الحزب الشيوعي العمالي ... وماذا بعد؟ القسم الثاني


قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن - العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 22:13
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

"اما موقف الحزب الشيوعي العمالي فهو واضح ولا يلتقي من بعيد او من قريب مع مشاريع الاسلام السياسي وخاصة في موضوعة الانتخابات"... سمير عادل.. مقال .. افشال الانتخابات خطوة نحو افشال المشروع الأمريكي.

"مثلما قررت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، ستُجرى الانتخابات البرلمانية في شهر تشرين الثاني / نوفمبر من هذا العام. لقد قررنا نحن، الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني والحزب الشيوعي العمالي العراقي، المشاركة في هذه الانتخابات، باعتبارها ساحة سياسية في مسار نضالنا السياسي"... البيان المشترك للحزبين الشيوعيين العمالي الكردستاني والعراقي.

"التكتيك" الثاني الذي طرحه الحزب الشيوعي العمالي هو المشاركة في الانتخابات، كما هو موضح في البيان المشترك أعلاه، هذا "التكتيك" احتاج الى تبريرات لكي يقنع الحزب أعضاؤه ومؤيديه بهذا التغيير في السياسة، فعلى مدى عمر العملية السياسية والحزب يعلن بشكل رسمي وفي كل الميادين مقاطعته للانتخابات بشكل كامل، بل انه لا يفكر بهذا الخيار او الطرح، لكن فجأة تتغير سياسة الحزب 180 درجة، ويقرر المشاركة، هذا التغيير فاجئ الكثيرين، لهذا سارعت قيادة الحزب لشرح المتغيرات الجديدة.

الصديق العزيز سمير عادل هو السكرتير الحالي للحزب، اخذ على عاتقه شرح مبررات الحزب، بعد ان كان من "الصقور" على قضية المشاركة في العملية السياسية، ففي جردة-جولة بسيطة لمقالاته وعبر السنوات السابقة يكشف المرء كم كان سمير متشددا في الموقف من العملية السياسية، لنقرأ بعض عناوين مقالاته:

افشال الانتخابات خطوة نحو افشال المشروع الأمريكي
الأكثرية الصامتة في الانتخابات.. بدء مرحلة جديدة
الانتخابات وماذا بعدها؟
الانتخابات ومكانة الطبقة العاملة
الشيوعية المبدئية والانتخابات في العراق
الانتخابات في العراق بين التراجيديا والمهزلة.

هذا الموقف المتشدد للصديق سمير كان تعبيرا عن سياسة اتخذها الحزب وليس موقفا فرديا، فكل البيانات والمقالات والبلاغات التي تصدر من الحزب كانت رافضة بشكل مطلق للعملية السياسية. لكن اليوم تغير الموقف بشكل كامل، ويبدو ان مرحلة جديدة بدأت تتشكل داخل الحزب. لكن ما هي التبريرات التي استند عليها مهندسو هذا "التكتيك"؟ لنقرأ:

في مقابلة أجرتها جريدة الحزب الرسمية "الى الامام" مع سمير عادل حول قضية المشاركة في الانتخابات قال مبررا:

(بالعودة إلى سؤالك، أود أن أوضح نقطة حول موقفنا السابق هو "المقاطعة الدائمة". ليس موقفنا ولا موقف الشيوعيين، شيوعيوا ماركس ولينين، هو مقاطعة كل إنتخابات كامر مبدئي أو عقائدي. بل، كاي حزب سياسي حي ينظر الى أي ظاهرة، ومن ضمنها الإنتخابات، ويتخذ قراره وفق ظروف ومعطيات تلك اللحظة. صحيح إننا قاطعنا الانتخابات في أكثر من مرة، ولكن ذلك يعود إلى ظروف وشروط العملية الانتخابية في حينها).

لنفحص هذه النقطة، سمير برر المقاطعة السابقة بعدم توفر "ظروف وشروط العملية الانتخابية في حينها"، هذا شيء جيد، فيبدو ان هناك تشخيصا سياسيا لقضية المقاطعة. حسنا جدا، الصديق سمير اكيد رأى ان هناك ظروفا ملائمة وبيئة جيدة للمشاركة في الانتخابات، تختلف بشكل كامل عن سابقاتها؛ المشكلة التي تواجه هذا التبرير هي انه لم يرشدنا الى ماهية تلك التغيرات التي طرأت على العملية الانتخابية، بل على كامل العملية السياسية؟ وسنصر مثلما فعل هيوم على معرفة "أساس هذا الاستنتاج، فلا كتاب قرأته، ولا بحث حققته، شفيا لحد اليوم غليلي فرفعا الصعوبة عني، أو انا ارتضيت جوابهما في مسألة هي اميرة المسائل"، والانتخابات هي اميرة العمل السياسي للقوى الإسلامية والقومية، فبها يتم تجديد دمائهم وإعادة انتاج نفاياتهم.

العزيز سمير يؤكد هذه التبرير مرة أخرى بالقول:

"ولكن هذه المرة، وإبان تدقيق أكبر للموضوع، توصلنا الى إن المبررات التي قاطعنا الانتخابات في وقتها، وهي كلها صحيحة وواقعية، بيد إنها ليست كافية لحرمان أنفسنا والجماهير الداعية للحرية والمساواة من التدخل والاستفادة من هذا المنبر وهذا الحراك الانتخابي من أجل الدفع ببرنامجنا والضغط على القوى والتيارات الميليشياتية الحاكمة وفضح هذه القوى وألاعيبها".

مبررات المقاطعة صحيحة وواقعية في وقتها، لكنها فقدت بريقها وباتت غير صالحة للعمل "اكسباير"، معنى ذلك ان الإسلاميين والقوميين تخلوا عن الأسباب التي دعت سابقا الحزب للمقاطعة، هكذا تٌفهم عبارة سمير؛ طيب ما هي أسباب المقاطعة؟ انها القوى الإسلامية الميليشياتية التي تحتكر السلطة وتشرع القوانين. وهل انتهت او نفيت تلك القوى الميليشياتية؟ اكيد لا، اذن ما الذي يعنيه سمير بتوصله الى ان مبررات المقاطعة انتفت؟

يمضي سمير بالقول

"ولذلك اتخذنا قرارنا بالمشاركة لتشكيل كتلةٍ، وحتى لو كانت محدودة، تستطيع تعطيل مثل هذه القوانين قدر الإمكان". حقا يا عزيزي سمير تستطيع كتلة ما من ان تعطل قانونا يريد سنه الإسلاميين؟ وكأنك لا تعرف كيف تسن القوانين والتشريعات في برلمان الإسلاميين والقوميين؛ ثم لنتخيل ان كتلكم المفترضة دخلت البرلمان، لا نعرف عدد أعضائها، لكن لنقل 10 نواب، والإسلاميين أرادوا تشريع قانون "الحشد الشعبي" مثلا، فهل اعتراض هؤلاء العشرة نواب سيجدي نفعا او سيعطل-يعرقل القانون؟

اعتقد ان الكلام كثير حول هذه النقطة "المشاركة في الانتخابات"، لكن لنختم مع غائب طعمة فرمان في روايته "خمسة أصوات"، فيبدو ان الحديث الذي دار بين اب وابنه هو ذاته الذي يدور عن واقع الانتخابات:

-هلا، صباح الخير-رد الاب التحية بلهجته الشاكية المعتادة- كيف حالكم في الانتخابات؟
-نستعد لها.
-تستعدون لها عن جد؟
-عن جد. هناك فرصة طيبة. جبهة متحدة لخوض الانتخابات.
-وهل تعتقدون انهم سيتركونكم تدخلون المجلس؟
-ولم لا إذا أراد الشعب؟
-مجلس النواب بيتهم، بنوه بأنفسهم، ويدعون غريبا من غير جماعتهم يدخل؟
اعتقد إبراهيم ان هذه مرارة، وليست اقتناعا فأجاب:
-الدنيا تغيرت. والأمور لا تسير كما كانت قبل ثلاثين عاما.
-ماذا تغير منها؟ لم يتغير شيء.

نتمنى للحزب الشيوعي العمالي التوفيق في خطواته القادمة، ونتمنى ان نكون مخطئين في نقدنا او تشخيصنا، فما هي الا اراء وجدنا ان المناسب ان نطرحها، ومثلما يقول إمانويل كنت "نزاع الجدل ضروري للعقل، ولا يمكننا الا ان نتمنى لو انه تم قبل فترة طويلة بهذه الحرية التي ينبغي ان تكون شرطه الأساسي. في هذه الحالة، كان سيكون بين أيدينا في مرحلة متقدمة نقد ناضج وعميق، كان يجب عليه ان يضع حدا لكل الخصومات".