أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على أحمد على - الخالد















المزيد.....


الخالد


على أحمد على

الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 05:32
المحور: الادب والفن
    



- ارتطمت مقدمة القارب بالصخور ، وقد عجز قبطانها أن يسيطر على دفتها وراحت الأمواج تعبث بها يمينا ويسارا ، وامتلأ القارب بالمياه إلى أن لفظته الأمواج على شاطئ قريب وهو محطم الجانب الأيسر تماما وقد أصابه تلف عظيم وعطب أعظم وترامى ركابه على الشاطئ في غيبوبة عميقة والمياه تمتد نحوهم وتقلبهم ثم تنحسر عنهم كالوحش الذي يمد لسانه ليتفقد فريسته قبل أن يبتلعها .
البداية كانت مغامرة سبعة من المغامرين ؛ خمسة رجال وامرأتين قرروا أن يقوموا برحلة إلى إحدى الجزر والتي لم تطأها قدم إنسان من قبل .

- كانت التجربة رائعة ومثيرة إلى حد بعيد جعلت هؤلاء المغامرين يقومون بالأمر بعد بيعهم كل ما يمتلكون لتحقيق هذه المتعة ولكن حدث ما لم تحمد عقباه ؛ فالجو الذي كان صحوا انقلب غائما والنسائم الرقيقة تحولت إلى رياح شديدة ، والمياه الهادئة تحولت لطوفان ثائر ؛ مما أدى إلى تحطيم القارب وغرق أربعة من أفراده ؛ ثلاثة رجال وامرأة وسقوط الثلاثة الباقين في غيبوبة عميقة ؛ أفاق أولهم منها وما أن فتح عينيه ونظر حوله وحاول أن يقوم فزعا من مكانه حتى تأوه بشدة من الألم الذي يشعر به نتيجة الكدمات والرضوض التي أصابته ولكنه تحامل على نفسه ، وقام يتفقد المكان وهو لا يكاد يصدق أنه نجا ، ويتفقد صاحبه وصاحبته فوجدهم على قيد الحياة وبعد قليل كان الثلاثة يجلسون في وجوم وعلى مرمى حجر منهم كان القارب المحطم .

- " ماذا سنفعل الآن " نطقتها الفتاة بصوت خفيض يكاد يشي باليأس الذي يعتمل داخلها فأعاد إليها الصمت كلماتها مغلفة بسحابة من الصمت وبعد مضي بعض الوقت ، دبت في أحد الشابين حماسة غريبة لعلها تلك الحماسة التي تدب في أوصال الإنسان إذا ما اكتملت أسباب الشقاء أو التهلكة أو ذلك الشعور الذي ينتاب الإنسان بالرغبة في الحياة إذا ما أحس أن الموت يطبق عليه فكيه ، هب الفتى من مكانه وراح يقول : " لا بد أن هناك حلا ما ... سنأتي ببعض الأخشاب ونصلح القارب وسنجد ماء عذب على تلك الجزيرة وأيضا سنجد ما يصلح للأكل .

- فنظر إليه صاحبه نظرة خالية من المعنى لانعدام الأمل في داخله فالمعنى الذي يسيطر على الإنسان إنما يكون نابعا من الأمل الذي يتحرك بداخله ويجوس خلاله ثم قال بصوت واهن : " إن الطعام الوحيد الصالح للأكل هنا هو نحن يا صديقي .. انتظر قليلا وستأتي الوحوش لتلتهمنا بعد أن تمزقنا إربا .. إربا " ولكن الحماسة التي دبت في الشاب الأول انتقلت بالعدوى إلى الفتاة فوقفت صائحة : " وماذا يضيرنا لو أننا حاولنا وبحثنا .. على الأقل لا نموت خوفا قبل أن تلتهم الوحوش أعضاءنا " ثم ارتجفت لمجرد مرور الخاطر بذهنها ثم ما لبثت أن استعادت رباطة جأشها ، وقام ثالثهم معهم بعد أن وجد أنه لا اختيار أمامه سوى ذلك ، وراح الثلاثة يبحثون عن الطعام والماء بهمة تأرجحت بين العزم والفتور .

* * *

كان الشاب الذي أصابته الحماسة في البداية يبحث بهمة عما يؤكل فدخل أحد الكهوف وراح ينظر هنا وهناك وقد أضاء له نور النهار الطريق ولكن بدأ الطريق يزداد ظلاما ، ومع ازدياد الظلام راحت الوحشة تزداد في نفسه ، ولكنه تمالك نفسه وتقدم أكثر لعله يصل لمبتغاه ، ولكنه أصدر صرخة عظيمة رددت جدران الكهف أصداءها عندما أطبقت يد بقوة على كتفه اليمنى ولم يقو على الاستدارة ولكن اليد التي أطبقت على كتفه أجبرته على الاستدارة فاستدار في جزع وهو يكاد يغشى عليه من الخوف .. استدار بلا مقاومة لترتطم عينيه بعينين قويتين صافيتين ، فخارت قواه ولم يتمالك نفسه وكاد أن يسقط على الأرض ولكن الرجل امسك به خشية السقوط .

* * *

دوت صرخة الشاب في الجزيرة مدويا ، فارتاع لها صاحبه وصاحبته وجمد كلا في مكانه ولم يستطع التحرك لفترة طويلة ثم حاولا أن يجد كلا منهما الآخر وانضما في رحلة البحث نحو الجهة التي أتى منها الصوت ، وما أن وصلا إلى الكهف حتى بدأت خطواتهما تأخذ طابع الحذر والحيطة حتى أوغلا داخل الكهف وأحسا بانقباض شديد ، وطالت رحلة البحث حتى أصابهما التعب و الإرهاق فجلسا يستريحا ، ثم حانت التفاته من الفتاة إلى أحد أركان الكهف ، و التمعت في عينيها نظرات الخوف والرعب الشديد فأمام عينيها كان يجلس رجل عار إلا مما يستر سوءته ذو شعر طويل ولحية طويلة ، فخارت قوى الفتاة وسقطت في غيبوبة عميقة .

* * *

لم يستطع الشاب الثالث أن يهدئ من دقات قلبه المتسارعة بمجرد وقوعه على المشهد ، وتجمد في مكانه ، وهو يشاهد الرجل يتقدم نحوه وحاول أن يتماسك قدر استطاعته فالتصق بظهره في جدار الكهف خلفه حتى أن الأطراف الحادة الدببة للصخور آذت ظهره ولكنه لخوفه الشديد لم يأبه لهذا كله وما أن أصبح الرجل بمحاذاة الشاب حتى وضع يده على كتفه الأيمن وربت عليها وعلت وجهه ابتسامة ودودة .
* * *
- جلس الثلاثة بجوار بعضهم البعض ، وهم يرتجفون من الخوف ، وجلس أمامهم الرجل الذي اكتشفوا وجوده على الجزيرة منذ قليل ، كان الرجل يجلس وهو مطأطأ الرأس وبجواره عصاه الكبيرة ، ثم ما لبث أن رفع رأسه وقال لهم : " من أنتم ؟ " ثم أعاد السؤال بعدة لغات .. ثم توقف عن الكلام وهو يبتسم لمرأى نظرة الذهول في عيون الثلاثة ، ولكنه عاجلهم قائلا : " لا تعجبوا سأقص عليكم الخبر .. إنكم لستم أول من يجئ ويكتشف الجزيرة ولستم أول بشر تطأ أقدامه أرض الجزيرة .. إنني أعيش هنا من مئات الآلاف من السنين .. هل قرأتم في التاريخ عن طوفان نوح ؟ لقد ركب نوح السفينة ومعه ثمانون مؤمنا ثم هلك كل من في الأرض بعد ذلك .... وبعد أن رست السفينة ، بدأ الثمانون يعمرون الأرض ويتفرقون في البلاد ولكن جعلت ذرية البشر من نوح فقط ، وباقي المؤمنين الناجين لم ينجبوا .. أنا أحد هؤلاء الثمانين ."

* * *

حلت نظرة الاستنكار محل الدهشة والعجب في عيون الثلاثة ، ولكن الرجل بادرهم قائلا : " أعلم أن حديثي هذا غير مقنع .. ولكن صبرا إلى نهاية القصة .. ثم سكت هنيهة وأردف قائلا ، بعد أن تفرق الناس في البلاد أتيت إلى هذه الجزيرة ، أعبد الله وأعمرها ، وتوافد الناس على الجزيرة ولكنهم ما لبثوا أن تركوها .. وهكذا تظن كل مجموعة تأتي إلى هنا أنهم أول من يطأ الجزيرة و ... "

" واللغة .." هتف أحد الشابين بطريقة ساخرة ثم أردف قائلا : " كيف تعلمت اللغات التي خاطبتنا بها منذ قليل ، كيف سيمكنك تفسير ذلك ... ؟ "

وهنا ابتسم الرجل وقال : " أعلم أن الأمر عسيرا على التصديق ولكن صبرا جميلا .. هل يستطيع أحدكم أن يخبرني ما الذي أخرج آدم من الجنة ، فقالت الفتاة بعد تردد : " المعصية .. ومخالفته لأمر الله ."

" أحسنت .. فلنفترض جدلا أن آدم لم يأكل من الشجرة ولم يعص الله .. ماذا كان سيحدث ساعتها ؟"

الشاب الآخر : " لن يخرج من الجنة وسيخلد فيها . "

الرجل : " عظيم .. ولكن الحياة نفسها قامت على فكرة أن يعصي الإنسان ويتوب أي أن يحاول ويخطئ حتى يصل للصواب .. فلا يوجد إنسان لا يخطئ ، والمعصية هي التي تمنع الإنسان من الخلود .. فالمعصية تأكل سنين العمر كما تأكل النار الحطب ."

- الشاب الأول : " انتظر يا رجل .. هب أننا نصدق ما تقول فما قولك في المؤمنين الذين يعبدون الله ويموتون أيضا ."

- الرجل : " المؤمنون يعبدون الله ولكنهم غير معصومين فقد وجد الشر في العالم ليوجد الخير وإلا فما معنى أن يكون كلامك صدقا إذا لم يوجد الكذب ."

- فقال الشاب الثاني وقد زال عنه بعض الشعور بالخوف والرهبة : " وما الذي يدفعنا للتسليم بأنك لم تخطئ من قبل .... هل أنت من الأنبياء ؟ "

- " لا .. لست نبيا "
- " ماذا إذا ... أنت لست نبيا ونحن لسنا سذج "
- " صدقوني ... إنني لا أدعي ذلك .. فما أغناني عن الإدعاء "
- ردت الفتاة : " حسنا .. حسنا .. انك صادق .. ولكن كيف تتحدث لغتنا وكيف تحدثت بقاموس اللغات جميعا لنتخير منها ما نشاء في بداية الحديث ؟ "
- ابتسم الرجل وقال : " أنكم تظنون أنكم أول من وطأت قدماه أرض الجزيرة .. لقد أخبرتكم أن هذا خطأ في البداية ، لقد جاءت هنا أقوام من كل أجناس الأرض ومكثت هنا طويلا وكانوا جميعا من المؤمنين وعلموني لغاتهم وتعرفت على حضاراتهم عبر السنين ."

- نظر الثلاثة إلا بعضهم البعض ولاحت على وجوههم علامات عدم التصديق ... فقال لهم الرجل : " أعلم أن هذه الحكاية صعبة على التصديق ولكن .. ولكنها الحقيقة وان هي إلا ساعات وتصلحوا القارب وتذهبوا إلا بلادكم وينتهي الأمر ." وتركهم وقام وعلى وجوههم امتزجت مشاعر الشك والحيرة امتزاجا شديدا .

* * *

- عندما جاء الطوفان وابتلع كل من على الأرض كان نوح – عليه السلام – قد وضع في سفينته من كل زوجين اثنين وكان معه ثمانون مؤمنا هم من ظلوا على إيمانهم ولم يكفروا بالله من عموم أهل الأرض ويصلحوا فسادها ويعبدوا الله وحده لا شريك له ولكن أحدا من هؤلاء الثمانين لم ينجب وإنما اقتصر النسل على نوحا وذريته من بعده حتى امتلأت الأرض بالبشر من جديد وظل هؤلاء الثمانون مؤمنا يعبدون الله متفاوتين في ذلك إلى أن لاقتهم المنية على أزمان مختلفة متباعدة ولأن الخطيئة هي التي أخرجت آدم من الجنة ، وهي التي أظهرت سوءته ، ولذا فهي كفيلة بإفساد الجسد فضلا عن الروح مما يؤدي في النهاية لفناء ذلك الجسد بعد حين ، يتفاوت ذلك من الحين من شخص لآخر .. أما صاحبنا وإن لم ينج من محاولات التسلل المستمرة من كل الأقوام وكل منهم يظن أنه لا أحد على الجزيرة وكل منهم يظن أنه أول من تطأ أقدامه الجزيرة وتعلم لغات هؤلاء الأقوام وسلوكهم وعاداتهم ، وعاش الرجل على الجزيرة وحيدا في معظم الأزمان إلى أن حدث ما حدث .

- " ماذا سنفعل بشأن هذا المعتوه ؟ "

- نطقها أحد الشابين في ضجر .. فرد الآخر بهدوء قائلا : " لا بد أن نتوخى الحذر .. فمثل هذا غير مأمون الجانب .. فلنصبر حتى نصلح القارب ونرحل ونجعل ذلك الأمر طرفة نتلهى بها في حياتنا المستقبلية .. " قال جملته الأخيرة برقة ثم التفت ناحية الفتاة قائلا : " عندما نقضيها معا " ثم تصنع الجدية وهو يقول : " عذرا يا صديقي .. فذلك ليس بيدي " فلوح الآخر بيده قائلا : فلتبقوا هنا لمثل هذه الترهات وأنا سأقوم بإصلاح القارب ."

- استيقظت الفتاة مبكرا على غير عادتها ونظرت إلى السماء والشمس تكاد تبدد حجب الظلام والنهار يكاد يبتلع الليل فسرت للمنظر وتحركت ناحية البحر ووقفت أمامه وهي تنظر إلى روعته ثم حدثتها نفسها بالاستمتاع بهذا الجو الرائع فقامت من فورها تخلع ملابسها كاملة ونزلت إلى البحر وسبحت طويلا وهي مستمتعة بالمياه تدغدغ جسدها والشمس تلقي بضيائها على البحر فتكسبه روعة فوق روعته .. ظلت في البحر طويلا ولم تشعر بمرور الزمن .. ولم يروعها شئ إلا منظر رجل الجزيرة الغامض قد قام من نومه وتوجه ناحية البحر فارتاعت وصرخت : " ماذا دهاك .. ابتعد .. أنا عارية . "

- فالتفت الرجل إلى مصدر الصوت الذي لم يتبين كلماته بدقة ورأى الفتاة ورأى الذعر الذي يبدو على وجهها من بعيد فحسبها تستنقذه .. فسبح إليها .. فارتاعت الفتاة وظنت به سوءا فنزلت بجسدها كاملا في الماء فظنها الرجل لا تستطيع الفكاك من الغرق فاقترب أكثر حتى جاورها فصعدت من تحت سطح الماء بوجهها وأطلقت شهقة عنيفة فأمسك بها الرجل وحملها وخرج من الماء وهي تضرب بساقيها في الهواء ويديها على صدره وبمجرد أن لمسها الرجل وحملها بين يديه شعر بقشعريرة تجتاح جسده وبأن الدماء تكاد تغلي في عروقه وما أن وضعها على الرمال حتى هبت واقفة وراحت تصرخ قائلة : " أيها المجنون .. ماذا فعلت ؟ ماذا أردت بي ؟ " فتمتم وهو مأخوذ ولا يملك أن يبعد ناظريه عن جسدها الجميل قائلا : " إني وجدتك تصرخين فحسبت أن البحر قد تمكن منك وانك على وشك الغرق فجئت لإنقاذك "

- " ماذا ؟ أتريد أن تقنعني أنك أتيت لإنقاذي أيها المختل ؟ "
- فطأطأ رأسه قائلا : " أقسم أن هذا ما حدث ."
- وأحست الصدق في نبرة صوته فجلست على ركبتيها وقد أحست بندم عميق وقالت : " أنا آسفة .. لقد استبد بي الغضب .. أنا آسفة ."
- لا عليك ....

- لأول مرة تلتفت إلى جسده القوي ، وصدره الملئ بالشعر ، وتذكرت فجأة أنها عارية فاضطربت ولكن اضطرابها لم يكن بأي حال بأعظم من اضطرابه مما جعله ينظر إليها وتلمع عينيه بقوة واقترب ناحيتها بسرعة وضمها إليه وغابا معا في قبلة طويلة محمومة .

كان الأمر رائعا فقد أحس هو بلذة عظيمة عند الالتقاء ، وأبدت هي هذه اللذة من جانبها بتأوهات و تأودات توحي بقرب الوصول لقمة اللذة .. وهنا عند وصوله إلى هذه النقطة أحس بشئ ما داخله لا يدري ما هو لكنه أحس بوخز شديد في مكان داخله لا يستطيع تحديده .. وفي نفس الوقت يورثه مرارة في حلقه وألم في نفسه لم يدر ما هو .. ربما قال أحد العلمانيين إنما هو هبوط مستوى المواد التي ترفع الحالة المزاجية والذي يعقب وصولها قمة اللذة كالذي يعتلي جبل وعندما يصل لقمته يجد نفسه يسقط من جرف هار .. ربما .... ولكن ذلك ربما يسبب ضيقا أو تبرما أو تكدرا ولكنه أبدا لا يصيب بألم النفس .. إنما هذا الوخز هو وخذ ذلك العضو الكامن في الجسد الإنساني والذي لا تستطيع أن تمسك تكوينه بيدك .. ولا تستطيع أن تفصل فعله عن كل جوارح البدن .. إنه ذلك الحاضر الخفي .. هو ذلك الكيان الداخلي الذي يعلوا بالإنسان من مرتبة الدونية والحيوانية إلى مرتبة الإنسانية .. فإن فقده صار أدنى من الحيوان .. وإن تحلى به صار أعلى من الملائكة .. إنه الضمير .. ذلك المؤشر القابع في نفوسنا يوجهنا نحو الخير، ويدفعنا عن الشر ما استطاع إلى ذلك سبيلا .. يجاهد النفس ويناضل في سبيل إبعادها عن جرف صاحبها إلى المهالك ... فما بالنا إن هلك هو سيصير الإنسان إلى التهلكة بأقل دفعة أو بأهون جذبة .. بل وما حاجته إلى الدفع والجذب وقد تفردت نفسه التي بين جنبيه بمجامع جسده تحركه كما شاءت وتذهب به أينما أرادت لكن صاحبنا كان فيه فضل من إيمان .. وبقايا من ضمير لا زال حيا في أعماقه ينبض .. ذلك لأنه لم يكثر من المعاصي .. أو لنقل أنه جاهد لعدم اقترافها ولا سيما الكبائر منها .. أما الصغائر والهفوات فلا بد مما ليس منه بد .. فكل ابن آدم خطاء .. ولكن ذلك الضمير هو مفتاح التوبة ومرشد لطريق العودة وتراكم الذنوب يصدئ القلب ويميت الضمير فمثله في ذلك كمثل القلب تراكمت عليه العلل ويضعف خفقانه ويخف انقباضه .. ثم لا يلبث أن ينبض نبضته الأخيرة .. ليسلم الإنسان من يد الحياة إلى يد الموت ليفعل فيه الموت فعله .. فكذلك الضمير إن مات أسلم النفس الإنسانية من يد التقوى إلى يد الإثم والفساد لتنهش فيه أظافرها ثم لا تترك من نفسه موضعا ينتفع به ثم تحوله إلى رماد وركام بال لا يرجي نفعا .. ولا يلتمس رد ضرره .. وحال صاحبنا أنه عاش ما عاش ، واختلط بالناس ثم هجرهم إلى الخلوة للتعبد والبعد عن المعاصي .. فإذا بالشيطان يبرز له في نزال بعد كل تلك العهود و يهزمه وينزل به عن جواد التقى إلى أوحال الرذيلة .. ولكن مهلا .. لا تمحو التوبة الذنوب على قدر ما تطيل قلة أخيرة من أعمار أصحابها وصحة أبدانهم ونفوسهم .. وذلك لموافقة الجسد والنفس الفطرة التي خلقه الله عليها ؛ نعم لا ريب في ذلك إذن لنلتمس لذلك الفتى طريقا ونرى ماذا ستفعل به الأيام وكيف ستدور دورة الزمن عليه أم له .. لنرى ...

- أحس الفتى أن فتاته منصرفة عنه إلى رجل الجزيرة الغامض فساءه ذلك بينما كان صاحبه يتابع الأمر بسخرية .. وفي المساء تسللت الفتاة إلى كهف الرجل وأيقظته قائلة في خوف : " استيقظ لقد أتيتك لأمر هام .. "

- فصحا الرجل واعتدل في اهتمام وقال : " ماذا .. ماذا هناك ؟ "
- " إن صديقي بدأ يشك في الأمر و أخاله يشعر الآن بأن بيننا ثمة أمر وأخشى عليك أن يصيبك مكروه .. "
- فابتسم في حنو وربت على خدها في حنان وهو يقول : " لا تخشي فلن يحدث شئ مما تخافين منه "
- " لا .. سيحدث إن لم تتحرك لصد الأمر .. "
- " ماذا أفعل ؟ "
- " إنه سيقتلك اليوم .. "
- " ماذا .. ؟ "
- " وإن لم تسبقه إلى ذلك فستكون غدا في عداد الموتى ... "
- " لا .. لن أقتل أبدا . "
- " إن ذلك ليس قتلا .. وإنما دفاع عن النفس .. أولا يريد هو قتلك .. أولم يبدأ بالعدوان ..

- بدأ الاقتناع يتسلل إلى نفسه تدريجيا ثم التفت إليها قائلا : " اتركيني الآن .. "

- وقفت الفتاة وأحد الفتيان في وجوم وعيونهم تنصب على جثة الفتى الآخر وقد دقت رأسه وسالت دماءه على الأرض وقال الفتى في حزن عميق : " كيف حدث هذا ؟؟؟ إنه هو ولا ريب .. "
- فقالت الفتاة بغموض : " ربما … "
- " لا .. إنه هو بالتأكيد .. من يفعلها غيره ؟ لا بد أن نهرب الآن قبل أن يقتلنا أيضا .
- " نعم .. ولكن ..
- " لا وقت للتفكير .. إنني أصلحت القارب .. وهو مازال نائما .. فلنرحل قبل استيقاظه ."

- وتوجها نحو القارب وركب الفتى أولا ثم أدار المحرك وناول الفتاة يده لكي تصعد ولكنها ظلت للحظة ذاهلة تنظر نحو كهف الرجل ومن عينيها يطل جذل ممزوج بخوف وذهول وكثير من التردد .. لكنها حسمت أمرها وصعدت إلى القارب الذي انطلق في البحر مبتعدا عن الجزيرة .

* * *

- استيقظ الرجل على صوت المحرك الهادر فزعا ، وقام بسرعة وتوجه نحو الشاطئ فوجد القارب يبتعد في عرض البحر .. ونظر خلفه فوجد جثة الرجل تفترش الأرض .. بجوارها عصا غليظة كان قد استخدمها في تحطيم رأس الفتى .. دون أن يشعر ونظر إلى جانب آخر قرب الشاطئ حيث كان يغازل الفتاة بعد أن أخرجها عارية من البحر ، وارتد إليه البصر حسيرا ذاهلا ، لقد ارتكب المعاصي جميعا .. لقد أخطأ أخطاءا مروعة بلا سبب حقيقي وكأنه قد عمى عند ارتكاب المعصية .. لقد مضى دهرا لا يعصي الله ابتغاء مرضاته .. وفجأة وبلا سبب يعصي الله .. بل يرتكب أبشع الذنوب وأعظم الكبائر .. لا .. هناك سبب .. ربما الشيطان .. ربما نفسه الأمارة بالسوء .. لم يكن في ذلك الوقت يفكر كأن عقله قد أصابه الشلل التام .. كان ذاهلا فقط .. محزونا على ما فعل .. يريد أن يتوب .. ربما غير راض .. ربما ولكن كل هذا لم يخطر بذهنه كل ما جال بخاطره أنه في موقف أكبر من عقله فلا يستطيع التفكير .. وأحس أن الحزن يلتهم جسده وبأن نفسه تتضاءل وبأنه تحطم من الداخل … ثم ما لبث أن استدار وولى ظهره للبحر … وسار خطوة للأمام … ولكن ساقاه ارتجفتا فسقط على ركبتيه … ثم استند على الأرض بكفيه للحظة
… ثم انكب على وجهه … ميتا
د/على أحمد على



#على_أحمد_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من العالم الاَخر
- مذكرات معتقل
- سالومى
- رسالة من عاشقة
- النبي
- السقوط
- الثلاثاء الأبيض
- الجريمة الكبرى
- الحسن الأليم
- محراب العشق
- أسطورة من كتاب الغرام


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على أحمد على - الخالد