في ظل تربية متكاملة سليمة وقوانين ورقابة صائبة وجادة يغدو الحديث عن استيراد المواطن الصالح مهزلة مكشوفة !
* عامر الأخضر
لعلًّه من المعروف ان الموظف في اية دائرة حكومية هو اسطون اي عمل مؤسساتي,وهو عنوان يوميّ لابد من العودة إليه من قبل المواطن ، بل انه يكاد يكون مرآة الحكومة ، إذ ان من شأنه إعطاء صورة ناصعة عن الجهات العليا في البلاد ، أو العكس من ذلك تماماً ، خلال تصرفاته ، وسلوكه وسيرته ، وعلاقاته سواء أكان ذلك أثناء التعامل مع المؤسسات ذات العلاقة مع مؤسسته ، أومع عامة المراجعين على حد سواء..... !وحقاً هانحن نكاد نشهد يومياً افتضاح أمور عدد من العاملين أو المسؤولين الكبار في الدولة بعد ان تتنتن روائحهم ، وكان هؤلاء ذواتهم الأكثر ادعاء بحماية القانون والاحتكام إليه وانصاف المظلوم واستجارة الملهوف ومؤازرة المغبون, وكان محض حاشية أوتوقيع من أقلامهم المباركة كافية لرفع شأن المواطن ، أو النيل منه والحاق الأذى به ، وكأن دواة أقلام هؤلاء هي البارومتر القويم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه أو من أي ناحية أوصوب البتة...!! وإذا كان أمام أعين المواطنين أنموذج ذلك الموظف المبدئي النزيه المتفاني الذي دخل عالم الوظيفة وخرج منها , دون أن يتلوث بسرقة أموال المواطن أو الوطن من خلال عدم اعتدائه على القانون , أوعدم تخندقه في وحول البيروقراطية , ولهذا فهو عزيز النفس , أبي , محط احترام الجميع , واثق النفس , إلا أن أنموذج ذلك الموظف المختلس المتحصن ببنود الروتين , الذي سرعان ما تفوح رائحته القذرة من حوله ، ويغدو العوبة بأيدي معاشر راشيه , أو المتسترين عليه في المؤسسة, أوالجهات الأعلى ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة ..., أجل ،إذا كان مثل هذين الانموذجين موجودان ــ على حد سواء ــ إلا أنه لا يخفى على أحد ، انه وفي ظل غياب المعايير في العديد من مؤسساتنا, باتت الأمور تختلط ، وتلتبس المقاييس ، وهذا ما يفسح المجال أمام الانموذج اللصوصي كي يحقق مآربه ، ويرتقي على نحو لافت , ولعل من نتائج هذه الحالة الكارثية إنعدام ثقة مواطننا بالقانون والمؤسسة ، بل وان من ثمار هذه الحالة المضطربة بين طرفين لاغنى عنهما في معادلة : المؤسسة ــ المواطن ــ )) , تردي واقع الكثير من مؤسساتنا ، وتكوين نويات طفيلية بيروقراطية فيها لا تفكر إلا بنهب الجميع ، دون رأفة أو شفقة ،او وازع من ضمير , لان هذا الانموذج –وفي ظل غياب الناظم الناجع للرقابة ــ قد شكل حالة خاصة ، سرعان ما كانت وراء انتشار هذه الآفة في الكثير من المفاصل الحساسة في مؤسسات الدولة ، وصار لأبطاله ــ قانونهم الغابي ــ ومن أوجهه الاحتكام إلى ( الهاتف المسجل ) الذي يصدر من جهة أعلى ،و يتنافى مع الأنظمة والدساتير المقرة والمتعارف عليها, والتي باتت للأسف ــ أسيرة الحبر والرفوف .... !!
عالمان لايلتقيان .....!
-----------------
ان هذه الحالة المريرة التي آل إليها واقع العديد من دوائرنا ، بسبب فساد فئة متنفذة ، فاسدة ، يغلب لديها الحس الذاتي على أي حس آخر ، حتى وان كان وطنياً ...!! ، جعلنا نكون في نهاية المطاف – أمام عالمين متناقضين :
1- عالم الغيارى على المواطن والوطن – بيد ان هؤلاء بعيدون عن مركز القرار ، لاسباب كثيرة ، مهمشون ، يمارس الكثير من التضليل بحقهم زوراً
2- عالم الفاسدين المفسدين الذين استطاعوا أن يكونوا سيكولوجيا خاصة بهم ، وهم أكثرالناس تبجحاً بالشعارات البراقة ، وادعاء العفة والنبل والطهارة والأخلاق ، نظراً لحاجتهم الماسة إليها عبر غاراتهم اليومية وإذا كان مواطننا قد شهد - - ولايزال يشهد – قدرة طابور انموذج الفاسدين في الإساءة إلى سمعة كل من لايرعوي أمام جشعهم الذي لايحد ، لدرجة دفع بعضهم – وبأسف –ضريبة غالية من لقمته وحريته –نتيجة هذا الضرب وثمة امثلة صارخة في ذهن الكثير من المتتبعيين في هذا المجال، إلا ان علامات كثيرة تؤكد انه وفي ظل الثورة الملوماتية ، بدأت سطوة هؤلاء تسقط على نحو غير مسبوق, وأن أوراقهم تفتضح على مرأى الجميع, – وها نحن نشهد يومياً تقديم اسماء بعضهم للقضاء ,وان كثيرين منا باتوا يتجرؤون على الصراخ وعلى طريقة الطفل الصغير في حكاية – الامبرطور العاري – وهو بدوره مؤثر يدعو إلى التفاؤل,بيد انه غير كاف لوضع الحلول النهائية لتحسين الوضع المعيشي لمواطننا
ديدن الحرباوات :
------------------
بيد ان الركون إلى مثل هذا الاطمئنان ، قد يتحول إلى حالة خادعة يتمكن فيه هؤلاء الحرباوات تغيير أدواتهم ، وركوب أية موجة أًَخرى تستهدف استئصال شأفة الممارسات الخاطئة عن بكرة أبيها ، وذلك للتخلص مما تركوه من آثار جسيمة :اجتماعياً, ووطنياً,....ومؤكد ، انه لايمكن لأي مشروع وطني لمواجهة آلة الفساد ، بكل مكوناتها و تداعياتها ، إلا أن يتمتع بالاتكاء على تخطيط دقيق ، يوضع بعين الاعتبار واقع السواد الأعظم من مواطني بلدنا ، وسماع آرائهم ، والاهتداء بها لخدمة مصالحهم التي ستصب في المصلحة الوطنية ، أولاً .... وأخيراً ...! ، بل انها المصلحة الوطنية ذاتها دون أدنى شك....!
عود على بدء:
---------------
مادام ان الموظف في أية دائرة ، هو أس أية علاقة حقيقية بين المواطن والدولة ، فإن هذه البدهية تجعل العودة لوضع نواظم دقيقة لأدائه مهمة أولى ، لابد منها ، إزاء أية التفاتة جدية لتحسين واقع المؤسسات ، والعمل لردم الهوة التي حصلت بين المواطن وهذه المؤسسة ، وذلك من خلال إعادة النظر في مناهج التربية الأولى ، واختيار الموظف بحسب مبدأ الكفاءة ، واخضاعه لدورات تأهيلية مطولة قبل اسناد العمل إليه ،وبعده, مع ممارسة سائر أنواع العقوبات الصارمة بحقه . عند تجاوز ه القانون والمصلحة العامة ، شريطة ألا يكون ذلك على حساب لقمة أبنائه ، وإذا كان كثيرون – استطاعوا – أن يجنوا أمولاً طائلة من خلال استغلال وظائفهم ومناصبهم المفتاحية ، فإن ذلك تم – بالتأكيد – في ظل وجود – جهاز رقابة واسع الصلاحيات – للأسف - لم يتمكن البتة من أداء دوره إلابعد ارتكاب الاختلاسات الهائلة التي تؤكد وجود خلل فاضح وواضح في عمل هذا الجهاز ، ولعل أول مثال يمكن الإشارة إليه ، هو كيف ان بإمكان موظف صغير يصبح عضواً في- إحدى لجان المشتريات – ان يكون ثروة مالية ضخمة خلال محض عام واحد....!!,وان علاقة الموظف مع هذه اللجان ,يجب ان يعاد النظر فيها, وان يكون ذلك من خلال التعامل مع القطاع العام حصراً.
انني على يقين بأن هذا الموظف المنشود – انما يمكن ان نهتدي إليه ، وبسرعة فائقة, من خلال تحصينه ضد الانزلاق في حفافي اللصوصية والاعتداء على القانون وذلك بتحسين أوضاعه المعيشية ، ومراقبة سيرته الوظيفية على نحو جدي, وذلك من خلال لجان عامة نزيهة في كل مدينة, يتم انتخابها لممارسة دورها ولتخضع بدورها لمراقبة شعبيةأوسع من شأنها عزلها ، ووضع حدلأية ممارسة خاطئة ضمن متوالية رقابية ، تخول المواطنة كي تكون مدعاة المسؤولية الأولى .....هذه المرتبة التي اغتصبت منه طويلا......□