خالد ديمال
الحوار المتمدن-العدد: 1999 - 2007 / 8 / 6 - 11:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حينما يتم الإعلان عن نية الإصلاح من طرف السلطة السياسية السائدة ، فهل هذا الإصلاح قادر على إحداث النقلة النوعية المتوخاة ؟ و هل بمستطاعه أن يأتي بجديد في جوهر النظام السياسي المغربي؟ ..
و إذا كان الإصلاح يساوي في مضمونه رفضا للماضي ، فما هي البدائل المقترحة في هذا السياق؟ ، و هل هناك تجاوب فعلي من طرف النخب السياسية ، بمختلف تلاوينها ؟ ، و إذا كانت هناك دعوة للإقلاع ، فما هو مضمون هذا الإقلاع ؟ ..
- مسلك الإصلاح يبدأ برفع الغموض عن دلالة المفهوم:
إن الحديث عن الإصلاح ، في أنساقه المختلفة ، السياسية ، و الدستورية ، يفيد إقرارا صريحا بأن هناك فسادا في المشهد السياسي بالبلاد، و أن هذا الفساد لم تعد له شرعية التواجد ضمن الشروط الكونية المؤثرة على الوضع الداخلي .
إذن ، هي أزمة شاملة ، يمكن القول عنها بأنها نتاج واقع متخلف بتفريعاته المختلفة ، و منها المقاربة السياسية ، و المتجلية بصورة أوضح في عدم مسايرة النص الدستوري لتطورات الواقع السياسي ، و بموازاته المجتمعي ، كمسألة حقوق الإنسان ، و إصلاح السلطة التشريعية ، و تقوية دور و نفوذ السلطة التنفيذية ، و إنشاء مؤسسات دستورية جديدة ..
إن هناك من يرى أن الإصلاح يبدأ من خلال التعبئة المتدرجة للنخب، سواء تلك المتواجدة داخل الأحزاب السياسية ، أو الأخرى الموجودة ببعض المنظمات الجماهيرية ، أو بعض الجمعيات الجديدة .
و بقراءة مبسطة للواقع السياسي المغربي تتوضح رؤية لا تخفي ، و لو بتفحص طفيف ، أن الإصلاح من الإشكالات التي مازال يشوبها بعض الإضطراب و الضبابية .
فإذا كان الإصلاح إحالة على حدث معين ( عبارة عن قطائع ، و بالضبط مع مراحل تاريخية معينة )، فإن الحقل الدلالي ما زال غامضا ، خاصة عند إقحام مسألة المرجعية ، هل هي مرجعية قديمة ، أم جديدة ، خاصة عندما نقصد بذلك المرجعية الحداثية ، في مقابل المرجعية الدينية .
إذن ، هي مسألة تتجاوز الدلالة اللغوية ، إلى الدخول في مقاربة المفهوم و المرجعية ..
هناك من يرى أن الأزمة السياسية هي نتيجة الطبيعة المخزنية للبلاد ، فالأزمة تكمن في وجود نظام مخزني لا يزال قائما ، و لو إدعى التغيير ( شعاراتيا) ، و لا إصلاح إذا لم يتم القضاء على العقلية المخزنية للنظام ، دون أن ننسى تلك المقاربة التي تقول أن الأزمة هي نتاج التخلف السياسي برمته ، و أن أي إصلاح لا يمكن أن يتم دون إعطاء أهمية لما يسمى بـ -- التنمية السياسية -- .
ضمن هذه الرؤية ، تحديدا عند تحليل مضمونها الداخلي ( في الجوهر )، نلاحظ أنها لا تخرج عن المقاربة التي ترى أن الإنتقال من حال إلى حال ، أو تحقيق الطفرة من مقاربة إلى أخرى - في حل الأزمة - ، أي سيرورة التحديث ، و في مقابلها سيرورة تجديد القيم ، و بالتالي الإنتقال من الدولة التقليدية ، إلى فضاء الدولة الحديثة المتحفزة ، إذا لم يكن هناك إنتقال من ثقافة سياسية تقليدية إلى ثقافة سياسية حديثة .
إذن ، ضمن هذه المقارنة السسيولوجية - فالأزمة السياسية - هي نتاج الواقع الإجتماعي المتخلف ، مما معناه أن إدخال أية إصلاحات مؤسساتية قد تكون غير ذات جدوى إذا لم تتم بتزامن مع تقافة سياسية حديثة أي تأسيس الدولة الحديثة ، و في مقابلها تأسيس مجتمع مدني فعلي ، بما يساير رفع التوتر بين المجتمع السياسي و المجتمع المدني ( و خلق التوافق بينهما ) .
و على هذا الأساس يأتي السؤال ، ما هي دلالة الإصلاح السياسي في اللحظة التاريخية الراهنة؟ .
- الحمولة السيميائية ( الرمزية) طاقة إنتقالية تدخل في ممكنات الإصلاح :
يمكن القول ، أنه في غياب المعارضة ، فهي لم يعد لها وجود ، بعدما أصبحت تحكم في إطار التناوب
( أو الإنتقال حاليا) ، و التي كانت حاملة لهذا المشروع في السابق ( الإصلاح) ، كما أنه لم تعد هناك معارضة جذرية ( فقط معارضة برلمانية شكلية) ، فإن ميزان القوى لم يعد محددا هو الآخر ، فمن يمكنه أن يقوم بمبادرة الإصلاح إذن ؟.
لقد أصبحت جميع الأطراف واعية بما تريد ، خاصة فيما يتعلق بسيرورة الإصلاح، ففي غياب شروط مساعدة ، تصبح الثقافة السياسية آلية الإصلاح التي تتحدد فيها أسباب النضج و الإكتمال .
إن الأزمة في المغرب ، ليست كما يتوهم الثقنوقراط ، أزمة إقتصادية فقط ، و لكنها أزمة سياسية أيضا ، فرضت نفسها بإلحاح ، من خلال سيطرة نخبة من الإنتهازيين على مراكز القوة و النفوذ بالبلاد .
بهذه الكيفية، كيف نتصور الإصلاح كمسألة إستراتيجية ؟
فإذا كان النظام يحاول إمتصاص الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية الخانقة من خلال إيجاد متنفس سياسي ، فإن هذا المتنفس ليس سوى مجرد وهم ، و لا يمكن أن يرقى إلى مستوى إصلاح ، لأن المسألة غير مرتبطة بالإصلاحات الدستورية فقط ، بل يمكن الحديث في هذا السياق عن الإنتقال و موقعه من هذه العملية ، هل هو إنتقال ديمقراطي حقيقي ، أم هي ديمقراطية الواجهة فقط ؟، فالرهان ليس رهانا شكليا يتعلق بالمؤسسات فقط ، بل بالحمولة الرمزية ( السيميائية) التي يجب أن تفعل بها طاقة الإصلاح ،
و مفاهيمه الرئيسة ، كالمعنى الذي يمكن أن يأخده الحكم مثلا ، و بموازاته مفهوم التعاقد ، هذا بالإضافة إلى نوع العلاقة المفترضة المرتبطة بالتنازع في حدود مرجعية الإصلاح ، هل هي مرجعية دينية ، أم ديمقراطية ، بما تعنيه حمولة المفهوم من إحالة على الحداثة فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية على مستوى الحكم .
فإذا كان الإصلاح مطلبا ملحا ، سواء من طرف الأحزاب السياسية ، و من طرف النظام ، و في وقت واحد ، فهذا يعني حقيقة واحدة و هي أن هناك أزمة سياسية . لكن ، ماهي الرهانات الممكنة ، و التي يقوم عليها مسار الإصلاح ؟.
- دلالة الإصلاح تتجاوز البرغماتية السياسية لتصب في الجوهر الديمقراطي :
إن المشكل المطروح حاليا في المغرب هو مسألة التوترات الإجتماعية ، فأي إصلاح يجب أن يتجه صوب هذا المسار عندما يتعلق الأمر بإيجاد الحلول ، و هي توثرات ناتجة في غالبها عن الفقر ، و البطالة ، و نتائجها ، و التي تفرز منحيين من التطرف ، إما التطرف الأصولي ( في جانبه الديني ) ، و إما التطرف في إتجاه الإندفاع وراء السلوك الإجرامي ، و هي ظواهر إجتماعية أقل ما يمكن أن يقال عنها ، أنها نتاج سياسات سابقة (ممنهجة) ، ساهمت في ترسيخ الإقصاء و التهميش الاجتماعيين ، مضافا إليه الجهل بالثقافة السياسية ، و ما تلعبه من دور في عملية الإصلاح .
إن المغرب الحالي أضحى متطورا على المستوى الإجتماعي ، لذلك فأي إصلاح يجب أن يسير في هذا الإتجاه ، بمعنى أن تكون هناك ديمقراطية ترقى إلى حجم هذا التطور ، و مستواه .
فالمغرب اليوم : يختلف تمام الإختلاف عن مغرب ما بعد الإستقلال ، بل هناك تميز فرض نفسه يمكن قراءته بوضوح في المحتوى السوسيولوجي، لكن المشكل يكمن في انعدام التواصل السياسي بين الأجيال المتعاقبة في مستوى المطالبة بالإصلاحات السياسية.
إذن ، إذا كان هناك إصلاح ، فهل هذا الإصلاح قادر على التخفيف من حدة التوثرات الإجتماعية؟!..
المشكلة أن الإصلاحات تأتي دائما متأخرة بالمقارنة مع التحولات التي يعرفها الشارع المغربي ، رغم أن هذا الشارع لا يأطره مجتمع مدني بتلك المواصفات التي تتضمنها النظرية السياسية الغربية للمجتمع المدني ، فالشارع المغربي أصبح في يد الإسلاميين ، و هولاء لديهم نظرة مخالفة للتوجهات الإصلاحية سواء لدى النخب الحزبية ، أو لدى النظام السياسي، أو عند المعارضة السياسية ، و خاصة فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية ، و التحديث ، مع العلم أن الإصلاح السياسي يقتضي القطع ، بل الفصل مع التقليدانية كعنصر أساسي للحكم في المغرب ، بما يفرضه ذلك من تنازل على مجموعة من الحقوق ، و مجموعة من السلطات ، خاصة عندما نتحدث عن عقد إجتماعي بمضامينه الحديثة و بالضبط عندما يتعلق الأمر بالمجتمع المدني . و لكن هذا المعطى الأخير لا يمكن أن يحدث إذا لم يقم الفاعل السياسي هو الآخر بالتخلي عن الميكيافيلية في عملية الإصلاح ، لأن هناك عوامل حداثية فرضت نفسها ، و هي عوامل ضاغطة، بما هي دينامية داخلية تحتم تجديد التقليدانية .
يمكن القول ، إعتبارا لهذا المعطى ، أن الإصلاح هو عملية كرونولوجية ، أي سيرورة تتم على مراحل ، تبتدأ بالإجماع ، أو شبه إجماع ، حول نوع التوافق ( بين النخب السياسية ، و السلطة السياسية السائدة)، و من ثمة حول مضمون الإصلاح ، لأن الإصلاح يدور تحت سقف موجود داخل السؤال العميق المرتبط بجوهر النظام السياسي .
- رهان التغيير ينطلق من الإصلاح الدستوري ، و ينتهي بالمشاركة الإجابية :
إن المرحلة الآن تفرض أن يكون الإصلاح بيد جميع مكونات المجتمع من دون إقصاء ، لأن الإصلاح ، أو تجاوز الأزمة - في المغرب - لا يمكن أن يتم إلا في إطار توافقي ، إلا أن شروط إنجاح تجربة الإصلاح تكمن في وجود مجتمع مدني قوي ، و تعددية سياسية ، و ليس تعددية حزبية ، و هي لحد الآن غير متوفرة .
فلا إصلاح دون أن يكون هناك إجماع وطني حقيقي ، لا مزيفا كالذي نشهده الآن، لأن التجربة الجديدة في الإصلاح ( الانتقال الديمقراطي) أبانت عن وجود أحزاب تلبس الصيغة الانتهازية في شكل جديد يتجاوز خطها و برنامجها ، إلى مستوى آخر تتحمل فيه مسؤوليات معينة ، لا توفر شروط و مقومات الإصلاح ، كغياب المشروع المجتمعي ، و غياب بلورته ( إن وجد ) .فالإصلاحات المقترحة حتى الآن ، لا في شكلها و لا في جوهرها ، لا تقدم أجوبة حقيقية للتوترات الاجتماعية ، و بالتالي يصعب الحديث عن الإصلاح ، كما أن مفهوم الإصلاح أو التغيير مازال ملتبسا فمسألة الإنتقال الديمقراطي ( لما بعد التناوب ) ، مسألة لازالت منعدمة بالمغرب.
فخارج نطاق السلطة السياسية السائدة ، مازال هناك غياب على مستوى البرامج ، نفس الشيء على مستوى التصورات ، فلحد الآن لم تتوضح الرؤية بخصوص التوجهات الحقيقية لهذه الحكومة ، هل هي حكومة اشتراكية ، أم ليبرالية، لأنها لم تكن نتيجة إقتراع يختار فيه المواطن مشروعا محددا( رغم انعدام ، أو غياب هذا المشروع)، زيادة على عدم انسجام الأحزاب المكونة للحكومة من حيث تباين وجهات النظر - و التصورات - حول فحوى التغيير السياسي ، فقط التركيز على الوعود ( سنقضي على البطالة .. سنقضي على السكن الغير اللائق .. سنقضي على الفقر.. إلخ) .
فلكي ينجح الإنتقال الديمقراطي ( لما بعد التناوب) ، لابد من تعددية سياسية و ليس تعددية حزبية . من الممكن أن نقول أن هناك تعددية حزبية ، لكن الواجهة واحدة ، لا تفرق بين يمين و يسار في الممارسة السياسية بما هي سياسية ، كما أنه لا إصلاح دون وجود مجتمع مدني حقيقي، و من وجود ثقافة إنتخابية سياسية حقيقية حديثة في تصور الناخب للعملية الإنتخابية يميز فيها بين مشروع سلبي ، و آخر إيجابي .
#خالد_ديمال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟