أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - توما حميد - بصدد التفكير النقدي والممارسة المستندة على المنهجية وأهميتها للشيوعيين















المزيد.....


بصدد التفكير النقدي والممارسة المستندة على المنهجية وأهميتها للشيوعيين


توما حميد
كاتب وناشط سياسي


الحوار المتمدن-العدد: 1956 - 2007 / 6 / 24 - 11:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الممارسة المستندة على المنهجية في التفكير وعلى الدلائل قد ترسخت في معظم العلوم في وقتنا المعاصر. اذ لم يعد للدلائل الحكائية والاجتهادات الشخصية او الاحساس والخبرة الشخصيين والاتفاق الجماعي مكان يذكر في معظم مجالات العلم حيث ساد بدلا عنها التفكير المنهجي و الممارسة المستندة على الحقائق المثبتة من خلال التجارب.
لنأخذ الطب كمثال على هذه الحقيقة. ان الادوية المستعملة في وقتنا الحاضر قد تم انتاجها من خلال فهم منهجي لفسلجة جسم الانسان والاختلال الذي يتسبب في الامراض المختلفة. حتى سنوات قريبة كان المرضى المصابون بامراض الشرايين التاجية (الجلطة والذبحة الصدرية ) على سبيل المثال يعطون بعض من الادوية الموجودة، تختلف من طبيب الى طبيب اعتمادا على خبرة الطبيب واجتهادة و الدلائل الحكائية. اليوم ونتيجة المئات من الدراسات والبحوث المختلفة التي شملت التجارب على مئات الاف من المرضى في كل انحاء العالم تم اثبات او دحض فائدة كل دواء ، بحيث اصبحت مسالة اي دواء يجب ان يكون عليه المريض امر شبه بديهي يلتزم به الاطباء سواءا كانوا في فرنسا او الهند اوالبرازيل دون ان يترك مجال للاجتهاد والخبرة الشخصية.
من ناحية اخرى يعتبر التفكير النقدي الذي لايستسلم للصيغ الجاهزة و لكل ماهو مقبول لمجرد انه سائد هو السبب وراء معظم الانجازات والقفزات الكبيرة في المجالات العلمية المختلفة. فالاكتشافات والاختراعات والتطور بشكل عام هي نتاج العقول التي لاتقبل الدكمة و لاتركن الى الراحة الى ان تعرف الحقيقة. تشكل قضية الطبيبين الاستراليين الذين فازا بجائزة نوبل للفسلجة والطب لسنة 2005 افضل مثال على هذه الحقيقية.
لقد اظهر الطبيبين خلال مسعاهم من اجل اثبات كون قرحة والتهابات المعدة والاثنى عشري ناتج عن الاصابة بنوع من البكتريا ولذا يمكن علاجها من خلال المضادات الحيوية تفكير نقدي خلاق وتشبث منقطع النظير بقناعاتهم. ان هذا المثال يبرهن حاجة البشرية الى هذا النوع من التفكير الذي لايقبل بقدسية فكرة معينة لمجرد انها سائدة.
ان التهاب و قرحة المعدة والاثنى عشري مرض قديم قدم الانسان.ان اولى المحاولات الموثقة لمحاولة علاج هذا المرض تعود الى عهد قدماء المصريين. لقد اختلفت التفسيرات المقدمة لهذا المرض في العصور المختلفة وبذلك اختلف وتعدد العلاج و تراوح العلاج بين الشعوذة و استخدام الاعشاب و السموم ومتابعة حميات اكل معينة والصيام الى الادوية المضادة او المثبطة لافراز الحامض وصولا الى العمليات الجراحية. وكل هذه العلاجات اثبتت محدوديتها.
قبل قرن ساد اعتقاد بان سبب هذا المرض هو ضعف بطانة المعدة وازدياد كمية الحامض عند المرضى نتيجة الاجهاد العصبي واكل اكلات معينة واكل التوابل والتدخين والكحول. وكان الاطباء ينصحون المرضى بتناول اغذية يعتقد انها لاتتسبب في افراز كميات كبيرة من الحامض وخالية من التوابل. كما كان العلاج يركز على استخدام الانتي الاسيد والادوية المثبطة لافراز الحامض لمعالجة الانتاج الفائض للحامض الذي كان يلام في التسبب في تدمير البطانة الداخلية للامعاء. وكانت العمليات الجراحية اساسية في علاج مضاعفات القرحة مثل النزيف والانفجار و الحالات التي لم تكن تستجيب للادوية المتوفرة.
استمر هذه الاعتقاد الى بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي وكان من الرسوخ بحيث كان يبدوا غير قابل للدحض، بل ان هذا الاعتقاد كان من القوة بحيث كان يعتبر بديهية في الاوساط الطبية لايحتاج الى اي دراسة او تدقيق الى ان تمكنت البحوثات التي قام بها البروفسور باري مارشال والدكتور روبن وارين الذين فازا بجائزة نوبل في الفسلجة و الطب لسنة 2005 في اثبات ان بكتريا سميت فيما بعد ب ( هيليكوباكتر بايلوري) هي التي تتسبب في هذا المرض. ولذا تمكنا من علاج المرض من خلال المضادات الحيوية.
في سنة 1982 وجد الدكتور روبن ورين طبيب الباثولوجي في مستشفى بيرث الملكي بمقاطعة ويسترن استراليا ان بكتريا صغيرة كانت موجودة في الجزء الاسفل من المعدة في حوالي 50% من مرضى التهاب وقرحة المعدة والاثنى عشري الذين اخذت منهم العينيات بواسطة الناظور. ولاحظ ان علامات الالتهاب كانت دائما موجودة قريبة من مكان تواجد البكتريا. وسأل باري مارشال الذي كان عندها مقيم اقدم (طبيب تحت التدريب) في قسم الباطنية الذي ابدى اهتماما بهذه الملاحظة للتحقيق في المسالة بشكل اكثر. وقد درسا معا عينات ماخوذة من 100 مريض. وقد تمكنا من عزل وزرع البكتريا التي وجدوها-( هيليكوبكتر بايلوري) بعد محاولات عديدة فاشلة دامت اشهر. كان النجاح في زرع البكتريا عن طريق الصدفة عندما تركت المادة المستعملة لاستنبات البكتريا مدة اطول نتيجة نقص الكادر المختبري اثناء عطلة عيد الفصح.
رغم القناعات القوية السائدة في تفسير المرض حينها توصل الطبيبان الى قناعة بان التهاب وقرحة المعدة والاثنى عشري تسببها هذه البكتريا. وقد واجه الباحثان صعوبات جمة في اثبات فكرتهم للمجتمع الطبي. وواجهت فكرتهم مقاومة شديدة وتعرضوا الى السخرية واصبحوا موضوعا للنكات ولكنهم كانوا مصرين على اثبات فكرتهم الى درجة ان قام مارشال مع متطوع اخر ببلع سائل يحتوي على هذه البكتريا، العمل الذي ادى الى اصابتهما باعراض المرض بعد اسبوع. كلاهما اصيب بالتهاب المعدة التي تم التاكد منها من خلال ناظور اجري لهما من قبل اطباء اخرين وبذلك اثبتا الفكرة للمجتمع الطبي.و قام الطبيبان وخاصة باري مارشال بنضال خارق الى ان تمكن من تقديم ونشر اعمالهما.
وبعدها تمكن الكثير من العلماء من زرع البكتريا من معدة المصابين بالقرحة. كما تم اثبات العلاقة بين هذه البكتريا وبين القرحة من خلال الكثير من الدراسات. و وجدت الابحاث فيما بعد ان اكثر من 90% من قرحة الاثنى عشري وحوالي 80% من قرحة المعدة مرتبطة بهذه البكتريا. هناك اليوم العديد من الفحوصات التشخيصية لهذه البكتريا مثل فحص الدم للمضادات التي ينتجها الجسم ضد البكتريا او فحص عينة نسيجية تاخذ عن طريق ناظور المعدة او فحص التنفس الذي يكتشف عن انزيم تنتجه البكتريا يطلق في زفير المرضى.

نصف السكان في الدول المتقدمة يأوون هذه البكتريا بينما يأويها كل السكان في الدول الفقيرة تقريبا حيث خطر الاصابة عن طريق تلوث الاطعمة اكثر. وعادة ماتحدث الاصابة في سن مبكر، اذ تنتقل من الام الى الطفل وتبقى البكتريا هناك طوال عمر الانسان دون ان تتسبب اي اعراض لدى غالبية الناس. ولكن 10-15% من الناس سوف يصابون بالقرحة في مرحلة معينة، الامر الذي يشير الى وجود قابلية للاصابة بالمرض عند بعض الناس والتنوع الجيني في البكتريا. في الحلات المتقدمة قد يحدث نزيف او انفجار للقرحة او حتى انها تتسبب في سرطان المعدة. ان هذه البكتريا تعود الى فصيل يتسبب في اصابة الحيوانات بكثير من الامراض. كما انها ربما تتسبب في امراض اخرى في الانسان.
هكذا تعتبر قرحة المعدة والاثنى عشري احد اكثر الامراض شيوعا. هذا الاكتشاف الذي ربما يعد اكبر الاكتشافات الطبية في القرن العشرين قد ترك تاثيرا كبيرا على حياة الملايين من البشر.
كما تقول اللجنة المشرفة على جائزة نوبل، بسسبب هذا الاكتشاف لم تعد قرحة المعدة مرض مزمن يعيق المرضى بل مرض يمكن علاجه من خلال رجيم قصير من المضادات الحيوية والادوية المثبطة للحامض التي يفرز في المعدة. لقد انقذ ملايين المرضى من الالام المبرحة التي يسببها هذا المرض الشائع. و اصبح من الممكن علاج القرحة ومنع المضاعفات الخطيرة بما فيها السرطان من خلال المضادات الحيوية بعيدا عن العمليات التي تسبب في حلات عديدة وفاة المريض.كما كان هذا الاكتشاف نقلة مهمة وكبيرة في فهم المرض ويفتح الباب امام بحوث اخرى في امراض مثل التهاب الامعاء المزمن في الانسان والعديد من الامراض في الحيوانات.
صرف الطبيبان عقد من الزمان الى ان تمكنا من اقناع المجتمع الطبي بفكرتهم. واجهت فكرتهم مقاومة شرسة لعدة اسباب منها حكم العادة والدكمة حيث كان الاطباء مقتنعين بانهم يعرفون سبب قرحة المعدة، اي الاجهاد النفسي لذلك لم يكن هناك حاجة الى ايجاد سبب اخر. كما كانت هناك قناعة مفادها انه ما من بكتريا يمكنها العيش في الظرف الحامضي جدا للمعدة لكي تسبب في مرض.كما كانت من مصلحة الكثير من الاطراف الابقاء على الوضع الحالي. ان الشركات التي كانت تنتج الادوية التي تثبط عملية افراز الحامض كانت تجمع ثروات خيالية لان هذه الادوية لم تكن تشفي القرحة مما يعني ان المرضى كانوا بحاجة الى اخذ الادوية طوال حياتهم.
لقد ابدى العالمين تفكير تقدي في التشكيك في التفسيرات السائدة واقتراح تفسير اخر والاتيان بالفكرة الاولى التي تمكنا فيما بعد من تحويلها الى حقيقة. أن تعمد الدكتور باري مارشال في اصابة نفسه بهذه البكتريا كان عمل غير طبيعي يبين مدى التفاني والالتزام والاخلاص في قضيته. لقد ابديا تشبث منقطع النظير لاثبات وجهة نظرهم وتغير النظريات الشائعة حول امراض المعدة واثبات غير قابل للدحض بان هذه البكتريا تتسبب في 90% من قرحة الاتنى عشري و 80% من قرحة المعدة
ماهو موقع المنهجية و الممارسة المستندة على الدلائل والتفكير النقدي والاصرار في السياسة؟
حقل السياسة يجب ان لايكون مختلفا عن الحقول الاخرى فالتفكير والممارسة يجب ان تستند على المنهجية وعلى الدلائل المثبتة. يجب ان يسود التفكير النقدي. فالسياسة بوصفها علم اجتماعي تتمحور حول العلاقة بين طبقات المجتمع وشرائحه، وهي علم كأي علم اخر لها قوانينها. يجب على الشيوعيين اكتشاف تلك القوانين والاستناد عليها للتقدم وتحقيق الهدف. من ناحية اخرى ان الاصرار والتفاني في العمل هي اساسية من اجل القيام بتغير جوهري وانجاز هام في الميدان السياسي.
ليس لهذه الامور اهمية كبيرة بالنسبة للبرجوازية في الوقت الحاضر نتيجة كونها في الحكم وتوفر الامكانات الهائلة امامها وسيادة النظام التي تدافع عنه. لقد برزت الحاجة الى المنهجية في التفكير والعمل والتفكير النقدي والاصرار بالنسبة الى البرجوازية ايام الثورات على النظام الاقطاعي. ولكن للمنهجية في التفكير والعمل والتفكير النقدي والاصرار اهمية قصوى للقوى الشيوعية التي تحاول الاتيان بنظام لايحكم في اي بقعة في العالم.
الا ان القوى اليسارية و الشيوعية السائدة في الوقت الحاضر تفتقد الى منهج لتفسير حركة المجتمع والظواهر الاجتماعية. تبقى الحركات الشيوعية واليسارية اليوم غير قادرة على الوصول الى منهج يمكنها من تفسير حركة المجتمع والخروج باستنتاجات وبناء الحركة التي يمكنها وضع تلك الاستنتاجات موضع التطبيق. و تبقى التفسيرات والاستنتاجات وبالتالي اسلوب الممارسة العملية في الغالب عشوائية وشخصية او فرقية لاتستند على منهج معين. يصعب الوصول الى اتفاق بين المجاميع والافراد الشيوعين المختلفين على اي من المواضيع الاساسية التي تمس الحركة الشيوعية والطبقة العاملة ولايوجد شيئ بديهي بل ان كل شيئ خاضع للتفسير وان يكون موضع اختلاف. ياخذ الشيوعيون والتنظيمات الشيوعية وقتا طويلا لتفسير ظاهرة جديدة ومواجهتها. فما أن تنحط مكانة التقليد الرسمي وتصبح الردود الرسمية والحقائق المقبولة سابقاً تحت طائلة السؤال يصيب الشيوعيين بتخبط طويل الامد. و ليس للتنظيمات الشيوعية مسيرة تطورية ولاتتراكم عندها الخبرة والتجربة لان الممارسة العملية لاتشتند الى منهجية نظرية. ان هذا الواقع ناتج عن الهزائم التي فرضت على الشيوعين و هجمة اليمين على الماركسية والشيوعية والابتعاد عن الحكم والبقاء في حاشية المجتمع لفترة طويلة.
ان الميدان السياسي يختلف عن العلوم التطبيقية في مسالة ايجاد المنهجية في التفكير والممارسة، ففي حقل السياسة لايمكن القيام بتجارب كالتي تجرى في مجال الطب او اي علم اخر. لايمكن اخذ مجتمعين والقيام بالفعالية السياسية أ في المجتمع الاول والفعالية ب في المجتمع الثاني ومعرفة اي من الفعاليتين سيكون لها تاثير افضل على المجتمع او ستؤودي الى الثورة او ستعزز موقع اليسار. وما يجعل هذا الامر اصعب في مجال السياسة وحركة المجتمع هو ان الاستنتاجات الصحيحة لايمكن تطبيقها من قبل شخص او فريق محدد من الاشخاص بل تحتاج الى حركة اجتماعية وتنظيم سياسي لتطبيقها ونقلها الى ارض الواقع.
ولكن دراسة التاريخ والتجارب البشريةوالحركات والاحزاب والاحداث الاجتماعية هي الطريقة للوصول الى منهج في التفسير والتفكيروالاستنتاج المستند على الدلائل وبالتالي في العمل للوصول الى التغير المرجو في المجتمع الذي يخدم الشيوعيين والطبقة العاملة.
لقد حدثت ثورات و احداث اجتماعية ووصلت حركات اجتماعية من خلال احزابهاالى الحكم، بامكان الشيوعيين دراستها و الاستفادة منها للخروج بمنهج للتفسير والعمل السياسي من اجل تحقيق النتائج المرجوة. كما ان الكثير من القوانين قد اكتشفت من قبل ماركس ولينين ومنصور حكمت.

لقد تمكن ماركس في بناء نظرية و منهج واكتشاف الكثير من القوانين التي تتحكم بحركة المجتمع الطبقي. كما تمكن لينين من الاعتماد على نظرية ماركس و الوصول الى منهج لفهم وتفسير حركة مجتمعه والوصول الى استنتاجات عملية وبناء التنظيم السياسي الذي تمكن من تطبيق تلك الاستنتاجات. ولذلك تمكن من القيام يالثورة و الوصول الى الحكم.
من ناحية اخرى تمكن منصور حكمت من استيعاب ماركسية ماركس ولينين و الوصول الى المنهج الذي يساعد على تحليل حركة المجتمع المعاصر والعقبات التي تمنع الشيوعيين العماليين من الوصول الى السلطة. في الميدان النظري تمكن منصور حكمت من الوصول الى العشرات من الاستنتاجات المنهجية وبالتالي خلق منهج واضح ومتميز. من هذه الاستنتاجات: العلاقة بين الحزب والحركة او الميل الاجتماعي والطبقة، لايمكن مواجهة النفوذ السلبي للحركات اليمينية الرجعية من خلال مجاملتها، لاتوجد حركة برجوازية عالمثالثية تقدمية او معادية للامبريالية، الحزب يمسك بالسلطة وليست الطبقة العاملة، يمكن اخذ السلطة من حكومة اقلية مكروهة من خلال اقلية، الاشتراكية ليست حتمية وانما مرتبطة بالعمل الواعي للانسان، النظام العالمي الجديد سيكون نظام دموي يتسم بهجمة شرسة على حقوق الطبقة العاملة، ليس بامكان البرجوازية اقامة ديمقراطية على الطراز الغربي في الدول الفقيرة، فشل تجربة العمال في الاتحاد السوفيتي حدث في العشرينات من القرن الماضي مع صعود التيار القومي الى الحكم، مسالة السناريو الاسود وسبيل الخروج منه، ضرورة العمل السياسي العلني وضرورة بناء حزب الشخصيات الاجتماعية للوصول الى السلطة والعشرات من الاستنتاجات الاخرى التي تشكل اساس سياسة الحزب الشيوعي العمالي.
ان مايجمع ماركس ولينين ومنصور حكمت كان وضوح الخط العام و الاستراتيجية عندهم اذ لم يضيع الخط العام والهدف النهائي في اي تحليل او ممارسة عملية. ولان الهدف النهائي كان واضحا فقد كان في مصلحتهم وبالتالي تمكنوا من الاستفادة من كل القوانين التي تم اكتشافها من قبل. فماركس كان واضحا في اثبات ان محرك التاريخ هو الصراع الطبقي واذا ما توحدت الطبقة العاملة بامكانها اسقاط النظام الرأسمالي. وكان واضحا في هدفه من اجل تمكين الطبقة العاملة من اسقاط النظام الرأسمالي وتحقيق الاشتراكية. من جهة اخرى كان لينين واضحا في اثبات صحة الماركسية عمليا. لقد كانت استراتيجية لينين هي ايصال الطبقة العاملة الى الحكم. فعندما قام لينين بممارسة النضال السري او العلني، بناء الحزب والانشقاق والمشاركة في البرلمان و التشهير الحازم بالخصوم او عقد التحالفات بقى هدف ايصال الطبقة العاملة الى الحكم استراتيجية واضحة عنده. نفس الشيئ ينطبق على منصور حكمت الذي خاض نضالا فكريا وعمليا من اجل اثبات وجود الشيوعية العمالية كتيار وميل واقعي داخل الطبقة العاملة في وقت كان الجميع يتحدث عن موت الشيوعية وبلورة خط هذا الميل وبالتالي النضال من اجل ايصال الطبقة العاملة الى الحكم من خلال هذا الميل وحزبه الشيوعي العمالي.
لقد بقى الخط العام في التحليل لدى ماركس ولينين ومنصور حكمت حتى عندما انغمسوا في تفسير الكثير من الامور المقطعية والجزئية واضحا.
ان امثلة قريبة على هذه الحقيقة كان تفسير منصور حكمت للحرب العراقية الايرانية. فبينما كان اليسار مشغولا في تفسير هذه الحرب من خلال اهداف وصفات وسياسات النظام العراقي والايراني وصولا الى امور في غاية السطحية مثل التركيب النفسي لقادتهما جاء تفسير منصور حكمت من زاوية كيف تخدم هذه الحرب مصالح الرأسمال العالمي. نفس الشيئ ينطبق على حرب الخليج الثانية، فبينما كان اليسار يقوم بنفس المستوى من التفسير في اسباب ونتائج تلك الحرب حيث كان بصدد تايد الحرب بحجة انها ستضعف النظام العراقي وتسهل الانقضاض عليه تمكن منصور حكمت ان يثبت بان حرب تشنها اكبر قوة امبريالية تمثل مصالح الرأسمال العالمي لايمكن ان تكون في صالح جماهير المنطقة لانه ببساطة لايمكنه الا ان يعتقد بان مصالح الرأسمال العالمي لايمكن ان تتوافق مع مصالح الجماهير يضاف الى ذلك تحليليه للاوضاع العالمية الراهنة واهداف الامبريالية الامريكية الآنية من تلك الحرب.
ان اغلب قوى اليسار بقت تحلل و تحكم على الظواهر والاحداث بشكل عشوائي لسبب هو ان هذه القوى ليس لها خط عام واستراتيجية واضحة لانها ببساطة ليست جزء من حركة الطبقة العاملة في نضالها من اجل الاشتراكية والغاء العمل الماجور. ان الواقع المادي هو الذي يحدد الفكر، فاذا لم تكن تلك القوى جزء من حركة الطبقة العاملة لايمكنها ان تستوطف الماركسية وقوانينها في التحليل والممارسة.
ان المنهجية التي اسسها منصور حكمت لم تتمكن لحد الان من مساعدة الشيوعية العمالية من التحول الى قوة اساسية في قلب المجتمع. ان اسباب فشل الشيوعية من التوسع وكسب النفوذ والوصول الى الحكم واضحة وهي فقدان الامكانات المادية المختلفة وامتلاك البرجوازية قدرات ضخمة جدا وسيادة اليمين وغيرها من التفسيرات التي هي في اغلبها صحيحة ولكن غير كافية لتفسير انزواء اليسار و الشيوعية العمالية. ان سبب بقاء الشيوعية العمالية في الحاشية هو اكثر من الظروف الموضوعية المعروفة. تعتبر مسالة تحول الحزب الشيوعي العمالي العراقي الى قوى اساسية في العراق مهمة هرقلية في اوضاع السيناريو الاسود والحرب الاهلية التي تسود في العراق ولكن تلك الظروف لا تقدم كل الجواب. الى جانب الظروف الصعبة للعمل السياسي من قبل الشيوعيين في العراق هناك الكثير من المسائل التي هي في صالح الحزب الشيوعي العمالي العراقي منها كونه الحزب الوحيد الذي له بديل وطرح للخروج من الاوضاع المأساوية الحالية، تطابق سياساته مع مصالح الجماهير، كون سياساته انسانية وتتفق مع طبيعة الانسان وغيرها من الامور التي كلها ايجابية وتصب في خدمة الحزب. كما ان الظروف الصعبة لاتفسر عدم تحول الحزب الى قوى اساسية داخل الجالية في الخارج رغم كون الظروف مواتية اكثر للقيام بهذه المهمة. ولاتفسر عدم تحول الحزب الى قوى اساسية حتى في مناطق محدودة جدا توفرت مثل الظروف فيها.

ان كوادرالاشتراكية العمالية في العراق بحاجة الى التفكير النقدي الذي لايقبل بالاسباب التي تبدو بديهية حول عدم وصول الشيوعيين الى الحكم اكثر من اي وقت اخر. يجب ان يشخصوا كل مايقف عقبة في طريق التحول الى قوى اساسية.
ان القبول بالاسباب المعروفة للانزواء والرضا وإنكفاء واقتصار الفعالية الشيوعية على حركات وحملات متنوعة ذات تاثير محدود لم يعد كافيا بالنسبة للتيار الاشتراكي العمالي. ان مسالة خلق قادة وشخصيات اجتماعية هو نموذج للتفكير النقدي الضروري للتغلب على عقبة الانزواء وعدم التمكن من التحول الى لاعب اساسي في الميدان السياسي.

من جهة اخرى ما من ميدان يحتاج الى الاصرار والمداومة من اجل تحقيق نتائج بقدر الميدان السياسي. ان الاصرار في العمل السياسي والتفاني في العمل هو اساسي لانتقال الشيوعيين من حاشية المجتمع الى قلبه. اذا تطلب من الطبيبن الاستراليين عشر سنوات من العمل المضني لتحقيق النتائج يحتاج الانسان في الكثير من الاحيان عشرات السنوات من العمل المضني والاصرار في الميدان السياسي للوصول الى الاهداف التي يريدها وفي كثير من الاحيان قد لايصل الى الهدف ابدا. ان قصص اكثر القادة العظام من اليمين واليسار امثال غانديو نيلسن مانديلا وياسر عرفات و كاسترو وغيرهم تؤكد هذه الحيقية.
ولكن ما يجدر الاشارة اليه هو ان التفكير النقدي و الاصرار في مجال السياسة كالذي مارسه الطبيبان الاستراليان في مجال الطب يجب ان يكون على اساس منهجي ونظري والا تحول الى مسالة اخلاقية وحتى ضيق افق وعائق امام العمل الشيوعي .




#توما_حميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في عراق ما بعد الاحتلال
- هل من حدود للعبثية الاسلامية؟؟؟
- مؤتمر شرم الشيخ، مشروع انقاذ الاحتلال الذي ولد ميتا
- يونادم كنا: رجل امريكا الخائب،لايمثل اتباع والمحسوبين على ال ...
- ملعون هذا الشرف ...!
- الحزب الشيوعي العراقي شريك في جرائم الاحتلال وحلفائه_الجزء ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي شريك في جرائم الاحتلال وحلفائه_الجزء ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي شريك في جرائم الاحتلال وحلفائه_ الجزء ...
- الاحتلال ام الكحول؟!
- غناء شذى حسون ام لحايا السيستاني والضاري
- في الذكرى الرابعة للغزو ، العراق إلى أين؟
- المصالحة والتعايش في مجتمعات الصراع العراق نموذجا
- ابشع جريمة وعمل ارهابي في التاريخ المعاصر!
- وجود يسار مقتدر هو السبيل لاقامة مجتمع مدني علماني
- الحجاب راية الاسلام السياسي
- المجتمع بحاجة الى حركة علمانية ملحدة وليس الى دين اخر
- يجب وضع حد لاستهتار شيوخ الاسلام بمنجزات البشرية
- امريكا تقتل صدام على الطريقة الزرقاوية
- مؤتمر حرية العراق بحاجة الى دعمك الملموس
- انضم الى مؤتمر حرية العراق


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - توما حميد - بصدد التفكير النقدي والممارسة المستندة على المنهجية وأهميتها للشيوعيين