أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رزاق عبود - المسيح يصلب يوميا في العراق















المزيد.....

المسيح يصلب يوميا في العراق


رزاق عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1980 - 2007 / 7 / 18 - 10:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجميع في العراق المحتل، يتحدث عن مظلوميته: الشيعة، والسنة، والاكراد. وجميعهم لهم اصوات عالية، ومناصب، ونفوذ في الدولة، والمجتمع ،ولهم ميليشيات، وامتدادات، ودول تدعمهم، وتساندهم، وتتبنى قضاياهم. وفي ظلال هؤلاء تضيع مظلومية سكان العراق الاصليين، تتناثر اجسادهم، تغتصب اعراضهم، وتنتهك حرماتهم. تحرق، وتفجر كنائسهم، وتسبى نسائهم، ويفرض الحجاب على حرائرهم. يقتل كهنتهم، وعلمائهم، ويهجرون من مناطق سكناهم، يعاملون كبشر من الدرجة العاشرة. توزعتهم الارض، وهم اصحاب الوطن. صار المأوى، والمأمن، والمسكن، والعيش الشريف حسرة عليهم. اطفال بلا مستقبل، ونساء بلا معيل، ورجال بلا حول ولا قوة. عجائز وشيوخ افنوا حياتهم في خدمة وطنهم الحبيب صاروا متسولين في طرقات العراق والدول الاخرى. عوائل تشتت، واخرى ابيدت بالكامل. هل يعقل كل هذا ونحن نتباهى بان العراق اول من وضع القوانين، وننسى ان اجدادهم هم من خط القوانين على مسلة حمورابي. ندعي اننا علمنا البشرية الكتابة، ونتجاهل ان اجدادهم هم اول من وضع اول ابجدية في التاريخ. نتفاخر باننا ابتكرنا العجلة، ونتناسى ان اجدادهم هم من اخترع العجلة، وسير العربات ولولاهم لما صنعت الالات، والسيارات. ونقول اننا اول من نظم المكتبات، وان اول مكتبة جمعها، ونظمها اشوربانيبال، ونحن اليوم ندمر التاريخ الذي احتضن ابداعاتهم. وكم تباهينا، وتباهينا بان على ارضنا شيدت احدى عجائب الدنيا السبع، وننسى ان احفاد من شيد تلك الجنائن المعلقة معلقون الان في البراري، والقفار، والجبال، وعلى ابواب المنظمات الدولية والانسانية، هربا من الظلم، واملا في السلامة، او لقمة عيش. ندعي اننا ترجمنا الكتب اليونانية، وبنينا الحضارة الاسلامية وان بغداد كانت مركز الحضارة العربية الاسلامية، ولا نتذكر ان من ترجم تلك الكتب كانوا اسلاف من يذبحون اليوم باسم العروبة والاسلام.

منذ ان احتل الانكليز بلادنا اثناء الحرب العالمية الاولى، وبعد قرون من القمع، والاضطهاد العثماني جاء الاوربي "المتمدن المسيحي" ليضيف لابناء دينه الاما جديدة، ومأسي متنوعة فبعد ان فشل في عزلهم عن بقية السكان، وسلب وطنيتهم، وجرهم للتعاون معه ضد بلدهم سلط عليهم كلابه في حملات تاديبية رهيبة قادها بكر صدقي. وظلوا طوال العهد الملكي يعانون من التهميش، والتعامل الدوني، حتى جاءت ثورة14 تموز 1958 التي استبشروا بها ودعموها بقوة بعد ان اعادت لهم روح المواطنه التي حرموا منها. وشعروا انهم عراقيون من الدرجة الاولى اسوة بغيرهم. فحاربتهم القوى الرجعية المعادية للثورة . وبعد انقلاب الشواف على الثورة وفشل تلك المحاولة سلطت القوى القومية، والدينية المتعصبة عليهم رماحها، ورصاصها بحجة دعم الثورة، وزعيمها، ومقاومة المؤامرة. وبعد انقلاب شباط الاسود كان نصيبهم مثل غيرهم من التهجير، والتشريد، والتعذيب، والاعتقالات، والسجون، والاعدامات، والفصل من الوظيفة. وغادر العراق الالاف منهم. وعندما هرب احد الطيارين الى اسرائيل عوقبوا جماعيا، وحرم ابنائهم من دخول الكلية العسكرية، وسلك الشرطة، وغيرها من اجهزة الامن مثل القوى السياسية المعارضة. بعد عودة البعث الثانية في 17 تموز1968 استمرت الهجرة الرهيبة الى خارج الوطن، واستمر التعامل معهم كفئة منبوذة، وفرضت عليهم حرف ومهن لايحترفها غيرهم وحولوهم الى خدم في بيوت المسؤولين. فكانت عودة الى الرقيق الابيض في القرن العشرين. ثم اجبروا على الالتحاق في اجهزة مكروهة من قبل الشعب امعانا في محاولة عزلهم، واسلوبا خبيثا لتاجيج نقمة الناس ضدهم، وتشويه سمعتهم. وكأنهم الوحيدين ممن انتموا الى حماية المسؤولين، او الحرس الجمهوري. متناسين ان شباب العراق كله يخضع لالزامية الخدمة العسكرية، وليس لاحد حق الاعتراض ضد التنسيب لاي جهاز، اومكان،اوحدة، اوصنف. وعندما اشترك بعضهم في انتفاضة اذار 1991ضد الطاغية اجبروهم على وضع اشرطة خضراء على جباههم. واعدم الكثير من ابنائهم على ايدي جلادي النظام العفلقي.
بعد سقوط النظام على ايدي اسياده في نيسان 2003 استبيح كل ما هو مسيحي مثلما استبيح كل ما هو عراقي بشكل عام. والمعاناة هنا مضاعفة، واكثر ايلاما، لان المسيحيين اقلية دينية، وهم مسالمين بطبعهم، ودينهم، ولا يوجد من يحميهم: لا عشيرة، ولا ميليشيا، ولا جيش، ولا شرطة. واخذت صور المأساة تتنوع باشكال فظيعة، وازدادت معاناتهم بشل رهيب يصعب على المرأ تصور قدرتهم على التحمل مع كل هذا الكم الهائل من الاضطهاد المتعدد الاشكال. فاحرقت، وفجرت الكنائس، والاديرة، واضرمت النيران، وضربت معاول التهديم في المعابد، والمقابر وكل ماله صله بدينهم، وتجمعاتهم. واخذ المسيحيون يخطفون كرهائن، ويذبحون كالخراف، واعيدت قوانين القرون الوسطى وتجلت في: "الاسلام، او الجزية"! وفرض عليهم واقع انهم مطلوبين في أي لحظة. وانهم مشروع قتل، او اختطاف، او تهجير، او نهب، وقت ما شاء القتلة. اعتداءات، وتجاوزات متنوعة لم يسلم رجال دينهم منها، اذا لم يكونوا الاكثر تعرضا للمضايقات، والاهانات، والضرب، والشتائم، والقتل، والخطف، والاعدامات البربرية. سرقوا وطنهم والان يسرقون حياتهم بكل وقاحة. حرموهم من كل شئ حتى من حق الحياة. ما ذنب الاطفال من افعال هؤلاء القتلة المجرمين الاشرار محبي الدمار، ومصاصي الدماء؟ ورغم الاحتجاجات، والمظاهرات في كل انحاء العالم، لانهم في العراق لايستطيعون قول شئ، فانهم يبادون مع صمت السلطات، والاجهزة الامنية، وتواطئها احياتا ولا ذنب لهم سوى عراقيتهم الاصيله، سوى تمسكهم بارض الاباء والاجداد، يعاملون كما عامل الاوباش الهنود الحمر في اميركا، او الابورجين في استراليا، او السود في جنوب افريقيا العنصرية. وكأن المسيح لازال مصلوبا ينزف، وهو ينزف ليس في فلسطين وحدها، بل في كل المحافظات العراقية العشرة التي يتواجد بها مسيحيوا العراق. تشاهد في الصور، والاخبار، والمظاهرات، والافلام بقايا الكنائس التاريخية الثمينة المهدمة، والسيارات المحترقة، والجثث المتفحمة، والرؤؤس المقطوعة، والاطراف المبتورة. الجثث تفترش الشوارع، ودموع مريم تنهمر لتمتزج مع دماء ابنائها. لا زالت مريم تبكي منذ اكثر من الفي سنه، وهاهي تذرف دما في شوارع، وازقة، وكنائس، واديرة، وقرى المسيحيين في العراق. البلد الذي بنوه بجهودهم، وحملوه على اكتافهم، وضموه في قلوبهم، التي تنتزع اليوم بوحشية بايدي المغول الجدد المتوهمين انهم يستطيعون انتزاع حب العراق، وارضه، وتاريخه، من صدور احفاد الحضارات المسالمين. يهرعون، ويلتجئون الى كنائسهم هاربين من المطاردة، مصلين من اجل الخلاص، وتغيرت تلك الوجوه الخاشعة، التي كانت يوما طافحة بالسعادة، والمرح، والامل، والضحكة، تجدها وجوها عابسة، مكفهرة، كئيبه، حزينة، خائفة. عيون مرعوبة، ونظرات هلعة، وملامح خطها الحزن، والالم، تكشف الخوف، والروع حتى في بيوت الله، التي لم تعد امنة، ولم تعد تامن على نفسها، ولم تعد مصانة، او محرمة من قبل اولئك الذين يقتلون، ويذبحون، ويغتصبون، وينهبون، ويدمرون، ويفجرون باسم الله، ويقتحمون البيوت ويقتلون النساء الحوامل، ويبقرون بطونهن. اني لاعجب كيف يسير الاف المسيحيين العراقيين المهجرين المشردين في كل مدن العالم، وهم يحملون العلم "العراقي" الذي يذبحون تحت ظله وباسم العبارة التي لوثها صدام المجرم بخطه. لقد غزونا بها، واحتلوا بلدنا، وحولوا سكانه الاصليين الى عبيد ودافعي جزية. بالضبط كالاحتلال الصهيوني لفلسطين، وكالاستعمار الفرنسي للجزائر. الكل يقتل باسم الله، والكل يذبح، ويشرد، ويعذب مسيحيي العراق باسم الله ، والاسلام من ميليشيات حكومية، الى قوات شرطة، الى حرس وطني، الى جموع تكفيرية مجرمة دخيلة على العراق، واهله، واخلاقه. كلهم دخلاء. واهل الوطن الاصليين صاروا غرباء في وطن خط اسلافهم حدوده، وحفروا، جداوله، واستقوا بمائه، ورسموا صورته الحضارية.

ستفيض مياه الرافدين يوما لتكنس كل هذه القاذورات من ارض العراق، وتعيد لمسيحييه،لاهله الاصلين، جوهرة تاجه، كل العزة، والكرامة، والمنزلة الرفيعة التي يستحقونها. وسياتي من يمسح دموع العذراء، ويعيد للكناس بهاءها، وللاديرة رونقها، وللصلبان، بريقها، وسموها. ليعيد للعراق وجهه الحقيقي!



#رزاق_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكونات العراق سياسية وليست طائفية او قومية
- ايها العراقيون اتحدوا ضد الاحتلال والارهاب والطائفية
- انقلاب محمود عباس وطموحات جلال الطالباني. عن النظام الرئاسي ...
- النفط مقابل السلطة
- على حماس اعلان الدولة في غزة وسلوك طريق فيتنام
- الاسلاميون ذبحوا العراق من الوريد الى الوريد فاوقفوهم
- لماذا لا يستغل العرب ورطة امريكا لحل قضية فلسطين
- الحزب الشيوعي العراقي شرف العراق الذي لا يثلم
- اذا كانت كركوك عراقية فلماذا يطرد منها العراقيين؟؟
- ابو الخصيب فردوس النخيل والمياه والشعر
- تجار المواكب الحسينية ودماء الشيعة المهدورة
- ماذا يفعل عداي الحكيم في ايران والحدود مسدودة؟
- يالمهدي شجابك للزركه
- الدين جلاد الشعوب
- العملية السياسية بحاجة الى عملية جراحية
- خطة بوش لا تجلب الامن للعراق لان اهدافها امن امريكا
- العراق ليس بحاجة الى ديمقراطية التفجيرات
- الامريكان اعدموا صدام بايدي شيعية لمصالحة بعثية
- مجلس الدواب العراقي
- محمود عباس يريد اجهاض انتفاضة الصمود متلما اجهض انتفاضة الحج ...


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رزاق عبود - المسيح يصلب يوميا في العراق