أقدم الكتابات المسيحية عن محمد....الجزء الثاني
عبد الحسين سلمان عاتي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 13:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
روبرت ج. هويلاند
ترجمة عبد الحسين سلمان عاتي
محمد التاجر
أول تعليق للمؤرخ الأرمني سيبيوس (كتب حوالي ستينيات القرن السابع) على محمد هو أنه كان "تاجرًا" ).
وهذه الحقيقة معروفة أيضًا لدى العالم يعقوب الرهاوي Jacob of Edessa (توفي عام 708)، الذي يذكر في تأريخه أن "محمدًا سافر للتجارة إلى أراضي فلسطين وشبه الجزيرة العربية وفينيقيا السورية".
ولعلّ ملاحظة يعقوب هي التي تُشكّل أساس شرح ثيوفيلوس الرهاوي Theophilus لكيفية اكتساب محمد معرفة التوحيد:
بدأ هذا محمد، وهو في ريعان شبابه، يتنقل بين مدينته يثرب وفلسطين، باحثًا عن عمل في البيع والشراء. وبينما كان منهمكًا في البلاد، رأى الإيمان بالله الواحد، فأسره ذلك.
محمد الملك
تشير إحدى الوثائق المارونية، التي تحتوي على معلومات مباشرة تتعلق بخمسينيات القرن السابع، إلى أن معاوية "وضع عرشه في دمشق ورفض الذهاب إلى عرش محمد". وهذا يعني ضمناً أن محمداً كان حاكماً مثل معاوية، وهذا هو الوصف الأكثر شيوعاً له في المصادر المسيحية.
في وقائعه، التي تنتهي عام 692، يشير يعقوب الرهاوي إلى "محمد، أول ملك للعرب"، وهو ما يتردد في وقائع ("كان أول ملك منهم رجلاً اسمه محمد").
علاوة على ذلك، تتحدث نصوص عديدة عن "عهد" محمد: تقرير سرياني "يقدم معلومات عن مملكة العرب وعدد الملوك الذين أنجبوهم" ينتهي بتولي الوليد الأول العرش "في عام ـ (٧٠٥ م)، في بداية أكتوبر" ("حكم سبع سنوات")،
ومؤرخ إسباني من منتصف القرن الثامن ("أكمل عشر سنوات من حكمه")، وتجميع كرونوغرافي يوناني مجهول المصدر يعود إلى عام ٨١٨ (" وفي السنة الثالثة عشرة من حكم هرقل، بدأ حكم المسلمين: موميث Mouameth ، تسع سنوات؛ ...")، وهكذا.
ويظهر هذا الوصف أيضًا في نصوص الخلاف، على سبيل المثال، في تسجيل الحوار بين الراهب إبراهيم الطبري وأمير عربي، يُزعم أنه عُقد في القدس حوالي عام. 820، حيث يؤكد الأول أن محمدًا هو "ملك معتمد من الله، والذي حقق الله من خلاله وعده لإبراهيم بشأن إسماعيل"
محمدٌ التوحيدي
يبدو أن المؤرخ الأرمني سيبيوس، الذي كتب حوالي عام 660، يتصور أن محمدًا قد حوّل العرب عن عبادة الأصنام، وقادهم إلى العودة إلى دين أجدادهم، الذي كان جوهره التوحيد الإبراهيمي:
في ذلك الوقت، كان هناك رجل إسماعيلي يُدعى محمد، تاجر؛ قدّم نفسه لهم كما لو كان بأمر من الله، واعظًا، وطريقًا للحقيقة، وعلّمهم معرفة إله إبراهيم، لأنه كان على دراية واسعة بقصة موسى. ولأن الأمر جاء من العلاء، فقد اجتمعوا جميعًا، بأمر واحد، في وحدة دينية، وتركوا الطوائف الباطلة، وعادوا إلى الإله الحي الذي أظهر نفسه لأبيهم إبراهيم.
يُشير مؤرخ خوزستان ، الذي كتب أيضًا حوالي عام 660، إلى هذه الصلة الإبراهيمية قائلًا:
أما قبة إبراهيم، فلم نستطع اكتشاف ماهيتها إلا أن إبراهيم المبارك، لما اغتنم ثروته وأراد الفرار من حسد الكنعانيين، اختار العيش في المناطق النائية والواسعة من الصحراء. ولأنه كان يسكن الخيام، فقد بنى ذلك المكان لعبادة الله وتقديم القرابين. وقد استمد اسمه الحالي من ما كان عليه سابقًا، إذ حُفظت ذكرى المكان لدى أجيال قومه.
في الواقع، لم يكن التعبد هناك أمرًا جديدًا على العرب، بل يعود تاريخه إلى العصور القديمة، إلى أيامهم الأولى، حيث كانوا يُكرمون والد رئيس قومهم.
وبشكل عام، من الشائع جدًا أن يُصوَّر محمد على أنه أعاد شعبه إلى اتباع تعاليم التوحيد:
"بفضل هداية هذا الرجل، اعتنقوا عبادة الإله الواحد وفقًا لعادات الشريعة القديمة" (يوحنا بن بنكاي (John bar Penkaye )؛ "لقد أعاد عابدي الأصنام إلى معرفة الإله الواحد" (تاريخ بطاركة الإسكندرية)؛ "لقد أبعدهم عن جميع أنواع الطوائف وعلمهم أن هناك إلهًا واحدًا، خالق الخلق" ؛ "وأمرهم بالإيمان بالإله الواحد الذي لا شريك له، ونبذ عبادة الأصنام"؛ "لقد دعا العرب إلى عبادة الله القدير" .
محمد المشرع
يقول يوحنا بن بنكاي، وهو راهب من شمال بلاد ما بين النهرين، إنه يكتب "في عام 67 من حكم العرب" (686-687)، ويصف محمدًا بأنه "مرشد" (مهدي) و"معلم" ، ويلاحظ عن العرب أنهم:
تمسكوا بتقاليد محمد... لدرجة أنهم أنزلوا عقوبة الإعدام على أي شخص يُرى وهو يتصرف بوقاحة ضد قوانينه (نواميسه).
هذه الصورة لمحمد كمشرّع شائعة جدًا. يذكر رئيس الشمامسة جورج، المسؤول عن الجزء المتعلق بالقرن السابع من تاريخ بطاركة الإسكندرية، أن محمدًا منح العرب "عهدًا" ({عهد}) "يسمونه الشريعة" (الناموس).
وفي جدال مسيحي-إسلامي، يُرجّح أنه وقع في أواخر العصر الأموي، بين راهب من دير بيت هيل ووجهاء عربيين، دافع المحاور المسيحي عن تبجيل الصليب، مع أنه غير منصوص عليه في الإنجيل، قائلاً:
وأظن أنكم أيضا ليست كل شرائعكم وأحكامكم في القرآن الذي علمكم إياه محمد، بل منها ما علمكم إياه من القرآن، ومنها ما في سورة البقرة هي من الإنجيل والتوراة.
ويؤكد تاريخ أنه "سنّ لهم (العرب) قوانين" ويصفه بأنه "مرشدهم ومشرعهم". بل إن مؤلفين مسيحيين آخرين استطاعوا أن يوردوا أمثلة على بعض القوانين التي سنّها محمد لأتباعه. وهكذا يخبرنا سيبيوس:
شرع لهم أن لا يأكلوا الجيفة، ولا يشربوا الخمر، ولا يتكلموا بالكذب، ولا يزنوا.
ويعلق يوحنا الدمشقي (الذي كُتب حوالي عام ٧٣٠)، آخر آباء الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، بنبرة جدلية نوعًا ما:
أمر بالختان، والنساء أيضًا، وأمر بعدم مراعاة السبت أو التعميد، وتناول ما حرمه الناموس والامتناع عن غيره. وحرم شرب الخمر منعًا باتًا.
محمد النبي
في مدخلها عن ظهور الإسلام، ورد في تاريخ زقنن Zuqnin ما يلي:
ولما أظهر لهم (محمد) الإله الواحد، وهزموا الروم في معركة ، وشرع لهم القوانين حسب رغبتهم، أطلقوا عليه لقب نبي ورسول الله.
هذه الحقيقة، وهي أن المسلمين اعتبروا محمدًا نبيًا ورسولًا من عند الله، كانت معروفة لدى المسيحيين منذ أواخر القرن السابع على الأقل. في قسمه من تاريخ بطاركة الإسكندرية، يسجّل رئيس الشمامسة جورج (حوالي 720) أنه في عهد البطريرك إسحاق الراكوتي (689-692)، كان الحاكم عبد العزيز بن مروان وقد كتب"عدداً من الإعلانات ووضعها على أبواب الكنائس في مصر والدلتا، قائلاً فيها:
محمد هو الرسول العظيم (الرسول الكبير) الذي هو من عند الله".
وتبدأ قائمة الملوك السريانية، التي تنتهي بوفاة يزيد الثاني (105/724)، على النحو التالي:
"إعلان عن حياة محمد رسول الله".
ويروي المؤرخ الإسباني في منتصف القرن الثامن:
وهو الذي يكنّون له (الساراسينيون) إلى يومنا هذا شرفًا وتبجيلًا عظيمين، حتى أنهم يؤكدون أنه رسول الله ونبيّه في جميع أقسمهم وكتاباتهم.
ومع ذلك، فإن مجرد معرفة المسيحيين بأن محمدًا يُعتبر نبيًا من قِبل قومه لا يعني أنهم أنفسهم قبلوه على هذا النحو. وبشكل عام، لم يفعلوا ذلك بالطبع. كان المسيحيون الذين يعيشون في الأراضي التي يحكمها المسلمون راضين على الأقل بالقول إن محمدًا "سار على نهج الأنبياء" من حيث إنه قاد قومه إلى معرفة الإله الواحد الحق والاعتراف بالفضيلة، إلا أن المؤلفين البيزنطيين وصفوه بالأحرى بأنه "سابق المسيح الدجال" و"نبي كاذب".