نقش معاصر علي جدارية عريقة

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1950 - 2007 / 6 / 18 - 11:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هذا بلد عجيب.. فكلما أظلمت الدنيا وأصبحت أسود من قرون الخروب تظهر فجأة بارقة أمل وطاقة نور. وكلما تكالب عليها تحالف الاستبداد والفساد والتزمت والتعصب والتخلف والانحطاط. تنبت زهور الحكمة والعقلانية عن أشجار ثقافة التنوير المصرية التي جفت وظن الكثير انها ماتت إلي الأبد فإذا بها تورق وتزهر وتملأ الدنيا بعبق ثالوث الحق والخير والجمال مرة أخري.
ها نحن إذ نشكو من انحطاط الثقافة السائدة وتدني الخطاب الرائج في المجتمع الذي يجمع بين التعصب والغثاثة. بصورة تبعث علي القرف والاحباط تظهر لنا فجأة إحدي هذه "الكرامات". و"النفحات" المصرية التي ترد الروح وتحيي الأمل.
نقصد هذه الوثيقة الصغيرة الحجم. الكبيرة القيمة. التي تحمل عنوان "مواطنون في وطن واحد". وهي مبادرة رائعة شارك فيها ستة من أبناء هذا الوطن هم نبيل مرقس. وسامح فوزي وسمير مرقس ومنير عياد وحنا جريس وجورج إسحاق.
أنهم ستة من أقباط مصر الذين لايتلكأون أمام جراح الحاضر ومراراته وسخافاته وانما يتطلعون إلي المستقبل. يرفضون ما يعوق الارتباط الوطني العام ويصب في اتجاه التفكيك والتفتيت. ويتطلعون إلي بناء علاقة بين المسلمين والمسيحيين تقوم علي التكامل الوطني. ويؤكدون علي التزام الحوار الداخلي. وبخاصة فيما يتعلق بما اطلقنا عليه هموم الأقباط. ورفض أي حوار خارج الإطار الوطني. ورفض التدخل الخارجي. مع التمسك بالنضال من اجل مواجهة العوامل الداخلية التي تعوق تحقيق المواطنة.. ولاينظرون إلي مشاكل الأقباط كما لو كانت قضية مستقلة بل يضعونها في إطار مشاكل عموم المصريين ويختتمون وثيقتهم الرائعة بالتأكيد علي ثلاثية وطنية أكثر روعة. فيقولون:
1 - اننا نؤمن بأن الوطن المصري البديع الذي اتسع تاريخيا وإنسانيا ليحتضن علي أرضه وفي اعماقه دينين تجاورا لقرون عديدة واسهما معا في صياغة هويته الحضارية الفريدة وفي إثراء تراثه الانساني العريق.. هذا الوطن هو موضع للسعادة المشتركة لكل بنيه ويستمتع بفضائله كل من شارك مخلصا في رفعته وكل من اسهم مبدعا بفكرة وعرقه ونضاله في تقدمه.
2 - هذا الوطن الذي صيغت ملامحه السياسية والثقافية والحضارية في العصر الحديث علي ايدي كوكبة من البنائين العظام صانعي جسور التواصل الانساني الخلاق بين العقيدة والوطن. وبين العقل والوجدان. وبين المحلي والعالمي. وبين ما هو مطلق ومقدس وما هو دنيوي ونسبي وانساني.. هؤلاء الرواد الذين ابحروا بغير وجل في اعماق ثقافتين متمايزتين. دينية ومدنية. دون أن يفقدوا بوصلة الانتماء الصحيح الي الوجدان المشترك لهذا الوطن العظيم.
3 - يسكن طموح المجموعة الموقعة علي هذه الوثيقة رغبة عارمة للحاق بتقاليد ومنجزات هذا الركب المهيب من قادة الرأي والفكر والمبدعين. لاضافة بعض النقوش المعاصرة الي هذه الجدارية الفكرية والعلمية المتسعة باتساع الوطن التي حولت في تجاور مبدع واتساق خلاق الديني مع العلماني والمسلم مع القبطي والأصيل مع الوافد والقادم من الشرق مع النازح الي الغرب. وفي سماحة ترفض الإقصاء وتنبذ الفرقة. تحترم التنوع وتدين التعصب المقيت.
اصحاب هذه المبادرة يضعون لانفسهم أحد عشر هدفاً في مقدمتها تفعيل الشراكة بين جميع المواطنين في إطار دولة حديثة مدنية تقوم علي المواطنة والحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. والتأكيد علي حق المصريين في المساواة بدون تمييز. والتأكيد علي قاعدتي التكافؤ والكفاءة. وضمان حقوق متساوية للتعبير الديني لكل المصريين.
في رأيي ان هذه الوثيقة تستحق ان تنشر في كل الصحف القومية والحزبية والخاصة. وان تدورحولها حوارات في كافة أجهزة الإعلام المصرية. وان يتم استكمالها اما بمبادرة مماثلة لمثقفين مسلمين أو أن يتم التوقيع عليها توقيعا واسعا من عموم المصريين - مسلمين وأقباطا - فبمثل هذه المبادرات يتم الدفاع عن الوطن والامة في وجه خفافيش الظلام والمتعصبين والمتطرفين الذين يريدون تفتيت وحدة مصر وتمزيق نسيجها الوطني. واعلاء شأن "الملة" علي "الأمة".
في مواجهة هذه الهجمة الظلامية تبدو وثيقة "مواطنون في وطن واحد" أشبه ما تكون ببومة منيرفا - رمز الحكمة - التي لاتحلق إلا عند الغسق وهبوط الظلام.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل