(المرأة والحرب)


قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن - العدد: 7912 - 2024 / 3 / 10 - 00:47
المحور: ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها     

"ثمة رواية قديمة عن الحرب، تبدأ بتصور الحرب على أنها مجال ذكوري محض، ففيها الرجال هم من يتخذون قرارات خوض الحرب، وهم من يخططون لها، وهم من يقاتلون ويموتون، وهم من يحمون وطنهم ونساءهم واطفالهم الضعفاء، وهم من يتفاوضون من اجل السلام ويقتسمون الغنائم، ويشاركون في السلطة عندما تضع الحرب اوزارها". كارول كوهن.

كعادة مؤسسة الحوار المتمدن في كل عام، وفي مناسبة الثامن من مارس، اليوم العالمي للمرأة، فقد بعثت مشكورة لجميع كتابها دعوات للمشاركة والمساهمة في هذا اليوم، وقد جاء ملفها تحت عنوان "أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها"، وحقيقة فأن المساهمة بمواضيع كهذه مهم جدا، كون المنطقة التي نعيش فيها هي مركز الصراعات والحروب في الكوكب في الوقت الحاضر: العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، لبنان، السودان، والكارثة الكبرى غزة؛ وبؤر الصراع هذه فيها مشاهد تدمي القلب.

ما يلفت الانتباه في عنوان الملف جملة "كيفية حمايتها"، ولسنا من الذكاء او العبقرية ان ندعي اننا ذاتيا قد لفتت انتباهنا تلك الجملة، لكن حضور كتاب "المرأة والحرب"، والذي هو مجموعة أبحاث مطولة لعدد من النسويات، خصوصا البحث المهم لكارول كوهن، هو الذي كان السبب في لفت الانتباه، فجملة "كيفية حمايتها" تعني وبشكل مضمر وخفي ان المرأة "كائن ضعيف"-ذو صفات بيولوجية ادنى- ويجب حمايته من قبل "المتحاربين الرجال"، أي ان عنوان الملف فيه خلل "جندري" الى حد ما؛ هذا لا يعني اننا نتهم مؤسسة الحوار المتمدن بأنها "مجندرة" أي مذكرة في بناها وتوجهها، فكل بيانات الأحزاب الشيوعية واليسارية والمنظمات النسوية جاءت على هذه الشاكلة.

تفند كارول كوهن في بحثها تلك الرواية القديمة "الحرب مجال ذكوري" وتقول عنها انها رواية ذكورية، ذلك ان الحرب ذاتها "مجندرة" على نحو اشد تعقيدا مما ترويه تلك الرواية، وتبدأ تفنيدها لتلك الرواية عبر فهم مفردة "الجندر"، الذي هو "علاقة سلطة بنيوية"، فهو يشكل "البيئة المؤسسية والرمزية التي نعيش فيها"، وهذه البيئة هي التي تأبد الهيمنة الذكورية.

تحدثت كوهن عن تقسمات العمل على أساس الجندر، وطالبت بالتفكير في تلك التقسيمات، وجاءت بعدة أمثلة، منها:
"إذا كانت عملية جمع الحطب وجلب الماء للبيت تعتبر "عملا نسائيا"، فستكون المرأة خلال الحرب عرضة للاغتصاب، لأن تلك المسؤوليات تتطلب منها الذهاب الى أماكن خارج قريتها او مجتمعها".

"إذا كانت العناية بالأطفال والمرضى وكبار السن تعتبر "عملا نسائيا"، فسيكون الهرب بسرعة من قرية على وشك التعرض للإغارة والحرق أصعب على النساء منه على الرجال".

وتخرج كوهن بنتيجة ان "ليس بيولوجيا المرأة المشكل الأساسي لتجاربها مع الحرب، بل الترتيبات الجندرية التي تعيش ضمنها"؛ أي ان "كيفية حمايتها" يأتي ضمن منطق ذكوري سائد ومهيمن لا يمكن الفكاك منه.

تعتبر كوهن الحرب قائمة على "تجريد الخصم من القوة"، و"الاختلاف الجندري يرمّز السلطة"-أي يجعلها رمزا- لهذا من الممكن كما تقول "استخدام التلاعب بالجندر خطة للتجريد من القوة"، ف"يمكن تعليم المقاتلين ان احدى أكثر الطرق فعالية لتجريد العدو من قوته تكمن في تجريده من رجولته، عبر أساليب الاعتداء والاذلال الجنسي، وكلاهما يعتبر تأنيثا له-سجن أبو غريب نموذجا". أي "استهداف رجولة الرجل وليس الرجل ذاته" وهذه الأمثلة توضح ان "هناك صراعا على السلطة يتم من خلال وسيط ذي ذكورات متعددة.

ثم تنتقل كوهن لما تسميه "الترميز الجندري"، فهي ترى ان "الحرب والسلام مجندران بعمق على المستوى الرمزي"، فالحرب ترتبط ب: "الفعل، الشجاعة، الجدية، التدمير، العنف، العدوان، التفجيرات، الغضب، الحماية، الهيمنة، السيطرة، الاستقلالية، البطولة، الصلابة، الانضباط، التحدي، الادرنالين، المخاطرة، ضبط العواطف"، وهذه مصطلحات توسم بالذكورة في معظم الثقافات؛ وبالمقابل فأن السلام يرتبط ب: "السلبية، الحياة الاسرية، العائلة، الطمأنينة، الرقة، التفاوض، التوافق، والاعتماد المتبادل، واللاعنف..." وجميعها توسم بالأنوثة.

وتلفت كوهن الانتباه الى ان الترميز الجندري موجود حتى في "الخطابات القومية وغيرها من اشكال الهوية الجماعية"، ذلك ان "الايدولوجيا القومية ترمز كثيرا للأمة وللوطن بالمرأة، فالجسد الرمزي للمرأة "الام، الأرض" هو ما يجب على الجندي، المواطن، الذكر ان يحميه من الانتهاك او الاختراق او الفتح".

لهذا فأن كوهن وبصريح العبارة تقول "يتعين علينا ان نرفض الفرضيات السهلة من مثل ان "النساء بطبيعتهن مسالمات أكثر من الرجال" او ان "النساء ضحايا حرب"، فمثل هذه الفرضيات السائدة جدا هي من تجعل عبارة "كيفية حمايتها" تتردد وتحظى بمقبولية كبيرة.

ختاما
انها مجرد أفكار تراءت لنا ان نعرضها من على منصة الحوار المتمدن، وهي مساهمة متواضعة بملف حساس وشائك ومعقد "قضية المرأة"، ولا ندعي اننا "مساواتيين" بشكل تام ومطلق، فقد "رضعنا" التقاليد الذكورية حد التخمة، من عائلة ومجتمع وأنظمة سياسية ونمط انتاج قبيح.