|
عيدٌ جنوبيّ الباسفيك
عادل الحاج عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 11:38
المحور:
الادب والفن
اول ايام العيد (( .. ومصداقاً لحكمة مُستعربي السودان القائلة بأن "النيِّئة .. للنار!")) (( كمال الجزولي، رزنامة الاسبوع)) [1] حتى تمام الساعة الثانية بعد الظُّهر لم يكن لي ان اكتشف انه فعلاً يوم العيد، هاتفني صديقي مذكراً انه عامٌ آخر قد انقضى هنا. انتابتنا معاً لحظة صمت لم يسأل احدنا الآخر علاّمَ كان صمته.. الحقنا صمتنا ذاك بتغافل مُصطنع، فضحه فيما يبدو غياب اصواتنا .. لبُرهة. ثم انتفضت لأسأله: ماذا تفعل الآن؟ قال: انه مازال يحرس نفس الباب! وما لبس ان اضاف .. انهم نفس الزَّبائن، ونفس العمال، ونفس اليافطات! قلت له: فهو بالنسبة لي نفس العيد السابق، ونفس الوجوم، واليافطات .. عينها! ودَّعني.. فودَّعته بنفس طريقة وداعه! "على امل اللقاء غداً.. ولكن كلانا يُضمِّر خفاءً حقيقة انّنا قد لا نلتقي الاّ بعد عام". عندما حلَّ المساء .. تجوَّلت مساءَ هذا العيد، بالمواقع السودانيَّة على الشبكة العنكبوتيَّة، فإذا بها جميعها قد تلَّبستها حالة عيد.. كُتب على مُعظمها: *مثلاً: سودانيل، كل عام وانتم بخير نحتجب الآن حتى..! اذاً اين المفر؟ المدينةُ هنا لا تلبس ثياباً جديدة، الناس يزاولون حياتهم كالمعتاد، وبالرغم من ان العيد هذا العام قد صادف عُطلة نهاية الأسبوع.. فنهاية الأسبوع هنا؛ الحانات مُترعة بالزبائن، والشبان الصغار يتجمعون وهم في طريقهم من اطراف المدينة الى قلبها.. يتخذون مقاعدهم بفوضى داخل القطارات، الفتيات الشقراوات اليانعات، الصغيرات، يتبادلن ارقام المحمول مع شبان يكبروهن بقليل. نساءٌ ثلاثنيات بصحبة بعض الرفاق والأصدقاء، وواحدة، منزوية منهمكة بوضع انواع من "البودرة" على وجهها وتُرطب شفتيها بشئٍ ما يُحيلك لإشتهائها!. المدينة اذاً صاخبة هذا المساء.. هاتفني صديقٌ آخر، حاملاً اخبار البلد، والتي يبدو ان اخبارها دخلت خانة السوق السوداء للحصول عليها " فالبلد في حالة عيد". قال صديقي: ان الحركة الشعبية، قد علَّقتْ مُشاركتها في "حكومة الوحدة الوطنيَّة". طلبت منه بلطف ان يُوضح ماذا يعني بـكلمة "علَّقتْ" ، فتفذلك، وتلخبط ولم يُبِّن.
ثمَّ اردَّف قائلاً: انه بمثابة "الحرد" بين الشريكين، فمثل هذا "الحرد" يتم غالباً في كثير من حالات الزواج التي تتم غالباً دون قبول من الأهل! لأن حياة الزوجين في معظم الحالات، ما تتبدّل بعدها الى مُشاحنات ومُلاسنات "ومطاعنات"، ما يلبس بعدها ان يكتشف احد الطرفين، مدى تسرعه .. ومدى تورطه؛ ولكن بعد فوات الآوان. قاطعته قائلاً: الم يكن من احد مُناصِّحاً او مُصلحاً بينهما.. إنتفض صديقي مذّكراً لي انه محض مثال اتى به موضحاً لي عبره ما تم في ذلك الحدث، ولفت انتباهي ان القصة التي ساقها كمثال يبدو انها قد استهوتني. تجاوزاً، منا لذات الموضوع.. سألنا الله الستّر واللُّطف لكل الزيّجات! ثاني ايام العيد (( .. كتبتُ اجناساً مختلفة من المكتوب، القصة هي التي تُملي عليك المضامين التي يُراد اخبارها سرداً )) ((دوريس ليسنغ، نوبل للآداب 2007)) [2] هذه المدينة "سيدني" لها طقس مُتَّقلب، دائماً ما يُعيدني بالذاكرة لمقولة أحد الشبان النيوزيلندين والذي كان يُزاملني العمل، فهو يثق بإسراف في كون انه يمتلك مقدرات فائقة في جذب الفتيات نحوه، فكان دائماً ما يشبِّه طقس المدينة بمزاج شقراواته..! شمس سيدني الإكتوبرية الحارقة تلفحك بوهجها، كملامح صديقات "اخينا" النيوزيلندي وشعورهن المُسدلة كسناوات الشمس، تتحرش بك منذ استيقاظك الباكر و تصحبُك بوهجها .. اطراف نهارك، ولا تسلم منها إلاّ بغروبها خلسة؛ فساعات يومك جنوبيّ الأرض تُغافلك مُسرعة، كأنها على موعدٍ من وراء ظهرك مع تلك الشمس الشقراء عند المغيب. .. هكذا كان الوقت مُسرعاً ثاني ايام العيد.. مُعايدات وزيارات، لا تتجاوز التنميّط ولا تقاومه .. فجميعنا استسلم لهذا الإيقاع المُتعولم وسلوكنا المُنسجم والمنفصم في آن معه، بكلَّ طيبة خاطر "السنا اناسٌ طيبون؟"؛ وتعايشنا السلميّ (المحكيّ عنه) مع "تابوهات" حقنونا بها منذ مجيئنا لهذه البسيطة! كل عيد ونحن نردِّد "تعود الأيام"، عادةٌ ورثناها فصرنا نخدر بها ذواتنا المُنهكة مسافة عام، لذا هو موسم نسوِّق فيه احلامنا المُهدرة منذ الخليقة، لنوزِّعها "كحَلاَوَة" عيد لأطفالنا السُّمر الحالمين! ..عند المساء.. التقطت عدد نهاية الأسبوع من صحيفة The Weekend Australian العنوان الرئيس بها يحمل عنوان مفاده ان رئيس الوزراء هاورد سوف يقوم بطرح برنامجه للإنتخابات العامة المزمع عقدها بنهاية نوفمبر القادم 2007/11/22 . اذاً حتى الصحيفة تُخِّيم عليها اجواء الإنتخابات ووعود الساسة وضجيجهم يوم العرس، وانغماسهم في شهور عسل تطول، بعد زفَّهم لسَّيدة الحُسن "سُلطة". لم اطل البحث بين صفحات السياسة تلك، ما كان يعنيني هو محاولة العثور على مزيد من الأخبار عن تلك السيدة البريطانية التي حازتْ هذا العام على نوبل للآداب، كنت شغوفاً لمعرفة تفاصيل اوفى عنها وعن اعمالهما والتي لا ادعي اني قرأتها من قبل. بحثت دون جدوى ولم اعثر بين صفحات ذلك العدد على شئ يُذكر يخُصَّها .. توجهت بعدها مباشرة لطاولتي العزيزة والتي بها ذلك الجهاز الصديق (الكمبيوتر)، اشعلته برفق فقد خامرني احساس اوشى لي بمدى تورطه معي هو الآخر.. فحتى الأعياد لا يجد بها ملاذاتٍ آمنة، تقيه من ضغطات اصابعي الطويلة على اعصابه ومفاتيحه. على اي حال، وبعد لأيّ عثرت على بعض المعلومات، المسجية على صفحات الموقع الرسمي لجائزة (نوبل). فالسيَّدة هي الروائية البريطانية دوريس ليسنغ Doris Lessing والتي كانت قد ولدت في طهران 1919 ورافقت والديها إلى روديسيا (زيمبابوي الآن)، السيدة البريطانية بدأت تكتب منذ نعومة اظافرها في الثامنة من العمر، والمفارقة الطريفة انها لم تحظى بالتكريم إلاّ بعد ان صار عمرها 88 أي بعد ثمانية عقود!. قالت انها كتبت عن كل شئ، بدءاً من أخبار القطط والطيور وانتهاءاً بحرب العراق (كمناهضة لمشاركة بلادها بالحرب)، تقول انها كانت شيوعية ملتزمة في شبابها، والآن متصوفة لما يربو على الثلاثين عام. قالت انها دائماً لا تحفل كثيراً ولا تأبه لآراء النقاد حول اعمالها والتي غطّت كل اجناس الإبداع ما عدا الشعر. كما قيل ان اصداراتها تفوق الخمسين اصدارة، ابدت السيدة ضيقها من ملاحقات الصحفيين لها، المُحتشدين امام دارها بعد اعلان فوزها بالجائزة؛ متذرعة بأنهم سوف يشغلونها عن الفراغ من انجاز روايتها الجديدة التي بين يديها! ثالث ايام العيد (( وطني لو شُغلت في الخلد عنه .. نازعتني إليه في الخلد نفسي)) (( امير الشعراء، احمد شوقي)) [3] هذا اليوم صادف يوم الأحد وهو آخر يوم في عطلة الأسبوع، يوم الِّفناه هنا خاملاً وقصير. الناس غالباً لا تفارق مساكنها. المُسنون يبدأون صباحهم بالذهاب لدور العبادة، الشبابُ لا يبتدرون يومهم في "آحاد" سيدني إلاّ متأخراً جداً، فالليلة التي تسبقه تكون عادةً مليئة بالصخب والإعياء والذي يتملك الجميع دون استثناء، ولكن يبدو انه بقدر مضاعف بالنسبة للجميلات! لذلك أخترت ان امكث ببطن داري، نُعد اغراضنا لاستقبال الأسبوع الجديد، طبعاً سأسرد هنا قليلاً ولكن دون اسهابٍ يؤذي! فالرجل "السودانويّ" مِّنا جنوبيّ الأرض هنا .. قد لا تتّعرف إليه "امه" شمال الأرض لاحقاً ابداً، فالواحد منا يتحول بِسطوة القانون وقِلَّة الحيلة الى شخص مختلف تماماً، لتُصبح مزاولة الأعمال المنزلية في عطلة آخر الأسبوع مُجرد فرض كفاية بالنسبة للنساء الرائعات!. عموماً بعد ان رُفعت الأحكام، وجفَّت الصحون .. ذهبت لمزاولة عادة جمع القُصاصات. وهي بالمناسبة عادة الزمت نفسي بها لأكثر من عام خلا، اذ كنت قد طلبت من احد الأصدقاء المقيمين في مصر ارسال كتاب كان قد خرج للتو هناك للروائي المصري الفذ صنع الله ابراهيم عنوانه "يوميات الواحات"، بعث به الرجل اليّ مشكوراً، ولكن ما لبث ان تملّكني نوع من الإحباط بعد اطلاعي عليه، فكنت امني النفس بقراءة جديدة لرواية من صنعه (أيّ صنع الله)، ولكن الكتاب كان يتخذ شكلاً مغاير، حيث جاء الكتاب عبارة عن تجميع لقصاصات كان الكاتب قد ادخرها خلال مسيرة حياته الحافلة بالسجون والمطاردة من قبل السُلطات. ولعل طريقة اخراج الكتاب تلخصها هنا مقولة شعبية شهيرة "القرش الأبيض .. لليوم الأسود" فمن يومها حدثت نفسي ان اسير على هديه واجمع كل ما تقنع به بصيرتي وينال استحسانها، ولكن إلكترونياً في هذا الزمان.. الرقميّ، واعمل على جمعها وترتيبها آحاد كلّ اسبوع. من القصاصات التي ادماها مقصّي، وآلت لتجاور كثير من الملّفات بنهاية هذا الأسبوع؛ لتقبع بأعشاء جهازي (الكمبيوتر) المُتخم. فصادف عثوري خلال اسبوع العيد هذا على مقالة للشاعر والناقد المصري الكبير حلمي سالم عنوانها:"75 عاماً على رحيل "امير الشعراء"، أحمد شوقي تقليدي ام مجدد؟ المقالة غاية في الأناقة المعرفية والعزوبة اللّغوية. كنت قد بعثت بها هذا الأسبوع لصديقي الأستاذ خالد عثمان في بريده الإلكتروني، فهو من اصحاب الهَّم الثقافي السودانويّ جنوبيّ الأرض هنا وهو يقبض بزمام المُبادرة الثقافية السودانية بها؛ وذلك بترأسه تحرير صحيفة المهاجر، وهي النافذة المطبوعة الوحيدة المطلة بنا على قضايا الوطن هناك شمال الأرض. كل عام والجميع بخير من جنوبيّ الباسفيك عادل الحاج عبد العزيز حاشية:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] الجزولي، كمال، مقالات راتبة بعنوان "رزنامة الأسبوع، النيئة للنار!" ، سودانيل الإلكترونية، 2007/10/11. [2] موقع جائزة نوبل على الشبكة مقابلة عبر الهاتف مع الروائية البريطانية. [3] سالم، حلمي، مقال نقلاً عن صحيفة الحياة اللندية بتاريخ 06/10/2007 ويوجد على هذا الرابط بالشبكة: http://www.jehat.com/Jehaat/ar/DaftarAfkar/9-10-2007.htm
#عادل_الحاج_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إن جاز لكلماتي ان ترثيك يا محمد
-
لا عليكِ -اشْراقة-- إنه التجني
-
في ظِل الحرب: العلاقات الاسترالية مع السودان - من غُردون إلى
...
-
التلفيقيون الجدد - سؤال الأخلاق والسياسة في السودان
-
النًخبة وادمان الحفر
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[1]
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[2]
-
التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[3]
-
محاولة لفضّ الإشتباك
-
) قراءة من سيرة رجل1
-
قراءة من سيرة رجل يهجو اهله ( 2 )
-
مُقرَنْ العَنِتْ .. مُلتقى النظاميّن الأميركي و السوداني
المزيد.....
-
جرأة محفوفة بالمخاطر.. شهادات علنية لضحايا اعتداء جنسي تتحدى
...
-
الفرانكو- جزائري يخرج عن صمته ويعلق بشأن -فضيحة حوريات-
-
نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا
...
-
شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
-
تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان
...
-
بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله
...
-
على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس
...
-
-الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
-
الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط
-
ملف -القندورة والملحفة- الجزائري بقائمة اليونسكو للتراث غير
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|