|
مؤتمر الإصلاح بين مبادرة دخليل جندي وهفوة الوزير محمود عيدو !
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2008 - 2007 / 8 / 15 - 11:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثارت مبادرة الدكتور خليل جندي ، والأفكار التي وردت فيها ، كمشروع للإصلاح ، جملة من الملاحظات وردود الأفعال المتباينة بين مؤيد ومناهض ، وحَركتْ الأجواء ودفعتها بإتجاه المزيد من الجدل ،حول جملة مسائل تواجه الإيزيديين ، كمجتمع متحرك، يشهد الكثير من التفاعلات و المتغييرات ، بعضها سريع وعاصف يصعب السيطرة عليه أو الحد منه ،منها على سبيل المثال، إستفحال ظاهرة الهجرة والتوجه نحو بلدان اللجوء ، وخطورة هذه الظاهرة تكمن في كون غالبية المهاجرين هم من جيل الشبيبة المتعلم ، وهي ظاهرة تسجل في ثناياها موقفين إجتماعيين لا ينبغي إغفالهما يتمثلان ب:
- الهجرة بمفهوهما الإجتماعي كحالة وموقف رافض للوضع الراهن وإفرازاته وتجلياته وقيَمِه تمتد مسبباتها ودوافعها بين الإقتصاد والسياسة وتنتهي بالدين والحرية.
- الهجرة كنتيجة هي ظاهرة تقدمية تتمثل بالسعي لتبديل نمط الحياة المرفوض والبحث عن الحالة الأفضل بمكوناتها المختلفة التي تهيء الفرصة للعيش وممارسة الحرية بصورة أفضل من الحالة السابقة المرفوضة ، لهذا فإن هذه الظاهرة ستبقى وتتسع شئنا أم أبينا طالما تواجد التفاوت في مستوى التطور بين البلدان التي يتواجد فيها الإيزيديون وبين بقية الدول التي مازالت تفتح أبوابها لإستقبال المزيد من الأيدي العاملة الرخيصة ، ولحملة التخصصات العلمية في كافة حقول العلم و المعرفة .
- الهجرة كحد فاصل، في الزمان والمكان، تتصارع من لحظتها ، المكونات الثقافية للأنسان بين القديم والجديد ، تحدد نتيجته ، قيم المعرفه التي تؤثر في الناس، وتعيد إنتاجهم من خلال الدمج والصهر، أو تفرزهم كنفايات بشرية هامشية ، غير قابلة لمواصلة الحياة ، تنتهي أدوارهم في حدود الجيل الثاني من أبناؤهم ، الذين ينسلخون عن ماضيهم ولا يذكرونه إلا عند الحديث العابر ، عن الأصول أو الجذور والمنبع ، كتراث ماضوي ، غالبا ً ما يكون عديم القيمة والفائدة .
- الهجرة كعامل مخلخل لحالة التوازن الطبيعية بين الذكور وإلإناث ، والتقديرات الأولية تفيد بوجود خلل في هذه الموازنة بين الخارج والداخل، تقدر بنسبة65% من الذكور في الخارج بينما المتبقين في الداخل هم من الإناث ، مما يزيد من إحتمالات إرتفاع ظاهرة العنوسة التي تفيد التقديرات بتجاوز اعدادهن (15) الف فتاة وهي مشكلة ينبغي التفكير بتأثيراتها وتفاعلاتها اللاحقة وما قد تسببه من معاناة إنسانية ستسعى للبحث عن حلول فردية في حالة تأزمها بالتجاوز على المسببات، بما فيها المفاهيم والطقوس الدينية، والقفز عليها ، بعد أن تفقد قيمتها الإجتماعية ، فتسقط من حسابات القيم وتتحول إلى أشياء لا قيمة لها ،لا تشجع الناس على التمسك بها ، فيلجأون للبدائل وما أكثرها في عصر العولمة التي توسع من طرق الأختيار وتنوعها.
نعود لأصل الموضوع ونتساءل هل يحتاج الإيزيديون كمجتمع وبشر ودين للأصلاح ام لا؟ والسؤال الثاني أيّ شيىء نُصلحُ وبماذا نبدأ ؟ ماهي الأولوية بالبشر وتقديم الخدمات لهم؟ أمْ بمؤسسات المجتمع والسياسة ؟ أمْ بالدين ومكوناته؟ هل نملك وسائل التغيير والتطوير ؟ أمْ علينا إيجادها وخلقها ؟ كمقدمة لا بد منها لكي نخطو من خلالها في طريق الإصلاح ..
هل نمتلك من الجرأة والحرية ما يكفل لنا الغوص في عمق الظاهرة أو مجموعة الظواهر التي تواجهنا ونتصدى لها لنشخص فيها العيوب والنواقص ونقترح البديل الأفضل المقبول والملائم ؟ من هي الجهة التي تستطيع أن تفرز الخطأ من الصواب ؟ والمرفوض من المقبول من الآراء والملاحظات ؟ ولمن نسلم مقاليد الأمور في هذه المسألة المهمة والحساسة ؟ من يستحق أن نوليه الثقة ويكون جديرا ً بها ولها ؟ وهل هناك بين الإيزيديين من هم مؤهلين لإنجاح هكذا تجربة ؟ من دون المرور في دهاليز السياسة و العشائرية و المصالح الأنانية الضيقة التي تجعل من الحزب و الشخص و العائلة فوق مصلحة المجتمع والناس !! دعونا نكون متفائلين ونقول إن الحد الأدنى من هذه الشروط متواجده ولنبدأ من الخطوة الأولى.... ماهي الأولوية ومن اين نبدأ ؟ وبماذا ؟ أفترض إن جميع ما نفكر به يحتاج إلى التغيير والتطوير فالناس كل الناس من سنجار وحتى إبراهيم الخليل تحتاج إلى الخدمات والرعاية الإنسانية . لنجمع الطاقات ونتفق على رفع سقف مطاليبنا بتعويض قرى الإيزيدية والإهتمام بهم وبمزارعهم ، لنطالب بخطة لتبليط شوارعهم وتوفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية ، وتوفير فرص البطالة للعاطلين عن العمل ، ومنح من لا عمل له راتب ضمان إجتماعي .
هذا هو الإصلاح ... فمن يرفض هذا التوجه ويقف ضد هذه المطالب ؟!! قد يكون الجواب المنطقي إن الكل موافق على هذه الأفكار ويقول هذه بديهيات نعرفها ولن نختلف عليها .... سأقول: لا ...هذا هو لب المشكلة .... وأنا أتهم المثقفين الإيزيديين من مدعي الإصلاح قبل غيرهم بعرقلة هذا التوجه والوقوف بالضد من المبادرة التي اطلقها الدكتور خليل جندي ، كما أتهم الأمير ومساعديه والأحزاب ومؤسسات الدولة المركزية وإقليم كردستان ، بعرقلة هذا التوجه ، وتشويه أية محاولات للإصلاح ، وان لم ينفذ صبركم عليّ ، دعوني أتحدث بالتفاصيل . منذ عام 1992 حيث تشكل أول مركز ثقافي إيزيدي ( لالش) في دهوك والعراقيل والصعوبات توضع أمامه كي لا يتطور أو يتقدم خطوة للأمام وجرت المحاولات المتكررة طيلة هذه السنين لصبغ هذا الكيان بصبغة سياسية . هل من المعقول أن نقحم السياسة إلى هذه الدرجة في عمل المراكز الثقافية ونفرض عليها أجندتنا السياسيه ؟. لتكون النتيجة وصول العديد من العناصر غير الكفوءة بل حتى من ذوي الماضي السيء إلى هيئات هذه المراكز ، والمشكلة تتسع مع اتساع المراكز التي نشأت وتكونت بعد سقوط النظام في بعشيقة وبحزاني وسنجار والشيخان وباعذرة حيث تجري عملية تشكيلها على أساس الولاء الحزبي وكأن الهدف من هذه المؤسسات هو خدمة الحزب وليس الناس والمجتمع . الآخرين موقفهم لم يكن أفضل فالأمير ومن حوله من مساعدين ما زالوا قاصرين في فهم أهمية هذه المراكز، ولا يولونها الاهتمام والدعم ، لذلك أقول إن نقطة البداية تبدأ من هذه المؤسسات الثقافية ، مؤسسات المجتمع المدني ، فبها ومن خلالها نستطيع أن نجمع شتى المكونات الفكرية بمن فيهم المستقلين من المثقفين ، وبهم ومن خلال هذا، سنكون مؤهلين بالخطو في الطريق نحو الإصلاح والتغيير .
إذن فإبدؤا بها ومن خلالها ، ولكن بلا تكتلات ومفاهيم ضيقة ، وإفسحوا المجال لمن يمتلكون المؤهلات ، ولا تفرضوا عليهم كوادر وأشخاص أميين أو نصف متعلمين ، دعوا الناس تختار من يستحق رضاها وينال ُ ثقتها ، من دون قوائم حزبية، ولتكن القائمة البيضاء التي تجمع كل ألوان الطيف الشمسي هي المفضلة ، ومن ضمنها تلك الألوان البراقة من صفراء وحمراء وخضراء وبنفسجية ..الخ.
أما الخطوة الثانية ، فهي متداخلة بين الدور والمهام بين الأحزاب والمؤسسات الحكومية في المركز وإقليم كردستان ، فقد وجدَتْ الأحزاب ككيانات للدفاع عن مصالح الناس ، وتقديم الخدمات لهم ، وكذلك الحال بالنسبة لدور الحكومة والأجهزة التنفيذية يجب أن توضع في خدمة الناس وتعبر عن مصالحها . وبنظرة سريعة لطبيعة الأحزاب التي تعمل بين الإيزيديين وفي كردستان نستطيع أن نكون رأيا ً متفائلا ً ، فهذه الأحزاب ، الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي والأتحاد الوطني الكردستاني قد نشأت وكافحت من اجل الدفاع عن مصالح الناس والكادحين وقدمت أغلى التضحيات في هذا المجال . في المقابل فقد رفد الإيزيديون هذه الأحزاب بالكوادر والمقاتلين من البيشمركة بلا انقطاع ، وكانت قرى الإيزيديين ، منطقة تماس بين قوات السلطة وجيوشها من جهة ، وقوات الثورة الكردية بمختلف فصائلها ، على امتداد أكثر من نصف قرن من العمليات العسكرية ، وقد لحق بها الخراب والدمار وهي تستحق الرعاية والتعويض وحسن المعاملة من لدن مؤسسات الدولة في اقليم كردستان ، وكانت هذه أمنية الكادحين من الفلاحين والمزارعين الإيزيديين من أبناء الثورة الكردية ووقودها بعد تحرر كردستان وسقوط النظام الدكتاتوري ...
لكن بعض الممارسات الخاطئة التي إستبدلت مراعات الإنتهازيين وقربتهم من مواقع المسؤولية والقرار بدلا ً من التمسك بمصالح الناس والدفاع عنها ، جعل الأحزاب والحكومة في كردستان في موقع النقد ، وقد تحول النقد إلى حالات غضب واشمئزاز بعد تشكيل مكاتب خاصة للإيزيديين لتكون عونا ً للأحزاب والحكومة من خلال توثيق علاقتها بالجماهير. لكنها أصبحت حاجز يفصل بين الناس والقيادات الكردستانية ، بعد أن تحول أعظاؤها إلى متسلقين ، لا هم لهم إلا خدمة مصالحهم الذاتية مما حدا بالسيد نرمو سيني بتكثيف مطالب الأيزيديين أثناء لقائة مع شخصية قيادية في دهوك ،حينما سأله: مام نرمو ماذا تريدون أن نحقق لكم من مطالب؟ فقال له على الفور: حَلْ اللجان والمكاتب الأستشارية وتفكيكها . والقصة بتفاصيلها معروفة ولسنا بحاجة لذكرها وإنما نسوق هذه الحادثة لكي نوضح حجم المعاناة والضجر الذي تصاعد ليعبر عنه بمطلبٍ وحيد ،كثف في عبارة ، لخصّها مام نرمو وكان حينها ينطق بحق بأسم الجميع ويجسد رغباتهم ... المطلوب مواصلة العمل من اجل غربلة هذه المكاتب وإعادة النظر بتشكيلها والعاملين فيها فبعضهم مضت عليه أكثر من عشرة سنوات وآخرون أكثر ، وخلال هذا حدثت متغيرات وظهرت طاقات وكفاءات هي أفضل من تلك العناصر ، من كافة جوانبها ، فلماذا لا تجري عملية تقييم لدور المكاتب ورفدها بالجديد والأفضل ،المطلوب لتطوير العمل بين الإيزيديين وفي كردستان. أليس هذا أجدر من التمسك بعناصر فقدت إحترامها بين الناس ، ويؤشر عليها بوضوح ويجري تصنيفها بالحرامية ، ونعوت أخرى لا نود ذكرها ..
لكننا نشير إلى ورود أسماء البعض من الإيزيديين في قائمة المطلوبين للتحقيق في جرائم الأنفال مما يحولهم إلى متهمين بغض النظر عن مواقعهم بين الإيزيديين وفي المؤسسات الحزبية ، والمطلوب إتخاذ إجراء إحترازي ،مناسبٌ لحجم ِ ومحتوى ، هذه التهمة الخطيرة التي يُحقق فيها القضاء ، بتجميد عمل هؤلاء الذين وردت أسماؤهم كمتهمين في جرائم الأنفال في كافة المراكز والمؤسسات ، واستبعادهم من الحضور في المؤتمر المزمع عقده، وعدم إشراكهم في أية فعالية تخص الإيزيديين في كردستان.
وستكون هذه الخطوة إجراءً فعالا ً لدعم التوجه الإصلاحي ،الذي يتطلب فيما يتطلب عزل الفاسدين والفاشلين والمعرقلين للعمل ،فكيف بالمتهمين بجرائم ضد الإنسانية ، وعندما يبرؤهم القضاء ، سيكون حينها لكل حادث حديث كما يقول المثل ...
الآن تُمتحنُ إرادة الإيزيديين ومدى إستعدادهم لتقبل الإصلاح ، لذلك أقول على الذين يدعون للإصلاح ويطالبون بالتغيير، أن لا يتهاونوا إزاء المتهمين الإيزيديين ، لأن التوجه نحو الإصلاح لا يمكن تجزأته ويتطلب أناس مؤمنين بمحتوى وأهداف التغيير ،لا تتزحزح مواقفهم عند الضرورة . فالموقف الصحيح هو الأساس في كل عملية تغيير مطلوبه .
أما العمل في البرلمان وبقية المؤسسات فينبغي أن لا يجري إحتكاره من قبل الحزبيين وحصر تمثليه في منطقة واحدة على سبيل المثال خَصَصَ برلمان كردستان ثلاث مقاعد للإيزيديين هل من الصحيح حصر إختيار ثلاثتهم من قضاء الشيخان فقط ؟ ومن حارة واحدة منه ، الم يكن من الأجدر توزيع المشاركة لتشمل سنجار و دهوك وبعشيقة وبحزاني و ختارة وغيرها من المدن والقصبات ؟ . هل تتواجد الكفاءات فقط في الشيخان بمقاييس تكريتيه ذات طابع كردي ؟ أم إننا نبرر سلوكنا و نعطي الحق لأنفسنا بتمثيل الناس من خلال أساليب ملتوية ؟ من المسؤول عن هذا الإخفاق وكيف يمكن أن نضمن عدم تكراره ؟
ذلك أيضا يقربنا خطوة أخرى من الإصلاح ويسهل التغيير، ونفس الشيء ينطبق على عمل الأحزاب ، عليها أن تسعى لتجديد ممثليها وعدم الرضوخ للقيم العشائرية ورغبات الإنتهازيين في الأستحواذ على المناصب والمسؤوليات والثروات والمشاريع ،إن المساهمة في خلق نوع وشكل من أشكال العدالة الإجتماعية ، ولو بالقدر البسيط من خلال تقليل معاناة الكادحين والعاطلين عن العمل ، وعدم سد الطرق أمامهم أو إجبارهم على الإنتساب للأحزاب الكردية أثناء التقديم للتعيين والعمل ، يعتبر خطوة أخرى جديرة بالتحقيق ، لمن يسعى ويرغب بالإصلاح . لست ادري لماذا لا تلعب المؤسسات الدينية والأمير دورا ً في دعم الكادحين والعجزة والمعوقين والأيتام كبقية المؤسسات الخيرية لدى الديانات والتكوينات الإجتماعية الأخرى ويقتصر دورهم على الشفط واللفط فقط .
إن الإصلاح والتغيير عملية متواصلة ومعقدة تفرز الجديد في كل يوم والمجتمع الإيزيدي ليس ثابتا ً وساكنا ً ، والدليل التجمعات السياسية التي نشأت بين الأيزيديين في غضون الأربع سنوات بعد زوال النظام الدكتاتوري ، حيث تشكلت أُطُرْ وأحزاب سياسية ذات طابع تقدمي على الأقل في تسمياتها وبرامجها المعلنة ، كالتجمع الديمقراطي الإيزيدي وحزب الإصلاح والتقدم والعديد من المنظمات والتكوينات الثقافية والإجتماعية ،رابطة المثقفين بين الإيزيديين كما يلاحظ تحسن في الأداء السياسي والميل للتعاون بين الكتل والتيارات المختلفة التي تتصدى للمهام التي تواجه المجتمع والناس ، في ضل الأوضاع المعقدة التي نشأت من إستفحال ظاهرة الإرهاب الإسلامي في العراق، التي تهدد فيما تهدد الكيانات الإجتماعية والدينية وفي المقدمة منهم الصابئة والإيزيديين والسريان والكلدان والشبك والمسيحيين وبقية شرائح المجتمع العراقي من العلمانيين والديمقراطيين والمؤمنين المعتدلين في كافة مدن العراق ، وبقدر ما يهمنا في هذا الموضوع نستطيع القول إن الإرهاب يشكل عاملا ً مؤثرا ً على الإيزيديين ويحد من حركتهم بين المدن ، ويولد ضغطا ً مؤذيا ً على الناس ، ينبغي أن لا تتظافر معه القيود الداخلية والمعاناة الإقتصادية ، في خلق الأجواء الملائمة لحدوث انفجارا ً في السلوك الإجتماعي لا يمكن التحكم به .
لذلك فإن الشروع في مناقشات فكرية ، اليوم ، بات امرا ً لا مفر منه ،وإبداء الرأي وممارسة حرية التعبير يعتبر الحد الأدنى من متطلبات الحقوق الإنسانية للإيزيديين وغيرهم في زمن العولمة التي توفر للجميع الخيارات المتعددة .
لذا ينبغي عدم اللجوء لقمع الآراء و الإستهانة بما يطرح من آراء طالما كان الهدف منها تقديم فائدة وخدمة للناس ، وتتفق مع طموحاتهم وأهدافهم ومصالحهم ، ومن هذه الزاوية يجب أن ننظر للدين حيث إن قيمة الدين تتأتى من مقدرته في تقديم الفائدة للبشر، وليس من خلال القيود التي يفرضها على معتنقيه ، والدين كأية ظاهرة إجتماعية في حركة ، تؤدي إلى إهمال عادات بالية ، تجاوزها الزمن ، تحذف و تتلف أوتترك عند الضرورة ، أو تتغير، أو تُغيّر من شكلها ومحتواها ، أو تنتج الجديد من الطقوس والعادات وتدمجه في مكونات الدين بصيغة قد لا تمس جوهره ، لكنها تلامس الحلقات الرئيسية من مكوناته وتركيبته الثقافية فتتقبله الناس طالما كان منسجما ً مع تطلعاتها ورغباتها المتغيرة والمتجددة ، و يؤدي إلى تواصلها وإستمرارها ، وهذا ما شهدته كافة الأديان التي رافقت مسيرتها متغيرات في حقب تاريخية فرضت نفسها ، ولم تجدي كافة المحاولات لمنعها ومقاومتها فالزمن يسير للأمام دوما ً ذلك هو منطق التاريخ.. وهذا ما يشهده الدين والمجتمع الإيزيدي من حالة حركة ونقاش وسلوك لمعتنقية تدفعهم للتساؤل والبحث عن المصير ومدى جدوى التمسك ببعض العادات والشعائر والقيود وقد بدأت بواكير هذه المتغيرات في حلق الشارب من قبل جيل الشباب والتساهل في التعاطي مع المحرمات الغذائية وفي كسر حالات الموانع في التزاوج بين مجموعاته .
خاصة في منطقة عفرين من سوريا ، مع وجود حالات في كافة المناطق ، وهو أمر تطرقنا إليه في موضوع سابق لنا بعنوان ، الطريق للإحتفاء بالجريمة واليوم نستكمل بعض الآراء عن أوضاع الإيزيدية في مجال الإصلاح والتغيير على خلفية الحوارات التي نشأت ،إثر نشر الدكتور خليل جندي لمقترحاته ،وحسنا ً فعل وبادر ويسجل له جرأته في الطرح، كما تسجل لغيره من الكتاب كبدل الفقير وضوح رؤاهم ، من منطلق مواجهة مشكلة قائمة تتطلب الحل أو على الأقل البحث عن حلول لها ، وفي الحد الادنى ، المحاولة للبحث عن حلول ، وأنا واثق من أنّ الدكتور خليل جندي أوبدل أو غيرهم من الكتاب غير مقتنعين بإمكانية فرض حلول آنية و مستعجلة .
فهكذا أمور معقدة تدخل في صلب مكونات الدين وعادات وطقوس البشر لا يمكن تجاوز تأثيراتها وإلغاؤها ، بقرارات سريعة وعاجلة ، حتى لو تبناها الأمير وحاشيته الدينية لأن تغيير سلوك وطبائع البشر هو من أصعب الأمور ويحتاج إلى أجيال .
من هنا أهمية التعامل مع هذه الآراء بعقلية منفتحة وعدم إستعداء الآخرين عليهم من قبل المتخلفين الذين لا يستوعبون محتوى هذه الآراء ويسعون لتأليب الناس على من يحاول التصدي لحلحلة هذه الإشكالات ، حتى ولو جاءت مساهمته وفق منظور بعيد المدى .
نأتي لما طُرح من آراء ومناقشات حيث لم تتعدى المقترحات ( الخطيرة) سوى التعامل مع الحالات الجديدة الناشئة وإدراجهم فيما سمي بالطبقة السابعة ، حيث لم يستوعب البعض هذا المقترح البسيط وأراد أن يقيم الدنيا ولا يقعدها ... وبالمناسبه ، ولا أرى في المقترح حلا ً للمشكلة الرئيسية ،التي تواجه الإيزيديين ، وهي الحدود الفاصلة بين المجموعات الزواجية ، التي يطلق عليها البعض تسمية الطبقات ، وتعبير الطبقات غير دقيق كونه مصطلح إقتصاي إجتماعي يتعلق بموقف الناس من عملية الإنتاج البضاعي والملكية ، والأصح أن نستخدم الفئات المكونة للإيزيدية بدل الطبقات .
لا ارى في المقترح المقدم إلا المزيد من التعقيد ،حيث سيضيف رقما ً جديدا ًلهذه المكونات بينما المطلوب. هو التفكير بحل مقبول ، يحافظ على التراتبية وتسلسلها في الدين الإيزيدي ولا يقضي على فئات البير و الشيخ والفقير والمريد والقوال والبسمير والمير وغيرها من التسميات إن وجدت ، وفي ذات الوقت يؤدي أو يفتح المجال للتخلص من اكبر مشكلة يواجهها الإيزيديون ، وهي موضوع الزواج المحدد بدوائر مغلقة ، لا يجوز إبقاؤها وينبغي كسرها والتخلص منها.
هل يمكن تقديم مقترح عملي مقبول يحفظ الإيزيدية ككيان ويساعد الناس على تخطي أكبر مشكلة يواجهونها ؟ نعم ممكن ؟ لكن قبل أن أوضح محتوى هذا المقترح ، أود أن أؤكد للجميع ، وخاصة لمن لا يعرفني من جيل الشباب إنني أمارس دوري في الكتابه والمساهمة في حل المشكلة، من منطلق غير ديني فما يهمني هو البشر وليس الدين ، والدين ومشاكله الخاصة متروك للمؤمنين فهذا شأنهم وهذه ملاحظة كان لا بد من ذكرها ،قبل أن أقدم مقترحي الذي أراه عمليا ً ، ويساعد في معالجة المشكلة من جذورها . الذي يعتمد على فتح الزواج وإلغاء كافة المراتب الدينية من طرف واحد فقط هو المرأة . مع بقاء تسلسل الفئات بالوراثة حسب النسب من ناحية الذكور ، أي إعطاء حق إختيار الزوجة المفتوح بلا قيود بين كافة الفئات وجعله طبيعيا ًمع الزمن ، مع الإحتفاظ بتسلسل الفئات من خلال الآباء . ولا انطلق من رؤية متخلفة إزاء المرأة بقدر ما أدعو لتوسيع نطاق حريتها في الأختيار والزواج وفك القيود عنها ضمن حالة إجتماعية لا تتقبل المزيد من المطالبة الان .
وأرجو أن تجري عملية مناقشته هذا الرأي بذهنية منفتحة ، وهو مقترح متروك للزمن ولمن يشاء الأخذ به ، ويأتي دور المنظمات السياسية والمراكز الثقافية وتعبئتها في خوض غمار البحث عن المزيد من الحلول ، فقد تُفضي المناقشة الجادة بمقترحا ً أكثرعمليه وأسهل تطبيقا ً والى حينها أرى هذا هو المقترح العملي الذي يسهل ويساعد من يهمه الأمر من معالجة المشكلة ، وأولا ً واخيرا ً المسالة متروكة للزمن...
نأتي الى ما ورد من تعقيبات ومداخلات حول الموضوع هل يمكن أن تحل هكذا أمور من خلال مؤتمرات عاجلة ؟ لا اعتقد ولكن يبقى للمؤتمرات أهميتها ، وإذا كانت مداخلة السيد محمود عيدو وزير الإقليم الصريحة والواضحة، وهومشكور عليها حيث أوضح إن المؤتمر غايته محددة ولا مجال لمناقشة أية أفكار عن الإصلاح فيه الآن . لكن لنتفق على مؤتمر لاحق مكرس للإصلاح والتغيير ومن ذات الجهات نفسها كما تطرق إليها في رعايتها للمؤتمر اللاحق. جيد لنحصر هذا المؤتمر بالمهام التي حددها السيد الوزير في الحوار الذي أجراه معه الدوملي . وليسمح لنا بتوجيه الإنتقاد له على هفوته حينما قال: أشعر بالخجل من عدم وجود نص إيزيدي للقسم به ، ورد ذلك في معرض توضيحة عن لحظة إداء القسم الخاص بحكومة كردستان ، حيث جرى خلط تمثيل الإيزيدية بالدين، ودمجت هذه الملاحظة مع مقترحات البعض ، ممن يسعى وينادي لوضع أو إعداد كتاب مقدس للإيزيدية ، واستند في نقدي للسيد محمود ، من كونه يمثل المجتمع الإيزيدي في الحكومة ،أي انه يمثل الناس ومصالحهم ، وليس الدين وهو إذن غير مطالب بقسم ديني ، فلو كان ممثلا دينيا ً عن الإيزيدية في الحكومة الكردية لما جرى إختياره هو ، العلماني التوجه ، ولكان قد شغل الموقع بدلا ًمنه رجل دين ، ثانيا ً إن القسم في الإقليم وغيره من المؤسسات لا يحدد بالكتب الدينية فقط وتجربة كردستان أو غيرها لا تتطلب وجود كتاب للقسم ، وقد مررت بهذه التجربة بشكل عملي أثناء وجودي في محكمة العدل في لاهاي حينما طلب مني المدعي العام القسم بالله . قلت له : أنا علماني وسوف أودي القسم على طريقتي فقلت اقسم بأني سوف أقول الحق وليس غير الحق ، وبالصدفة كان مترجمي إيزيديا ً ومختص بالقانون الدولي ولم تكن بيني وبينه معرفة سابقةً ، وإكتفى المدعي العام بهذا النوع من القسم ، لذلك ليس من العيب أن لا تمتلك الديانات الطبيعية القديمة الكتب المقدسة أو صيغة ومفهوم النبوة حيث سبقت هذه المرحلة ،وعبارة اللوح والقلم تكفيان للتدليل على عراقة هذا الدين ، هذا من جهة ، أما من حيث المقارنه فلا توجد ديانة أفضل من غيرها كي يشعر المرء بالخجل ..
أنا شخصيا ً شعرت بالخجل حينما شاهدت ُ السيد رحيم الشيخ علي ( حيدر) كممثل للحزب الشيوعي الكردستاني يؤدي القسم المذكور، لأن هذا يدخل في نطاق الدجل والنفاق السياسي والمساومات غير المقبولة ، ويتعارض مع حقوق الإنسان ، وقناعات البشر .
وفي نفس السياق تملكتني الحيرة حينما قرأتُ أول مداخلة تعقيبية على مقترحات الدكتور خليل جندي ، من قبل السيد أحمد مطو الذي أعلن فيها معارضته الشديدة للمبادرة ومحتواها الإصلاحي ، وحيرتي متأتية ليس من السيد احمد مطو كشخص ، فحقيقة ليس لدي معرفه به وما سمعته عنه من الذين يعرفونه يؤكدون على طيبته وتواضعه ، وشخصيا ً تابعتُ بعض كتاباته ولا أقول كلها، وكذلك نشاطه في حركة الإصلاح والتقدم ومسعاه مع آخرين في إنقاذ الحركة من مشروع فرض زعامة من نمط إصْطدّيْمْ جيجو عليها ... لكن الذي أشغلني أن يتصدى ويعترض على مهمة الأصلاح والتغيير من يقود حركة الإصلاح والتقدم ، في مفارقة تعكس عمق المآساة التي تواجه الجميع وحجم المخلفات والتركة الثقيلة التي ينوء تحت ثقلها الجسد الإيزيدي ، بحيث يبادر أول المتصدين لما جاء في مقترحات الدكتور خليل من يتزعم حزب الإصلاح والتقدم ، فماذا بقي في كيان هذا الحزب للأصلاح والتقدم ؟ ومن سوف يصلح الإصلاح والتقدم الأداة المطلوبة للغيير .
وهنا كان من المفروض أن لا يجامل للدكتور خليل السيد احمد مطو في موقفه وتعقيبه، ففي المسائل الكبيرة التي تواجهنا من نمط الإصلاح والتغيير لا مجال للتوفيق بين الخطأ والصواب ، وكان الأجدر أن يناقش السيد مطو على موقفه بإعتباره شخصية معنوية لا يتحدث بصفته الذاتية فقط بقدر ما مطلوب منه التعبير عن تطلعات الناس وجماهير حركته الإصلاحية ، حيث يتطلب من حزب الإصلاح والتقدم موقفا ً داعما ً للمبادرة ، بل هو مطالب مع حزبه بالمساهمة بصياغتها وتطويرها انسجاما ً مع مضمون ومحتوى مفاهيم الحركة التي رفعت إسم الإصلاح والتقدم ،وعليها أن تقدم البرهان العملي الملموس من خلال معطيات يومية على إنسجام مواقفها من حيث الشكل والمضمون .
ونفس الشيء ينطبق على مداخلات بعض المثقفين ممن وضعوا أنفسهم في خندق معارضة مبادرة الأصلاح حيث جاءت مداخلة من صعق رؤوسنا منذ سنوات برئاسة تجمع رابطة المثقفين الإيزيديين ، والذي يصنف نفسه بالناشط في مجال حقوق الإنسان ، لكنه راوح في مكانه وعاد للوراء دُرْ ، مع أولى المحاولات الفكرية لطرح مشروع إصلاحي جدي حتى وان كان بعيد المدى .. وأدعو المراكز الثقافية ،والمواقع المهتمة بهذا الشأن ،ومنظمات الأحزاب التقدمية ،إلى تعبئة جهودهم في مناقشة ودعم المبادرة وتطويرها، وعدم الرضوخ لمحاولات المتخلفين والانتهازيين من شتى الأصناف والألوان ممن يسعون لأجهاض المبادرة ولا يحرصون على مشاكل الناس ومصالحهم . وأود أن أعلن للجميع ،إن عددا ً من شباب الإيزيدية كان قد وجه رسائل، إلى عدد من الشخصيات المهتمة بهذا الشأن، منذ عام 2004 ، يطالبون فيها بتحليل الزواج بين المجموعات الدينية ،وما زلتُ أحتفظ بنسخة منها كوثيقة مهمة تعكس جدية مطالب هؤلاء الشباب ، وحقهم في التعامل معهم كبشر يسعون لحل مشاكلهم من خلال الحوار مع من يهمه مصير الناس فهل يستجيب المعنيون بالحوار لهذا المطلب ... دعونا ننتظر!!
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوارات عراقية
-
علي خليل... أبو ماجد هَل ْيتجددُ اللقاء ؟
-
الديانة الأيزيدية
-
الدين ُ امْ البشر
-
حكومة كردستان ... الطريق إلى الأداء الأفضل
-
اسئلة عن الإيزيدية
-
بحث في دلالة معنى كلكامش.. هل كان كلكامش إبنا ً لبقرة؟
-
زهير كاظم عبود...في تنقيبه للتاريخ الإيزيدي القديم..2
-
(1)... زهير كاظم عبود في تنقيبه للتاريخ الإيزيدي القديم
-
الطريق إلى الإحتفاء ِ بالجريمة...1
-
آذار... تداعيات الذكرى والقيم
-
إلهُ الحربِ ودينُ الديناميت!
-
عشرة في الحروب وعشرة في تيه البحر لطارق حربي..شعرٌ يرفضُ أن
...
-
دين... ودجل... وإرهاب
-
تنبؤات كاسندرا...قصص... لحمودي عبد محسن
-
كردستان ...حذار ٍمن العودة لزمن ِ الغزوات !
-
الوطن... ومخلفات دولة البعث
-
إستخدام السلاح الكيمياوي..من قبل القوات العسكريةلنظام صدام ح
...
-
احتراقُ الروح ِ وتناسُخها
-
ماذا حدث في سينا ؟!
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|