية هي النصوص التي تمظهرت في الأتي :
1- الأدب الأسطوري :إذا كانت الأسطورة يغلب عليها التفسير فهي تهدف إلى ( تعيين الأسباب والعلل الأولى للأشياء والإحداث الجارية وليس ثمة ظاهرة طبيعة او ظاهرة من الظواهر الحياة الإنسانية تأتي تفسيرا أسطوريا أولا تستدعي مثل ذلك التفسير . وكل المحاولات التي بذلتها مذاهب الميتولوجيا لتوحيد الأفكار الأسطورية أوردها إلى أنموذج موحد قدر لها إن تنتهي إلى الاخفاق السريع ) (28) .

وهكذا فأن الأساطير تحدث من القدسي فهي ( حكاية مقدسة أو تاريخ مقدس فان القمة لهذه الأساطير العراقية القديمة يستلخص من خلال الأسلوب الأسطوري الشعري الذي يظهر من خلال مظهرين هما :

1- الايقاع الشعري الذي يظهر واضحا بشكل خاص في الأساطير البابلية أو المكتوبة باللغة الاكدية ، حيث تظهر الأساطير موقعة بأوزان شعرية . واضحة يمكن مقارنتها بالأوزان الشعرية العربية المألوفة .

2- التقنيات الشعرية مثل التكرار والمقابلة والوصف والتشبيه ويرى ( خزعل ألماجدي ) إن الأساطير الرافدينية تنقسم إلى :

(1) أساطير الخليقة ( التكوين ) ( Mythsofgensis ) وتشمل أساطير لخلق الكون وأساطير خلق الآلهة وأساطير خلق البشر حيث أسطورة الخليقة البابلية ( اينومااليش :عندمافي العلى ) .

(2) أساطير البناء (Mythsofcoustion ) وهي الأساطير التي يقوم فيها الآلهة بخلق وبناء التفاصيل العالم وتأسيس الموت ومنح الإنسان أدوات العمل( كالفاس ) وأدوات الحكم والسلطة وإنزال الملكية من السماء وغيرها وتسيطر على هذه الأساطير المدائح الإلهية ومدائح المدن التي بناها الآلهة وقصائد البناء ، وتشكل أساطير البناء وتجملها ما يشبه الكوميديا الإلهية المليئة بالإخراج والمسرات والمدائح (29) .

(3) أساطير الحب المقدس (Mythsofcacredlove ) وهي أساطير الحب الإلهي وكانت عند السومريين تمثلها أساطير الحب والزواج المقدس للآلهة انانا (عشتار ) والإله ( موزي ( تموز) وهي تحتوي على نوعين من الأساطير

(أ‌) النوع البناء : وهي أساطير وقصائد الحب والزواج المقدس .
(ب‌) النوع ألتدميري : وهي أساطير نزول الآلهة العاشقين إلى العالم الأسفل وما يتبع ذلك من مراىء الحب . وان هذا النوع من الأساطير مرتبط بالمكان الذي ظهر فيه وبإشكالية فكرية معينة ( ان الحديث عن الخصب وعقائده يستدعي أولا الإشارة إلى تشكيل هذا المعتقد في العراق القديم لان الحضارة العراقية صاغت هذا المعتقد وأسست له مجموعة مهمة من المفردات والطقوس والنصوص الأسطورية )(30) .

(4) أساطير التدمير (Mythosofdeconstruclion ) وهي الأساطير التي تبدأ فيها قوى العالم الأسفل بالظهور والصراع مع قوى العالم الأرضي والأعلى وتمثلها أساطير قوى التدمير الإلهية للمدن وأساطير صراع آلهة العالم الأسفل مع الآلهة الكونية وتسيطر على هذا النوع من الأساطير المراثي الإلهية ومراثي المدن وقصائد البكاء وظهور رموز الشر ومن الأساطير السومرية في هذا المجال أساطير كور والأساطير البابلية فهي اساطير أيراء .

(5) أساطير الموت ( Mythsofdeath ) وهي أساطير نهاية الكون والآلهة والإنسان في ملحمة تدميرية واحد وتمثلها في الأدب العراقي القديم ( أسطورة الطوفان ) كانت هذه التفرعات خاصة بالأسطورة .

2- النصوص الطقسية (Pitual Texts ( Liturgy ) وهي النصوص الدينية التي كانت تكتب بهدف توضيح وتطبيق مراحل طقس دين معين . وتمتاز بثباتها الزمني وممارساتها المتكررة .
3- النصوص الروحية ( الصلوات والتراتيل )(Spirtual Textes Prayers and Hynms ) يمكننا من حيث المبدأ تصنيف النصوص الروحية حسب تركيبها وطبيعتها إلى أربع أنواع هي الصلوات (Prayers ) التراتيل ( Hymns ) والأدعية (Calls ) والأناشيد الدينية (Chantsanthems ) وأقوال الآلهة ( God Calls ) .

4- النصوص السحرية ( Magic Texts ) . يمثل السحراكثر إشكال الدين بدائية وقدما وإذا كان السحر قد انتهى من كونه دينا محددا ( كالفتيشية والازواحية ، والطموطمية ) .

ثانيا – الأدب الدنيوي :
1- الملاحم ( Epics ) الأدب الملحمي هو الأدب الدنيوي المقابل للأساطير الدينية فإذا كانت الأساطير تضع الإله محورا لقصصها المقدسة الملاحم تضع الإنسان البطل محورا لقصتها البطولية وتنقسم إلى :
أ – الملاحم الكبرى : ولعل من أهمها ( ملحمة جلجامش ) أقدم ملحمة ومن أهم مميزاتها هي :















الأدب الديني


الأدب الأسطوري الأدب الطقسي الأدب السحري
(Myths ) (Liturgu ) (Magic )
1- أساطير الخليقة
2- أساطير البناء
3- أساطير الحب المقدس نصوص العرافة
ا- الحب والزواج المقدس نصوص السحر 1- عرافة الخطوط والإشكال
ب – نزول عشتار وتموز نصوص نصوص نصوص 1-نصوص السحر الوقائي 2-عرافة ( تفسير) الأحلام
ج- مرائي تموز طقوس طقوس طقوس 2- نصوص السحر الأسود 3- عرافة الوجدان
4- أساطير التدمير اليومية المناسبات الأعياد 3- نصوص السحر المنتج 4- عرافة الكتابة والاعدال
5- أساطير الموت عرافة الأفلاك



الصلوات التراتيل الأدعية الأناشيد الدينية أقوال الآلهة


ا-التكرار والإعادة ويعود هذا المبدأ إلى الأصل السمفوني لا نساوي للملاحم ولكن لا يمكن النظر إليها فقط على أنها خاصية شفاهية فقط أو لتأكيد الأسباب الممهدة للسرد الروائي اولاندفاع البطل نحو غاية محددة ، بل ينبغي النظر إليها على أنها تتصل اتصالا وثيقا ببنية الخلق فإذا ما علمنا إن أول ما يميز صاحب هذا المنطق البدائي انه :

(1) ليس له إلا أسلوب واحد في التفكير والتغيير والكلام وهو الأسلوب الشخصي .
(2) انه يعرض لا يحلل ولا يستنتج .
(3) وانه لا يتصل بين نفسه أو إدراكه الذهني وظواهر الطبيعية فان إعادة خلق الأسطورة مثل إعادة الكلام نفسه في رواية ثانية مثل إعادة الإنسان إلى الحياة من عالم الموت مثل إعادة تنظيم الكون .
(2) استباق الإحداث : وهو التنويه في مقدمة الملحمة عن ما يستحقق عند الملحمة .
(3) الشحنة الأسطورية فهي تنطلق دائما من موضوعات الآلهة دون إن نفرق في التبيان بل لكي يزداد تألقها الروحي .
ب- النصوص والحكايات السومرية مثل : جلجامش وقصص ادابا ... الخ .
ج- نصوص السيرة مثل : سيرة سرجون الاكدي .

2- الأدب الحواري ( Dialoge ) :انه ذلك الأدب الذي يقوم على أساس الحوار بين اثنين وليس على أساس السرد أو الوصف الأدب الحوار يتضمن ثلاثة أنواع مختلفة من الحوار الذي يراه مختلطا بأجناس أدبية أخرى وهي :
1- نمط حواري للمناظرة الذي كان يكتبه الكاتب من محض خيالهم لإبراز طبقات عنصرين متناظرين مثل ( النخلة والأثل ، النسر ، الحية ) .
2- "البلبال"نمط حوار خفيف سومري الأصل ويؤدي بمرافقة الموسيقى مثل حوار وموزي وانانا .
3- "أدمندوكا" حواريات الجدل بين نقيضين وهي القطع الأدبية التي تمثلها على أحسن وجه حوارية السيد والعبد .(32) . الضرب من الأدب يعتمد أساسا الحوار المتناظر والتنازع بين شخصين يقابل احدهما الأخر ويحاول كل طرف مثهما إظهار أفضليته على خصمه والنيل منه (33) .



3- الأدب الغنائي ( Lyric ) : ذلك الأدب الذي ينبع من الذات والوجدان بغض النظر عن غرضه ، ويشكل الشعر جوهر هذا الأدب بل يمكن ان نسمى هذا الأدب ( الشعرpoetry, rerse ) وكان الشعر في اللغة السومرية يسمى ( سر Sir ) ما يقابله بالعربية شعر . وقد امتاز الشعر السومري بالتكرار والمقابلة والوصف والتشبيه حيث ينقسم الأدب الغنائي إلى :

1- الشعر الوجداني (Sentime htal sympathetic poetry )
حيث يغوص الشاعر في وجدانه ويقدم لنا ما يشبه المناجاة الداخلية الذي يفصح فيها عن أسارير نفسه وخيرته وتوتره .
- لقد تركني الهي واختفى إلى الأبد
- وخذلتني الهتي ، وابتعدت عني .
- عني انفصل الروح الخير الذي كان يرافقني .
- وهرب ملاكي الحامي يبحث عن احد (34) .

2- المديح ( أدب ) ( Laadatory commendatory )
كان العراقيون القدماء يطلقون كلمة ( أدب ) على المدائح الشعرية التي غالبا ما كانت تؤدي على آلات موسيقية .
3- الرثاء ( تبكي ) ( Eleglac , Elegypoetory )
وهو أدب الندب والبكاء والعويل الذي يدور حول رثاء الملوك والأمراء والمدن وكان الرثاء يؤدي عادة على إلة موسيقية كانت لغة الرثاء في الغالب لغة اطلاقية تربط الموت بالطبيعة والنبات والمصائر وهي بالطبع لغة أدب مبالغ ونلمح من خلالها طريقة التعبير عن الحزن العميق .

4- الفخر ( تارو ) ( Proudor Boast Poetry )
وهو نوع من الأدب أو الشعر الذي كان يكتبه الملوك والأمراء على لسان الشعراء لمديح ذاتهم وإعمالهم .
5- الهجاء ( Satric poetry ) وهو أدب يهاجم فيه الشاعر عدوا له .
6- الغزل (Love, Erotic Poetry ) فاذا كان الأدب الديني "كالا" قدم لنا اذب الغزل الالهي بين تموز وعشتار فان الأدب الدنيوي سيقدم هذا النوع من الغزل على لسان الملوك والكاهنات في طقس الزواج المقدس.


7- الأدب أخلاقي ( Maralor Ethical Literatre )
وهو الأدب المكرس لبناء الأخلاق الإنسانية عبر وسائل أدبية عديدة ويحوي مجموعة من الأنواع هي :
(1) الأمثال (Proverbs , Ahorisms )
- ارم كسرة فيهز ذيلة لك
- المال ، مثل الطير ، لا يعرف موطنا ثابتا .
- إذا خرجت تصطاد الطيور ، بدون شبكة فلن تصيد شيئا .
- من تحبة عليك إن تحمل ثقل نيره .
- انه محفوظ في كل شيء طالما يلبس ، حلة جديدة .
- الزوجة البذرة في البيت اشد ضررا من جميع الشياطين (35) .

2- نصوص السحرية ( Sarcatexts ) :وهي النصوص على شكل قصص ذات مغزى أخلاقي معين وأطول نص ساخر وصل إلينا هو قصة ( جميل نتورتا )
3 - حكايات الحيوان الرمزية ذات المغزى الأخلاقي ( Parables) تذكرنا حكايات الحيوان الرمزية فان المغزى الأخلاقي في الأدب البابلي يقصص ( ايسوب ) الإغريقي أو قصص كليلة ودمنة الهندية الأصل ولابد إن نتذكر إن القصص البابلية هي الأقدم والأشد عرافة في هذا المجال مثل ( الثعلب والبحر ) ويرد منها الالتماعة الحكيمة الساحرة ( بان الثعلب مرة في البحر فنظر إلى البحر متعجبا ومتباهيا وقال : أكل هذا البحر من بولي ) (36) .
4- الوصايا (Commandments ) :
- لا تفتر بل قل كلمات صالحة .
- لا تتداول بأمور شريرة ، ولايكن لك سوى كلمات طيبة .
- فالذي يفتري ، ويقول كلمات شريرة
- سينتظر عبثا مكافأة شمش .
- حتى إذا كنت وحدك ، لا تبح بأفكارك الخفية .
- فما تكون قد قلته مرة وستلقاه بعدئذ .
- لذا ، فان فكرك على السيطرة على أحاديثك (37) .




المبحث الثالث
بواكير الفكر الفلسفي في العراق القديم

واستنادا لما سبق ذكره عن الأسطورة والقراءات التي تناولتها وإبعاد الأسطورة وما شكلت من اثر عميق في الفكر القديم والعراقي على وجه الخصوص من أدب رفيع المستوى توزع بين الدين والدنيا ، فان الأسطورة استنادا لما سبق عرضه أنها تمثل معالم حقائق لأنها تعالج الوعي البشري وما يواجهه من تحديات جسيمة ، فانه ابتداع الفكر ليكون الميزة التي تميزه عن سائر الكائنات إلا إن الفكر كان مملوءا بالخيال ويعتريه الغموض يعول على الحدس الذي تمظهر عبر الأسطورة التي تقدم إبطالها لغرض وغاية معينة من قبل المؤسسة الاجتماعية تعبر عن رغبات الأفراد بما تقدمه من معارف وقيم وأنماط سلوك وعوالم متخيلة تسبغ الشرعية والاستقرار على العالم الواقعي القائم من هنا كانت الأسطورة ثوب اختاره الإنسان وتجربة فكرية شكلت البداية التي ترد طويلا إمامها كانت القيمة التي مازالت مظاهرها حاضرة في النصوص المقدسة والفلسفية والأدبية بل وفي طريقة البشر في التعامل مع الطبيعة . فلم تخلو السياسة اليوم من الأسطورة . وكذلك الفن والأدب فما زال الخيال يمتد عميقا في الحاضر صوب المستقبل، فهكذا جاءت تلك الصورة التي لايمكن عزلها عن الفكر لأنها تمثل الشكل الذي أصبحت التجربة فيه واعية بذاتها ولذلك يجب إن تأخذ الأسطورة بعين الاعتبار لأنها تكشف عن حقيقة مهمة وان يتعذر إثباتها حقيقة ميتافيزيقية ، ومن هنا جاءت فعالية قراءة البواكير الفلسفية في الموروث العراقي القديم في مباحث الوجود والمعرفة والقيم .

1- في مجال الوجود : وفيه الوجود – المعنى والدلالة – فالوجود ( ذلك الخليط الذي لا تفرز عناصره ) والذي يعيش في الناس والحيوان والنبات والحجارة والنجوم على مستوى واحد من الشخصية والبقاء الحي ) (36) .

1- أي أن كل وجود هو ذات تتمتع بإرادة وفردية ، وهو نظاما وطبيعة يؤلف دولة كونية ولكل موجود كيان ودور في دولته بما في ذلك الافكار المجردة كالعدالة والعائدة على إن مواطني دولته ليسوا على مستوى واحد من الإرادة والقوة والسلطة والفعل إذ يعتقد العراقيون بصدق دولتهم الكونية وتحققها الفعلي ويعتقدون أيضا بشموليتها ومطلقيتها ..

وهكذا كان الوجود لدى العراقيين ذو طابع حيوي ، فكل شيء حاوي على الروح والمادة بأبسط مفهوم لها . فالوجود متمثلا بحشد الكائنات التي تتحكم بالظواهر والأشياء لذا كانت طبيعته عاقلة ، ثم جعل تلك الطبيعة شخصية ووجد الإنسان في نفسه الصورة المثلى لألهته وصورها على صورته ، بل كان له الشرف ان يخلق هو على صورتها وقد تجسدت تلك الطبيعة الإلهية وحتى الحجر في ظل دولة كونية وهذه الدولة تقوم على تقسيم الظاهرة الدينية القائمة ، والدولة الكونية هي انعكاس لدولة المدينة السومرية ، وهي قل أيضا لتعدد الآلهة وعلى هذا جاءت تلك العلاقة على أنها علاقة أوامر إلهية مقابل طاعة بشرية فالمواطن أحس بضالته إمام قوى الطبيعة واعتقادا بأنه خلق لخدمة الآلهة .

2- قوله( بالتغيير والحركة ) وهذا ما ظهر في الصراع بين ( السكون والحركة ) في أول الأعمال قصة الخليقة البابلية حيث الصراع الذي حدث بين اله الحركة والعقل ( أيا ) مقابل ( تياما) رمز الظلمة والأبدية وثانيا بين الإنسان رمز الحركة والحياة مع ( انليل ) اله العاصفة الراغب في العودة إلى خالفه السكونية ، لكن لو عاد العراقي إلى الحياة ، لما اضطرب كثيرالمرآى إثارة وهي حطام لأنه كان دائما يعرف بعمق بان الإنسان أيامه معدودة ومهما صنع فما هو الأريح تهب فركن الوجود ومغزاه لديه بعيد عن الإنسان . ومنجزاته ، بعيد عن الأشياء الملموسة في قوى غير ملموسة فيحكم كون تلك بداية تشكل الظاهرة الدينية التي تقوم على فلسفة خاصة فإذا كان الدين لغتا دانه دينا فهي علاقة بين طرفين يعظم احدهما الأخر وتخضع له ( وضع الهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المال ) حتى بعد وضع الهي يرشد الى الحق في الاعتقاد إلى الخير في السلوك والمعاملات (37 ) .

فالدين مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق وهو الأيمان بقوة لايمكن تصور نهايتها الزمانية ولا المكانية ، هو العنصر الرئيسي في الدين ، وبالتالي فهو الأيمان بكائنات روحية والدين محاولة تصور مالا يمكن تصوره والتعبير عن مالا يمكن التعبير عنه هو التطلع إلى النهاية (38) .

تلك ملامح الاعتقاد الديني وجدت التعبير عنها عبر مبدأ المتشابه ومبدأ الشرك التي تقود إلى الاعتقاد الأسطوري الذي هو الصلة الموصلة بين الحدث الطبيعي وبين الحدث التاريخي فالأسطورة تحاول التعبير عن ذلك الذي لايمكن التعبير عنه والتي تقود إلى دانه خضوع الإنسان إلى قوة خفية مفارقة تحت طبيعة الإنسان ، وهذه هي الظاهرة البنية التي يصورها" غوشيه" بوصفها اختيارا و ( تأسيسا ) وهذا التأسيس لا يفهم إلا من خلال فكر ( الدين ) فالدين هو في أصله دين البشر للعالم الأخر وللكائنات العلوية وللقوى الفائقة وفكرة الدين هي التي تفتح المجال لإدراك طبيعة السلطة وللوقوف على ماهية الاجتماع ذاتها ، وبيانه إن الدين يتضمن أولا : مبدأ الخارجية . ثانيا : يتضمن مبدأ ( المغايرة) أي القول بان البشر مدينون بمعنى وجودهم إلى غيرهم ، وليس إلى بشر مثلهم . ويتضمن ثالثا مبدأ( الاتصال) أي القول بوجود فارق أو مسافة بين المجتمع ومصدره بين الجماعة والمبدأ المؤسسة والمشرع لها .

هكذا جاءت تصورات العراقيين القدماء حيث يظهر مفهوم الإله الذي يأخذ لفظة ( دينكر) بالسومرية و ( ايلو ) بالا كدية فالعلاقة المستعملة هي النجمة للدلالة على ماهو ( فوق ) و ( أعلى ) أي الواقع في الجزء الأعلى من الكون : ( ما فوق ) ( الأسماء ) فكانوا يتصورون الأنموذج الإلهي أساسا مثل ( أعلى من كل ماهو ههنا )

وهكذا تظهر الخارجية بوجود اله له وظيفة أو إلى الظاهرة التي يجسدها الإله كاله السماء ( انو) أي ( السماء) وهو يمثل السلطة العليا في مجمعا للآلهة ثم يليه باقي الآلهة بالتدرج وقد اعتقد العراقيون بان الاسم يحتوي على قوة خاصة ، فلهو قرين الشخص لان ذكر الشخص ( الفرد) يرتبط بذكر اسمه وفي حالة غياب الشخص يمكن استحضاره بذكر اسمه وان لم يحضر بشكل فعلي حقيقي ، وهم ينطلقون في ذلك من عدم التميز بين الوجود الموضعي والوجود الذهني فالحضور بالذهن بذكر الاسم هو الحضور الفعلي للشخص .
وقد تشكل مفهوم الإله وبعده الخارجي من خلال مبدئين هما :
1- مبدأ المشابهه : حيث نلاحظ إن الإنسان يحاول ان يحدد تلك الخارجية للإله من خلال وصفة وتحديد إبعاده عبر مبدأ يقوم على نقل صفات بشرية وإسباغها على الإله وهذا يظهر من خلال تحديده لصفات ذلك الإله وهي اتخذت بعدين :
الأول : الصفات السلبية : الآلهة البابلية آلهة غيورة تخشى من تعاظم السلطات فيما بينها ، وتخشى تعاظم سلطات الإنسان أيضا فتحدثنا أحدى الأساطير إن الإله ( انكي) قد شنت البر الذين كانوا في سالف الزمان يعبدون الآلهة ( انليل ) بلسان واحد ( 39 ).

فتظهر هذه الصفات بوصفها انعكاسا للإنسان فتصورات العراقيين عن الآلهة من خلال المشابهة .
الثاني : الصفات الايجابية : أعطى المفكر العراقي صفات ايجابية لألهته وهي كل ما يرجوه الإنسان من اجلها الإلهه ، لكي يضمن مساعدتها له انطلاقا من مبدأ الشبهة والمحاكمات التي تحكم نظرة الإنسان للإلهه وكما وجد في نفسه صفات سلبية وجد صفات ايجابية فكانت الإلهه تساعد الإنسان وتساند الضعفاء وتحب المحسنين وهي عطوفة تهب الإنسان الحكمة وفنون الحضارة ولم تكن الآلهة تثنية الإنسان في سلوكها وصفاتها فحسب بل في شكلها المنحوت على غرار الصورة البشرية وان كانت تمتلك رموزا وتماثيل وعلاقة التمثال بالمعبد الذي يوضع فيه فهي متطابقة مع علاقة الملك بقصره في كل الحالات الأساسية وكذلك علاقته بمدينته ( 40 ) ، فالملاحظ ان العراقي القديم اعتمد على مبدأ المتشابهة في إعطاء صفات عن الآلهة .

2- مبدأ الشرك : حيث نلاحظ إن تخيل العراقي القديم للآلهة ، قد مرت بمراحل منها التعدد حيث نلاحظ انه أعطى لكل اله وظيفة ثم جمع الآلهة في مدينة كونية وباعتقادنا إن هذا الامريعود إلى ظهور التعددية بالمدن التي يجمعها دينا واحدا وداخله ولكن بعد التوحد الذي حدث منع حمو رابي حيث أصبحت كل المدن خاضعة لسلطة واحدة مظهرة التفرد ( Henotheism ) وهي مرحلة متوسطة يين الشرك والتوحيد لأنها تتضمن وجود آلهة أخرى إلى جانب الإله المنفرد وهذه الآلهة يضمها مجلس الآلهة وهذا يظهر من خلال حرب ( مردوخ ) مع ( تيامت) في قصة الخليقة البابلية .

الخلق :
وبعد تحديد ملامح الإله من خلال مبدئين المشابهة والشرك ، فانه أكد في مجال أخر على مفهوم تحديد وظيفة الآلهة وهي تحدث من خلال مبدئين هما :
مبدأ التسمية : إن الصيغة التي ابتدعها الفكر العراقي في معرض اسمه الدال على ماهيته المعبر عنها ، ولا يتخذ الشيء ( الموجود) وجودا حقيقيا إلا إذا اتخذ له اسما وعليه لايمكن ان يوجد أي شيء من دون ان يكون له اسم ( 41 )

والواضح إن هذا المفهوم موجود من قبل لدى انكي الذي كان يمتلك الكلمة الخالقة وكذلك اصبح يمتلكه مردوخ في قصة الخليقة البابلية حيث كان الاسم بشكل فعالية مهمة ، فالشيء من خلال التسمية يمكن إن يعين أمات قبلها فهو عماء والاسم هو الذي يجعلها يملك القدرة على التعين حيثما في العالم ببناء عن السماء وفي الدين لم يذكر الأرض باسم ( 42 )

مبدأ الصنع : كان هناك مادة أولى ذكر وأنثى تشكل متهما العالم بشكلان باتصالهم الجنسي بين المادة الأولى كانت قبل كل شيء وهي البجر الأول ( تمو ) أو اليومى وهذه المادة ذات طبيعة ثنائية فهي المادة وهي الإله ، لإله هو نفسه .

فهذه الآلهة ( تتحرساك الآلهة – الأم في اسمها ولأله تشير إلى ( سيدة الجبل العظيم ) حيث مغزاه عميقا فالجبل يتسم بالحضورية وكذب لفك زوجها ( انكي) الذي غطى الجبل بالحشائش الخضراء فهذا الفعل الذي يجسد مبدأ المتشابهة لأنه قائمة على المطابقة بين التكاثر البشري والطبيعة الإلهية ، لكن مبدأ الصنع بأخذ مساحة أخرى وهو ايضا يقوم على المماثلة بين صانع الفخار السومري والإله الذي يصنع البشر من الطين .

وهذان المبدأان ينطبقان في التأمل العراقي القديم في الوجود المجسد في :
1- خلق الكون :
عبر الاتصال والتكاثر الجنسي : حيث تصور العراقي إن الكون يشكل بفعل التزواج بين الظواهر التي يجسدها في هية لهة ام التكاثر لمجتمع البدائي القديم وما يسود القرية الزراعية من ديمقراطية بدائية حيث لكل فرد وظيفة دون ان يؤدي هذا إلى التفرد هكذا كان مجلس الآلهة التي يهيمن عليه قلة من الآلهة المتحكمة بالمصائر .
حيث تم الخلق بالفكر السومري بطريقة مسالمة جدا من خلال توالد الالهة التي هي في ذات الوقت الظاهرة الطبيعة ( الظاهرة المؤلهة ) فهي البحر الأول ( نمو) لتشكل الجبل الكوني الذي يضم الإلهين المتحدين ، اله السماء ( أيا) والآلهة الأرض ( كي ) فالسماء والأرض كأنا متحدين على شكل كتلة واحدة نشأت في البحر الأول أو ( العماء الأول ) ونتيجة اتصالهما ( أي الأرض والسماء ) ولد الإله الهواء ( انليل ) قد يفهم بأنه الجو أيضا . وانليل اله الهواء أنجب اله القمر ( نانا) ليضيء ظلام داره ، وهذا الأخير ولد بدوره اله الشمس ( اوتو) الذي اصبح أكثر توهجا ، وإشراقا من أبيه القمر وهكذا تستمر سلسلة التولد . حتى نشأ هذا الكون الذي نعرفه ونعيش نحن فيه ألان ( 43 ) .

فالفكر القديم ابتدأ ماديا حسيا وبعيد عن التجديد وفكرة القوة المبدعة المنفصلة عن الكون الفاعلة فيه عن بعد لم تكن موجودة في الذهن خلق الأسطورة فعمليات الخلق ليست فعلا صادرا عن الآلهة منفصلا عنها ، بمقدار ما كانت تبديا لحركتها وتفاعلها مع بعضها ( 44 )

وهذا الأمر نجده في قصة الخليقة البابلية ، لكن يظهر فيها من سيطرة لا معرفة كما تمثل الملحمة عدة انتقالات وانعطافات في الفكر البابلي إذ تشكل الملحمة – على صعيد العبادة – مرحلة انتقال من دور الأمومة التي كانت عليها المدن السومرية إلى الحاجة الديناميكية الحركية للآلهة الشابة في ظل المجتمع الأبوي وتركيز الثقافة الأبوية وهي إشارة لبدء حضارة التي نعرفها والملاحظ هنا "

1- هناك علاقة بين الإله والظاهرة بل هو يجسد الظاهرة ذاتها وهو يأخذ البعد التشخيصي لدى العراقي لكونه يريد ان يفهم تلك الظاهرة فالانفصال الذي يحدث بين السماء والأرض التي اعتقد فيما بينهم علاقة مشابهة لما بين البشر ظهر نتيجتها ( انليل ) الذي هو الهواء والعلاقة بين اليابسة والماء بين ( نخرساج) و(انكي) الذي هو اله الماء العذب عند السومرين واله الحكمة أيضا .

2- هناك تماثل التطور الاجتماعي والانتقال من تعدد المدن إلى لوحدة السياسية ، تمثل بالمقابل تغير في الحرب بين الخطاب الأنثوي ( تيامة) والخطاب الذكري فادى ذلك إلى ظهور قصة الخليقة البابلية .
إما ما يتعلق بخلق الإنسان فاننا نلمس فعالية الصنع واضحة وقد تطور فكرة خلق الإنسان بين السومرين والاكديين حيث كانت هناك أفكار متداولة في هذا المجال وقد ظهر هذا في الأساطير السومرية والبابلية .

فالأساطير السومرية تذكر الخلق :
1- حيث تبدأ أحدى أهم أساطير الخلق يشرح المصاعب التي يلاقيها الآلهة في الحصول على قوتهم ، بعد إن قسمت ادوار الآلهة وأعمالها ووظائفها في هذا الوجود ، فتلقت الآلهة ( نمو ) إلى معاناة الآلهة وتطلب من اله الماء الحكيم ( انكي ) إن يشترك معها في خلق الإنسان ليحمل نيرالعمل عن الآلهة ويخدمها ، يشترك ( انكي ) مع الآلهة ( نمو ) ( البحر الأول ) في خلق الإنسان من الطين الموجود فوق المياه العمق حيث يصنعان له الأعضاء والجوارح وتقدر له الآلهة ( نمو ) مصيره وتربط عليه صورة الآلهة.

وقد جاء ذكر الخلق كذلك في أسطورة ( الماشية والغلة ) التي يبدو فيها خلق الإنسان أمرا ثانويا يذكر في نهاية الأسطورة بعد وصفا لتعب والمعاناة التي مر بها الآلهة قبل خلق الإنسان ليخدمه وتختم الأسطورة بعبارة ( فمن اجل مصائرها الطبيعية أعطي نفس ( الحياة )).

إما في الأساطير البابلية ، حيث يكون خلق الإنسان حلا لازمة نشبت في المجتمع الإلهي من قبل آلهة العمل ، حيث ننتهي أخيرا بتحريرها من العمل .
ماذا سنخلق اذن؟
والالهة –العظام الحاضرون ،
مع الانونا مقرري المصائر
اجابوا انليل مجتمعين :
"في مصنع –الاجساد"في دور-آنكي
سوف نضحي بالالين الهين اثنين،
بدمهما سوف نخلق البشر.(45)

وفي هذا نلاحظ إن الخلق قد قسم :
1- انه قد تم الخلق بواسطة الطين والتضحية " سوف نضحي بالالين الهين اثنين" عند السومرين وعند البابليين أضيف إليه دم اله مقتول ، وان العمل اتسم انه حدث في غرفة الأقدار شبه بغرفة صناعة الفخار عند العراق القديم وهنا نلاحظ مبدأ المتماثلة مع الإنسان حيث يتحول صانع الفجار إلى نموذج للإله ( انكي ) .
2- إن الخليقة كان سد لحاجة تتعلق بالآلهة وليس البشر فالبشر مجرد عبيد إمام الآلهة ."وسخرة الآلهة،سوف تكون سخرتهم:"(46).
3- إن البشر قد احتوى جزء ارضي والجزء ألسمائي الهي وبهذا يكون مركب وفي قصة الخليقة .
نفذوا الحكم وقطعوا شرايينه
ومن دمه صنعوا البشر
وعندها فرض "ايا" الكدح على الإنسان ، حرر الآلهة والغرض من هذا الجزء السماوي ( هو إضفاء مسحة من القدسية ليكون أصلا لخدمة الآلهة ) .
وهنا نلاحظ أهم ملامح الإنسان :
1- ثنائية الروح والجسد : لقد ظهر لنا إن الإنسان فيه عنصرين الأول الطين والثاني دم الإله المقتول وبالتالي اعتقد العراقيون بهذه الثنائية لكنها لم تظهر في البداية واضحة لدى البابليين ( ولكنهم عدوا الإنسان مكون من جسد حي ويحثوا عن مصدر حياته وحركته فاعتقدوا ان مصدر الحياة شارة الدم لهذا نجدهم يرمزون لحياة الإنسان بدم الإله المقتول .

والجسد هو حسي مادي مرئي والروح أو النفس هو عنصر رفيق لا يرى ، ومن هنا ظهرت ألفاظ تدل على الروح ( الميموا ) للدلالة على الروح للإشارة إلى ما يبقى حيا من الإنسان بعد موته ، وهو ذلك الجزء من الألوهية الذي مزجته الآلهة الخالقة بالطين الفاني .
وهذا يظهر إن موت انكيدو يظهر على شكل ظل أو شبح عندما يكلم جلجامش .

2- حتمية الموت : امن العراقيين بحتمية الموت أو لا مفر لأي إنسان مهما علا شانه ، حتى جلجامش الذي يمثل الرمز الذي يؤكد تلك الحقيقة والتي تقدم المؤسسة الدينية والسياسية تصور كوني يسبغ الشرعية عليها ويداعب رغبة الأفراد في الحصول على الخلود ، فتحقق تلك النظرة من خلال القصة الملحمية التي تتخذ من اللغة التي يتم سرد تلك الملحمة من خلالها التي تقول :
( إن الانوناكي ) الآلهة العظام تجتمع مسبقا ومعهم ( ما ميتهم ) صانعة الأقدار تقدر معهم المصائر قسموا الحياة والموت لكن الموت لم يكشفوا عن يومه )

لكن هذا التصور عن الموت يشكل تصور محدد للحياة جعل من الحياة المدنية هي أقصى ما يمكن إن يدفع عنه الفرد وان يسعى إلى إن يخلد ذكره من خلال عمل سامي بطولي .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطولوجيا الموت والحياة في العراق القديم
- قراءة في ديوان (ايماءات بعيدة)
- شعرية السرد
- قراءات في المتن الابداعي الحلي
- نقد النقد ام نقد تهافتي؟
- أخلاق الطاعة في ظل مهيمنة الدولة
- المخيال السياسي في الآداب السلطانية
- الموت في الفكر المصري القديم
- قراءة في رسالة شفرة دافنش
- حوار مع ثلاثة فنانين
- الموت غدا رائجا
- الوجودية في الفكر الفلسفي المعاصر
- النص الرشدي في القراءة الفلسفية العربية المعاصرة
- القراءة الابستمولوجيه لتراث ابن رشدعند محمد عابد الجابري
- المثقف بين خانقي التخوين والتهميش
- ظاهرة القراءه ورهانا الوعي
- الفرد وروح التعايش والأمل
- الكتاب وقيم القراءة
- :الديمقراطية والإطار ألمفهومي
- في أنماط الاتصال بين الإسلام والغرب المسيحي


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبد زيد - الأسطورة والأدب