أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد














المزيد.....

بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2053 - 2007 / 9 / 29 - 09:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين احياناً
ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

مهدي النجار

انه لمدهش هذا الشاعر بشار بن برد (البصرة 714 – 784 ) المكنى بابي معاذ، الشاعر الاعمى ، الضخم الجثة، الجاحظ المقلتين، صاحب القلب المجنح والاحاسيس المفرطة، احاسيس العاشق المندهش على الاشياء والكائنات . لقد كان دائماً فضائحياً ومحرضاً وهجائاً ومنفلتاً، لكنه كان ذا ذكاء لامع ونظر ثاقب وأذن عاشقة من نوع فريد يصل حد الهوس، جحظت مشاعره - بدل عينيه - حباً طوال حياته، وهو يحب كل يوم وينشد اشعاره كل يوم ولولا عنفوان هذا الحب لخسرت جاذبية جهازه الشعري وظيفتها ولكن حين تفرُّ الاشعار من راس بشاريعدو مسرعاً ليجمعها ويعطيها الى حبيبة مجهولة يريد ودها دون ان يعرف لها اسماً ولا جهة ولا يدري من اين جاءت والى اين تمضي، لم يرها قط، بل احس حفيف ثيابها، الحفيف السري الذي ما استطاع احد سماعه الا ذاك الشاعر الولهان.
بقيت اشعاره لذيذة لم تندرس ولم تطحنها صرامة القرون لكأنها أُنشدت البارحة لا قبل نحو من ثلاثة عشر قرن، فلم تظهر عليها اية تجاعيد، ولولا بعض الخصائص الاسلوبية والوقائع التاريخية لاستطعنا ان ننسبها اذا كنا نجهل مصدرها الى شاعر معاصر فهاهو يقدم الحكمة باسلوب شاعري خلاب: اذا انت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت واي الناس تصفو مشاربه
كانت بداية تمرداته ضد منظومة شعر اسلافه ومعاصريه من حيث اجهزتها ومفاهيمها واساليبها وطرق نحت الكلمة، فهو كما اتفق اغلب النقاد على وصفه بانه: " رئيس شعراء العصر العباسي الاول بلا جدال، واكثرهم تاثيراً في الانقلاب الشعري الذي امتاز به ذلك العصر" وقيل عنه بانه: " اشهر المولدين على الاطلاق وزعيم الشعراء المحدثين" ويرى الاصمعي، وهو من النقاد المتشددين ، ان بشاراً خاتمة الشعراء ولولا انه متاخر عن زمن الفحول لكان قدمه على كثير منهم، امسك بزمام اللغة وسخرها في شعره باتقان، كان لعوباً بالالفاظ واجاز لنفسه الاشتقاق اسوة بمبدعي اللغة، رصين العبارة، يجمع في شعره بين مقومات الشعر التقليدية وبين اوائل معطيات الشعر المحدث وخصائصه. يقول عنه طه حسين: " يكاد ينعدم نظيره في قوة الذكاء، وحدّة الذهن " ان الميزة الاساسية في بشار ( وهو هجاء لامثيل له ) لهي عربدته الفكرية وتشوشه الثقافي ونقده اللاذع الحاد لكل عفونات ورداءات زمانه الداكن، الموحش، وضغوطات مجتمعه التي لاتطاق، ذلك المجتمع المغلق الذي لم يكن يخطر بباله ان يتعامل بمفاهيم التسامح والحوار وقبول الاخر ومراجعة الذات ونقدها ( كما في لغتنا المعاصرة) الا ان ما جعله اكثر خصومة وصداماً مع كل شئ من حوله هو ما اثقلت عليه عاهاته البدنية من جهة ووطأة الاحاسيس والتوترات التي ملئت راسه من جهة ثانية:" يا ابن نَهيْا، راسي عليَّ ثقيلُ " فبات قلقاً، متوتراً، وضع كل بديهيات مجتمعه تحت المسائلة والريبة والشك، مما كدر عليه ايامه:
جفت عيني عن التغميض حتى كأن جفونها عنها قصار
ووصل به الامر ان يتمرد على اغلب قيم ومفاهيم مجتمعه، بل وان يسخط على ابناء جنسه البشري وان يتذمر منهم ويذمهم في ابياته المشهورة:
ابليسُ أفضلُ من أبيكم آدمٍ فتبينوا يا معشر الاشرارِ
النارُ عُنصرُه، وآدمُ طينةٌٌ والطينُ لا يسَموسموَّالنارِ

لقد خرج بشار الراعف روحاً والنازف شعراً عن الشموليات والتصخرات المعتقدية، وهنا تكمن خصوصيته، بل كما يقول خلدون جاويد: "ان روعة بشار تكمن في كونه مع الجديد والجديد مكلف حضارياً لانه ينشد فضاء الاسئلة المشاكسة والخروج بهذه النسبة او تلك على السائد، والسائد لا يعرف غير استلال السيوف وقطع الرقاب "
ذهب بشار ابعد من ذلك وفوق ذلك وكان راح ليلقي حتفه في نهاية ماساوية حين وضع السلطة في حقل اشعار التهاجي والتحريض:
بني أُمية هبوا من رُقادكُمُ ان الخليفة يعقوبُ بْنُ داودِ
ليس الخليفةُ بالموجودِ فالتمسوا خَليفةَ اللهِ بَينَ الناي والعُودِ
ومما أوصله سريعاً إلى سياط الموت هوتطاوله على الذات الخلافية نفسها فاخترق هيبتها وطعن بعصمتها:



خليفة يزني بعَماتهِ ويلعبُ بالدبوق والصولجان

وكان عند كل ضربة سوط يقول حس (لفظة تَوجعٌ عند اهل ذلك الزمان) وكانوا يعنفونه ويطلبون منه ان يسمي باسم الله فيرد هو عليهم: اهو طعام لأُسمي عليه، قالوا اذن قل الحمد لله فيجيبهم: انعمة هي حتى احمد الله عليها. ان تشويهات فجة لحقت بتاريخ هؤلاء الشعراء الكبار من قبل قاتليهم ومن يدور في فلكهم ولكن يعيش القصيد ويبلى القاهرون والملوك وعن ذلك قال بشار :
كذاك الدهر يبلي كل شئٍ ولا يفنى على الدهر القصيدُ
ولكي ننفض التراب عن اضابيرهم ونترنم باشعارهم لابد من شق رحم الماضي كي نُخرج منه النور المجيد.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
- تصحيح التصورات حول المراة
- الانهيار الحزين
- الورقة الرابعة:المثقف الاشكالي بين نارين
- الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة
- الورقة الثانية:مدارات العتمة
- اوراق مستحيلة في زمن الخراب
- ابن رشد...ضياع الفرصة التاريخية
- الشورى والديمقراطية في الخطاب الاسلامي
- الثقافة العراقية وعنق الزجاجة


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد