تأثير النظام العشائري على المجتمع المدني العراقي


بكر محي طه
الحوار المتمدن - العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 16:52
المحور: المجتمع المدني     

بَرزت العشائر كقوة مؤثرة في المجتمع بعد سقوط النظام في عام 2003، حيث شهد العراق تحولاً كبيراً في بنيته الاجتماعية والسياسية ما أثر على عملية التحول نحو المدنية وبناء المجتمع المدني حيث بدأت العشائر في استعادة نفوذها خاصة في ظل الفوضى الأمنية والسياسية، وإن نفوذها المفرط قد أدى إلى تآكل الهياكل المدنية وتعزيز النزاعات التي اثرت على استقرار المجتمع ونسيجه، وان هذه النزاعات غالباً ما تُحل من خلال الأعراف القبلية بدلاً من النظام القانوني مما يعزز من ثقافة العنف ويضعف من سلطة الدولة، مؤدياً إلى تراجع الهوية الوطنية لصالح الانتماء العشائري.
كما أثرت العشائر على التمثيل السياسي في العراق حيث لجأ السياسيون الى استخدام الزعماء العشائريين لتأمين أصوات اتباعهم الانتخابية مما أضعف من فرص بناء مؤسسات مدنية قوية تعتمد على الكفاءة بدلاً من العلاقات العشائرية، ومع تزايد النفوذ العشائري ضعفت مؤسسات المجتمع المدني فقد أصبح التمويل والدعم موجّهين نحو العشائر بدلاً من المنظمات غير الحكومية التي تسعى لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فيما تسبب النظام العشائري في إقصاء فئات معينة من المجتمع -خاصة النساء والشباب- من المشاركة في الحياة المدنية حيث تعتبر العشائر تقليدياً مجتمعاً ذكورياً بحت قائم على اساس القوة والعنف ما يعيق جهود تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
وأثرت الأعراف العشائرية على الثقافة المدنية في العراق بشكلٍ خاص، حيث أصبحت القيم العشائرية تُعتبر أكثر أهمية من القيم المدنية، وهذا التحول تمخض عنه تراجع القيم الديمقراطية في المجتمع العراقي مثل حرية التعبير والاختيار.
اما عن اسباب تنامي نفوذ العشائر في العراق بعد 2003 كان نتيجة مجموعة من العوامل المُعقدة من ابرزها:-
1- الانقسام الطائفي / اصبح تقسيم المناصب الحكومية بحسب الطوائف المذهبية وفق مبدأ المُحاصصة ما نتج عنه الفساد والتمييز وزيادة حدة التوترات والانقسامات حيث ساهمت في تفشي الكراهية وتعزيز الفجوات الاجتماعية.
2- الفراغ الأمني / غياب الدولة القوية والسلطة المركزية بعد سقوط النظام عام 2003 جعل العراق في حالة من الفوضى وانعدام الأمن مما ادى إلى ظهور العشائر كقوى محلية قادرة على تأمين الحماية لأفرادها إذ شكلت ميليشيات محلية للدفاع عن مجتمعاتها الامر الذي جعل العشائرتصبح ملاذاً للأفراد الباحثين عن الانتماء والأمان في ظل التوترات الامنية.
3- توجهات الهيكل السياسي / ان الأحزاب السياسية غالباً ما تعتمد على الهوية الطائفية كوسيلة لجذب الدعم الشعبي والناخبين حيث باتوا يتوجهون إلى زعامات العشائر للحصول على دعمهم الامر الذي زاد من نفوذهم.
4- الفشل في بناء الدولة المدنية / فشل الحكومات المُتعاقبة في بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة تمخض عنه نقص الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة ما دفع الناس للعودة والاعتماد على نظام العشائر.
5- الدعم الخارجي / بعض الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا ولتحقيق مصالحها دعمت عشائر ومجموعات معينة لأغراض سياسية، مما زاد من قوتها ونفوذها في الساحة السياسية العراقية.
6- ثقافة الفرض / حيث يعمدُ البعض ممن يتبعون القيم والتقاليد العشائرية المتجذرة بحذافيرها - والتي لاتمت للواقع بصلة في مُجملها- الى فرض عاداته وتقاليده العشائرية على الجميع دون الاخذ بالاعتبار بان المجتمع العراقي متنوع بقومياته واعراقه واطيافه وعدم الانصياع لهذه التقاليد في بعض المناطق قد يصل الى هدر الدم!.
ومع تزايد قوة ونفوذ العشائر بدأت تتنافس فيما بينها حول الموارد والسلطة من خلال بسط النفوذ على مناطق معينة بسبب تعدد الولاءات السياسية والطائفية للعشائر، وأحياناً اخرى بسبب دعمها لأطراف سياسية مختلفة الاّراء مما أدى إلى نشوء نزاعات وصراعات مسلحة أو توترات فيما بينهم حيث نتج عنها تفشي العنف في المجتمعات المحلية وفقدان الأرواح وتهجير العائلات، كذلك أدت إلى تدمير الأراضي الزراعية وتفشي الفوضى في المناطق الريفية مما أثر سلباً على الإنتاج الزراعي، وايضاً تدمير المنشآت والبنية التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور والمرافق العامة، ففي حالات معينة لجأت العشائر إلى استخدام العنف بالاسلحة المتوسطة والثقيلة لحل النزاعات بدلاً من اللجوء إلى القانون، وهذا الأمر زاد من حدة تأثير هذه الصراعات.
فيما أثرت الصراعات بين العشائر بشكل كبير على الاقتصاد العرقي، فمع تصاعد النزاعات وعدم الاستقرار الأمني الناتج عنها دفع المستثمرين المحليين والأجانب إلى الابتعاد عن السوق العراقية وان هذا التراجع في الاستثمارات أثر سلباً على النمو الاقتصادي وفرص العمل مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وازدياد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على العائلات من الارتفاع في الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة للمواطنين.
أما اّليات تقليل تأثير العشائر وتعزيز مدنية المجتمع في العراق فهي تعتمد على خارطة طريق وكما يلي :-
1- تعزيز الهوية الوطنية / تنفيذ برامج تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وتوحيد المكونات المختلفة مما يقلل من الانتماء العشائري.
2- دعم منظمات المجتمع المدني / تدعيم دور المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والمشاركة المدنية والتسامح والانتماء الوطني.
3- تقوية المؤسسات الحكومية / قدرة الدولة على تقديم الخدمات والأمن يعزز الثقة في المؤسسات العامة بالاضافة الى تعزيز الشفافية والمساءلة في الحكومة مما يقلل من اعتماد المواطنين على العشائر.
4- حل النزاعات بشكل قانوني / حيث يمكن حل النزاعات من خلال القانون بدلاً من الأعراف العشائرية، وتحسين فعالية النظام القضائي من خلال تقديم الدعم القانوني للأفراد لضمان حقوقهم وحمايتهم من النزاعات العشائرية.
5- تعزيز الثقافة المدنية / من خلال تنظيم برامج ثقافية وفنية تعزز من القيم المدنية والتسامح، وتعليم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية لتعزيز الوعي الحقوقي، وإقامة منصات للحوار بين مختلف المكونات الاجتماعية لتعزيز التفاهم والتعاون، ونشر الوعي حول آثار العنف والنزاعات العشائرية على المجتمع.
6- التعاون الدولي / الاستفادة من الدعم الدولي لتعزيز مؤسسات الدولة وتطوير المجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان.
7- رؤية شاملة اقتصادية / حيث يتم تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين الظروف الاقتصادية في المناطق المتأثرة بالنزاعات العشائرية، وتوفير الفرص للنساء والشباب للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية لتقليل الاعتماد على العشائر كمصدر للدعم الاقتصادي.
وبشكل عام فأن للعشائرية تأثير كبير على حياة الناس لانها تلعب دوراً مُعقداً في المجتمع العراقي، حيث تقدم بعض الأمان والانتماء، لكنها في الوقت نفسه تساهم في تآكل مدنية المجتمع وتعزز من الانقسامات والصراعات بسبب الانتماء العشائري على حساب الهوية الوطنية، ما يعيق تقدم المجتمع نحو الديمقراطية لبناء مجتمع متحضر أكثر استقراراً وتقدماً.