أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلود بنباقي - عاجل














المزيد.....

عاجل


ميلود بنباقي

الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة:

أقتعد صخرة يتيمة و أرنو متعبا للعشب النامي فوق قبرها العريان... أقول لها: " ما مت يا حنة و ما قرب الموت ناحيتك! "
أسمع عظامها النخرة تطقطق معاتبة. أخجل من نفسي و من وقاحتي الفجة. أمسح غبشا حط فوق جفوني المتورمة، وأكاد، من فرط الشوق، أراها... تهش بيديها النحيفتين على نمل جسور يعبث بخصلاتها الحمراء و دود يخرج من الأرض الجافة بغير حساب. تقول لي: مت يا وليدي من زمان، و انتهى خبري.
أضع يدين مرتجفتين على شفتي و أسألها: و هاذي الحشائش؟ و هذا النوار ؟ كركاز و كرطوفة و شيح
و خضير جمال و ذيل الخروف...؟ هذا يطلع من الموت أو من الحياة؟ في هذا العام سقط مطر كثير يا حنة , و نبت عشب كثير و الموت من الناس ابتعد قدر ما تبتعد السماء عن الأرض.
تشيح بوجهها. أنا مت. أكلني النمل و الدود و غطاني التراب. أنت تعرف ذلك و الناس كلهم يعرفون. لكن يا عفريت لا تراوغني. قل لي هل وفيت بوعدك أم لا؟
أي وعد يا حنة؟ أي وعد؟ وعودي كثيرة و ما وفيت إلا بالقليل منها. ذكريني يا حنة. نسيت. أي وعد؟
تشيح بوجهها. أنا كبرتكم و تعبت و شقيت من أجلكم. ذقت الحلو و المر و سهرت الليل. شفت و سمعت و رحلت من بلاد لبلاد و تهجرت. وكان الموت يقرب مني ثم يفزع و يخاف. يطير و ما يمس مني شعرة. كنت قوية مثل الرجال و أكثر من بعض الرجال. لكني كبرت و عييت و نخرني المرض. غلبني الموت القهار و أخذني معه في عام لم يمت فيه أحد سواي. هذا هو موت الرجال. ما ندمت و ما تأسفت لحالي و مآلي. بنيت لكم و لعمك عمران دارا و حيطانا... بالطوب و الطين و عرقي. وقلت لك يا مجيد، يا ابني، الله يرضى عليك, لما تنهي دراستك و تتوظف, و يصير لك مرتب في آخر الشهر و عطلة في بداية العام و نهاية العام. و تصير من المخزن. تلبس المكوي و النظيف و تلمع حذاءك و تمشط شعرك مرة من اليمين لليسار, و مرة من اليسار لليمين. و مرة تتعب و تمل من اليمين و من اليسار و تمشطه للوراء... قلت لك يا مجيد لما تسترخي على الكرسي و ترخي بطنك و تدليها و تنفخها و تغير ملحك و خبزك و طعامك... لما تغير وجهك إذا ما عجبك وجهك وتبدل جلدك إذا لفحت الشمس جلدك... ابن لإخوانك و لعمك عمران دارا غير هذه الدار. ابنها بالحجر و الحديد و الإسمنت. واجعلها عالية في السماء حتى ما يعلو عليها في القرية كلها غير صومعة الجامع. ابن دارا فيها سطح و حوش و أدراج و زليج يلمع مثل الذهب. ما فيها تراب و لا قش. ما تقطر في المطر و ما تدخلها ريح. و ما يخاف أحد تسقط عليه في العواصف و الرعود.
ابتسمت لي يا مجيد و قلت آمين. فقط ادعي لي يا حنة, أتوظف و أصير من المخزن و أبني الدار
و أعليها على ديار الجيران. أطليها و أزينها. تعجبك و تعجب الناظرين. احتضنتك يا مجيد و مسدت شعرات رأسك و فليتها. قصعت الصيبان والقمل و دعيت. دعيت لك يا مجيد.
أشيح بوجهي. يا حنة، خطفك الموت من زمان و نهش النمل و الدود عظامك، وما نسيت هذا الوعد؟ يا حنة أنت قلت، و أبي قال، و الناس كلهم يقولون: الدار قبر الدنيا.
يا حنة، أبني قبرا و أدفن فيه أهلي و ناسي؟
تشيح بوجهها. وقبري أنا يروقك؟
يروقني يا حنة.
تزورني فيه؟
أزورك فيه. غلي الماء و اعصري الشاي في الإبريق الصغير، وأنا أزورك.
أشيح بوجهي و أنهض. أزورها في قبرها؟ تطقطق علي عظامها و أتمدد كالميت؟ أحسست بأسناني تصطك وبركبتي ترتجفان فزعا. رأيت القبور تفتح أفواهها و رأيتني أركض مثل الأرنب المفزوع. أتعثر في خوفي و أسقط. أتمرغ في التراب. أنهض و أركض. تفتح القبور أفواهها و تتبعني.
أرى أمي تغلي الماء. تعصر الشاي في إبريق صغير لا يلمسه أحد سواها. أتذكر موعدي. أقف مفزوعا. أمسح مؤخرتي بيدي. أمسح حبات التراب و أعواد التبن على رأسي. أرفع بصري إلى سقف الغرفة. الأرضة تأكل أخشاب الأكالبتوس و تنخر القصب. مياه الأمطار القديمة رسمت خطوطا على الجدران
و حفرت عليها أخاديد، و عرت وعدي القديم و جلت كذبي.
أرى أمي تغلي الماء و تعصر الشاي كأنه القهوة. أتذكر موعدي مع جدتي. أركض مثل الأرنب المفزوع. أجثو على الصخرة و أتملى العشب النامي فوق القبر. أقول لها: يا حنة, ما غليت الماء و لا عصرت الشاي.
تشيح بوجهها. و أنت ما وفيت بوعدك و ما بنيت لإخوانك و عمك عمران دار الإسمنت. صرت من المخزن تلبس النظيف و تسترخي و صار لك مرتب و ما وفيت بوعدك!
أشيح بوجهي. سأوفي يا حنة، سأوفي. فقط اغلي الماء و اعصري الشاي. ابتسمت و فتحت لي قبرها. التفت إلى القرية خلفي. رأيتها بعيدة و صغيرة. صعدت دمعتان إلى عيني. مسحتهما على عجل قبل أن تفضحاني. أحنيت رأسي و انزلقت داخل القبر. قامت جدتي و أغلقت فتحته. تمددت جنبها. شربت الشاي. قعدت تفلي رأسي. تفجر الصيبان والقمل بأظافرها الطويلة. طربت لصوت الانفجارات المتتالية. رأيت الدخان يصعد. يلف و يدور و يخنقني. رأيت سيارات الجيش و الشرطة و الإسعاف و المطافئ تولول و تركض مثل الأرنب المفزوع. رأيت الشريط الأحمر يأخذ مكانه على شاشة التلفزيون. قرأت فوقه خبرا عاجلا. أغمضت عيني. لم أفتحهما أبدا.
كان ذلك هو الخبر العاجل الذي ظهر على الشريط.









ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطل من ورق
- بقع دم بيضاء
- طلقات قصصية
- قصص قصيرة جدا
- ظلال الحلم في رواية:- الحلم المزدوج- لدينا سليم
- إنه فقط أبوك
- لا تخفى عليه خافية
- قصة قصيرة
- خوصصة بدون طحين
- البغل الذي فقد عقله
- النقد الأدبي
- أرى نجمة في الأفق
- لا أحد يقتل أحدا


المزيد.....




- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”
- المجتمع المدني بغزة يفنّد تصريح الممثل الأوروبي عن المعابر و ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلود بنباقي - عاجل