أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان شاوي - عن الإبـداع.. وسـلوك المـــبدع















المزيد.....

عن الإبـداع.. وسـلوك المـــبدع


برهان شاوي

الحوار المتمدن-العدد: 637 - 2003 / 10 / 30 - 02:34
المحور: الادب والفن
    



                               ( 1 )

   فـي حـوار طـويل جـدا أجراه المؤرخ الموسيقي والصحافي الروسي ( فلكوف) مع الشاعر
الراحل (يوسف برودسكي)، سأله فيه عن تجربته الشعرية، ورايه في الشعراء الآخرين،
لاسيما بالشاعرة (آنا آخماتوفا)، فكان جوابه كالتالي:( كل ما له علاقة بآخماتوفا هو جزء من
الحياة.. والحديث عن الحياة يشبه محاولة القط لإقتناص ذيلـه.. إنه صعب بشكل لا يصدق،
لكني أود أن أثبت هنا بأن كل لقاء مع آخماتوفا كان بالنسبة لي معاناة رائعة.. لا سيما حين
 تدرك جسديا وروحيا بأنك تلتقي بأفضل الشخصيات، بأنسان، نبرة واحدة منه تهزك من
الأعماق، فنبرة واحدة من صوت آخماتوفا أو إلتفاتة واحدة من رأسها كافية لتثملك، فمن خلال
الحديث معها، عند شرب الشاي او الفودكا تشعر بانك أصبحت مسيحيا بكل ما تعنيه هذه الكلمة
من معنى.. وفي أسوأ الحوال ستقرأ النصوص المطلوبة أو ستذهب الى الكنيسة. إن دور الشاعر
في المجتمع يؤدي في حد ما الى الطريق نفسه..).

                               ( 2 )

   لا أود الحديث هنا عن الشاعرة (آنا آخماتوفا)، ولكن قبل فترة تهاتفت مع إنسان أعتز به
كثيرا، فساقنا الحديث،الى قضية مهمة جدا، على الأقل على مستوى علاقة النص بالمتلقي، لا
 سيما في مجتمعات ثقافتها شفاهية، وسماعية، كالمجتمعات العربية.
وتوقفنا عند الإبداع وسلوك المبدع، عند الشاعر وسلوك الشاعر، فهناك الكثير من الشعراء
والأدباء لهم مؤلفاتهم الشعرية والأدبية التي تؤكد على الجمال، وتحتج على القبح والعنف والظلم
والظلام الذي يخيم على العالم، مؤلفات وروايات ونصوص علاقتها بالعالم والأشياء في منتهى
الرقة والعذوبة والانسانية والمسؤولية، لكن اصحابها ومؤلفيها انفسهم يفتقدون الى الأدب، والنبل،
 والرقة والمسؤولية في ممارساتهم اليومية.
 فهناك شاعر او روائي يكتب القصائد الجميلة، والروايات الجيدة حقا، لكنه في الواقع وفي
الحياة اليومية تافه النفس، نجس الروح، فظ الطباع، دنيء المطمح، كذاب أشر، حقود، مبتذل
التعبير، منافق، مغرور، أجوف، خشن التصرف، وسخ الأعماق، حتى أنك لتعجب كيف
صدرت تلك الإضاءات عن مستنقعاته الآسنة تلك!!!

   قـد يقول أحدهم بأن القاريء يتعامل مع النص الشعري او الأدبي، وليس مع شخصية الشاعر
أو الكاتب، لأنه قد لا يعرفه أو يتعرف عليه أبدا، وبالتالي يكون سلوك الشاعر والأديب مجهولا
بالنسبة له، وهذه حجة قوية، لكن ماذا لو إلتقى القاريء بشاعر أو كاتب  كالذي وصفناه!!

  ومع الأسف ان الكثير من القراء والناس العاديين فقدوا ايمانهم بالثقافة والمثقفين، بالشعر
والشعراء، والأدب والأدباء، والفن والفنانين، وبالمثقفين عموما، خصوصا بعد التعرف
الشخصي بهم، متابعة مواقففهم واخبارهم وموقف بعضهم من بعض، او من خلال الأقتراب
منهم  ومن عوالمهم، إذ تتكشف لهم الأقنعة، فهؤلاء تكشفوا لهم عن كوارث إنسانية حقيقية،
وكما صنفتهم لي احد القارئات بانهم: اما ذئاب ضارية يحرقون أطنانا من بخور الكلمات
لأصطياد فريستهم، لاسيما اذا كانت أنثى، أو مهرجين مملين يرقصون كالسعادين، سواء أمام
ذوي النفوذ أو امام الأنثى ثانية، وفي أحسن الأحوال فهم ليسوا أكثر من ( بياعي كـلام)!!!


                           ( 3 )
 
   أعترف انها لقضية شائكة ومعقدة، فهي أكبر من سلوك فردي لشاعر ما وقصيدة أو كاتب
ما ورواية، من حيث ان الشعر او النص الأبداعي، الفني والأدبي، ليس وحده المعيار للشعرية
والتأدب، فالتراث الأبداعي العربي مليء بالأمثلة التي تضرب، ولكن لا تقاس، ولنأخذ( حاتم
 الطائي) مثلا، فمنذ الجاهلية ولحد الآن، تسبقه سمعته الكريمة قبل شعره المتواضع فنيا، لكن
هل تغفر القصيدة المتواضعة لصاحبها لوكان طيبا وخلوقا لتؤكد شاعريته..لا أعتقد ذلك، اذا لم
نقل العكس هو الصحيح، فمعلقة (أمريء القيس) غفرت لصاحبها السكير، العربيد، مثلما غفرت
أشعار (أبي نؤاس) لصاحبها تاريخيا، وفي نفس الوقت هناك قصائد واعمال أدبية راقية فنيا، لكن
المتلقى لا تهزه هذه الأعمال لأنه يعرف ان الشاعر يمدح في هذه القصيدة طاغية، وسينال عليها
سيارة او بيتا، أو وزنها من الذهب أو الدراهم، ولنا في شعر وادب مديح السلطات والحكام امثلة
اكثر من ان تحصى..!

                         ( 4 )

   بعض الشعراء والكتاب يعتقدون ان على الشاعر او الأديب ان يتصف بالغرابة والشذوذ
الاجتماعي، سواء في الهيئة او الملبس او السلوك مع الآخرين، فيتصرفون بوقاحة وفجاجة
وغرابة، حتى لو كانوا في داخلهم غير مقتنعين بما يفعلون، فهم يتمردون سلوكيا معتقدين بانهم
 سيحررون اللغة من أسرها، والعقيدة من سجنها، وسيجترحون المعجزات..!! علما ان سلوك
الشاعر، وحياته، كثيرا  ما كانت أهم من قصيدة الشاعر..بل ان تاريخ الفن والأدب العالمي
حفظ لنا الكثير من الأسماء الرائعة التي كانت حياتها ترتقي، بل وتعلو احيانا الى قمم إبداعها..
ألا ترتقي حياة ( فان خوخ) الى مستوى لوحاته العظيمة، بل وتفوقها! ألا تستوي حياة (الحلاج)
في إشراقها مع شطحاته السامية، ألا نجد في مواقف (ليف تولستوي) سموا وشجاعة وبطولة
ترتقي على كل مواقف أبطاله، اليست القيم الأخلاقية التي دعى اليها  الكاتب (يحيى حقي)
في قصصه ورواياته ما هي إلا ظلال روحه وشخصيته الانسانية الباهرة..

   لستُ محافظا ابدا، ولا احتكم اخلاقيا لما يخص المبدع او أي انسان في علاقته وسلوكه مع
ذاته و جسده، فكثيرا ما يطهرنا جحيم الحياة، لكنني أحتكم للفعل الانساني، وللجمال، والأصالة
في السلوك وفي علاقة النص الأبداعي مع مبدعه. أحتكم لشعر الحياة وشعرية العلاقات الانسانية،
وليس للقصائد النبيلة. فماذا تعني أجمل القصائد اذا ما كان الشاعر نذلا ورعديدا  وضئيلا.
 
   إن برودسكي في حديثه عن ( آخماتوفا)، كان يتحدث عن قوة المثال، عن قداسة الشعر، عن
دورالشاعر في الوجود، عن معنى ان تكون شاعرا، عن دور الشاعر في دفع الناس الى الطريق
المقدس، بعيدا عن الوعظ، وايقاظ الطهرانية والسمو الأخلاقي فيهم بعيدا عن الارشاد، ودفعهم
لشجاعة الموقف ونقاء الضمير بعيدا عن التبجح والادعاء، الى التواضع المجيد، والتفرد الأصيل!

                     ( 5 )

   مرة اخرى أقول، ان الموضوع اكبر من  تلك المعادلة البسيطة بين الشعر وسلوك الشاعر،
 بين المبدع ونصه الأبداعي، لأنه يمس ازدواجية ذواتنا وعقدها، ولربما يحتاج الى تحليلات
نفسية لتركيبات مجتمعاتنا، وبالتحيد لتحليل شخصية المثقف الملتوية، اما فيما يخص الشعر
والشاعر، فليس كل من كتب الشعر بشاعر..الشعر موجود في الحياة وفي العلاقات الانسانية
الدافئة، وليس في القوافي.

                                                                             



#برهان_شاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هـل هنـاك ( رأي عــام ) عــربي حقــا؟؟
- حـقـــوق الإنسان فـي البـلـدان العربـيـة...!!!!
- عن قنــــاع المثقـف... العراقي..!
- فـي الثقــافـة الـعراقـيـة الجــديـدة
- مـن قصــــــائد الحـجــــــر
- مـن ( أعـصــــاب ) فلاديميـر فيسـوتسـكي
- الفضائيــات العــربية.. والعـــراق 3 - 3
- الفضــائيـــات العربيـــة.. والعــــراق 1 / 2
- آنا آخماتوفا


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان شاوي - عن الإبـداع.. وسـلوك المـــبدع