رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي العلاء المعري) 1


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 08:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب رائع يستحق القراءة
------------------------
رسالة السلوان
لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي العلاء المعري)
----------------------------
أبدأ اليوم نشر هذا الكتاب الذي يمكنكم تحميله مجانًا من هذا الرابط
https://www.academia.edu/144829115
-----------------------------
كلمة الناشر
وصلتني الرسالة التالي:
عزيزي الدكتور سامي،
أرجو ان تكون بخير، أنت ومن يعزّ عليك.
مر وقت منذ ان كتبت لك .. تركت المدينة التي كنت أسكن فيها ولجأت الى قرية نائية في صحراء نجد حيث أعيش الآن لوحدي في عزلة. اعتدت أن أقضي ليلي تحت النجوم مرتلا أبياتا من شعر أبي العلاء الذي طالما أحببت منطقه ،، وفي الأشهر الماضية عدت إلى رسالته متأملا لغتها الصعبة وسخريتها اللاذعة وحواراتها مع الشعراء ومصائرهم.
من وحي ما فعل المعري خطر لي أن أحاكي فكرته فشرعت في كتابة «رسالة السلوان» على منوال «رسالة الغفران». جعلتُ راويها «ابن السارح» على غرار «ابن القارح»، واستحضرتُ فيها زمننا هذا وبيئته ومشاهيره بدلًا من شعراء الجاهلية، وطرقتُ بعض ما تناوله أبو العلاء من قضايا العدل الإلهي والنقد الفلسفي، بلغة تميل إلى السخرية كما فعل هو في «كوميدياه الإلهية» ومستلهما فكرته في رسالة عصرية قصيرة وخفيفة يفهمها الجميع.
وحين فرغت، خشيت أن تختفي كلماتي قبل أن يطلع عليها أحد، وأنا الذي لا أجد وسيلة لنشر ما أقول، فها أنذا أعود لك مرة اخرى لتطّلع عليها وتقول لي رأيك ان كانت تستحق نشرها عندك مثل ما فعلت مشكورا من قبل مع كتابي «عزيزي الله».
تحياتي.
هذا هو الكتاب، آملًا أن يجد فيه القارئ مادة للتأمل كما في كتابه السابق «عزيزي الله» والذي يمكن تحميله مجانًا من هذا الرابط:
https://www.academia.edu/43739684
-------------------
البداية
أنا علي بن منصور بن عبد الله، المعروف بابن السارح. والدي، أمطر الله عليه سحائب مغفرته، كان يرعى إبله في وادي الجن الأحمر قرب قريتنا الرغبة، ويتعقب الطرائد أسفل سفوح خشم الحصان، إحدى قامات جبال طويق الشامخة. حين ظهر الزيت تحت باطن الأرض توقف والدي عن رعي الإبل فوق سطحها، بعد أن فاضت الأموال في أيدي الناس، وتبدّلت الأحوال، وانقلبت الدنيا رأسا على عقب، فانتقل مع زوجته إلى المدينة بحثا عن الرزق، وهو الذي لا يفقه شيئا في أمور البيع والشراء، لينتهي به الحال حارساً في مدرسة حكومية، وهناك كان مولدي.
لم أكمل من دراستي غير المرحلة الابتدائية، لكن شغفي بالقراءة وحب المعرفة لم يفارقني، وما تعلمته في صفوفي الأولى كان كافياً لأشبع نهمي وأروي فضولي في اكتشاف كل ما هو جديد. عملت في صغري متطوعاً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد أن توسّط لي عمي لدى شيخ المركز والذي كان له يد عنده في تصريف بعض ماشيته. بدأتُ حياتي الوظيفية بملاحقة النساء في الأسواق والتأكد من أن لا يظهر شيء من تحت عباءاتهن، خصلة متطايرة من شعرهن أو لا سمح الله، جزء من بشرتهن لم ينتبهنَ لها. أُغلق المحلات وقت الصلوات المكتوبة مُمسكاً بخيزرانة، ألوّح بها عند الحاجة، لإثارة الخوف في نفوس المتسوقين ومطاردة من يتقاعس عن أداء الصلاة في المسجد. لم تكن طباعي قاسية ولم أكن سيء المزاج كبعض رفقتي، خصلة ربما ورثتها من أمي، تنزّلت شآبيب الرحمة على قبرها؛ بل كنت ليّناً متسامحاً حتى مع من يتأخر عن حضور صلاة الجماعة، الأمر الذي جلب لي الاستهجان من رؤسائي ورفاقي في المركز، إذ رأوني هيّنا متساهلاً وغير متشدّد بما فيه الكفاية.
تبدلت الأحوال وتغيرت الأزمان، وحلّ عهد جديد زاهر، حُلّت معه هيئة الأمر بالمعروف وانتهت لجان النهي عن المنكر. قدّمت طلبا للعمل، ولكن هذه المرة، في هيئة أخرى، هي هيئة الترفيه. قُبل طلبي على الفور ومن دون أي واسطة، ربما لما أحمله من خبرة سابقة في التعامل مع الفتيان والفتيات وتنظيم الفعاليات وإدارة التجمعات والحشود. خفّفت من لحيتي واستبدلت شماغي بقبعة وعصاي بجهاز قارئ الباركود. عملي يتطلب تنظيم سيارات الزوار القادمين إلى فعاليات الهيئة وتوجيههم نحو أماكن وقوفهم بسلاسة وترتيب. استمريت سعيدا في عملي لبضعة أسابيع، الى أن حدث في ليلة من الليالي مالم يكن بالحسبان. كنت كعادتي أشير للسيارات كي تتبع تعليماتي للوقوف إلا أن إحداها انحرفت عن مسارها واصطدمت بي بقوة أفقدتني الوعي. كانت تلك الحادثة بداية قصتي التي أسردها هنا.