أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - المصالحة السياسية العربية















المزيد.....

المصالحة السياسية العربية


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1962 - 2007 / 6 / 30 - 07:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-
منذ أن بلغت سن الرشد، وأنا أسمع في الأخبار السياسية كلمة "المصالحة الوطنية". فإذا تخاصم حزبان أو فئتان سياسيتان وتصارعتا حول عقيدتين مختلفين، قام "أهل الخير" ودعوهم للمصالحة، وكأن الخلاف شخصي أو على أمر شخصي، لا يستأهل هذا الخصام. ويبقي أُسُّ الخلاف قائماً، وجذره ممتداً، ليتجدد بعد فترة، وليكن أعنف مما سبق، وأشد مما مضى. ولم يعد المتصالحون يتذكرون صفوف "المناسف" (أكلة شعبية أردنية تقدم في الأفراح والأتراح والمصالحات العشائرية، وتتكون من الرز واللحم واللبن المجفف "الجميد")، وصواني الكنافة، ودلال (جمع دلّة) القهوة العربية المُرّة، و"بوس اللحى"، وتطييب الخواطر. والمسامح كريم. وعفا الله عما مضى.

-2-
وإذا تخاصمت دولة عربية اشتراكية مع دولة عربية محافظة ذات اتجاه إسلامي معادٍ للاشتراكية الثورية، قام أمين الجامعة العربية يهز خصره، والسيجار الكوبي الغليظ الفاخر في فمه، يدعو إلى المصالحة العربية، ويجمع من حوله وزراء الخارجية العرب. ويقوم بزيارات مكوكية إلى الدول العربية من أجل المصالحة العربية، فتتم المصالحة العربية ولكن لا أحد من الطرفين يتخلّى أو يتنازل عن مبادئه. وتظل الدولة الأولى دولة اشتراكية معادية للدولة المحافظة ذات الاتجاه الإسلامي. وتظل الدولة الثانية دولة محافظة معادية للاشتراكية الثورية. ويظل العداء قائماً، رغم الكذب والزيف السياسي. ويزداد الحقد. ويظل الفريقان يتربصان ببعضهما. ويظن الأغبياء والبسطاء بأن الخلاف قد سوّي، ونجحت الوساطة العربية في المصالحة الوطنية، من أجل المصلحة العربية. وكأن الخلاف كان قائماً بين زعيمين لدولتين مختلفتين، الأول يحب الملوخية والثاني يكرهها، ويحب المهلبية التي لا يحبها الأول. أو أن الأول يحب الفول المدمس، والثاني يحب الجبنة الرومي. ويفرح العرب البلهاء بهذا الصلح، ويطمئنوا. ولكن النار تظل متقدة في الصدور والقلوب في انتظار يوم الانتقام والثأر الموعود.
-3-
بالأمس دبَّ الخلاف بين فتح وحماس في فلسطين. وهو خلاف يحدث دائماً بين قبائل وعشائر العربان. وكان سبب الخلاف الرئيس هو الخلاف القديم بين علمانية فتح، وأصولية حماس. بين تحرير فلسطين بواسطة المواسير الملتهبة والألعاب النارية وتحريرها بالعقل السياسي الواقعي. بين تحرير فلسطين من خلال الخطب العنترية في المساجد وعلى شاشات الفضائيات، وفي المؤتمرات الصحافية في عواصم الممانعة والمقاطعة والمدافَعة وبين تحريرها من خلال المفاوضات والاتصالات الدولية مع الأطراف التي أصبحت مفاتيح القضية في أيديها، بعد صراع دام أكثر من نصف قرن، تحولت فيه القضية الفلسطينية تحولات تاريخية وسياسية وواقعية هائلة وجذرية.
إذن، الخلاف بين حماس وفتح ليس لأن حماس تحب أكلة "البُصارة" وفتح تحب "المحاشي"، أو لأن حماس تربي ذقنها وتلبس الثوب والحطّة والعقال، وفتح تلبس البذلة "الأفرنكي"، وتحلق لحيتها، وربما شاربها كذلك، كما يعتقد العرب، الذين بدأوا بنصب السرادقات وفرد الُبسط، وذبح الخراف، وإيقاد النار، وغسل الرز، ومرس "الجميد" وتحميص القهوة، استعداداً لمدَّ المناسف، وصواني الكنافة، وصب القهوة، لإتمام المصالحة الحماسية – الفتحاوية من أجل المصلحة العربية، بعد أن اعترف جزء من العرب الداعين إلى المصالحة، وهي مصر بالذات، بأن لا شرعية لحماس، ولا اعتراف بحماس، وسحبت سفيرها من غزة إلى رام الله، وقال "الريّس" القول الفصل، وما هو بالهزل. ولكنه عاد و "لحس" كلامه في مؤتمر شرم الشيخ بعد أن راحت السكرة وجاءت الفكرة ، ونادى بالمصالحة، و"بوس اللحى"، والعفو عما مضى.
وهكذا دواليك تجرى السياسة العربية، فلا نعرف من المصيب ومن المخطئ، ومن يجب أن يعاقب أو يحاسب.
-4-
قرأنا في التاريخ، أن الغرب عندما يختلف مع الآخر، ولا يجد وسيلة للتوافق، أو لتنازل الآخر عن رأيه، أو خططه، يعلن الحرب بين الدول، أو بين الفرقاء في الدولة الواحدة. فمصالحة المناسف والكنافة والقهوة المُرّة لا توجد في قاموس السياسية الغربية. ومصالحة "عفا الله عما مضى" لا يعرفها الغرب، ولا الأطراف المتنازعة.
فأوروبا لم تستقر، ولم ينتشر فيها الهدوء والأمان، بعد أكلت أن المناسف والكنافة وشربت القهوة المُرّة مع هتلر وموسوليني، ولكنها استقرت بعد أن قدمت أكثر من عشرة ملايين ضحية ثمناً لهذا الأمن والاستقرار. فالصراع لم يكن صراعاً شخصياً بين زعماء أوروبا من جهة وهتلر وموسوليني من جهة، بقدر ما كان صراع عقائد ومناهج سياسية ومصائر شعوب. وكذلك هو الحال في العالم العربي، ولكننا لا نريد أن نعترف بمثل هذه الصراعات.
وعندما اختلف الجمهوريون مع الفرانكويين في اسبانيا عام 1936 لم يكن الخلاف بينهما بسبب أن الجمهوريين كانوا يحبون النبيذ الأحمر، والفريق الآخر يفضل النبيذ الأبيض. ولكن الخلاف كان بين عقيدتين سياسيتين متباعدتين كالخلاف الآن بين حماس وفتح. فالفرانكويين الفاشيين اسقطوا الجمهورية، وانقلبوا على الشرعية. فلم تلجأ اسبانيا إلى "بوس اللحى" ورقص نساء الجمهوريين السامبا مع رجال فرانكو. بل شنوا حرباً أهلية استمرت ثلاث سنوات، راح ضحيتها مليون قتيل، ثمناً لعودة الشرعية، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
-5-
وأرجو أن لا يفهم الأغبياء والظلاميون ودبابير كتّاب إيلاف من أصحاب الطنين والرنين، بأنني أدعو إلى حرب أهلية بين فتح وحماس لوضع الأمور في نصابها الصحيح. فهذا شأنهما. ولكني أذكّر بأن "بوس اللحى" و "تصفية القلوب والنيات" وكل الكلام العربي العبثي المعسول، لن يغير ما في رؤوس حماس في دمشق وغزة، ولن يريح ويطمئن فتح في رام الله، وييسر طريقها الشائك والطويل مع إسرائيل. كما لن يقود إطلاقا إلى الدولة الفلسطينية الأمل.
أما المصالحة العربية السياسية المقترحة، فهي مجرد "بوس لحى"، ومصل مخدر إلى حين، لن يستفيد منه سياسياً غير العرّابين والوسطاء. وستبقى الخلافات الجذرية العميقة قائمة، وهي التي فجّرت صراع غزة، وستفجر كل صراع في المستقبل بين الطرفين، سيما وأن أطرافاً إقليمية لها مصلحة كبرى في هذا الصراع، الذي يبدو أن حماس قد خرجت منه منتصرة بكل المقاييس السياسية والإعلامية، سيما وأن في ظهرها قوة إرهابية عظمى في المنطقة كسوريا، ومنبر إعلامي وسلفي و "جهادي" قوي ومؤثر كـ "قناة الجزيرة" التي اعترف على مذبحها القيادي الفتحاوي هاني الحسن بالأمس، بالخطأ وطلب العفو، ودولة ترجف منها خوفاً على مصيرها كمصر، التي أدركت - بعد أن راحت السَكْرَة وجاءت الفكرة - أنها أصبحت بين سندان الإخوان المسلمين في الداخل، ومطرقة حماس على حدودها في غزة، فما لها إلا الوداد والتودد.
السلام عليكم.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمت الحجارة وخيانة المثقفين
- إلى أمير المؤمنين خالد مشعل ووالي غزة اسماعيل هنية
- دعوهم يحكمون لينكشف زيفهم
- طالبان في غزستان!
- القتلُ أساسُ المُلكْ
- الليبراليون الجُدد في الثقافة الايطالية
- ما الحكمة من المحكمة؟
- غابت العدالة العربية فحضرت الدولية
- الأقباط بين مطرقة الكنيسة وسندان المسجد!
- الوباء الفلسطيني!
- عمر بن الخطاب شيخاً للأزهر!
- كفوا عن بهدلة الإسلام يا فقهاء الجهالة والضلال
- لماذا أصبح الإسلام كجراب الحاوي؟
- العراقيون في الشتات الحريري!
- أنا الآن في العراق!
- الإرهاب ضد الحداثة وليس ضد الوجود العسكري الأجنبي
- ما هذا العراق النادر العجيب؟
- لكي لا تتكرر حملات الأنفال
- الارهاب لم يَعُدْ عراقياً وإنما عربياً ضد زهرة الحداثة
- شهر التهجير والتحرير


المزيد.....




- عباس: أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على منع إسرائيل من ال ...
- هل غيرت الضربات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية الشرق الأوسط ...
- كيف وصل مصريون قُصّر غير مصحوبين بذويهم إلى اليونان؟
- جهود دولية حثيثة من أجل هدنة في غزة - هل تصمت المدافع قريبا؟ ...
- وسائل إعلام غربية تكشف لكييف تقارير سيئة
- الرئيس السوري يستعرض مع وزير خارجية البحرين التحضيرات للقمة ...
- -ما تم بذله يفوق الخيال-.. السيسي يوجه رسالة للمصريين بخصوص ...
- روبوتات -الساعي- المقاتلة الروسية تقتحم مواقع العدو وتحيّد 1 ...
- روسيا.. قانون جديد يمنح -روس كوسموس- حق بيع بيانات استشعار ا ...
- اكتشاف صلة بين فيتامين الشمس والاستجابة المناعية للسرطان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - المصالحة السياسية العربية